عبدالله علي إبراهيم

للشاعر: محمد المكي ابراهيم

طالب بجامعة الخرطوم

إلى روح الشهيد عبد الفضيل الماظ بطل ثورة 1924م السودانية

وجدت هذه القصيدة للأستاذ محمد المكي إبراهيم بين اوراقي مما صورته من دار الوثائق المركزية. وهي مما نشره في 1963 في ملحق الرأي العام الأدبي الذي أشرف عليه الأستاذ أحمد علي بقادي. وكان الملحق حدثاً.

صدر في صفحتين من الجريدة وفتح أذرعه لشباب الأدباء في جامعة الخرطوم من قامت بينهم محدثات الغابة والصحراء وأغاريد ثورة أكتوبر 1964. أنشرها متوكلاً في أيام بسالة ثوارنا الوضحاء لأنني لا أعرف إن كان الشاعر نشرها في “أمتي” الذي لم أراجعه من عهد قريب. وإن نشرها فهي مما لم يذع من شعر ود المكي. وربما هفوت طباعياً في كلمة أخرى فمعذرة.

كان في كتفه النجوم أشواق أرضنا المستهامة

وعلى صدره العريض الشوك واصطبار الخزامى

كان ملء العيون شكلا وقامة

الدخيل الذي يكمم الشعب في عينيه تجسد ذاما

واللهيب الذي يجيش في قلبه يفح ضراما

ذلك الماظ في الرجال وفي التاريخ زعزع وقيامه

****

عزّ أن يُبصر الدخيل يسوم الناس خسفا وذلة وهوانا

يشرب الخمر بالجماجم والاشلاء يقتات من دموع الحزانى

عز أن تقنع النسور بسفح التل مأوى وترتضيه كنانا

هاج في صدره الجحيم تسعرت الأحقاد فارت تفجرت بركانا

فانبرى يحشد العزائم والاجناد: هيا نحرر السودانا

ومشى أول المواكب يخطو ثابت الكف والخطى والجنانا

سار من خلفه الجنود وسارت دعوات لحوحة ولهانة

ربنا انصر الرجال على الأعداء ارحم دموعنا الهتانة

****

وأصاب الدخيل من ثور الحقد ومن سورة الخنا ما أصابا

فمضى يحشد الكتائب تترى ويزجي المدافع الصخابة

فإذا الأرض غابة من رجال أثمرت أنفسا وآتت خرابا

العيون الخضراء في الرهج المدموم ترنو للأعين المغضابة

“سلموا أيها الجنود ومنا لكم العهد والوعود الكذابا” “تسمع المحصنات من نسوة السودان بل نشرب المنون شرابا”

هكذا صاح ذلك البطل المغوار في قوة وفرط صلابة

*****

طوقوا جيشنا ودمدمت النيران ترمي من الجحيم فنونا

اللظى ظلل الكتائب حتى صارت الأرض والسماء أتونا

والردى سابق القذائف للأرواح يشتار هالكا أو طعينا

وعلى ساحة القتال تجلى الماظ موتا مجنحا مجنونا

ملأ الأرض والجهات على الأعداء قلبا ويسرة ويمينا

“إن يأكل الرجال” يقول البيض “لا يخرق الرصاص جبينه”

******

جيشنا أثخن الدخيل وأصلاه فكادت قنانه أن تلينا

العتاد العتاد قد نفد البارود والماء بالجلود تسرب

“اذهبوا أيها الجنود جزيتم ألف شكر من البلاد مطنب

هذه الجولة انخذلنا ولكن ثأرنا الجريح سيُطلب”

ومضى الجند لم يظل بساح الموت الاه والخلود المذهب

احتمى داخل البناية( [1]) يرغو النار حتى فم السلاح تلهب

وعلى كفه تجسدت الآمال والمدفع السخي تصلب

عجزوا عنه والمبادئ والأفكار قد تُعجز الخميس المؤلب

أدنياء في حربهم لا يراعون عهودا قد أبرموا أو ذماما

أخرجوا الشعب من مدينة الخرطوم كيما يقارفوا الآثاما

واستقلوا به – البطل المحصور حامي المدينة المقدامة

قصفوا تلك البناية حتى صيروها حجارة وركاما

ثم هبوا ينبشون لدى الانقاض عن مأتم الندى والكرامة

وجدوه تحت الحجارة والأنقاض في كفه السلاح استقاما

واللهيب الذي يجيش بقلب الشعب في قلبه يفح ضراما

والضياء الذي يضوي أفق الشعب في عينيه استراح وناما

ذلك الماظ في الرجال وفي التاريخ صقر وزعزع وقيامه

هي مستشفى النهر في يومها ويقال إنها مستشفى العيون على شارع النيل.

 

الوسومعبدالله علي إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عبدالله علي إبراهيم

إقرأ أيضاً:

الملازم أول (م) محمد صديق إبراهيم: لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه (1-2)

عبد الله علي إبراهيم
روعت طوائف كبيرة من السودانيين بمقتل الملازم أول (معاش) محمد صديق إبراهيم، على يد "الدعم السريع" يوم الـ18 من مايو الماضي، عند مصفاة الجيلي شمال الخرطوم. وصدم الناس الفيديو الذي بثته العناصر التي قتلته، محاطاً بهم ينال الصفع من يدهم. وكان الصفع لأنه لم يجب عن سؤالهم وعن كيف وجدهم ووقع في أسرهم. وتوقعوا كلمة راضية منه عنهم. ولكنه قال "في أية ناحية؟" وصارت عبارته وسماً طغى في الوسائط. وليست هذه مرة صديق الأولى التي يصدر فيها عن يقين شجاع في وجه الزعزعة عن عبارة تسري مسرى النار في الهشيم كما سنرى.
وانتاب الروع لمقتل صديق من على ضفة القوات المسلحة التي ضحى بجانبها، ومن هم على ضفة "الدعم السريع"، أو بين ذلك قواماً بمن فيهم الإسلاميون. ومرد ذلك لأن سيرة الضابط مذ لمع اسمه في ثورة ديسمبر2018 تقاطعت مع هذه الطوائف جميعاً، فلا تملك أي منها إلا أن تواطئ طوراً من سيرته القصيرة الحافلة. فكان أيقونة الثورة على نظام "دولة الإنقاذ" وجيشها، بما في ذلك قوات "الدعم السريع"، واستشهد في صف الجيش ضد "الدعم السريع". فاستنفد المواقف جميعاً.
وسطع نجم صديق في ثالث يوم لاعتصام الحراك ضد حكم الرئيس المخلوع عمر حسن البشير (1989-2019) أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في التاسع من أبريل (نيسان) 2019. فخرج في قلة من الضباط ليحول دون الاعتداء على المعتصمين ممن تربص بهم الجيش و"الدعم السريع"، لإنهاء حشدهم بأي سبيل. وتحقق لهم ذلك في ليلة من رمضان قبيل العيد (الثاني من يونيو 2019)، فأوسعوهم ترويعاً وقتلاً أمام بوابات القيادة العامة. ووقف صديق وسط الحشد المروع الذي عشم من اعتصامه أن يخرج من الجيش من يرجح كفة ميزان القوى لصالحه، ليكون الواحد الذي يشكل أغلبية. وناشد صديق في كلمته إخوانه من شباب القوات المسلحة أن يخرجوا لإعلاء كلمة الحق والوقوف إلى جانب الشعب. وعلت الهتافات من حوله إلى عنان السماء "سودانا فوق فوق سودانا فوق. استلمها أنت (أي خذ بزمام الأمر)" ليرد صديق بأنهم لم يخرجوا لاستلام السلطة، وإنما لحماية المعتصمين، وأن يظلوا في وقفتهم تلك حتى يسقط النظام. وجاء بالعبارة التي خلدته في ذاكرة الثورة "الرهيفة تنقد" من أدب الفروسية السودانية. أي أن النظام لو وجد وهناً فينا فلينفذ منه ويقضي علينا، ولكن هيهات.
وبالطبع، لم يسعد الجيش بـ"تمرد" صديق. ولم يحل انتصار الثورة في الـ19 من أبريل 2019 دون إحالته للتقاعد في فبراير (شباط) 2020، في كشف ضم ضباطاً آخرين وقفوا مع المعتصمين بصورة أو أخرى. وردت "لجان المقاومة" على ذلك الإجراء بحق صديق، بموكب "رد الجميل" الذي قدم مذكرة إلى مجلس السيادة بمطلب إصلاح القوات المسلحة وإعادة صديق ورفاقه إلى مواقعهم فيها. وبرر الجيش قراره بحق صديق ببيان قال فيه، إنه كان خالف قوانين الخدمة بالقوات المسلحة ولوائحها. وذكر له اعتداءه على أفراد من الشرطة بقسمها بحي الحاج يوسف الشعبي حيث يسكن. وكان صديق قد أمر سائق حافلة بأن يتوجه إلى قسم الشرطة ليفتح بلاغاً ضده لرفعه قيمة التذكرة دون مبرر. ولما لم تقبل منه الشرطة البلاغ، أو ماطلت، اشتبك معهم، فأخذوه إلى القيادة العامة بعدما اتضح لهم أنه أحد منسوبيها. وفي حديث لـ"الجزيرة" قال صديق إن الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان جنح لإعادته بعد أن أثار عليهم تضريج موكب "رد الجميل" بالدم الثائر، حتى قرر مجلس الأمن والدفاع فتح تحقيق في ملابساته. وأضاف أن دولة الإنقاذ العميقة التي لا تزال ذات سطوة هي التي تقف وراء إحالته إلى المعاش. وزاد أن البرهان اعتذر له عن الإجراء بحقه، لأنه لم ير كشف الإحالات إلا بعد صدوره. وعرض عليه العودة إلى الخدمة. فاستنكر محمد عليه ألا يعرف عن إحالته إلى المعاش، وهو الذي لا يقع شيء في الجيش دون علمه كقائد عام، ورفض العرض.
ولم يسمع أحد عن صديق منذ إحالته إلى المعاش واضطراب أحوال الثورة التي انتهت بالانقلاب على حكومتها الانتقالية في الـ25 من أكتوبر 2022، واندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل 2023. ولكنه ظهر على فيديو بتاريخ الثاني من ديسمبر 2023 ليعلن من بلدته شندي في ولاية نهر النيل قراره الاستنفار إلى جانب القوات المسلحة، بعد أن فشل في العودة إليها من باب نفرة الضباط المعاشيين، التي نادت لها هي نفسها لتعزيز صفوفها. فقال إنه اتصل بعد اندلاع الحرب بالفرقة السابعة في القيادة العامة لاستيعابه ضابطاً في خدمة الحرب، فردوه لأن الأمر ما احتاج بعد، وسيستدعونه متى اتفق لهم ذلك. ثم لبى استدعاء نفرة الجيش لضباطه المعاشيين للعودة إلى الخدمة. فبلغ لوحدته التاسعة من سلاح المظلات بقاعدة وادي سيدنا، فانتظر 90 يوماً أبلغوه بعدها أن القيادة العامة لم توافق على إنزاله طابوراً في حين أذنوا لغيره بالعشرات. فانفعل وقال لرئيس شعبة في القيادة إن "على الوطن السلام إن كنتم تملكون صكوك الوطنية توزعونها بالاسم على الناس". وقال إن "الفات مات، ونحن ولاد الليلة"، فاعتبر نفسه منذ اليوم الثاني من ديسمبر 2024 مستنفراً ضمن قوات المقاومة الشعبية كرجل سوداني، قبل أن يكون ضابطاً.
وبدا أنه على خلاف مع الجيش في التزامه الدفاع عن مواقعه، والامتناع عن الهجوم على مواقع "الدعم السريع". وقال إما كان الجيش رجالاً مهاجمين أو "علي الطلاق" ستخرج القوى الوطنية من كل فج في البلد، إما رفعوا راية السودان أو سقطوا شهداء. وقال إن دعوة "لا للحرب" دعوة عاطلة، لأنه لم يتفق لها أين الحق في هذه الحرب، وأين الباطل. وأضاف أن حث أهلها للجيش على الجلوس إلى التفاوض لا يليق والأموال نهب "الدعم السريع" والنساء أسرى. وتوجه إلى البرهان بشيء من الإنذار، فقال إنه إن لم يغير خطته حتى الأول من يناير 2024 بالهجوم على "الدعم السريع"، (في مقابل خطة الدفاع المتبعة)، في كل منطقة بالسودان، سيكون هو أول من يخرج من شندي في الهجوم على مصفاة الجيلي، التي يحتلها "الدعم السريع". فهو جاهز. فإذا طلعت القوات المسلحة للهجوم في أول يناير كان معها، وإذا قعدت لن يكون من القاعدين. وسيأتي يوم أول يناير وسيرى الناس قراره "والله لو فضلت أنا بس محمد صديق، وأعوذ بالله من كلمة أنا، أطلع من شندي وأهاجم المصفاة". وعاد إلى عبارته الأثيرة "والرهيفة تنقد".
ليس صعباً تصور الإرباك الذي أحدثه مصرع صديق في خطاب الحرب القائمة. فعابر للضفاف مثله يزلزل سدنتها بين واقف مع الجيش أو واقف ضده، حتى لا نقول مع "الدعم السريع". فقل من الكتاب من ذكر له المأثرتين. فمن مع الجيش في ضفة الحرب ذكر له استشهاده بيد "الدعم السريع" في حين غض المناوئون للجيش حتى عن ذكر وقفته مع الثورة التي ينسبونها لأنفسهم، لأن ذكرها لا يستقيم مع مصرعه في ركب الجيش. وهناك من أطلق العنان يخيط المأثرتين معاً، مجازفاً كيفما اتفق.

IbrahimA@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • الملازم أول (م) محمد صديق إبراهيم: لا يبالي على أي شق كان للوطن مصرعه (1-2)
  • قيادات «المتحدة» تبحث مع البابا تواضروس إنتاج أعمال عن التاريخ القبطي
  • التاريخ في حياة الشعوب
  • قصة حارس رئيسي الشخصي الذي نجا من حادثة الطائرة
  • اكتشاف بقايا وحش من عصور ما قبل التاريخ.. عمره 10 ملايين سنة
  • شاهد ما فعله الممثل ‘‘إبراهيم شرف’’ صباح اليوم مع ‘‘بائع البلس’’ بعد الفيديو الذي أثار ضجة واسعة
  • دورتموند يغادر إلى لندن بهدف «صناعة التاريخ»
  • من زلزال تركيا إلى صناعة التاريخ.. المغربي الكعبي يتخطى أرقام صلاح ورونالدو في مباراة واحدة
  • يشجع ريال مدريد وغادر تركيا بعد الزلزال.. المغربي الكعبي كاتب التاريخ بدوري المؤتمر الأوروبي
  • الدولي المغربي الكعبي من زلزال تركيا إلى صناعة التاريخ