إسرائيل – ألحقت الحرب على غزة أضرارا جسيمة باقتصاد إسرائيل، وكبدت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق وفروع العمل خسائر مالية فادحة، بسبب الإجراءات الاقتصادية المختلفة وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو خلال هذه الحرب.

وتسببت الحرب في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال -حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم حيث تم إيواؤهم في 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.

4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.

وبمرور نصف عام على الحرب يقف الاقتصاد الإسرائيلي أمام مفترق طرق، مع انهيار وشلل شبه تام وخسائر فادحة بقطاع البناء والعقارات، وبالصناعات والزراعة والسياحة الداخلية، وذلك مع استمرار الارتفاع في كلفة الحرب وتداعياتها على الموازنة العامة لإسرائيل، التي تعاني عجزا بقيمة 6.6% من الناتج المحلي، بحسب ما أفاد تقرير بنك إسرائيل.

من وجهة نظر محلل الشؤون الاقتصادية في صحيفة “كلكليست” أدريان بيلوت، فإن الحكومة الإسرائيلية تتصرف بتهور وبانعدام مسؤولية في كل ما يتعلق بنفقات الحرب وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي.

بيلوت أشار إلى أن محافظ بنك إسرائيل البروفيسور أمير يارون يعتمد سياسات الإبقاء على سعر الفائدة في الاقتصاد دون تغيير عند 4.5%، على الرغم من تباطؤ التضخم الذي بلغ 2.5%، ويتوقع أن يبلغ 2.7% بنهاية 2024.

ويعتقد المحلل الاقتصادي أن تركيبة العجز المتفاقم في الموازنة الذي وصل بالفعل إلى 6.2%، من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن يصل 6.6% بنهاية 2024- تظهر أن القفزة في الإنفاق الحكومي لا تتعلق فقط بالحرب، وإنما أيضا بالسياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة.

وأوضح بيلوت أن بنك إسرائيل وبسبب تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، يتوقع ارتفاع التضخم المالي، وتفاقم العجز بالموازنة للعام 2024 والديون العامة للحكومة، التي لا تكلف نفسها عناء إشراك المحافظ في مباحثاتها وسياساتها الاقتصادية.

ويقول المحلل الاقتصادي إن “الوضع أسوأ بكثير مما بدا، حيث تحدث محافظ بنك إسرائيل كثيرا عن المخاطر الجديدة للتضخم المالي، بسبب تطور الحرب وتأثيرها على النشاط الاقتصادي، وانخفاض قيمة الشيكل، والقيود على النشاط بسوق العمل خاصة بفرع البناء والعقارات”.

وأشار إلى أنه لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق التعافي الكامل للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب.

يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات الحاجة إلى تجنيد الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب إجلاء مئات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم في مستوطنات “غلاف غزة”، والنقب الغربي، والحدود اللبنانية، وتعطيل العمل بالمدارس والجامعات، والمرافق الاقتصادية، بما في ذلك السياحة والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه.

وكانت الضربة الاقتصادية محسوسة بشكل جيد في مطار بن غوريون، وذلك في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مارس/آذار 2024، حيث مرت عبره حوالي 38 ألفا و500 رحلة دولية، مقارنة بحوالي 70 ألفا في الفترة المقابلة من 2023/2022، بحسب سلطة المعابر والمطارات الإسرائيلية.

ومع اندلاع الحرب علّقت عشرات شركات الطيران العالمية عملها في إسرائيل، وألغت مئات الرحلات اليومية إلى مطار بن غوريون، حيث لوحظ التراجع الحاد في الحركة والتنقل في المطار الإسرائيلي، إذ بلغ أعداد الركاب نحو 4.3 ملايين مسافر منذ بداية الحرب، مقابل نحو 10.1 ملايين بين أكتوبر/تشرين 2022 ومارس/آذار 2023.

ومع إعلان حالة الطوارئ عقب معركة “طوفان الأقصى”، شهدت الغالبية العظمى من المرافق الاقتصادية والمصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة في إسرائيل ركودا، حيث حولت ووظفت جميع الموارد والميزانيات الحكومية لأغراض الحرب.

تعطل الاقتصاد الإسرائيلي وتكبد خسائر فادحة، حيث أظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى نهاية مارس/آذار 2024، بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار).

وبحسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن كلفة الحرب اليومية منذ 7 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، بلغت مليار شيكل يوميا (270 مليون دولار)، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل (94 مليون دولار).

وجراء التداعيات والعواقب الاقتصادية للحرب، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى توسيع الموازنة العامة للعام 2024، حيث بلغت 584 مليار شيكل (158 مليار دولار)، بزيادة قدرها حوالي 14% مقارنة بحد الإنفاق الأصلي الذي تم تحديده في العام الماضي كجزء من ميزانية السنتين 2023-2024.

ولمواجهة التكلفة الباهظة للعملية العسكرية وبغية منع العجز التراكمي بالموازنة العامة لوزارة الأمن، تمت زيادة الميزانيات المخصصة لوزارة الأمن، بإضافة 30 مليار شيكل (8.1 مليارات دولار)، وبذلك بلغ الحجم الإجمالي لميزانية الأمن خلال الحرب حوالي 100 مليار شيكل (27 مليار دولار).

وبسبب الإنفاق العسكري والخسائر المباشر للاقتصاد الإسرائيلي، حدث ارتفاع في تكاليف ديون الدولة لتصل إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي للاحتلال بعد أن كانت 59% في العام 2023/2022.

وبلغ حجم عجز الموازنة حتى نهاية مارس/آذار الماضي 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن يستمر العجز بالنمو ليبلغ حوالي 6.6% بنهاية العام 2024، بحسب بيانات المحاسب العام بوزارة المالية الإسرائيلية.

منذ بداية العام الحالي تم تسجيل عجز تراكمي بالموازنة العامة بقيمة 26 مليار شيكل (7 مليارات دولار)، علما أنه في الأشهر الـ12 الأخيرة وصل هذا العجز إلى رقم قياسي جديد قدره 117.3 مليار شيكل (31.7 مليار دولار)، وهو الأعلى في تاريخ البلاد.

وبخصوص الأضرار والخسائر الناجمة عن تعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لقصف صاروخي، أظهرت تقديرات سلطة الضرائب الإسرائيلية أن حجم الأضرار المباشرة للمباني والمنشآت التي تكبدتها مستوطنات “غلاف غزة” بلغت 1.5 مليار شيكل (405 ملايين دولار)، بحسب بيانات سلطة الضرائب الإسرائيلية.

ويُستدل من تقارير سلطة الضرائب أن قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي وصلت 12 مليار شيكل (3.35 مليارات دولار)، حيث تشمل الخسائر والأضرار التي تكبدتها فروع الزراعة، والسياحة الداخلية، والترفيه والمطاعم والمقاهي، والصناعات الخفيفة.

أما بخصوص الأضرار والخسائر في الجليل الأعلى والغربي والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان والجولان المحتل، لا يوجد هناك بيانات رسمية وجرد للإضرار من قِبل سلطة الضرائب، وذلك بسبب خطورة الأوضاع والقتال مع حزب الله.

وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الأولية في شمال البلاد جراء صواريخ حزب الله، تقدر بحوالي ملياري شيكل (540 مليون دولار)، حيث تضررت أكثر من 500 منشأة سكنية زراعية وصناعية وتجارية، على ما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي لا تستبعد أن يكون حجم الخسائر والأضرار مضاعفا.

وأظهرت معطيات مؤسسة التأمين الوطني أن 65 ألفا و32 إسرائيليا فتحت لهم ملفات تعويضات بالمؤسسة، وذلك جراء إصابتهم بما يسمى “أعمال حربية وعدائية”، حيث تم تحويل حوالي 22 مليار شيكل (6 مليارات دولار) مخصصات تعويضات للمدنيين المصابين، وكذلك دفع 4.2 مليارات شيكل (1.1 مليار دولار)، زيادة إضافية في كلفة خدمة الاحتياط بسبب التغيب عن أماكن العمل.

وأنفقت الحكومة الإسرائيلية في شهر مارس/آذار الماضي 56.5 مليار شيكل، ومنذ بداية العام بلغت النفقات 147 مليار شيكل (39.7 مليار دولار)، مقارنة بـ106.5 مليارات فقط (28.7 مليار دولار)، في الربع الأول من عام 2023، وهي زيادة تراكمية قدرها 38.1%.

وبلغت تقديرات نفقات الحرب منذ بداية عام 2024، 27.6 مليار شيكل (7.5 مليارات دولار)، حيث بلغت الزيادة التراكمية في النفقات للحرب تحديدا 12.2%، وفقا لمعطيات نشرتها صحيفة “كلكليست” الاقتصادية.

وشهدت أعمال البناء والبنية التحتية في إسرائيل شللا شبه كامل بعد أن جمدت الحكومة الإسرائيلية تصاريح العمل لحوالي 80 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، وتقدر خسائر فرع البناء حوالي 150 مليون شيكل يوميا (40 مليون دولار)، بينما تخشى شركات المقاولات من مصير القروض التي تقدر بنصف تريليون شيكل، بحسب ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية.

وتسبب الشلل بفرع البناء والعقارات في خسائر للمصارف وتراجع أرباحها، حيث بلغ حجم القروض العقارية التي حصل عليها مشترو الشقق 71.3 مليار شيكل (19.2 مليار دولار) في عام 2023، وذلك وفقا لبيانات بنك إسرائيل.

وهذا يمثل انخفاضا بنسبة 39.6%، مقارنة بحجم القروض العقارية الجديدة الممنوحة في عام 2022، التي بلغت 117.6 مليار شيكل (32.7 مليار دولار).

ويعتبر حجم القروض العقارية الممنوحة في عام 2023 هو الأدنى منذ عام 2019، عندما بلغت القروض العقارية الجديدة 67.7 مليار شيكل (18.2 مليار دولار).

المصدر : الجزيرة

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة الاقتصاد الإسرائیلی من الناتج المحلی القروض العقاریة الموازنة العامة ملیارات دولار بنک إسرائیل بحسب بیانات ملیار دولار ملیون دولار ملیار شیکل منذ بدایة مارس آذار عام 2024 عام 2023

إقرأ أيضاً:

كيف تؤثر الضغوط الاقتصادية على موقف ترامب من التصعيد بين إسرائيل وإيران؟

تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التوتر المتصاعد، في أزمة مفتوحة على احتمالات متعددة، قد تُلقي بتداعياتها على العالم أجمع، بغضّ النظر عن مآلاتها أو مدى اتّساعها. وبينما يتصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل، يتصدر الاقتصاد كعادته المشهد، بوصفه المحرّك الأول لقرارات الدول ومواقفها.

ومن العراق إلى أفغانستان، لم تكن مغامرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ذات نتائج ناجحة، بل كانت باهظة الكلفة اقتصاديًا، ومُنهكة سياسيًا. أما اليوم، فتبدو الصورة أكثر تعقيدًا: خصوم واشنطن باتوا أكثر قدرة وتنظيمًا، في وقت تزداد مؤشرات الوهن الداخلي الأميركي.

وإذا قررت الولايات المتحدة الانخراط المباشر في هذا الصراع، فلن تقتصر التداعيات على الجانب الجيوسياسي، بل ستتفاقم الكلفة الاقتصادية في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد الأميركي من تصدّع في ركائزه، وتراجع في الثقة الدولية، لاسيما بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وهذا المقال يرصد كيف تتحول الحرب الخارجية إلى كُلفة اقتصادية داخلية، وكيف يمكن لارتفاع أسعار البنزين، وتضخم القروض، وتآكل الثقة بالدولار، أن يدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة حساباتها. ففي نهاية المطاف، قد لا يكون صندوق الاقتراع أقل حساسية من برميل النفط، ولا الداخل الأميركي أقل تأثيرًا من الخارج.

1- أسعار النفط والبنزين.. فتيل الغضب الشعبي

وتنتج منطقة الشرق الأوسط ما يقارب 26% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 27 مليون برميل يوميًا، وتشكل مصدرًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال.

ويُعد مضيق هرمز شريانًا إستراتيجيًا، تمرّ عبره ما بين 20 و21 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل أكثر من 30% من تجارة النفط البحرية العالمية. وأي تعطيل في هذا الممر أو استهداف للبنية التحتية النفطية، يؤدي فورًا إلى تقلبات عنيفة في الأسواق.

أي ارتفاع حاد بأسعار النفط نتيجة الصراع بين إيران وإسرائيل يُترجم فورًا لزيادات مؤلمة بأسعار البنزين داخل أميركا (رويترز)

ورغم انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج بشكل مباشر، فإن التأثير غير المباشر لا يزال كبيرًا. فوفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تستورد واشنطن نحو 500 ألف برميل يوميًا من الشرق الأوسط من إجمالي وارداتها البالغة 5.8 ملايين برميل، معظمها من كندا والمكسيك. وبما أن تسعير النفط يتم عالميًا، فإن أي ارتفاع في الأسعار العالمية ينعكس تلقائيًا على أسعار البنزين داخل السوق الأميركية.

إعلان

وفي ولايات مثل كاليفورنيا، ارتفع سعر الغالون إلى 4.8 دولارات، بفعل الضرائب البيئية المرتفعة وتقلبات السوق. وإذا تجاوز سعر برميل النفط عتبة 100 دولار، فقد يصل سعر الغالون إلى 6 دولارات، مما يفاقم الأعباء المالية على الأسر الأميركية ويزيد من الاستياء الشعبي.

وفي هذه الأجواء، يُصبح الغضب الشعبي أمرًا حتميًا، خاصة إذا وُجّهت أصابع الاتهام إلى إدارة ترامب بوصفها مسؤولة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن إشعال هذا الصراع.

ومع تآكل القدرة الشرائية، وارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع، يتحوّل الضغط الاقتصادي إلى نقمة سياسية، وقد تجد الإدارة نفسها مضطرة إلى التحرك، ليس انطلاقًا من الحرص على السلام، بل خوفًا من "فاتورة الغضب" المتصاعدة وسط تراكُم أعباء الحرب التجارية والسياسات المالية المتوترة.

2- اختناق سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلع

وفي حال استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل، قد يتوسع نطاق التوتر ليطال شرايين التجارة العالمية: البحر الأحمر ومضيق باب المندب، اللذان يمرّ عبرهما ما بين 12% إلى 15% من التجارة البحرية العالمية، فهما يشكلان معبرين إستراتيجيين لنحو 30% من حركة الحاويات المرتبطة بقناة السويس. وتُقدّر القيمة السنوية لهذه المسارات التجارية بأكثر من تريليون دولار.

وخلال هجمات الحوثيين أواخر عام 2023 وبداية 2024، اضطرت شركات الشحن العالمية إلى الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح، متجنبة البحر الأحمر لأشهر.

أما في حال توسع النزاع الحالي، فقد تمتد دائرة الاشتباك إلى خليج عدن والمحيط الهندي، جنوب اليمن وشرق أفريقيا، مما قد يُعرقل الوصول إلى مواد خام أساسية، ويعزل أكثر من نصف القارة الأفريقية بحريًا.

وفي هذه الحالة، سيزداد تعقيد الحصول على السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع كلفتها عالميًا، وهو ما ينعكس على الداخل الأميركي في شكل تضخم مستورد، يرهق الفئات المتوسطة والفقيرة في بيئة اقتصادية أصلًا هشّة بسبب الحروب التجارية المتكررة والتضخم المستمر.

3- صراع الشرق الأوسط يمتد إلى قلب الاقتصاد الأميركي

اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل سيكون له أثر مباشر على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني أساسًا من ضغوط متراكمة بسبب التضخم المرتفع والديون المتضخمة. وستواجه الأسر الأميركية صعوبة متزايدة في تأمين احتياجاتها الأساسية مع ارتفاع الأسعار وتراجع الإمدادات.

اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل سيكون له أثر مباشر على الاقتصاد الأميركي (الفرنسية) أبرز التداعيات المتوقعة تشمل: تآكل مدخرات التقاعد والاستثمارات الشخصية: يعتمد الملايين من الأميركيين على حسابات التقاعد المرتبطة بسوق الأسهم. ومع تراجع المؤشرات، فقدت بعض الصناديق أكثر من 8% من قيمتها خلال أيام، مما عمّق القلق الشعبي. تراجع الثقة وتجميد الاستهلاك: في ظل حالة عدم اليقين، تؤجل الأسر قرارات الشراء الكبرى، في حين تُقلّص الشركات خطط التوسع والتوظيف، مما يزيد من احتمال الركود. ضغوط على سوق العمل: تباطؤ الاستهلاك يضغط على إيرادات الشركات، ويدفعها إلى تسريح العمال أو تجميد التوظيف، مما يرفع البطالة. اهتزاز الثقة الدولية بالأسواق الأميركية: مع انخفاض الاستهلاك وتراجع أرباح الشركات، يرتفع الضغط على البورصات التي كانت تعاني أساسًا من تبعات السياسات الاقتصادية الداخلية. انكشاف الدولار: تراجعت حصة الدولار من احتياطي النقد الأجنبي العالمي من 71% عام 2000 إلى 57.8% بنهاية 2024. وفي يونيو/حزيران 2025، أعلنت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) خطة لتعزيز العملات المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار، مما يُهدد مكانته العالمية. إعلان 4- ضغط الميزانية الأميركية وتصاعد الدين الوطني

ومع اشتداد الصراع بين إيران وإسرائيل، قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى ضخ أموال إضافية لدعم تحالفات عسكرية أو عمليات مباشرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط مالية خانقة.

وتجاوز الدين العام الأميركي حاجز 36 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 124% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ عجز الميزانية السنوي حتى أبريل/نيسان 2025 نحو 1.05 تريليون دولار، بزيادة تقارب 23% عن العام السابق.

وإذا استمر التصعيد، فقد نشهد: رفع ميزانية الدفاع من 850 مليار دولار إلى تريليون دولار سنويًا. ارتفاع كلفة الفوائد على الدين العام إلى ما يزيد على تريليون دولار، وهو رقم يقارب مخصصات وزارة الدفاع. تمويل دعم خارجي قد يتطلب إصدار سندات جديدة بمليارات الدولارات، مما يزيد عبء الدين العام.

أما المواطن الأميركي، فقد يلمس هذه التداعيات في شكل:

زيادة الضرائب أو خفض الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية. خطر خفض التصنيف الائتماني، مما يرفع كلفة الاقتراض على الأفراد والدولة.

وبالنظر إلى الارتفاع الحاد بعوائد السندات وتكاليف الفائدة، فإن الاقتصاد الأميركي لم يعد يحتمل مزيدًا من الإصدارات. ويزداد هذا المأزق تعقيدًا مع سعي إدارة ترامب لخفض الضرائب، مما قد يقلص الإيرادات العامة بنحو 700 مليار دولار سنويًا.

وفي حال انخرطت واشنطن بعمق في الحرب، فستكون أمام معادلة صعبة: كيف تموّل التصعيد العسكري دون خنق الاقتصاد أو استفزاز الداخل الأميركي؟

5- الركود التضخّمي الخطر المركّب الذي يهدد الاقتصاد الأميركي

في ظل تراكم العجز وتضخم الدين وتباطؤ النمو، يواجه الاقتصاد الأميركي ضغوطًا متزايدة منذ أشهر، وسط فشل نسبي في احتواء التضخم رغم سياسة الفائدة المرتفعة التي اعتمدها مجلس الاحتياطي الفدرالي.

ومع تزايد احتمال تصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل، وما يرافقه من اختناق في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة والسلع، يُرجّح أن يدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود التضخمي، وهي من أسوأ السيناريوهات الاقتصادية الممكنة.

الركود التضخمي يُعدّ الكابوس الأكبر لصانعي القرار في واشنطن خلال عام 2025 (الفرنسية)

ففي الربع الأول من عام 2025، سجّل الاقتصاد انكماشًا حقيقيًا تراوح بين -0.2% و-0.3%، مما يعني أن وتيرة النمو لم تكن كافية لتعويض أثر التضخم. وقد بلغ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل "للفدرالي" نحو +3.6%، متجاوزًا المستهدف الرسمي.

وهذا المزيج من تراجع الناتج وارتفاع الأسعار يجسّد الركود التضخمي، وهو وضع يصعّب من خيارات صانعي السياسات، إذ تصبح أدوات السياسة النقدية والمالية مقيدة في آنٍ واحد.

كيف يتأثر المواطن الأميركي؟

ترتفع الأسعار بينما تبقى الأجور والدخول شبه ثابتة، مما يُضعف القدرة الشرائية للأسر. الفوائد المرتفعة تُثقل كاهل الأميركيين الذين يعتمدون على القروض العقارية وقروض التعليم وبطاقات الائتمان. سوق العمل يتجمّد، ويتراجع التوظيف، مما يرفع القلق حيال الاستقرار الوظيفي. الثقة العامة تتراجع، ويزداد الميل إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، مما يبطئ الدورة الاقتصادية. الغضب الشعبي يتصاعد، وتتجه الأنظار إلى الإدارة السياسية باعتبارها مسؤولة عن تدهور المعيشة.

هذا الضغط المركّب يعمّق من التحدي السياسي أمام إدارة ترامب، إذ يجد المواطن نفسه يدفع ثمن حرب لم يخترها، بينما تتآكل مدخراته وترتفع كلفة معيشته يوماً بعد يوم. ويُخشى أن يتحول الركود التضخمي من أزمة اقتصادية إلى أزمة شرعية سياسية.

6- رفع الفائدة ضريبة خفية يدفعها الأميركيون

ومع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران، تتعرض قطاعات حيوية في الاقتصاد الأميركي لضغوط شديدة، أبرزها قطاع الطاقة والسلع الاستهلاكية. وهذه الضغوط قد تدفع بالأسعار نحو الارتفاع مجددًا، مما يعيد شبح التضخم إلى الواجهة.

وفي هذا السياق، يجد مجلس الاحتياطي الفدرالي نفسه أمام خيار صعب: هل يرفع الفائدة مجددًا لكبح التضخم المستورد، أم يتريث خوفًا من خنق النمو المتباطئ أصلًا؟

ورغم أن وتيرة النمو الاقتصادي تباطأت خلال النصف الأول من 2025، فإن احتمال رفع الفائدة يبقى قائما، لا لسبب داخلي بل بسبب موجة تضخم خارجية تُفرض على الاقتصاد الأميركي من خلال سلاسل التوريد وأسعار الطاقة العالمية.

وهكذا، يتحول رفع سعر الفائدة من أداة تقليدية للسيطرة على التضخم إلى ضريبة اقتصادية خفية تطال حياة المواطن الأميركي بشكل مباشر.

إعلان

تأثير هذه الضريبة على الأسر الأميركية:

بلغت ديون الأسر الأميركية 18.2 تريليون دولار بالربع الأول من عام 2025، منها 12.8 تريليونا قروضا عقارية، أي ما يمثل حوالي 70% من إجمالي الدين. كل نقطة مئوية تُضاف إلى معدل الفائدة تعني مئات الدولارات شهريًا من الأعباء الإضافية على أصحاب القروض العقارية والطلاب وأصحاب بطاقات الائتمان. الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري للتوظيف، تواجه صعوبات تمويلية متزايدة، مما يؤدي إلى تجميد التوظيف وتأجيل الاستثمار. الفئات المتوسطة والفقيرة، التي تعتمد على الائتمان لتغطية نفقاتها اليومية، تُصبح الأكثر تضررًا من رفع الفائدة.

وهذه "الضريبة الخفية" لا تُفرض عبر تشريعات، لكنها تُستخلص من جيب المواطن عبر الفائدة الشهرية المتزايدة، ومن عرق العامل الذي لا يستطيع مجاراة تكاليف المعيشة.

وإذا استمر التصعيد العسكري، فإن تداعيات هذه السياسة النقدية قد تمتد إلى كل منزل أميركي، وتُحوّل الاستياء الشعبي إلى أزمة سياسية تتجاوز الاقتصاد.

7- ورقة الضغط الاقتصادي هل تجبر ترامب على التراجع أو التدخل؟

حين أطلق ترامب حربه التجارية في أبريل/نيسان الماضي، لم يكن تراجعه لاحقًا نتيجة ضغوط دبلوماسية أو سياسية، بل بسبب صدمة اقتصادية موجعة ضربت الداخل الأميركي.

فقد انهارت مؤشرات وول ستريت، وارتفعت عوائد السندات بشكل حاد، وتراجع الدولار، وبدأ ما يُعرف اقتصاديًا بـ"بيع أميركا" أي فقدان الثقة في الأصول الأميركية بوصفها ملاذًا آمنًا.

الكلفة الاقتصادية للمواجهة بين إيران وإسرائيل قد تهدد المكاسب السياسية لترامب (رويترز)

وكانت تلك الهزات الاقتصادية أقوى من أي خطابات سياسية، وأجبرت الرئيس على التراجع خطوة إلى الوراء، تحت ضغط داخلي قبل الخارجي.

واليوم، وبينما تتصاعد نُذر الحرب بين إيران وإسرائيل، وتتوسع آثارها تدريجيًا نحو الداخل الأميركي، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن في سياق أشدّ تعقيدًا.

فارتفاع أسعار البنزين، وعودة التضخم، وتزايد كلفة القروض، وتآكل مدخرات التقاعد، كلها تتحول إلى ضريبة حرب خفية تجبر المواطن الأميركي على دفعها دون أن يكون طرفًا في قرار الحرب.

ومع تزايد الغضب الشعبي، خصوصًا في الولايات المتأرجحة، قد تتحول هذه الموجة إلى تهديد مباشر لشعبية ترامب، لا سيما بين أوساط الطبقة الوسطى والمزارعين وهم نواة قاعدته الانتخابية.

وتبدو ملامح هذا التحوّل في المشهد السياسي واضحة:

انقسام متصاعد داخل الحزب الجمهوري بين جناح متشدد يدعو للمواجهة، وآخر براغماتي يرى في الكلفة الاقتصادية تهديدًا للمكاسب السياسية. مؤيدو شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" بدؤوا يُعبّرون عن قلقهم من التورط في حرب لا مردود لها، ويطالبون بضبط النفس. ضغط متزايد من رجال الأعمال والشركات الكبرى في قطاعات التكنولوجيا والنقل والبنوك لتفادي الانزلاق العسكري الذي قد يهدد استقرار الأسواق.

وهكذا، قد تجد إدارة ترامب نفسها مضطرة -حتى ولو تكتيكيًا- إلى تهدئة التصعيد أو القبول بتسوية محدودة، لا بدافع السلام، بل تحت وطأة الداخل الأميركي.

فالقرارات العسكرية لا تُتخذ في الميدان فقط، بل تُرسم ملامحها بالميزانية، وتُقاس بتقارير الاستطلاعات، وتُختبر بمؤشرات السوق. وكما تُقول القاعدة القديمة: الجيوش تزحف على بطونها أما الدول فتتحرك على إيقاع الاقتصاد. والاقتصاد هذه المرة هو الورقة الأولى التي تحدد من يتقدّم، ومن يتراجع.

مقالات مشابهة

  • كيف تؤثر الضغوط الاقتصادية على موقف ترامب من التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
  • خسائر الكيان الصهيوني الاقتصادية منذ 7 أكتوبر
  • خبراء اقتصاد: أكثر من 400 مليار دولار الخسائر الاقتصادية لكيان العدوّ الصهيوني جراء الهجمات اليمنية
  • مصر: تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية..انخفاض الجنيه والبورصة تخسر 90 مليار جنيه
  • 11 مليار دولار خسائر دولة غانا من تهريب الذهب في 5 سنوات
  • خسائر “إسرائيل” تتجاوز 1.5 مليار دولار جراء الرد الإيراني
  • البورصات العربية تسجل مكاسب بعد خسائر فادحة
  • 482 مليار دولار الناتج المحلي للإمارات في 2024 بنمو 4%
  • خسائر بشرية ومادية فادحة.. تطورات الوضع اليوم في إيران | تفاصيل كاملة
  • الجيش يُحبط هجومًا حوثيًا واسعًا في مأرب والمليشيا تتكبد خسائر فادحة