بوابة الوفد:
2025-05-11@08:28:44 GMT

نحو ترشيد المحبة والكراهية فى بلادنا

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

المحبة شعور إنسانى فريد، أن نرضى عن أحد، أن نسعد بذكره، أن نتتبع محاسنه، أن نستبشر بوجوده. ليس أقرب وصال بين البشر من الحب، فبه تتآلف القلوب، وتتواءم النفوس وتتحد الرؤى والأفكار النيرة.

لكن لأن الإفراط فى كل فضيلة يقلبها حتما إلى رذيلة، فإن المحبة الزائدة، تماماً مثل السكر الزائد يُفسد استمتاعنا بمذاق الأشياء، ويصيبنا بالأمراض.

وهنا فإن المحبة الزائدة تُقيم حواجز من اللاموضوعية تجاه حكمنا على البشر والأحداث والأمور.

ولأن العرب كانوا، وما زالوا، أساتذة البلاغة، وملوك الأدب، فقد ابتكروا صنوفاً من البلاغة القولية تحمل درجات غير مسبوقة من المبالغات تجاه مَن يُحبونهم، فولدت نصوصاً أدبية غاية فى الروعة، لكنها كانت بعيدة عن الموضوعية، بل أشبه بالانتحار الفكرى نتيجة الاصطدام بين ما هو مُتخيل وما هو واقع. وهكذا، فلم يكن غريباً أن نسمع أشعاراً تسمو بالممدوحين إلى درجات لا منطقية تنزع عنهم لباس الإنسانية وتُصنفهم فى خانات الخارقين للطبيعة، من عينة قول الشاعر النابغة الذبيانى فى مدح النعمان بن المنذر: "فإنك شمس والنجوم كواكب/ إذا طلعت لم يبد منهم كوكب".

كذا ما قاله الشاعر ابن هانئ الأندلسى فى مدح الخليفة الفاطمى المعز "ما شئت.. لا ما شاءت الأقدار/ فاحكم فأنت الواحد القهار/ وكأنما أنت النبي مُحمد/ وكأنما أنصارك الأنصار"، أو كقول الشاعر أبى نواس مادحاً الخليفة هارون الرشيد: "بك أستجير من الردى وأعوذ من سطوات باسك/ وحياة راسك لا أعود لمثلها وحياة راسك"، وهى أقوال خارج نتاج الوصف والمدح الطبيعى المنطقي، إذ تسمو بالممدوحين إلى سماوات الآلهة والأنبياء والمُعجزين.

وربما يفترض البعض أن ذلك هو حب حقيقى وصل إلى درجة الإفراط، لكن فى حقيقة الأمر، فإن جمال التعبيرات وجذالتها وتخليدها شعراً يؤدى إلى تقديس حاد يُصيب ثقافة المجتمع ككل من خلال تمجيد أفعال وأقوال وأداء الأعلى سُلطة فى كل زمان ومكان بعيدا عن الموضوعية، وربما تعد هذه السمة واحدة من أسباب الجمود السائدة فى مجتمعات العالم العربى اليوم وكل يوم.

فالحال جيد لأن أصحاب السلطة خارقون، ومَن ثم لا تغيير فى سبيل الإصلاح ولا تجاوز لحالات الجمود.

***

لا تقتصر نظرة المغالاة فى الحب لدى الناس فى بعض أصحاب السلطة، وإنما تمتد إلى مبدعين وفلاسفة وأصحاب رأى وعلماء دين.

لا ينسى أحد التلاميذ النجباء للشيخ الشعراوى– رحمه الله- هذا المشهد، عندما زار يوماً جامعة القاهرة فى ندوة دينية فى الثمانينيات، وهاله الاحتفاء الكبير للناس به، الذين وصل بهم الأمر إلى أنهم حملوا سيارته وهو داخلها كنوع من التكريم والتعبير عن المحبة. آلمت الواقعة الشعراوى نفسه ـ كما ذكر لاحقا نجله، وحاول ترويض ذاته على الانخلاع والإفلات من التقديس، فذهب فجراً إلى حمام المسجد الذى يُصلى فيه، ليقوم بتنظيفه بنفسه، وهو ما جعل ابنه ينزعج، ويسأله عما دفعه لذلك، فأخبره بأن احتفاء الناس المتزايد به أقلقه ودفعه إلى إكراه نفسه على التواضع والزهد فى الحياة.

نُغادر رجل دين، أحبه الناس، لنتذكر مطرباً أحبته الجماهير مثل عبدالحليم حافظ. ففى يوم وفاته فى ألقت ثلاث فتيات فى القاهرة أنفسهن من طوابق مرتفعة حزنا على أمير الرومانسية ونموذج فتى الأحلام فى مخيلتهن. لم يفكر كثيرون فى مغزى الحدث، وإن اعتبروه دليل محبة طاغية وشعبية لها ما يبررها وقتها، لكن التعمق فى استقراء فكرة الفداء لدرجة إنهاء الحياة بسبب غياب بشر لم تستوقف الباحثين والمحللين النفسيين.

لاعبو الكرة لهم نصيب كبير من التقديس لدرجة تجعل اعتبار أفكارهم وأعمالهم خارج الملعب صواباً مُطلقاً. محمد أبوتريكة لاعب محبوب لمهاراته وأدائه، وبالقطع فقد أسعد جمهور النادى الأهلى ومصر كثيراً فى عدة مناسبات، لكن فكره وأداءه السياسى وتعاطفه الحسى وأحكامه فى القضايا العامة ليست مُفرحة، ولا تصب فى خانة المصلحة العامة للمجتمع.

غيره كثيرون نغفر لهم ما تقدم وما تأخر لأنهم محسنون فى جانب وحيد، وهو داء تغلغل فينا لأننا لم نتعلم ونُجرب التفكير العقلاني، والمحبة الراشدة، والتأييد المشروط، وكلها من خصائص المجتمعات والأمم الناهضة.

***

فى الناحية الأخرى نكره البعض لأسباب بعضها موضوعى، فنبالغ فى الكراهية وصولاً إلى حد الشيطنة، وتحويل النموذج المكروه إلى شخص معجز وخارق فى شروره.

تتعدد النماذج وتختلف درجاتها، لكن السمة الظاهرة والغالبة هى الحدية، رغم أن هناك فى التراث مقولات عديدة تحض على الاعتدال منها قول منسوب لعلى بن أبى طالب يقول "أحب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما. وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

«كيف نواجه الشبهات الفكرية بالقرآن؟».. نص خطبة الجمعة اليوم 9 مايو 2025

خطبة الجمعة اليوم.. أعلنت وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة اليوم 9 مايو 2025، الموافق 11 من ذو القعدة 1446هـ، يأتي تحت عنوان: «إنما أتخوف عليكم رجل آتاه الله القرآن فغيّر معناه».

وأوضحت الوزارة في بيان رسمي، أن الهدف من خطبة الجمعة الموحدة هو توعية الجمهور بكيفية مواجهة القرآن للشبهات الفكرية، والاستفادة من ذلك، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول ضوابط التعامل مع السائحين، والتحذير من السلوكيات الخاطئة في التعامل معهم.

نص خطبة الجمعة اليوم

إنما أتخوف عليكم من رجل آتاه الله القرآن فغير معناه.

الحمد لله رب العالمين، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختامًا للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الفكر المظلم يقود أصحابه إلى مهاوي التطرف والعنف، فيشوه جمال ديننا الحنيف، ويطوع نصوص الوحيين الشريفين لنشر خطاب القبح والدمار والتخريب، والتشويه، والكراهية، يرتدي أصحابه قناعًا خادعًا، مزخرفًا بآيات وأحاديث، قلوبهم خاوية من الفهم العميق لروح الشريعة، وقد وصفهم البيان المعظم وصفًا عجيبًا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

خطبة الجمعة اليوم

عباد الله، ألم تشاهدوا بأعينكم كيف استغل المتطرفون قدسية النصوص ليبرروا جرائمهم البشعة تحت مفاهيم الحاكمية والجاهلية والولاء والبراء بناء على تأويل فاسد لمقاصد الوحيين الشريفين؟! أيها الكرام، ألم ترق دماء المسلمين أنهارًا تحت شعارات العصبة المؤمنة، والطائفة المنصورة- كما يزعمون!

ألا ترون أيها الناس أنهم حولوا الدين إلى سيف مصلت على رقاب المخالفين، بدلًا من أن يكون نورًا يهتدى به، ورحمة تهدى إلى العالمين؟! هل يعقل أن يكون جوهر الدين هو التضييق والتعسير، بدلًا من التيسير ورفع الحرج؟! وكأن الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه ينظر من وراء الحجب، ويرى الغيب من ستر شفيف، ويصف واحدًا من هؤلاء وصفًا عجيبًا، فيقول صلى الله عليه وسلم-: «إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردئًا للإسلام، غيره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك».

أرأيتم أيتها الأمة المرحومة كيف تورط هذا الرجل الذي سري نور القرآن إليه، فتحول إلى صانع للمعرفة، قائم بالاستنباط، ينحت المفاهيم والنظريات من آيات القرآن، ولكن قادته الحماسة والانفعال والكبر، فتولدت على يده مفاهيم ونظريات وقواعد، حافلة بتركيب الآيات بعضها ببعض على نحو مغلوط، فخرج بنتائج في غاية البعد والغرابة، غابت عنه خريطة العلوم والأدوات والمقاصد التي يستعين بها العلماء بحق، فدخل إلى القرآن بنظريات وأفهام، انتزعها من القرآن عنوة، فقول القرآن ما لم يقله، ونسب إليه نقيض قصده، مرتكبا في سبيل ذلك تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين «إنما أتخوف عليكم رجل آتاه الله القرآن فغير معناه».

عباد الله، تلك هي نماذج التدين الشكلي الذي يقتصر على ترديد الشعارات دون تدبر، وعلى اتباع الظواهر دون فهم المقاصد، لقد استبدلوا جوهر الإيمان بالتزمت الأعمى، ورحمة الإسلام بالغلظة والقسوة، يرون في الاختلاف تهديدًا، وفي التنوع انقساما، وينصبون أنفسهم حراسا للعقيدة، يفرغون الدين من محتواه الروحي والأخلاقي، ويحولونه إلى قوالب جامدة لا حياة فيها، ويشيعون الفساد والإفساد في الأرض، فكان الفهم المغلوط منهج حياتهم، وحمل السلاح وسيلتهم، وتدمير الدول والأوطان أسمى غايتهم، وصدق فيهم قول الله جل جلاله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}.

ولكن أبشروا أيها المصريون، فكم من موجات غلو وتطرف حاولت أن تجتاح ساحتنا، فكان الأزهر الشريف هو السد المنيع والحصن الحصين، فهو نهر العلم والمعرفة الذي روى ظمأ أجيال متعاقبة، وحماهم من سراب الأفكار الهدامة، فاقدروا له قدره، وانشروا وسطيته، وتذوقوا جمال وجلال خطابه، وحصنوا أنفسكم وأولادكم بالعلم النافع، والفهم المستنير، والتدين الحقيقي الذي يلامس القلوب بالنور والرحمة والسلام والإكرام.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فاعلم أيها النبيل أن للوافد على بلادنا الكريمة من السائحين والزائرين واجب حسن الاستقبال والمعاملة الطيبة الحسنة، فكن معهم كريم الأخلاق، جميل المعشر، أظهر تدينك الحقيقي الذي يقبل الآخر، ويسمح للسائح بالاستمتاع بآثار بلادنا العظيمة محاطا بأسمى آيات الإكرام والنبل والترحاب، فقد دخل السائح بلادنا التي يكرم من دخلها بوثيقة سفر هي عقد واجب الوفاء، وإن شئت فاقرأ هذا الأمر الإلهي {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، وقوله جل جلاله: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}.

خطبة الجمعة اليوم

أيها المكرم، إن السائحين مكرمون في بلادنا بعقد وعهد، فلا غش لهم ولا خداع ولا استغلال ولا تحرش يظهرك بأخلاق متدنية! واعلم أن قدوم الزوار والسياح إلى بلادنا فرصة عظيمة لتعريفهم بحقيقة الإسلام ومحاسنه العظام، فقدم لهم طيب الكلام وجميل الأفعال، فوالله إن القلوب والنفوس تتأثر بالأفعال أكثر من تأثرها بالأقوال، فكيف يكون الحال وهم يستمعون إلى الأذان وإلى القرآن، ويرون المصلين في المساجد ركعًا سجدًا، ويندهشون من أحوال أهل الله وعبادتهم وأنت تفعل معهم النقائص؟! فلا تكن متخلفًا عن الركب، وأظهر للدنيا جمال تدينك وفطرتك، وروعة أخلاقك وخصالك.

أيها المبجل، أعلن عن جمال بلادك بجمال أخلاقك، وأظهر الصورة الصحيحة للدين والأخلاق، وكن فاعلًا للخير داعية إليه، قال الله جل جلاله: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.

اللهم ابسط على بلادنا مصر بساط الأمل والنور والفيض والإكرام، وافتح لنا البركات من السماء والأرض.

اقرأ أيضاًأذكار الصباح اليوم الجمعة 9 مايو 2025

دعاء الصباح اليوم الجمعة 9 مايو 2025.. «رب اشرح صدورنا»

مقالات مشابهة

  • علامات فارقة في الشعر العربي الحديث ضمن كتاب جديد صادر عن الهيئة السورية للكتاب
  • أبو العينين يرحب بعودة أحمد موسى للشاشة بعد وعكة صحية: رصيد ضخم من المحبة
  • قومي المرأة ينظم ورشتي عمل لـ سفيرات المحبة والسلام وأعضاء المنظمات غير الحكومية
  • فلسطين في القلب والهوية في القلم.. سيرة صلاح جرار بين المقاومة والعلم
  • موقع حملة ثقافة المحبة والسلام في دار الكتب والوثائق يواصل تحديث منشوراته
  • خطيب الأوقاف بالشرقية: السائحون في مصر لهم حق الإكرام وحسن الاستقبال
  • الخارجية الباكستانية: الهند تمول الاغتيالات في بلادنا
  • «كيف نواجه الشبهات الفكرية بالقرآن؟».. نص خطبة الجمعة اليوم 9 مايو 2025
  • استمرار نجاح "يا خسارة" لبسمة بوسيل يرسّخ مكانة عمرو المصري في الساحة الغنائية.. ومصطفى قمر يدخل على الخط بـ 3 أغنيات جديدة
  • محذراً كيان العدو…اللواء سلامي: سنفتح عليكم أبواب جهنم إذا ارتكبتم أي خطأ ضد بلادنا