عندما تقذف بها أمواج البحر في مواسم معينة يمر عليها الكثيرون دون اهتمام عدا الأطفال الذي يحبون اللعب بها، لكن ثمة من ينظر إليها بذائقة جمالية فريدة تسنح لموهبته الساحرة أن تشكّل منها ما يبهر الآخرين، فتصبح وسيلة يعتمد عليها وأسرته في التغلب على الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

من أسبوع إلى آخر، كان يتردد الشاب المخاوي عبدالقادر عقيلي على شاطئ البحر للبحث عن الأصداف وجمع أكبر عدد ممكن منها، ثم اختيار أفضلها بعد تمحيصها في عملية اعتاد عليها منذ سنوات.

الشاب "عبدالقادر سعيد احمد عقيلي" البالغ من العمر (28 عاما)، احد أبناء منطقة يختل التابعة لعزلة الزهاري شمال مدينة المخا الساحلية التابعة لمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، عمل صيادا منذ نعومة أظافره كسائر أبناء منطقته الساحلية بغرض مساعدة والده على توفير قوت أسرته الضروري، لكنه فنان موهوب حوّل هوايته إلى مهنة وجعل من صناعة التحف الفنية البحرية يدويا شاهدا ومثالا حيا على جمال واحساس الإنسان اليمني.

يتفنن عبدالقادر بصنع المزهريات الصدفية البديعة والتحف، كواحدة من اجمل انواع الزينة التقليدية ذات الطابع التراثي الأصيل التي تعلّق في المنازل لتضفي عليه بهاء وجمالا.

هذه الحرفة التراثية القديمة، التي تعد جزءاً من الثقافة اليمنية منذ آلاف السنين، لا يستطع إتقانها إلا مبدع ومهتم، و"عبدالقادر" أحدهم، حيث يقوم في غرفته المتواضعة بمنزله بفرز أصداف البحر والقواقع والشعب المرجانية بجميع الاشكال والاحجام والألوان، ثم تركيبها مع بعض حُلي قام بشرائها من السوق بلمسات انامله السحرية، مشكلا بذلك تحفا فنية رائعة غاية في الجمال والاتقان.

تستغرق التحفة الواحدة ساعة أو ساعتين، وبعضها أياما حسب اهميتها وحجمها، حسبما يقول عبدالقادر لـ(نيوزيمن). 

وبعد العمل الشاق والمتعب الذي يحتاج إلى تركيز دقيق وعال تصبح التحف جاهزة للعرض على بعض الزائرين من الأسر التي تقصد منطقة "يختل" للتنزه والترويح عن النفس، عسى أن تنال اعجابهم وشراءها منه، لينفق المبيعات في مساعدة أسرته على البقاء حتى تتحسن أوضاعهم الاقتصادية.

يشكو عبدالقادر من صعوبات يواجهها بسبب ارتفاع المواد والادوات التي يحتاجها في هذه المهنة، متمنيا ان يجد دعما لانشاء ورشة متكاملة يُدرّب فيها ابناء منطقته وعبرها يكون قد أسهم في الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية من الاندثار.

وفي موهبة مماثلة، يبدع الطفل الصغير "مهند العود" في تحويل هوس الطفولة وعشقه للبحر بصناعة مجسمات بحرية فنية دون ان يعلمه أحد، في موهبة حباها الله تعالى منذ أن أشرق فجر صباه في منزلهم الواقع بمنطقة قطابا بمدينة الخوخة الساحلية العاصمة المؤقتة لمحافظة الحديدة. 

مهند محمد يحيى العود، طفل موهوب يبلغ من العمر (15 عاما) ليس لديه امكانات المهندسين او آلات ومعدات المصانع، ورغم ذلك بدأ كفنان محترف معتمدا على ما تنسجه أناملة الذهبية في صناعة مجسمات غاية في الابداع والدهشة، تمثّل سفنا وقوارب وغيرها رُكِّبت ونُسِّقت باتقان وتفان لتعبر عن ارتباط شاعري وثيق وجميل بحياة الصيادين وعشق البحر الأحمر.

نجح "مهند" بجهد ذاتي، في تطويع مخلفات الاخشاب والكراتين الفارغة، مستعينا بادوات بسيطة قام بتوفيرها من السوق المحلي كالصمغ والمشرط والمقص والسكين. وبعيدا عن ضجيج التكنولوجيا يقوم بصناعة مجسّمات فنية ساحرة مختلفة الاحجام، تذهل الناظرين وتحاكي الواقع باحترافية عالية.

رغم قلة حيلة والده وعجزه عن توفير كافة المواد اللازمة ليطور من قدرات طفله الموهوب الا ان "مهند" يطمح إلى تنمية موهبته وابراز جمال أعماله للعلن من جانب، ومن جانب آخر تصبح للحفاظ عليها كحرفة وجزء أصيل من هويته وتراث ابناء الساحل الغربي اليمني.

يأمل والد "مهند" ان يتلقى الدعم والتشجيع من الجهات الرسمية الداعمة للموهوبين والمبدعين في الحرف اليدوية التقليدية حتى من رجال المال والأعمال ورعايته والاخذ بيديه الى طريق النجاح والابداع.

ومؤخرا، ولأول مرّة، شارك المبدعان عقيلي والعود بعرض المجسمات والتحف الفنية، في الأمسية الرمضانية لصيادي الساحل الغربي التي نظمها المكتب السياسي للمقاومة الوطنية أواخر رمضان الماضي بمدينة المخا، غربي تعز، وتم تكريمهما خلالها بمبالغ مالية.

ويطمح المبدعان ووالداهما إلى مزيد من التشجيع والدعم في توفير ما يساعد الفنانين على تنمية قدراتهما وتقديم منتجاتهما بطريقة أكثر احترافية ويسر، والحفاظ على هذه الحرفة التقليدية من الاندثار.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

من النوبه الي الإسكندرية.. «إيناس» تبدع في تحويل خيوط المكرمية الي أشكال وألوان مبهجة

لايزال أصحاب الفنون و المشاريع الصغيرة يواصلون جهودهم في تحقيق الانتشار و النمو الاقتصادي و التنموي حيث فقد اختار عدد منهم استثمار مواهبهم كوسيلة لكسب الرزق و عرض التراث المميز و في محافظة الإسكندرية، تُظهر فتاة ذات بشرة سمراء وابتسامة مشرقة وهي من بلاد النوبه، حيث تعمل داخل إحدى الجمعيات على إنتاج المكرمية بأشكال و ألوان مبهجة.

تقول إيناس محمد، مدربة فن المكرمية بالإسكندرية، أنها بدأت شغفها بهذا المجال منذ الطفولة قائلة: منذ صغري، كنت أشارك في الدورات الصيفية لتعلم المهارات الفنية كانت المدرسة تقدم لنا دروسًا إضافية، وبعد إكمال دراستي الثانوية، التحقت بكلية التجارة و بدأت عملي مع أستاذ من قسم الفنون الجميلة، حيث اكتسبت خبرات قيمة كمصممة لقد كانت موهبتي في الفنون عامة، مما دفعني للاستمرار في هذا المجال لافته أنها عملت لفترة طويلة معه، وعندما تخرجت، بدأت حياتها المهنية كمحاسبة، ولكنني شعرت أن المحاسبة ليست ما أرغب في القيام به لذا قررت العودة مجددًا للعمل في مجال الفنون.

أشارت إيناس لـ الأسبوع أن فن المكرمية يشكل بالنسبة لها حاجة ملحة، و ذلك لأنها كانت تعمل به في السابق حيث شهد هذا الفن تطورًا ملحوظًا، حيث ظهرت أدوات جديدة وأنواع مختلفة من الخيوط مضيفاً أنها بدأت مجددًا في استكشاف الأدوات و الخامات المتاحة، وعكفت على جمع المعلومات والتعلم بشكل متدبر على الرغم من أن لديَّ خلفية قوية في هذا المجال، إلا أن التطورات الجديدة والمبتكرة قد أثرت عليّ بشكل كبير، مما دفعني للبدء في العمل مجددًا في هذا الفن.

أضافت أن تجربتها في النوبة كان لها تأثير كبير على تناغم الألوان في حياتها، إذ أنها تربت في بيئة غارقة في ثقافة الفراعنة، مما ساهم في تشكيل حسها الجمالي بالألوان حتى وإن كانت تعيش هنا، فإن الألوان السائدة في منزلها تعكس هذا التراث مؤكده أن هناك تأثيرًا بصريًا لازمها منذ صغرها، وهو ما ساهم في تشكيل تصورها للألوان وكيفية تناغمها أو عدم توافقها لذا، من المؤكد أن هذه التجارب قد أثرت عليها بشكل كبير.

وأكدت أن والدتها كانت من أكثر الشخصيات دعمًا لها، حيث كانت تأخذها دائمًا إلى دورات تدريبية لقد اكتشفت والدتها شغفها في هذا المجال، فبدأت تأخذها لتتعلم مهارات جديدة في البداية تعلمت فنون مثل الخرز و التطريز اليدوي على الأقمشة هذه الأنشطة ساهمت في تطوير مهاراتها، مؤكده أنه عندما شجعتني عائلتي شعرت بأنني اسير في الاتجاه الصحيح علي رغم أن هذا الطريق قد لا يحمل الكثير من العوائد المالية، إلا أنه مليء بالشغف و الحب، مما يجعلني اشعر بأنني امارس شيئًا احبه حقًا.

بالنسبة لمراحل التصنيع، قالت نبدأ بتوفير الخيط، والذي يأتي على شكل بكرة نقوم بقطع الخيط ثم نقسمه إلى ثلاثة مقاسات بعد ذلك، نعمل على الألوان المتاحة وفقًا لمتطلبات العميل بخلاف يتم تقديم مجموعة من الألوان لاختيار ثلاثة منها لافته إلى أن الوقت المستغرق في العمل لا يقل عن خمس دقائق، وذلك يعتمد على نوع المنتج مختتمه حديثها بنصيحة لكل فرد يمتلك موهبة أن يسعى لتطويرها، مهما كانت التحديات التي قد تواجهه.

مقالات مشابهة

  • من النوبه الي الإسكندرية.. «إيناس» تبدع في تحويل خيوط المكرمية الي أشكال وألوان مبهجة
  • رويترز : طائرات اليمنية التي استهدفتها إسرائيل لم يكن مؤمناً عليها 
  • مليشيا الحوثي تنشر تفاصيل وأرقام العمليات العسكرية التي نفذتها تجاه القوات الأمريكية وما تعرضت له من غارات جوية
  • الفريق ربيع يبحث تأثير التطورات الإيجابية التي تشهدها الأوضاع الأمنية بمنطقة البحر الأحمر على حرية الملاحة
  • خبير أمني: الشائعات أصبحت أخطر الأسلحة غير التقليدية المستخدمة في حروب الجيلين الرابع والخامس
  • وكالة.. طائرات اليمنية التي دمرتها ضربة إسرائيلية لم يكن مؤمنا عليها
  • 11 قاربا في سباق القوارب التقليدية بصور.. غدًا
  • وزارة التعليم: تحويل 1270 مدرسة فنية إلى دولية وتوسيع التكنولوجيا التطبيقية
  • السعدي وحجيرة يوقعان اتفاقية لرقمنة إجراءات تصدير منتجات الصناعة التقليدية
  • "ظفار الإسلامي" يُطلق حملة " تحويل الراتب"