كثيراً ما نسمع أو نقرأ عبارة (إنه اختلاف الأذواق) من أحد الذين لم ينفعل برواية أو فيلم أو أغنية، مبرراً عدم الانفعال هذا بتلك العبارة (اختلاف أذواق).
فهناك من لا يطيق غناء أم كلثوم، أو ينزعج من شعر شوقى، أو تضجره رواية لمحفوظ أو ماركيز، وعلى الفور، ومن باب الأدب، يعلن هؤلاء الرافضون: صحيح أن أم كلثوم عظيمة ومحفوظ عبقرى وشوقى شاعر فذ، لكننى لا أحب أعمالهم.
الحق أن كلمة (الذوق) فى دنيا الأدب والفن فى حاجة ماسة إلى شرح وتفصيل وتفسير وتحرير. ولنبدأ هكذا: مم يتكون الذوق؟ وكيف؟ وما الفرق بين (الذوق العام)، (والذوق الرفيع)؟.
فى ظنى أن (الذوق) بصورة عامة يتشكل من عدة عوامل أبرزها: حساسية الإنسان فى التعامل مع الآداب والفنون، فهل ولد المرء مزوداً بحساسية خاصة تجاه عالم الإبداع، أم أنه ولد محروماً من تلك الحساسية اللطيفة؟ هل جيناته تتفاعل بيسر مع الموسيقى والكلمة واللوحة، أم أنها لا تتأثر بهذه الأمور؟.
العامل الثانى يتمثل فى مستوى ثقافة الفرد، والمدى الذى بلغه فى التحصيل المعرفى منذ كان طفلاً، وهل وهبته المقادير نعمة النشأة فى بيئة اجتماعية (الأسرة/ المدرسة/ المجتمع) تحترم الآداب والفنون وتثمن دورها فى إسعاد الناس وإغناء أرواحهم أم لا؟.
أما العامل الثالث، فيتجلى فى قدرة المرء على تطوير مهاراته فى استقبال الفن والأدب، والانفعال بهما والتأثر بما يقرؤه ويراه وينصت إليه من كلمة ومشهد ولوحة وأغنية.
ولأضرب لك مثلاً... هل الصبى الذى يبلغ 11 عاماً يملك القدرة على استيعاب قصيدة لشوقى والتمتع بأبياتها؟ بالتأكيد لا، لأن خبراته الحياتية ومحصوله اللغوى لا يسمحان له باكتشاف عبقرية الفن الشعرى، الأمر نفسه يتكرر إذا تحدثنا عن إنسان محروم من نعمة الإنصات إلى الموسيقى بتنوعاتها الخلاقة، لذا نراه ينفر من غناء عبدالوهاب وأم كلثوم وتزعجه موسيقى بيتهوفن وموزارت.
أما الإنسان الذى اكتفى من الروايات بمجموعة من الأعمال التى تخاطب الفتيان وعقولهم البسيطة وخبراتهم الحياتية المحدودة، فظنها هى الأمثل، وتوقف عن القراءة بعدها، فلن يطرب لمحفوظ ولن يسعد بماركيز.
لذا يمكن القول إن (اختلاف الأذواق) عبارة تصلح نسبياً فى مسائل الطعام والأزياء، رغم أن مستوى الثقافة يتحكم أيضاً فى تلك الأمور.
لكن عند الحديث عن الأدب والفن، علينا أن ننتبه جيداً، إذ إن الأمر مرتبط بمستوى الثقافة العامة لدى المتلقى، علاوة على مدى علاقته وعمقها بالآداب والفنون.
أما الأمر البالغ الأهمية، فهو الدور الذى يلعبه الترويج/ التسويق فى فرض ذوق أدبى أو فنى معين على الغالبية، خاصة فى الأعوام الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك ويوتيوب وانستجرام وواتساب وغيرها. إذ نرى أعمالاً أدبية وفنية محدودة القيمة وفقاً لمعايير (الذوق الرفيع)، لكنها شائعة بمنطق (الذوق العام البسيط) الذى يروج لمقولة (اختلاف الأذواق).
ما العمل إذن؟
أظن أن الأمر فى حاجة إلى مقال آخر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق حاجة ماسة الأدب والفن
إقرأ أيضاً:
إصدارات 104 دور نشر إماراتية في «جدة للكتاب»
الشارقة (الاتحاد)
تشارك «شركة منصة للتوزيع» في «معرض جدّة الدولي للكتاب»، الذي تنظّمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية في الفترة من 11 ديسمبر الجاري وحتى العشرين منه، وتأتي المشاركة في إطار جهود نشر الأدب والثقافة الإماراتية في المنطقة العربية من خلال توفير منافذ بيع وتوزيع أوسع لإنتاجات الناشرين الإماراتيين، فضلاً عن حرص «منصة للتوزيع» على توطيد التعاون الثقافي، مؤكِّدة دور الكتاب الفاعل في تعزيز التواصل الحضاري والمعرفي.
تحمل الشركة إلى جناحها في المعرض أحدث الإبداعات التي تشارك بها 104 دور نشر إماراتية، مقدِّمةً 3743 كتاباً تعكس الجودة العالية والرؤية المتجددة التي تتمتع بها الإصدارات المحلية.
وتتوزع هذه الكتب على 725 عنواناً تغطي طيفاً واسعاً من الحقول المعرفية والأدبية التي تناسب مختلف توجّهات جمهور القرّاء واهتماماتهم.
وأكّد راشد الكوس، مدير عام شركة منصة للتوزيع، أن «معرض جدة الدولي للكتاب»، الذي يرسخ مكانة المدينة مركزاً ديناميكياً للأدب والإبداع والحوار، يمثّل منصة مهمة لعرض الإنتاج الأدبي والثقافي الإماراتي أمام جمهور واسع من شتى دول المنطقة والعالم، مشيراً إلى أن حضور الشركة في هذا الحدث البارز يعكس التزامها بدعم صناعة النشر الإماراتية، وإثراء الحراك الثقافي العربي.
وقال: «نلتزم في «شركة منصة» بتوفير المحتوى المعرفي العربي من مصادره المتنوعة، وضمان وصوله إلى القرّاء والمهتمين عبر شبكة واسعة وحلول مبتكرة تلبّي احتياجات الناشرين والكتّاب الإماراتيين، ويسعدنا أن نكون جزءاً من هذا المحفل الثقافي المهم لتعزيز شراكاتنا، وتوسيع آفاق التعاون، ومواصلة دورنا في دعم الكتاب العربي وصُنّاعه، وخدمة مسارات الإبداع في الإمارات، واضعين بين يدّي زوار المعرض عوالم فريدة تستحق الاكتشاف».