كثيرةٌ هي الصور والانطباعات التي رُسمت في أذهاننا عن الجنرال ميشال عون، الرجل العنيد الذي لا يخضع، والشخصية الحازمة ذات الخلفية العسكرية وغيرها من الصفات التي عُرف بها منذ زمن طويل. ولأنّ اللقاءات المباشرة تبقى سيّدة الأحكام كان لا بد أخيراً من لقاء "الجنرال" عن قُرب.
اعتاد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون طيلة فترة ترؤسه ل" التيار الوطني الحر" مُذ كان جنرالاً في الرابية على استقبال الجميع، مُناصرين ومؤيدين وحتى أخصام، وبعد أن عاد الى ربوع الرابية رئيساً فخرياً للتيار استعاد نشاطه السابق وانفتاحه المعهود مستقبلاً في دارته العديد من الشخصيات السياسية والوجوه الاعلامية اضافة الى وفود شعبية من مختلف المناطق.
وعلى الرغم من الخلاف، وبعيداً عن تقييم الاداء السياسي والإداري والشخصي للعماد ميشال عون خلال فترة تولّيه رئاسة الجمهورية في لبنان والتصويب بشكل مباشر على إخفاقات "العهد"، لا بدّ من القول أن "الجنرال" هو شخصية لا يمكن تجاوزها والقفز فوقها، بل تبقى هذه الشخصية تفرض نفسها في كل المراحل نظراً لعمقها الثقافي ووعيها وخبرتها السياسية في مختلف الملفات الاقليمية والدولية. وحول هذه الملفات كان اللقاء مع عون، الرجل الذي بلغ التسعين من عمره، ولا يزال قادراً على تحمّل النقاشات الطويلة التي استمرّت لمدّة ساعة، حيث تناولنا معظم الملفات الداخلية وملفات المنطقة.
بودّ وترحيب استقبلني "الجنرال"، الذي لا يزال ربّما يفضّل مناداته بـ "بيّ الكلّ" رغم خذلان بعض أبنائه له على حدّ تعبير "العونيين"، وقف مصافحاً وهو مدركٌ تماماً أني آتية من مكان عانى صاحبه الامرّين في السنوات الاخيرة من حُكم "العهد" ما بين خلافات واشتباكات وعرقلات واتهامات أدّت الى تعطيل الحياة السياسية في لبنان وتسببت بشلل في الادارات والمؤسسات الرسمية في ذروة الانهيار الكبير نتيجة للكيدية التي اعتبرها البعض في مرحلة من المراحل تجاوزت حدود السياسة وجنحت نحو الخصومة الشخصية.
يتحدّث عون بحرقة لا يظهرها كاملة، هو الرجل الذي يأبى الهزيمة حتى وإن وقفت على أعتابه، إذ يعزّ عليه الوضع الذي وصل اليه لبنان نتيجة ارتباطات الأحزاب وولاءاتها الخارجية، فأسأله: بعد في أمل بهالوطن؟ ليجيب: "إذا كنا نرقد تحت التراب على رجاء القيامة، فهل نفقد الرجاء ونحن أحياء"؟ ويتابع، "أردنا أن نقوم بالاصلاحات، ولكنّنا واجهنا العديد من المطبّات لم يكن آخرها الحراك الشعبي وما رافقه من تحريض إعلامي وسياسي محلّي وعربي وحتى غربي، انطلق ليحمّل عهدي (فترة حكمه) كل تراكمات السنوات الفائتة.
بنبرة الكرامة بدأ "الجنرال" يستعرض ذكرياته ومعاركه وطموحاته الماضية ببناء دولة قوية ومستقرّة ووطن سياديّ يفرض قراره في المحافل الدولية، ويستذكر بعزّة معركة "فجر الجرود"، وتحرير المناطق الحدودية من الارهابيين، الامر الذي لا يمكن لأحد أن ينكره على "عهد" عون ليُسجّل له إنحاز يُضاف الى سجلّه "البطولي" في الماضي بحسب ما يصفه كثر في لبنان.
"كيفو الرئيس ميقاتي؟ سأل عون مطمئناً، كان قد وعدني بزيارة "، فأجبته أن دولة الرئيس مرهق جداً من عبء الأزمات وتراكم الملفات من بينها ملف النزوح السوري والمعركة المشتعلة في جنوب لبنان ومساعيه الحثيثة لإبقاء الوضع في لبنان تحت السيطرة، ليعلّق قائلاً: مش هو هيك بدّو"؟
نعم، "هو هيك بدّو"، ولكنّه منذ اليوم الاول من تكليفه لرئاسة الحكومة كان ميقاتي مدركاً أنه مُقبل على "عملية انتحارية"، غير أنه عزم على تولّي المهمة معتمداً على علاقاته الدولية التي كان مقتنعاً أنّ بوسعه الاستفادة منها لإنقاذ لبنان من الانهيار بأقلّ الاضرار، وهذا الامر، يُحسب له وليس عليه. يقاطع عون ويقول: ألم نكن أول من تصدّى لملفّ دخول النازحين الى لبنان وحذّرنا منه كثيراً ودعونا ألف مرة لمعالجة المشكلة ولكنّنا حوربنا آنذاك واتُّهمنا بالعنصرية؟ واليوم؟ يدفع لبنان ثمن تعنّت خصومنا "وما منعرف كيف راح تنحلّ".
يُبدي عون حزناً شديداً على الواقع الأمني والقضائي في لبنان، معتبراً أن سلامة الاوطان من سلامة أمنها وقضائها، مضيفاً: "مشينا بالتدقيق الجنائي ما عجبُن، مشينا بملف رياض سلامة قاموا علينا، وينو سلامة اليوم"؟ تحفّظتُ عن الردّ، رغم كل الإجابات التي كانت عالقة في حنجرتي، غير أنني كنتُ قد قرّرت قبل زيارتي له أنني آتية للقائه وليس لمناكفته، فصمتُّ عن الكلام مفسحة له المجال أمام مواضيع أخرى يسهل النقاش فيها.
يؤمن الجنرال عون بواقع المقاومة في لبنان ويؤيّدها متحفّظاً على مبدأ "وحدة الساحات" إذ قال: " نحنا مش مرتبطين بمعاهدة دفاع مع غزة، ومين قال كانت اسرائيل راح تضربنا"؟ فأجبت، للمقاومة حساباتها فاستطرد، "لأ هيدا مجرّد رأي، نحن دافعنا عن المقاومة ووقفنا خلفها بوجه التهديدات الاسرائيلية وحمينا ظهرها ورفضنا الكثير من الاغراءات مقابل التخلّي عنها، ولكن لا يمكن تحميل لبنان وحده مسؤولية تحرير فلسطين"
خلال حديثنا، أخبرته عن حادثة حصلت معه كان قد قصّها على دولة الرئيس نجيب ميقاتي وبدوره قصّها علينا، خلاصتها أنّ على كل فردٍ في لبنان أن يبدأ بنفسه، لأنّ الإصلاح يبدأ من داخل المواطنين، فتذكّرها مبتسماً وقال: "ايه هيدي القصة كنا أنا وبناتي" فابتسمت مثله وقلت: لك معزّة عند الرئيس ميقاتي، فقال: العلاقة الشخصية مع الرئيس جيدة جداً، فمازحته: بس بالسياسة ما اتفقتوا، نظر اليّ وردّ بصوت هادىء: ايه.. ما اتفقنا".
أنهيتُ قهوتي، وكان هو لا يزال يتناول الـ black coffee في فنجانه الخاص، انتهى اللقاء وسألته لو كان بإمكاني أن أحتفظ بصورة معه، خرجنا الى حديقة دارته، التقطنا صورة معاً وقبل أن أغادر ودّعته متمنية له الصحة "وطول العمر"، ربّت "الجنرال" على كتفي وقال: "اهلا وسهلا شرّفتِ".
وأخيراً التقيتُ "بالجنرال"، الرئيس الذي لم يهزمه العمر أبداً! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: مصر ستظل إلى جانب لبنان للحفاظ على استقراره وسيادته
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، التواصل بين مصر ولبنان إيجابياً يهدف إلى التنمية والحضار، فقد كان هناك تواصل بين المصريين القدماء والفينيقيي، وفي العصر الراهن كانت مصر من أوائل الدول منذ الأربعينات التي أقامت علاقات مع لبنان، ومصر ولبنان لديهما جهد مشترك عبر السنوات الماضية في مجال الثقافة والكتابة والشعر.
وأضاف الرئيس السيسي، أن مصر ستظل إلى جانب لبنان، وإلى جانبكم، وإلى جانب الحكومة اللبنانية، فى كل المساعى الرامية، إلى الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته، بما يلبى تطلعات شعبه النبيل .. ولنعمل معا من أجل تعزيز علاقاتنا الثنائية فى كافة المجالات .. ليستعيد لبنان دوره العريق، كمنارة للثقافة والتنوير فى المشرق.. والعالم العربى.
وتابع: تأتى زيارة الرئيس "عون"، فى مرحلة دقيقة وظرف إقليمى شديد التعقيد لتؤكد عمق العلاقات "المصرية - اللبنانية"، وصلابتها على كافة المستويات .. وتعكس الترابط الوثيق بين الشعبين والحكومتين.
ولقد مثلت مباحثاتنا اليوم، فرصة ثمينة لتبادل الرؤى، مع أخى فخامة الرئيس، حول سبل تعزيز التعاون بين بلدينا، لاسيما فى المجالات الاقتصادية والتجارية.
وأكدنا حرصنا، على دعم جهود لبنان فى إعادة الإعمار، من خلال الاستفادة من الخبرات المصرية الرائدة، فى هذا المجال.
كما شددت على موقف مصر الثابت فى دعم لبنان .. سواء من حيث تحقيق الاستقرار الداخلى، أو صون سيادته الكاملة .. ورفضنا القاطع لانتهاكات إسرائيل المتكررة، ضد الأراضى اللبنانية، وكذلك احتلال أجزاء منها.
وفى هذا السياق، تواصل مصر مساعيها المكثفة، واتصالاتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لدفع إسرائيل نحو انسحاب فورى وغير مشروط، من كامل الأراضى اللبنانية .. واحترام اتفاق وقف الأعمال العدائية، والتنفيذ الكامل والمتزامن، لقرار
مجلس الأمن رقم "1701".. دون انتقائية.. بما يضمن تمكين الدولة اللبنانية، من بسط سيادتها على أراضيها .. وتعزيز دور الجيش اللبنانى، فى فرض نفوذه جنوب "نهر الليطانى".
كما أجدد اليوم، دعوة المجتمع الدولى، لتحمل مسئولياته تجاه إعادة إعمار لبنان .. وأحث الهيئات الدولية والجهات المانحة، على المشاركة بفاعلية فى هذا الجهد .. لضمان عودة لبنان إلى مساره الطبيعى،على طريق السلام والتعايش والمحبة فى المنطقة.
السيدات والسادة،
لقد تطرقت مباحثاتى، مع أخى الرئيس "عون" كذلك، إلى تطورات الأوضاع فى قطاع غزة .. حيث أكدنا ضرورة إنهاء العدوان على القطاع فورا، واستئناف العمل باتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح كافة الرهائن والأسرى .. مع ضمان دخول المساعدات الإنسانية، بشكل عاجل .. لتلبية الاحتياجات الملحة، للمدنيين الأبرياء فى غزة.
كما جددنا التأكيد، على موقف مصر ولبنان الراسخ والداعم للقضية الفلسطينية ..مع رفض أى محاولات تهجير للفلسطينيين،أو تصفية قضيتهم العادلة.
ومن هذا المنبر، ندعو المجتمع الدولى، إلى حشد الجهود الدولية والموارد، لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، وتمكين السلطة الفلسطينية.. من العودة إلى القطاع والعمل على توسيع الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية" كون هذا المسار، هو الضامن الوحيد، للتوصل إلى السلام الدائم والاستقرار فى المنطقة.
تناولت مباحثاتنا أيضا، الملفات الإقليمية الملحة، وعلى رأسها الوضع فى سوريا الشقيقة .. حيث جددنا دعمنا الكامل للشعب السورى الشقيق وأكدنا ضرورة أن تكون العملية السياسية، خلال الفترة الانتقالية.. شاملة وغير إقصائية .. مع استمرار جهود مكافحة الإرهاب، ورفض أى مظاهر للطائفية أو التقسيم.
كما شددنا على إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، على السيادة السورية .. وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى السورية المحتلة، واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.