الجزيرة:
2025-05-31@10:46:28 GMT

عام على حرب السودان.. وقائع وإستراتيجيات الصراع

تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT

عام على حرب السودان.. وقائع وإستراتيجيات الصراع

حين اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في الخامس عشر من أبريل/نيسان العام 2023م لم تفاجئ أحدًا، إذ إنَّ انفجار الوضع المسلح سبقته مقدّمات ليس من شأنها غير جرِّ البلاد إلى الحرب، ففي الثالث عشر من أبريل/نيسان، أي قبل يومين من اندلاع الحرب، أحكمت مائة سيارة مقاتلة تتبع لقوات الدعم السريع حصارها على مطار مروي في الولاية الشمالية، ورفضت الانسحاب منه، وقبل ذلك انخرطت قوات الدعم السريع ولعدة أشهر في عملية نقل كثيفة لقواتها من دارفور صوب العاصمة الخرطوم.

وعلى الصعيد السياسي، كانت تتصاعد المواجهة حول دمج الدعم السريع في الجيش السوداني، وتتباعد الرؤى، فبينما يرى الجيش أنَّ عامين يكفيان لإكمال عملية الدمج، ترى "الدعم السريع" أنَّ العملية تحتاج عشرًا من السنوات.

تفجّر الأوضاع

في الليلة التي سبقت تفجّر الأوضاع عسكريًا أقام شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة، مائدةَ إفطارٍ رمضاني بالنادي الوطني بالخرطوم، حضرها البرهان وقادة مجلس السيادة، وممثلو البعثات الدبلوماسية، ولم يغب عنها من رجال الدولة غير محمد حمدان دقلو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، وأخوه عبد الرحيم دقلو قائد ثاني ذات القوات، وكان من المفترض أن يعقب الإفطار لقاءٌ بين قائدَي الجيش والدعم السريع، البرهان وحميدتي، لتجاوز الأزمة، والبحث عن حلول قبل الانفجار المسلح. تتوسط في اللقاء لجنةٌ مكونةٌ من قادة الحركات المسلحة، غير أنّ اللجنة فشلت في الجمع بين الطرفين.

وكان من المقرر أن يجتمع البرهان بقادة الجيش من رتبتَي اللواء والعميد في وقت متأخر من ذات المساء، إلّا أنَّ الاجتماع تأجل إلى الثامنة من صباح الغد، الخامس عشر من أبريل/نيسان.. قال محدثي الضابط الرفيع في الجيش السوداني: إنّ المدعوين من الضباط أخذوا يتوافدون على القيادة العامة بعد صلاة الفجر، لحضور اجتماع التنوير في الثامنة صباحًا، وبينما نحن نتهيأ للاجتماع انفجرت الأوضاع، وتلقت القيادة الهجوم الأول، والحديث لمحدثي الضابط الرفيع.

وسرعان ما صدرت التعليمات، من الفريق رشاد عبد الحميد إسماعيل، قائد القوات البرية بأنْ يتوجه الضباط فورًا إلى وحداتهم العسكرية، ويضيف محدثي: وتوجهت على الفور إلى منطقة المهندسين العسكرية بأم درمان.

إذن أصبحت الخرطوم في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023م على دوي المدافع، وأزيز الرصاص، ولعلعة الأسلحة: ثقيلها وخفيفها، خاصة جنوبي الخرطوم، وفي المطار، وفي القيادة العامة للجيش السوداني، ومواقع عديدة أخرى.

بدت الساعات الأولى بسيطرة شبه كاملة لقوات الدعم السريع على الفضاء الإعلامي، حيث بادرت ببثِ صورٍ تؤكد سيطرتها على مواقع كثيرة، منها مطارا الخرطوم ومروي الدوليان، تلت ذلك تصريحات لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) تؤكد سيطرة قواته على الأوضاع برًا وجوًا، وتطالب البرهان بالاستسلام، ولكن عند منتصف النهار تراجعت الصورة، وبدا أنَّ أمام "الدعم السريع" الكثير لتؤكد هذه المعلومات.

الكَرَّةُ التي بدت حاسمة استخدام الجيش سلاحَ الطيران، إذ إن اللواء طلال علي الريح، قائد القاعدة الجوية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، قام بتنفيذ طلعات جوية استطاعت تدمير نسبة معتبرة من المقرات الهامة للدعم السريع، خاصة مقر قيادتها الرئيسة في منطقة الخرطوم شرق، المواجهة للقيادة العامة للجيش، ومقرها في هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة، وقد تم تمليكها للدعم السريع بعد حلّ الهيئة.

تحول سريع

الطلعات الجوية استمرّت أيامًا وأحدثت تحولًا سريعًا في مسار الحرب، ولكنها لم تلغِ عنصر التفوق الرئيس للدعم السريع.. فممَّا هو معروف أنَّ لكل واحدة من القوتين المتقاتلتين ميزات نسبية، فإنْ كان الجيش يتفوق على الدعم السريع بسلاحَي الطيران والمدفعية، فإنَّ "الدعم السريع" تمتلك ميزة كثافة النيران وسرعة الحركة عبر عربات اللانكروزر المقاتلة المزودة بالمدافع الثنائية والرباعية، التي تستخدم في مهام عديدة.

ففضلًا عن كونها أسلحة هجومية، تستخدم مضاداتٍ للجو والدروع، وكذلك كثافة قوة المشاة، التي يميل فيها ميزان القوة بشدة لمصلحة قوات الدعم السريع، إذ تقدر بعض المصادر عدد السيارات المقاتلة عالية التجهيز بما لا يقل عن عشرة آلاف، بينما لا تتعدى لدى الجيش سبعة آلاف سيارة، ثلثها فقط يتوفر على جاهزية متوسطة.. وفي وقت لاحق تبين أن سلاح الدبابات تم تحييده بعمليات بعثرة لتقدير غامض، حيث نُقل جزءٌ منه إلى قاعدة المعاقيل العسكرية بمنطقة شندي، شمالي الخرطوم، وجزءٌ كبير إلى منطقة الباقير جنوبي الخرطوم.

صدرت التعليمات للقوات الجوية بتدمير القوى الصلبة للدعم السريع، وتولى سلاح الجو المواجهة في عدة جبهات، حيث هاجم عددًا من معسكرات الدعم السريع حول العاصمة المثلثة، خاصة معسكرات طيبة في الخرطوم، وسركاب في أم درمان، كما هاجم سلاح الجو مقرات الدعم السريع بالقرب من مطارات الأبيض، والفاشر، وغيرها.

وسرعان ما اتخذت الحرب حالةً تَمَوْضَعَ فيها "الدعم السريع" في موقع الهجوم والانتشار، بينما اتخذ الجيش وضع الدفاع عن مواقعه الرئيسة في القيادة العامة، وأسلحة المدرعات بالخرطوم، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة بالخرطوم بحري، وسلاح المهندسين بأم درمان، بينما سيطر الجيش على منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، وعلى كل مقرات القيادة في بقية ولايات السودان المختلفة.

وعزَّز استسلام قوات الدعم السريع في ولايات شرق السودان الثلاث، وولايات سنار والنيل الأزرق وشمال كردفان، عزَّز ذلك سيطرة الجيش على الأوضاع العسكرية ما عدا ولاية الخرطوم، إذن، اتخذت الحرب شكلها الذي استمر أشهرًا باتخاذ الدعم السريع إستراتيجية الهجوم، بينما التزم الجيش الدفاع عن مقراته، والاستخدام الكثيف للطيران لتحطيم القوة الصلبة للدعم السريع.

ما بدا ميزة للدعم السريع بامتلاك كثافة النيران، وتوالي الهجوم على مقرات الجيش مقابل إستراتيجية الجيش التي كانت محل انتقاد من كثيرين، هذه التكتيكات أضرت كثيرًا بالدعم السريع حسب خبراء، إذ مكَّنت الجيش من الاحتفاظ نسبيًا بقواه، وجرِّ الدعم السريع إلى مقراته باعتبارها منطقة قتْل، وقد فقدت "الدعم السريع" بذلك ما تقدره دوائر مطلعة بأكثر من مائة ألف قتيل. قبل أن تحقق إستراتيجية الهجوم التي التزمتها نجاحًا لاحقًا بالسيطرة على أربع فرق عسكرية في ولايات دارفور من أصل خمس، فضلًا عن سقوط الفرقة الأولى المخصصة لولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم.

قتل ونهب

ذلكم هو مجمل المشهد العملياتي، ولكن تطورات بُعيد الحرب بشهر واحد، أوضحت طبيعة هذه الحرب التي تختلف عن الحروب التقليدية التي شكلت خبرتي الدعم السريع والجيش السوداني، كما أنّها فاجأت المجتمع السوداني لغرابتها وانحرافها عمّا درجت عليه التجربة السودانية في الحروب، وأهم أربعة مظاهر شكلت الطبيعة الجديدة للحرب، هي:

1- دخول الدعم السريع لمنازل المواطنين، وإخراجهم منها والاستيطان فيها، وقتل ساكنيها، وانتهاك أعراض من يرفض الخروج والاستسلام، ما دفع إلى حالة نزوح ولجوء واسعة تقدرها المنظمات الأممية بعشرة ملايين مواطن، وقد تكررت ذات مشاهد احتلال المنازل وقتل المدنيين في دارفور، وكردفان، وولاية الجزيرة التي دخلتها الدعم السريع بعد ثمانية أشهر من بداية الحرب، وتقدر مصادر مستقلة قتلى ولاية غرب دارفور وحدها من إثنية المساليت بخمسة عشر ألف قتيل.

2- والمظهر الثاني الذي اندهش له الناس هو حالة النَّهب والسَّلب للأموال والممتلكات، من منازل المواطنين، والأعيان المدنية، ونقلها إلى ولايات دارفور وما وراءها من دول الجوار الأفريقي، ما أدخل كلمة (الشَّفْشَفَة ) في قاموس التعامل اليومي للدلالة على هذا السلوك، والمصطلح يحمل في قواميس العربية معنًى قريبًا من نتائج النهب مثل التيبيس والإحراق. وأحدث ذلك حالة إفقار جمعت بين الذين يملكون، والذين لا يملكون.

3- والمظهر الثالث التركيز الممنهج لقوات الدعم السريع على تدمير البنية التحتية الاقتصادية، في القطاعات الصناعية، والمصرفية، والأسواق، وبالرغم من صعوبة تقدير ما تعرّضت له البنية التحتية، التي تأثرت بها بشكل مباشر عشر ولايات تعتبر العمود الفقري للاقتصاد السوداني، وتقدر نسبة التدمير في القطاع الصناعي بما لا يقل عن 90٪، وتعطل شبه كامل للقطاع الزراعي خاصة في إقليم الجزيرة، مقرّ المشروع الأهم والأضخم في السودان، والضامن للأمن الغذائي الوطني. وتقدر خسارة الاقتصاد السوداني جراء الحرب بـ 150 مليار دولار.

4- والمظهر الرابع الذي لم تعتده الخبرة السودانية في الحروب وسواء في الجيش أو الدعم السريع هو الانتشار الكثيف للقناصة على أسطح المباني الشاهقة، ويقدر خبراء أن عدد القناصة في قوات الدعم السريع لا يقل عن 15 ألفًا، وأن جلّهم غير سودانيين، وقد اشتهرت جنسيات معينة بين قناصة الدعم السريع، أكثرهم وأهمهم الإثيوبيون ثم الليبيون، كما اشتُهر بالمدفعية مقاتلو الدعم السريع من جنوب السودان. وقد أثار هذا النمط الجديد من تكتيكات وتقنيات القتال السؤال عن مدى تدخل الخبرة الخارجية في حرب السودان؟

انتشار دون سيطرة

إزاء هذه المظاهر الجديدة تعثّرت جهود الجيش السوداني في إحداث تقدم على الأرض، ولهذا اعتمد في الأشهر الأولى للحرب على إستراتيجيتين :

الأولى: هي تعزيز الدفوعات في المواقع العسكرية، وقد تكاملت هذه الإستراتيجية لمصلحة الجيش مع إستراتيجية الدعم السريع القائمة على الهجوم، فاتخذ الجيش مقاره منطقة قتْل للمهاجمين، وخاصة في المدرعات والقيادة العامة، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة بالخرطوم بحري، فضلًا عن سلاح المهندسين بأم درمان، وقد قتل عشرات الآلاف من الدعم السريع على تخوم هذه المواقع، وخسر الجيش بهذا الأسلوب مواقع ذات أهمية فنية ونفسية عالية مثل موقعي الاحتياطي المركزي، واليرموك للتصنيع الحربي بالخرطوم، فضلًا عن بضعة آلاف من القتلى.

الإستراتيجية الثانية التي اتخذها الجيش أساسًا للمواجهة: هي تفعيل سلاح الطيران، والحقيقة هذا هو السلاح الذي أبقى على زمام المبادرة في يد الجيش طوال سنة الحرب، وخاصة في ضرب القوة الصلبة في أول الحرب، ومواجهة تدفق الإمداد البشري والتسليحي القادم من دارفور، وخاصة من دولتَي ليبيا وتشاد التي رصدت ونشرت وسائل إعلام غربية ومؤسسات معنية بتتبع حركة الطيران الدولي، أكثر من مائتي رحلة عبر مطار عنتيبي في أوغندا، تُفرغ حمولتها من الأسلحة في مطار خصص لذلك في منطقة أم جرس التشادية، كما رُصدت حركة نقل هائلة من الكُفرَة الليبية إلى منطقة حمرة الشيخ السودانية غربي ولاية شمال كردفان. وبالرغم من فاعلية هذا الإمداد الذي لا يزال متواصلًا إلا أنَّ سلاح الطيران أضعف مفعوله؛ بقتل وتدمير آلاف المقاتلين، والسيارات القتالية، وعشرات الطائرات التي اتخذت من المهابط الترابية مطارات.

استمرت الحرب أشهرًا عديدة طابعها انتشار الدعم السريع في العاصمة دون سيطرة، مع حصار للجيش في مقاره الهامة، واستمرار الجيش في موقع الدفاع مع قدرة على صدّ هجومات الدعم السريع، إلى أن طوَّر الجيش إستراتيجيات فعّالة فكَّت الحصار المضروب عليه، ومكّنته من التقدم في جبهات عديدة، وملّكته زمام المبادرة، وهي:

انتصارات نوعية

1- أنشأ الجيش قوات للعمليات الخاصة، وهي قوات هجومية، تهاجم قوات الدعم السريع في مواقع ارتكازها تحت غطاء استخباري فعَّال، وتوافي متطلبات حرب المدن، وقد أحدثت هذه القوات انتصارات نوعية، عجلت من أضعاف الدعم السريع، وأحدثت تحولًا نوعيًا في مسار الحرب .

2- أعاد جهاز الأمن والمخابرات فاعلية قواته المقاتلة التي تم حلها لمصلحة الدعم السريع، في يناير/كانون الثاني 2020م، وأحيلت مقدراتها البالغة أكثر من ثلاثين معسكرًا للثكنات والتدريب، وثلاثة آلاف سيارة مقاتلة فضلًا عن تجهيزات بمختلف الأسلحة أحيلت لقوات الدعم السريع. وحين القرار بعودتها باسم هيئة مكافحة الإرهاب التحق بها بضعة آلاف انخرطوا في القتال ما أحدث توازنًا في قوات المشاة للجيش السوداني، ونتج عن ذلك تقدمٌ في كثيرٍ من محاور القتال.

3- على خلفية انتشار "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة، وتفاقم سلوك جنودها المنتهك للأموال والحرمات، وبمبادرة من المكوّن المدني المؤيد للجيش تشكل ما عرف بالمقاومة الشعبية التي تداعى لها آلاف الشباب، بالتدريب والتسلح والالتحاق بميادين القتال، والحقيقة أنَّ فاعلية المقاومة الشعبية ليست فقط بمدِّ الجيش بالقوة المقاتلة، بل بالدعم الشعبي المعنوي الهائل الذي تلقاه الجيش من مئات الآلاف الذين خرجوا إسنادًا وتأييدًا له. ما أحدث قوة دفع نفسية عززت دوافع المواجهة، ووفرت المسوّغ الوطني الضروري لتوفير إرادة القتال .وأثارت المقاومة الشعبية مخاوف في دوائر مختلفة وخاصة، الخارجية التي ظلت تضغط قيادة الجيش لتحجيمها والسيطرة عليها.

لا تزال الحرب التي انفجرت قبل عام بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع متأججة، ولا تزال تجد من الوقود ما يشعل أوارها، وإن انتقل زمام المبادرة فيها إلى الجيش السوداني، وفي ظل توافر عوامل الاشتعال داخليًا وخارجيًا، لا يستطيع أحد أن يحدد موعدًا لنهايتها.

فالحرب أشعلتها قوى إقليمية ودولية بأدوات داخلية، ولهذه القوى أهدافها،

خاصة أنَّ أهم النظريات التي تدار بها الحرب، هي نظرية (إعطاء الحرب فرصة)، ومعناها أنَّ حلَّ الصراعات العسكرية هو ترك الحرب مستعرة، حتى تنهك الأطراف المتحاربة، وتنضج الثمرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات لقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الدعم السریع فی القیادة العامة الجیش السودانی للدعم السریع بأم درمان فضل ا عن ی الجیش ر الجیش

إقرأ أيضاً:

الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟

غرد الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس تحالف القوى المدنية، عبر حسابه الشخصي: "أجريت اتصالات بعدد من الجهات الإقليمية والدولية المعنية العاملة في المجال الصحي والإنساني وأطلعتهم على الأوضاع الصحية الكارثية في السودان وخاصة تفشي الكوليرا وأوبئة أخرى في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، حيث تحصد هذه الأوبئة مئات الأرواح يوميا في ظل نظام صحي منهار تماما، دعوت كافة الجهات والمنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل لإنقاذ السودانيين وبذل كل ما يمكن لاحتواء هذه الكارثة الصحية".

فلماذا أطلق حمدوك هذا النداء الإنساني في هذا التوقيت؟ وهل هنالك ثمة استجابة متوقعة من المنظمات الدولية والإقليمية لإنقاذ السودانيين؟ أم إن المقصود به تسليط الضوء على "النظام الصحي المنهار في السودان" على حد تعبير الدكتور حمدوك؟

الواقع أن هناك تحديات تواجه العودة الطوعية للمواطنين إلى ولاية الخرطوم، في مقدمتها تعثر خدمات المياه والكهرباء بسبب استهداف محطاتها المستمر من قبل قوات الدعم السريع، ولجوء المواطنين إلى استخدام مصادر غير آمنة للمياه مما أدى إلى انتشار مرض الكوليرا، في ظل تدمير ممنهج تعرض للقطاع الصحي أثناء انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم.

لماذا أطلق حمدوك هذا النداء الإنساني في هذا التوقيت؟ وهل هنالك ثمة استجابة متوقعة من المنظمات الدولية والإقليمية لإنقاذ السودانيين؟ أم إن المقصود به تسليط الضوء على "النظام الصحي المنهار في السودان"
وسارعت كيانات سياسية وإعلامية إلى تداول صور وأخبار لمرضى بمرض الكوليرا لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، مما اعتبرته حكومة ولاية الخرطوم عملا ممنهجا لا يخلو من أغراض سياسية يهدف إلى القدح في قدرات الحكومة على مواجهة الأزمات الإنسانية، بعد سيطرة الحيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم.

على الجانب المقابل، تقول حكومة ولاية الخرطوم في بيان توضيحي عن الأوضاع الصحية في الولاية إن هنالك 800 حالة فقط سجلتها مستشفيات الولاية في محلية كرري المكتظة بالسكان، وإن معظمها تماثل للشفاء، وطالبت وسائل الإعلام بتوخي الدقة في نشر المعلومات الصحية والرجوع إلى الجهات الحكومية المختصة في هذا الشأن.

لكن نقابة أطباء السودان، وهي كيان ينشط ضمن القوى المدنية المناهضة للحكومة، أشارت في بيان صادر عنها إلى 346 حالة وفاة، مما يعني أن هناك إصابات بالآلاف تتكتم عليها الحكومة، وأن وباء الكوليرا انتشر في ست ولايات هي الخرطوم والجزيرة ونهر النيل والشمالية وسنار وشمال كردفان وهي وكلها تقع تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.

هذا التضارب في الأرقام يؤكد أن الأزمة الإنسانية والصحية أصبحت مدخلا للتكسب السياسي، لا سيما وأن قوات الدعم السريع أيضا أشارت إلى أزمة إنسانية نافية أن تكون المياه غير الصالحة للشرب هي سبب انتشار المرض، مرجحة أسبابا أخرى. ولم تخف احتفاءها بالعقوبات المعلنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على حكومة السودان، تحت مزاعم استخدام أسلحة ممنوعة منتصف العام الماضي.

إلا أن وزير الصحة السوداني الدكتور هيثم محمد إبراهيم وفور وصوله إلى الخرطوم بعد مشاركته في اجتماعات منظمة الصحة العالمية في جنيف، أجرى زيارات ميدانية للوقوف على الوضع الصحي، مؤكدا في تصريح صحفي لصحيفة "الكرامة" بلوغ الإصابات حدود الألف إصابة، فيما بلغت الوفيات 3 في المئة خلال الأسبوع الأخير الذي تزايدت فيه نسبة الإصابات. وأرجع الوزير هيثم تزايد نسبة الإصابات لانتقال العدوى من مناطق سيطر عليها الجيش السوداني مؤخرا في "صالحة" و"جبل أولياء"، وهي مناطق عاشت تدهورا صحيا تحت حصار قوات الدعم السريع خلال الشهور الماضية، فيما كشفت وزارة الصحة السودانية عن استجابة مقدرة من منظمات دولية على رأسها منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود وحماية الطفولة؛ للأوضاع الصحية بمحاليل وريدية وعقاقير صحية ساعدت في السيطرة على الوباء.

والشاهد أن استغلال الأوضاع الإنسانية سياسيا إرث قديم متجدد في تاريخ الصراعات السياسية السودانية، يحاول المعارضون استقلالها لإثبات عجز الأنظمة الحاكمة عن توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين.

وتعرض القطاع الصحي في السودان لدمار غير مسبوق، حيث تعرضت مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الدولية العاملة في السودان وشركات القطاع الخاص للنهب منذ الأسابيع الأولى للحرب، فيما قامت قوات الدعم السريع باعتداءاته متكررة على المستشفيات شملت اعتقال الأطباء وسرقة الأجهزة والمعدات الطبية، ولم يسلم منها حتى المتطوعون في علاج المرضى في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، مما أدى إلى خروج 80  في المئة من المؤسسات الطبية عن الخدمة.

تعرض القطاع الصحي في السودان لدمار غير مسبوق، حيث تعرضت مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الدولية العاملة في السودان وشركات القطاع الخاص للنهب منذ الأسابيع الأولى للحرب، فيما قامت قوات الدعم السريع باعتداءاته متكررة على المستشفيات
ومع دخول آخر مناطق كانت تنتشر فيها قوات الدعم السريع غربي العاصمة الوطنية، وهي أمدرمان، تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، يزداد اتساع الفجوة الصحية، حيث كان يعيش آلاف المواطنين في أوضاع إنسانية متدهورة بلا ماء ولا كهرباء، وتوقف المؤسسات الصحية، فضلا عن اكتشاف معتقلات تحوي مقابر جماعية لمواطنين ماتوا بسبب التعذيب ومنعهم من الكل والشرب والدواء طيلة فترة اعتقالهم، نقلت قوات الدعم السريع معظمهم من ولاية الجزيرة وبعض أحياء الخرطوم بعد خروجها منها مجبرة أمام هجمات الجيش في الأشهر الماضية.

وتقابَل انتهاكات الدعم السريع الإنسانية بصمت وتجاهل تام من قبل المجتمع الدولي والإقليمي والقوى السياسية المتحالفة معه، وبلا شك أن قوات الدعم السريع هي المتسبب في انهيار النظام الصحي في السودان، فأول ما كانت تفعله عند دخولها لأي منطقة الاعتداء على المستشفيات والعاملين فيها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وتخصيص البعض منها لعلاج منسوبيها فقط، ومنع المواطنين من الاستفادة منها.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من انهيار الوضع الصحي في السودان، حيث قال تقرير صادر حديثا عن المنظمة إنه وبعد دخول الحرب عامها الثالث غادر حوالي 14.5 مليون منازلهم، منهم أربعة ملايين فروا إلى دول الجوار في مصر وإثيوبيا وإرتريا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وعدد أقل في دول الخليج وأوروبا، نزح معظمهم بسبب الهجمات على المرافق الصحية، ونقص الكوادر الطبية وشح الأدوية المنفذة للحياة، حيث أثبتت تقارير أممية تزايد هجمات الدعم السريع على القوافل الإنسانية رغم توقيعها على اتفاق جنيف القاضي بفتح ممرات إنسانية برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها إلى السودان رمطان العمامرة.

ويثار في السودان ما بين الحين والآخر تدهور الأوضاع الإنسانية لأسباب تتعلق بتنوع وسائل النزاع والضغط لتحقيق مكاسب سياسية، غالبا يكون وراءها الخاسر ميدانيا، فكلما تراجعت قوات الدعم السريع ميدانيا ذهبت هي وحلفاؤها السياسيون إلى وسائل سياسية ودبلوماسية لتخفيف الضغوط على قواتها المتراجعة، وربما وجدت ضالتها في الأوضاع الصحية المتدهَورة بسبب استمرار الحرب، مقرونة بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عقوبات اقتصادية ستفرض على السودان مطلع حزيران/ يونيو المقبل، بسبب مزاعم باستخدام أسلحة محرمة مهدت لها وسائل إعلام أمريكية قبل أشهر دون تقديم أدلة موضوعية في هذا الشأن، في الوقت الذي رحبت فيه قوات الدعم السريع واعتبرته يعزز موقفها الداعي للتدخل الدولي في السودان لحماية المدنيين؛ الذين وللمفارقة يفرون من مناطق نفوذها إلى مواقع سيطرة الجيش والحكومة السودانية.

وللسودان تجارب طويلة في مواجهة العقوبات الأمريكية منذ عهد الرئيس كلينتون، تستخدمها الإدارة الأمريكية كأداة ضغط على الأنظمة السياسية، وأثبتت التجارب العملية ضعف أثرها المباشر على حياة السودانيين لأنها لا تتجاوز في الغالب الحظر المصرفي وتحذير الشركات والبنوك العالمية من التعامل مع المصارف السودانية، وغالبا ما تتوافر البدائل لتجاوز تلك العقوبات.

وتسود حالة من عدم التفاؤل في أوساط السودانيين بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تولي حرب السودان الاهتمام اللازم، حيث تجاوزتها أجندة زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج، ولم تذكر إلا عبر كلمات خجولة خلال خطاب الأمير محمد بن سلمان أمام القمة الخليجية الأمريكية؛ عن حرص الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية على إحياء منبر جدة الذي تجاوزه الزمن.

مقالات مشابهة

  • الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟
  • ستة قتلى بقصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على مستشفى في السودان
  • الجيش السوداني يُنقذ 71 طفلاً من قبضة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال
  • قوات الدعم السريع تقصف مستشفيين في شمال كردفان
  • البرهان يصدر قرار عاجل بشأن إتهامات أمريكية بإستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
  • الجيش السوداني يصد هجوما غرب كردفان والدعم السريع يسيطر على الدبيبات
  • 70 حالة وفاة جراء الكوليرا في الخرطوم خلال يومين
  • 70 وفاة بالكوليرا في الخرطوم والدعم السريع تعتقل كوادر طبية