موقع النيلين:
2025-08-12@00:52:13 GMT

الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة

تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT


لا خلاف بأن أجهزة المخابرات، بوجه عام، هي الأكثر ارتباطاً بالأنظمة السياسية الحاكمة، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، ديمقراطياً تعددياً كان أو شمولياً، ومن باب أولى إن كان وراثياً، وذلك بخلاف الجيوش وأجهزة الشرطة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية – التي يعتبر الكثيرون نظامها نموذجاً للقياس – ما إن يتولى الرئيس المنتخب السلطة إلاّ ويعمد إلى اختيار قادة جدد لوكالة المخابرات المركزية وللأمن الوطني، قبل أن يختار وزراء الداخلية والدفاع.

وفي السودان، ونظراً لحالة عدم الاستقرار السياسي، والصراع على السلطة، اللذين لازما أنظمة الحكم – منذ الاستقلال – نجد أن جهاز الأمن، بمختلف مسمياته، كان أكثر ارتباطاً بالنظام القائم ، وقد ظهر ذلك بشكل أكثر وضوحاً في عهدي مايو والإنقاذ، حتى أن القوى السياسية التي كانت تعارض ذينك النظامين كانت تستثمر في تشويه صورة جهاز الأمن و تتعمد أن تصفه بأنه جهاز لأمن السلطة السياسية وليس أمن البلد والدولة، تجتهد في أن تلصق به أبشع التهم، وتضخم من أخطائه، وكانت تلك القوى تصر – عقب سقوط النظامين – أن يتم حل جهاز الأمن وتقليم أظافره، وتحويله إلى ما يشبه مركز للبحوث والدراسات.

لقد أدرك الجيل الذي تفتح وعيه على صراعات السياسة في السودان، مطلع ثمانينات القرن الماضي (جيلي أنا)، وكذلك الجيل الذي سبقه، فداحة الخطأ الذي وقعت فيه سلطة الفترة الإنتقالية التي تولت زمام الأمور عقب سقوط نظام الرئيس جعفر نميري في أبريل 1985 حين استجابت لصيحات الغوغاء المصنوعة، وقامت بحل جهاز أمن الدولة، وأودعت قادته وضباطه السجون، ولولا رجال مؤمنون بقيمة الوطن، أمثال اللواء الهادي بشرى، تولوا تصفية الجهاز بعد قرار حله، لذهبت كل أسرار الدولة إلى خصومها الخارجيين من الأنظمة التي كانت تترصد كل حركة وسكنة في البلاد، قبل أن تذهب إلى المعارضين السابقين، لكنه أمكن الإحاطة ببعض تلك الأسرار وحفظها.

ولأن نظام الإنقاذ كان أطول عمراً من نظام مايو، وكانت معارضته أكثر شراسة من تلك، فقد سعى معارضوه، بكل ما أوتوا من حِيل، أن يكرروا ذات السيناريو بحل “جهاز الأمن والمخابرات الوطني”، ورغم أنهم – حينما آلت إليهم السلطة – لم يحققوا كامل مخططهم، بفضل وعي القيادة العسكرية التي تولت الشأن العسكري والأمني عقب سقوط النظام، إلاّ أنهم نجحوا في تقليم أظافر الجهاز بفصل الكثير من ضباطه وبالحد من صلاحياته، ورغم أنهم اكتشفوا بعد وقت قصير قِصر نظرهم وفداحة خطئهم، إلا أنهم أصروا على المكابرة، وقرروا إنشاء جهاز بديل أسموه “جهاز الأمن الداخلي”، ومنحه ذات الصلاحيات التي كانت لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بيد أن هذه الخطوة لم تكتمل !!

ربما بعود الأمر لطبيعة عمل أجهزة الأمن والمخابرات نفسها، لكن الثابت أن العامة، في كل الدول، لا يعرفون من الأدوار الهامة التي تقوم بها هذه الأجهزة إلاّ النذر اليسير، ونحن في السودان لم يكن يظهر لنا من تلك الأدوار إلاّ ما يتصل بأزماتنا الملحّة، وهي أزمات سياسية واقتصادية، أما الأدوار المتصلة بدرء الأخطار الخارجية وبمكافحة التجسس، وبحرب المدن، وبمكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة ، وبالتنسيق مع النظراء في جهاز الشرطة والاستخبارات العسكرية، ومع الاجهزة النظيرة في الدول الشقيقة والصديقة، كل ذلك لا نكاد نعرف عنه شيئاً، ولو كان للمرء من مأخذ على إخفاء هذه الأدوار، في السابق، أو عدم إشهارها بما يكفي، فهو أن غيابها يتيح للخصوم المتربصين فرصة لتقوية منطقهم في التدليس والقول بأن هذه الأجهزة إنما هي أجهزة سياسية، لا تفعل شيئاً سوى ترصد الخصوم السياسيين.

أما بالنسبة للحرب التي تدور رحاها في بلادنا منذ أكثر من عام، فقد ظهرت الثغرة التي خلّفها تغييب جهاز المخابرات العامة بشكل جلي، أقول تغييب لأن الفعل كان مقصوداً في حد ذاته، إما بدوافع سياسية، كما ألمحنا، أو بدفع تآمري خارجي، أو نتيجة الاستجابة غير المدروسة لضغوط الناشطين، أو بعدم الأخذ بالتوصيات التي كانت تتضمنها تقارير الجهاز عندما التزم بدور كاتب التقارير، والتي – التوصيات – كانت تقدم قراءة استشرافية لما قد ينتهي إليه الأمر إن تركت الأمور تسير على النحو الذي سارت عليه، وقد حدث ما حدث !!
وفي الحرب التي تدور منذ عام، تجلت مقدرات عناصر الجهاز في دعم وإسناد المجهود القتالي للقوات المسلحة، خاصة وأن للجهاز خبرة طويلة في حرب المدن وفي مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بل أكثر من ذلك، تجلت وطنية عناصر الجهاز ممن أحيلوا للتقاعد وجرى التشهير بهم، فانخرطوا في صفوف القوات المقاتلة حتى قبل أن تتم إعادتهم للخدمة، وقدموا الشهداء والجرحى والمعاقين، حتى قبل أن تنصفهم قيادة الدولة، وتغطى ظهرهم المكشوف بعدم وجود الحماية القانونية.

الآن وقد أعادت الدولة بعض الحق لأهله، تنتظر جهاز المخابرات العامة، المهمة الأكثر تعقيداً، والتي أضحت مطلباً شعبياً، وهي مهمة توسيع نطاق العمليات القائمة في مجال مكافحة المليشيا وأعوانها، ولا شك أن أول متطلبات عناصر النجاح في هذه المهمة هي حسن التنسيق مع الاستخبارات العسكرية وجهاز الشرطة، ويجب التنويه هنا، بضرورة الانتباه لتجنب الغيرة المهنية، والتقليل من آثارها إلى الحد الأقصى، وهذه بالأساس مهمة قيادة الدولة ومدراء الأجهزة الثلاثة.

إن الأمن، بمفهومه الشامل، لا يقتصر على الأدوار التي يقوم بها جهاز المخابرات العامة، والمضمنة في قانونه الذي جرى تعديله، مهما اتسع نطاقها، وإنما هو شأن تشترك فيه الأجهزة النظامية الأخرى، ويمتد ليشمل أجهزة مدنية وثيقة الصلة بموضوع الأمن القومي، ويقوم الجهاز بعبء تنسيقه، ولهذا ينبغي أن تعمل منظومة الأمن القومي كلها بتناسق وثيق حتى يعبر شعبنا هذه المرحلة الأكثر دقة من تجاربه السياسية.

العبيد أحمد مروح

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جهاز المخابرات العامة جهاز الأمن التی کانت قبل أن

إقرأ أيضاً:

البطاقة الجديدة التي تفرضها حكومة المرتزقة.. تهديد للأمن القومي وتكريس للانفصال:صنعاء تؤكد رفضها لإجراءات حكومة المرتزقة الاحادية وتطالب المجتمع الدولي بالقيام بدوره في حماية وحدة اليمن واستقراره

 

الثورة / قضايا وناس

أثار قرار حكومة مرتزقة العدوان بفرض بطاقة شخصية إلكترونية ذكية جديدة موجة رفض عارمة في أوساط اليمنيين لما يمثله هذا القرار من تهديد خطير لأمن البيانات والخصوصية للمواطنين اليمنيين، كون قاعدة البيانات الرئيسية لهذه البطاقات موجودة في دولة العدوان السعودية، ما يفتح الباب أمام استغلال هذه البيانات الحساسة لأغراض استخباراتية معادية ضد الشعب اليمني.

المخاطر الأمنية ..تخزين البيانات خارج اليمن

تحتوي البطاقة الذكية الجديدة على معلومات بيومترية حساسة مثل بصمات الأصابع العشر ومسح قزحية العين، وهي بمثابة «توقيعات بشرية فريدة» يمكن استخدامها لتتبع الأفراد وتحليل تحركاتهم، والأخطر أن هذه البيانات لا تخزن في سيرفرات محلية في عدن، بل يتم الاحتفاظ بها في خوادم خارجية في السعودية، في انتهاك صارخ لسيادة اليمن على بيانات مواطنيه .

مخاطر التجسس والاستغلال

تحتوي البطاقة على شريحة إلكترونية وصفها خبراء بأنها «شريحة تجسسية خطيرة»، حيث يمكن كشف مكوناتها الداخلية المشبوهة عند خدش أو ضغط جسم البطاقة، وهناك مخاوف جدية من أن هذه البيانات قد تباع لأطراف ثالثة أو تستغل من قبل جهات أجنبية لتحقيق أهداف سياسية واستخباراتية، بما في ذلك إنشاء هويات وهمية لتنفيذ عمليات إرهابية .

ضعف الحماية السيبرانية

حذر مختصون من أن الخوادم الخارجية قد لا تكون محمية بشكل كافٍ، مما يعرض البيانات لخطر القرصنة والسرقة من قبل جهات أجنبية أو قراصنة وهذا الوضع يهدد الأمن القومي اليمني، حيث يمكن استخدام البيانات المسروقة في تشكيل خلايا أمنية وهمية أو تنفيذ جرائم دولية بأسماء يمنية .

تكريس الانفصال وتقويض النسيج الاجتماعي

يمثل فرض البطاقة الذكية إجراءً أحادي الجانب يعزز سياسة الانفصال، حيث يتم ربط جوازات السفر بهذه البطاقة التي تصدر من عدن بموافقة الرياض، متجاوزةً بذلك المؤسسات الرسمية في صنعاء. هذا الإجراء يكرس الانقسام السياسي والجغرافي ويقوض الوحدة الوطنية .

انتهاك السيادة اليمنية

يشكل قرار تخزين بيانات المواطنين في السعودية انتهاكاً صارخاً للسيادة اليمنية، حيث أصبحت المعلومات الشخصية للمواطنين تحت سيطرة جهات أجنبية ومعادية .

الردود الرسمية والشعبية على المشروع

حذرت الحكومة الوطنية في صنعاء من تداعيات هذا القرار على الأمن القومي لليمن وتقويض النسيج الاجتماعي وتكريس الانفصال .

وفي لقاء جمعه بوكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن والاستخبارات اللواء علي حسين الحوثي، ورئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية اللواء محمد الحاكم مطلع الأسبوع الماضي أكد وزير الخارجية جمال عامر اهتمامه ومتابعته لهذا التصعيد الخطير الذي كانت قد تمت مناقشته على أكثر من مستوى سياسي ومنه ما تم طرحه على المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن ومكتبه باعتباره المسؤول عن خفض التصعيد وضرورة اضطلاعه بمسؤولياته لوقف تلك الإجراءات الأحادية كونها تعد تصعيدًا متواصلا يهدد جهود السلام والاستقرار،

وأوضح أنه تم توجيه رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أكدت تحميل المجتمع الدولي عواقب ما تقوم به حكومة عدن المكلفة من الرياض من تهديد لوحدة وسلامة وسيادة أراضي الجمهورية اليمنية، وهي المبادئ التي تؤكدها وتدعمها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بولاية المبعوث الأممي.

فيما حذر وكيل وزارة الداخلية من التداعيات الأمنية الجسيمة التي تشكلها هذه البطاقة، خاصة وقاعدة بياناتها الرئيسية تقع في دولة العدوان السعودية، ما يثير مخاوف جدية بشأن أمن وخصوصية بيانات المواطنين اليمنيين واستغلالها لأغراض معادية

وتم التأكيد خلال اللقاء على موقف صنعاء الثابت الرافض لأي محاولات لتقسيم اليمن أو المساس بسيادته الوطنية، ودعوة المجتمع الدولي للاضطلاع بدوره في حماية وحدة اليمن واستقراره.

رفض شعبي واسع

عبر مواطنون عن استيائهم الشديد من هذه الإجراءات، مشيرين إلى أنها تزيد من أعبائهم المالية والمعنوية وتعرض بياناتهم للخطر والاستغلال من جهات معادية .

كما حذر خبراء أمنيون وقانونيون من مخاطر المشروع، مطالبين بإحالة القائمين عليه إلى المحاكمة .

قضية أمن قومي

من المؤكد أن مشروع البطاقة الذكية التي تحاول حكومة المرتزقة فرضه يتجاوز كونه مجرد أداة إدارية، ليتحول إلى قضية أمن قومي تمس سيادة اليمن وخصوصية مواطنيه، فالمشروع في شكله الحالي يهدد ليس فقط أمن البيانات، بل يمس كرامة اليمنيين ويقوض سيادتهم الوطنية، مما يستدعي موقفاً وطنياً موحداً لمواجهة هذه التحديات الخطيرة.

 

مقالات مشابهة

  • اجتماع في مجلس النواب يناقش الأوضاع التأمينية لموظفي الجهاز الإداري للدولة
  • ضبط عدد من أجهزة ومعدات ستارلينك التي تستخدم لأغراض تجسسية
  • مصدر أمني: ضبط عدد من أجهزة ومعدات “ستارلينك” التي تستخدم لأغراض تجسسية
  • اجتماع لمناقشة الأوضاع التأمينية لموظفي الجهاز الإداري للدولة
  • هبوط أرضي أعلى خط صرف صحي بمحور جامعة السادات
  • جهاز دعم الاستقرار يفتتح نقطة بحرية بالزاوية
  • بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر
  • البطاقة الجديدة التي تفرضها حكومة المرتزقة.. تهديد للأمن القومي وتكريس للانفصال:صنعاء تؤكد رفضها لإجراءات حكومة المرتزقة الاحادية وتطالب المجتمع الدولي بالقيام بدوره في حماية وحدة اليمن واستقراره
  • الشعبة العامة للأدوية تعقد اجتماعا لمناقشة التحديات التي تواجه صادرات مصر الدوائية
  • باسل رحمي: توعية أصحاب المشروعات الصغيرة بالحوافز والمزايا وتيسيرات الضرائب