محمد المكي أحمد
أخبار السودان، اليومية ، الموجعة ، حملت صباح اليوم ( 7 يونيو 2024) خبرا شديد الإيلام.
في يوم الجمعة ، وهو من أفضل الأيام، رحلت (ساكنة الفؤاد) .
السيدة الوقورة، الرصينة، صاحبة القلب الأخضر، آمنة حسن الهدي ( بكسر الهاء وفتح الدال) ودعت دنيانا الفانية .
آمنة شقيقة زوجي اشراقة .
كانت الفقيدة من أقرب أهل أمي، الراحلة، العزيزة ، الحبيبة، ستنا إلى أسرتنا، و حبيبة إلى قلبي ، هي أخت، كبيرة ، بمكانتها في القلب والعقل .
حملت عن جدارة دلالات اسمها ومعانيه ..
في قواميس اللغة العربية أمنة هي (ساكنة الفؤاد، المطمئنة) وهي مصدر دفء إنساني ، وطمأنينة، وجسر تواصل حميم بين أهلها في غرب السودان وشماله.
كثيرون في السودان ودول أخرى يحبون أن تحمل بناتهم هذا الاسم الجميل .. حبا في سيدة الاسم التاريخي آمنة بنت وهب، أم رسول الله، سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم),
كانت آمنة حسن سيدة فاضلة، حملت في دواخلها نبض الفطرة الذي يتميز به أهلنا في (دار حامد) في (كردفان ) بغرب السودان ومناطق أخرى .
كانت طيًبة، طيبة، طيبة، من دون حدود.
( حنيًنة) بكل ما تعنيه الكلمة بفيض مشاعرها الدافئة .
أبنائي , أيمن ، أحمد،وأمنية، ، كانوا يزورونها من وقت لآخر في سنوات وجودهم بالسودان مع أمهم ، وقد وجدوا في قلبها احتضانا وحبا واهتماما، وقصصا وحكايات شعبية.
أوجعهم رحيلها وأبكاهم ، وأبكى من عرفوها عن قرب.
على الصعيد الشخصي بادلتني تقديرا بتقدير، ومودة بمودة.
كانت تتفاعل مع اطلالاتي التلفزيونية في زمن الثورة السودانية السلمية الباهرة ، في العام 2019 بالإشارة إلى الحاضرين بأن هذا هو ( ود ستنا) حبيبتها، وحبيبة كل من عرفها عن قرب.
في زمن الحرب التي قتلت أعدادا كبيرة من السودانيين وشردتهم داخل السودان وخارجه اضطرت أسرة الفقيدة إلى نقلها - وهي سيدة كبيرة السن –الى خارج الخرطوم مع أفراد الأسرة، بعدما داهم البيت مسلحون، وأشهروا سلاحا في وجوه أهل البيت ، وقد جرى نهب كل ما فيه .
المشهد كان صادما لسيدة في سنها، لم تر مثل هذا المشهد في حياتها.
نُقلت في ظروف صحية صعبة إلى مدني عاصمة ولاية الجزيرة ، وبعدما امتد لهيب الحرب الى هناك تم نقلها مع عدد من أفراد أسرتها إلى القضارف في شرق السودان .
ياله من ترحال موجع، لكبار السن ، والأطفال ، وكل الناس.
انتقلت إلى رحمة الله في القضارف ، وهي كانت تسكن بيتها في الخرطوم.
قناعتي راسخة بقوله تعالى ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) و ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)
واقع الحال في السودان يؤكد أن الحرب التي دخلت عامها الثاني شردت وأذلت عددا كبيرا من السودانيين، المدنيين ،الأبرياء، ويصعب حصرهم الآن.
قتلت الحرب أعدادا تزداد يوميا من السودانيين، برصاص أطراف الحرب (أصدقاء الأمس أعداء اليوم) ، ومشعلي نيرانها، وساكبي الزيت على لهيبها بالأسلحة المتعددة الأشكال والأنواع وبالكلام !.
الحرب قتلت أروع الناس بالمرض، والحزن الشديد، وصدمات هزت الوجدان كما فعلت مع آمنة .
التعازي لأبنائها ، سهام، عادل، عبد الخالق، غادة، ميرفت، أفراح، وروضة ، ولأخواتها وشقيقها ، محاسن ، فاطمة، الفاتح ، وإشراقة
( إنا لله وانا اليه راجعون)
modalmakki@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: السودان.. معادلات الأمن والنفوذ
من واقع التحولات التي يشهدها السودان، ومع تراجع وتيرة الحرب ، تزايدت المؤشرات على أن مسار إعادة تشكيل الدولة بدأ يُدار بتوازنات ذكية، وبأن غرف العمليات السودانية باتت تمسك أكثر من أي وقت مضى بخيوط مستقبل البلاد. في هذا السياق، برزت تحركات غير تقليدية تقودها أجهزة المخابرات في دول الجوار، في محاولة لإعادة تعريف الأمن والسلطة في السودان. بعيدًا عن السرديات الملتبسة التي اختزلت حرب 15 أبريل 2023 في صراع بين جنرالين.
بدأت هذه التحركات الأمنية بزيارة خافتة إعلاميًا، لكنها مثّلت إشارة مبكرة لتغير المزاج الإقليمي، زيارة مدير المخابرات في إفريقيا الوسطى، هنري وانزيت، إلى بورتسودان الذي نقل رسالة شفاهية من الرئيس فوستين أركانج تواديرا، إلى الرئيس البرهان، تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية، وسبل دعمها، وتطويرها. حرص الوفد الزائر على التعبير عن دعم مباشر من رئيس إفريقيا الوسطى، حيث عكست الزيارة اهتمامًا غير عادي بترتيب التفاعلات الأمنية في السودان، خاصة في ظل حدود مفتوحة ومشحونة بإرث الصراعات واللاجئين.
لم تمض أيام على هذه الزيارة حتى حطت طائرة الوفد الإثيوبي في بورتسودان، بقيادة مدير جهاز المخابرات رضوان حسين، حاملاً رسالة مباشرة من رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الرئيس عبد الفتاح البرهان. بدأ الامر كأنه إعلانًا رسميًا لعودة إثيوبيا إلى ساحة التأثير المباشر في الملف السوداني عبر التنسيق المشترك، بعد شهور من التوترات التي بلغت ذروتها في بدايات الحرب، عندما اقترحت أديس أبابا تدخلًا إفريقيًا لحفظ السلام، وأثارت حينها حفيظة الخرطوم.
الوفد الإثيوبي، الذي ضم أيضًا غيتاتشو رضا القائد السابق في تغيراي والمستشار الحالي لرئيس الوزراء الإثيوبي بحسب” الشرق الأوسط “الواضح أنه جاء لإعادة هندسة العلاقة الأمنية بين البلدين، واستكشاف فرص إعادة التموضع الإثيوبي داخل المسرح السوداني. اللقاءات التي جرت، والتفاهمات التي تسرّبت عنها معلومات لاحقة، أشارت إلى جدول أعمال يتجاوز التنسيق الثنائي ليطال قضايا استراتيجية مثل أمن القرن الإفريقي، وضبط الحدود، واحتواء تدفقات اللاجئين، والتعامل مع ملفات الفاعلين غير الشرعيين داخل السودان .
ما كان لافتًا في هذه المرحلة هو التدرج الواضح في الوزن الأمني والسياسي للزوار، فبين إفريقيا الوسطى وإثيوبيا مسافة في التأثير، لكن الاتجاه واحد، السودان بات ملفًا أمنيًا، تتقدمه أجهزة المخابرات ويتصدر أولوياته معادلات دعم الأمن.
على خلفية هذه التحركات، يبرز اسم صلاح قوش مجددًا، الرجل الذي عرفته العواصم الإفريقية ، وعُرف بقدرته على عقد الصفقات خلف الأبواب. عودة اسمه للتداول، ولو بهدوء، تزامنت مع إعادة رسم خارطة التوازنات الأمنية، لتؤكد أن السودان في طريقه نحو صيغة مؤقتة من “الأمن أولًا “،لترتيب المرحلة القادمة.
المفارقة أن عودة قوش المحتملة، أو حتى مجرد طرح اسمه، تُقرأ في بعض الدوائر الإقليمية والدولية كإشارة إلى نضوج لحظة “ما بعد الحرب”، بمعنى إدارة مخرجاتها. في ظل وجود قيادة مدنية موحدة عقب تعين د. كامل إدريس رئيسا للوزراء، وتفرغ المؤسسة العسكرية لجبهات القتال، تظهر الحاجة إلى شخصية ذات قدرة على إعادة بناء شبكات النفوذ، دون الحاجة إلى مؤسسات انتقالية معقدة.
كل هذا يجري في ظل حركة حثيثة من الإتحاد الإفريقي لإعادة السودان إلى منظومته، ولو عبر بوابة مرنة تتقبل فكرة حكومة انتقالية مدعومة أمنيًا. ترحيب الاتحاد بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء فهم على نطاق واسع كإشارة إلى استعداد القارة لغضّ الطرف عن البُعد العسكري للحكم، مقابل ضمان استقرار يسمح بعودة السودان إلى المؤسسات الإفريقية، يعجل بطي ملف الحرب ويدعم الأمن والاستقرار في السودان وفي منطقة القرن الأفريقي والجوار الإقليمي.
أن التقاء الأجهزة الاستخباراتية في بورتسودان، رغم تباين التأثير، يحمل رسالة واحدة بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة مفادها: أن الدولة السودانية تتشكل من جديد، وفقاً لإرادة السودانيين، بجانب موازين المصالح في الإقليم. وهي رسالة جيدة، تراقب وترصد وتنتظر اللحظة المناسبة للانخراط والتأثير. وربما آن الأوان للسودانيين، سياسيين وعسكريين ومدنيين، أن يدركوا أن إعادة بناء الدولة لن تتم عبر استنساخ شعارات الماضي، بل عبر قراءة دقيقة لما يجري من حولهم، واستعادة زمام المبادرة التي توحد النسيج الاجتماعي وتدعم الأمن و استعادة المشروع الوطني الذي يحفظ السيادة ويحجز للسودان مقعدا متقدما بين الشعوب.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 4 يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com