الإسلام السياسي واختطاف الفضاء العام للمسلمين
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
خالد فضل
(1)
لا مندوحة من التذكير ابتداءً أنّ وصف فئة أو جماعة من معتنقي الدين الإسلامي لأنفسهم بأي صفة تشير في جوهرها إلى تخصيصهم بصفة الإسلام، يؤكد من الوهلة الأولى أنّ بقية المسلمين الذين هم خارج أو ضد أفكار وممارسات هذه الفئة هم في وعي هذه الفئات (خارجون عن الإسلام) أو جاهليون أو عصاة أو علمانيين، هذه الوصفة السحرية هي التي يتمكن أفراد في هذه التنظيمات الإسلامية من السيطرة على أتباعهم أولا، وعلى الفضاء العام لبقية المسلمين لاحقا، انظر إلى هذا التخصيص بالإسلام إلى تنظيمات كثيرة من عناوينها، جماعة الإخوان المسلمون، الحركة الإسلامية، حركة الشباب الإسلامي، حركة المقاومة الإسلامية، جماعة أنصار السنة المحمدية، تنظيم الدولة الإسلامية، الميثاق الإسلامي، الجماعة الإسلامية، الجبهة الإسلامية، وصولا إلى حزب الله، أنصار الله.
بالطبع لا يبذل الضحية الجديد جهدا إضافيا لينظر إن كان قد وقع على العنوان الصحيح من جملة عناوين أم دخل إلى الإسلام كيفما اتفق. ويكفيه لبث الطمأنينة في نفسه والركون إلى الرضا المعنوي أن تشير أدبيات تنظيمه الجديد إلى أي مظهر؛ مما تراه ويراه هو مخالفا للإسلام، فيركن إليه كوجاء يحجبه من مغبة التفكير فينساق كخرفان تركيا إلى مجاراة الخروف البطل الذي قفز من قمة صخرة عالية، فاندق عنقه وتبعه القطيع، وكانت من أكبر عمليات الانتحار الجماعي الحيواني حسبما تداولته الوسائط قبل فترة، يكفيه في مصر مثلا أن يشار إلى الاستعراضات الفنية والرقص في شارع الهرم أو شاليهات البحر الأحمر، فيرتعد فرقا، ويتحسس إسلامه السابق وإسلام أسرته الراهن وهي بعد لم تنتظم مثله في هذا السيرك الإسلامي، فيلصق بالأقربين صفات الكفر والجاهلية والفسق والفجور والعصيان، ثم وقاموس الذم والغضب لا يهدأ فيتمدد إلى أجهزة الإعلام، ومؤسسات الدولة بشرطتها وقضاتها ووزرائها ورئيسها الذين يصبحون فضاءً حياً للجهاد باسم الإسلام، ويحدث ما حدث مما يوصف بالإرهاب.
وفي بلد كالسودان حيث ساد ويسود الإسلام بنسخته الصوفية المتهادنة نوعاً ما مع غيرها، كان ذلك الإسلام محل نقد شديد من جماعة الإخوان المسلمين لأول ظهورها في أربعينات القرن المنصرم، بل حتى الستينات منه؛ باعتبار أن تلك النسخة إنما هي الجاهلية نفسها بطقوس تقربها وتوسلها لله بالفقرا الصالحين والتبرك بزيارة القبور التي هي أصنام، وهي الأمور التي ما تزال جماعة أنصار السنة المحمدية تتحدث عنها في معرض عدائها للمسلمين أتباع الطرق الصوفية، لقد تخلت جماعة الإخوان المسلمين عن نعتها للطرق الصوفية بالجاهلية ومفارقة الإسلام عندما رأت الاستثمار في قواعد ومشايخ تلك الطرق وجذبها إلى صفوفها _على وثنيتها_ بغرض تضخيم نفوذها وسيطرتها على الفضاء العام للمسلمين في السودان كما حدث في حقبة الثمانينات والتسعينات وما يزال.
(2)
اعتمدت هذه التنظيمات الإسلامية فيما يبدو على فرضيتين اثنتين لبسط سيطرتها على فضاء المسلمين وإرهابهم، الأولى الدعاية المكثفة، والثانية جهل هذه الجماعات وغالبية المسلمين بالإسلام نفسه؛ جوهره كمعتقد روحي وعقلاني يرقي الإنسان إلى مصاف الكمال البشري. أمّا في مضمار الفرضية الأولى، فبعد تخصيص نفسها بصفة الإسلام، تبدي جهدا كبيرا في مجال الطقوس التعبدية وإظهار الورع والظهور بمظهر الإتباع لتوجيهات القرآن والسنة النبوية حذوك النعل، من إطالة اللحى، وإبراز علامة الصلاة على الجباه، والإكثار من استخدام الآيات والأحاديث لتنضيد الخطاب الدعائي مع الإصرار على أداء بعض الطقوس والنوافل مثل صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، والالتحاق والسيطرة على جمعية القرآن الكريم في المدارس والمعاهد التعليمية، وفي مساجد الأحياء والقرى، مع إعطاء دروس في فقه القرون السابقة وتذويق الكلام بشارات الجسد، أو البكاء في بعض الأحيان، ومع تطور وسائل الدعاية _علما بأنهم لم ينتجوا أي وسيلة منها إنما أنتجتها في الغالب مجتمعات كافرة فاجرة ملحدة وعلمانية _ كما يقول خطابهم الدعائي، واكبوا تطور وسائل الدعاية والإعلام بما يكفي، فأنشأوا المحطات الفضائية والمنصات الإلكترونية على شبكة الإنترنت وغيرها من وسائط الإعلام. كما وفي سبيل الدعاية تم تكوين المليشيات الجهادية وتحت شعار (وأعدوا) نشأت فرق القتل والاغتيالات والعنف البدني مثلما حدث في السودان؛ مما أطلق عليه لفظ (الرباطة) وسوح الجامعات تمتلك خبرة طويلة مع هذه العصابات الإجرامية تحت راية الدعاية الإسلامية، من أيام رقصة العجكو في الستينات إلى كتائب البراء في الوقت الراهن .
ومع تكثيف الدعاية وما تثيره من غبار كثيف يقود إلى إظلام شبه تام للعقول، تمرر الجماعات الإسلامية مخططاتها التي تكمن في حقيقتها في الاستيلاء على السلطة وبسط النفوذ ووضع اليد على مظان الثروات والموارد التي يفترض أنها ملك للمجتمعات المعنية؛ بيد أنّ هذه المجتمعات صنّفت باكرا بالجاهلية والعلمانية والكفر والفسوق والعصيان، فليس لها من ثرواتها نصيب غير الفتات الذي يدخل في مجال الصدقات تقربا لله رب العالمين!!
أمّا الفرضية الثانية، وهي استغلال جهل المسلمين في غالبيتهم العظمى بالإسلام، وهو جهل يشترك فيه معظم قيادات وأعضاء هذه التنظيمات نفسها، بمعنى آخر وكما في القول السائد (أعمى يقود عميان وسط أحراش والكل حفيان _وبدون أي تنمّر بذوي الإعاقة البصرية أو انتقاص من سلامة بصيرتهم؛ وشخصيا حالة بصري ليست عال العال حماكم الله وعافاكم _ إن حالة الجهل تتبدى في أدنى درجات التأمل أو التفكير، خذ مثلا حاضرا، فقد أعدّ الأستاذان الجامعيان المسلمان في جامعة جورج واشنطن الأمريكية (حسين اسكاري وعبدالرحمن زادة)؛ دراسة عبارة عن معايير لقياس مدى انتساب البلدين للإسلام، وتم تطبيقها على جميع دول العالم بحسب توفر البيانات عن هذه الدول، جرى أول تطبيق في العام 2012 ثم توالى تحديث البيانات وبالتالي نتائج وترتيب الدول سنويا: سآخذ هنا نتائج الترتيب لسنتين مختلفتين، وتقوم الدراسة أصلا على 113 مؤشرا جميعها مستنبطة من القرآن والسنة النبوية باعتبارهما مصدرا الإسلام الأصليين، تم اختبار هذه المؤشرات في مجالات (الاقتصاد، حكم القانون، حقوق الإنسان، العلاقات الدولية). في العام 2015، كانت هولندا في المركز الأول، وإسرائيل في المركز 27 ، بينما أول الدول (التي يفترض أنها بلد مسلمون) جاءت قطر في المركز 39؛ أي بفارق 12 مركزا عن (دولة العدو ) !! أما سودان الشريعة، وقبل (القحاتة) الملاعين فقد حصد مركزا مرموقا يحسده عليه أهل الشرك والكفر والفسوق والعصيان، لقد جاء في المركز الرابع، ما شاء لله متوهطا في المركز(150) من (153) لقد سبق الكونغو وتشاد واليمن!! ألا يعد ذلك جهلا مبينا بالإسلام حققته جماعات التجهيل تلك، فمن هو عدو المسلمين غير جهلهم بإسلامهم ذاك الجهل الذي تقودهم إليه تلك التنظيمات بجهالة جهلاء .. في العام 2022م حازت الدنمارك على المركز الأول، إسرائيل رقم 45، ثم قطر حافظت على أوليتها، لكن بتدحرج للمركز 56 من أصل 149 دولة طبق عليها المعيار، والسودان حقق كذلك تقدما معتبرا بالمركز 147 متقدما على أفغانستان وسوريا هذه المرة (والله أكبر).
هذه الدراسة والمعايير والتقارير السنوية مبذولة على شبكة الإنترنيت فقط في قوقل اكتب بالعربي (دراسة معايير إسلامية الدول) يمكن إعطاء بعض المفاتيح مثل حسين اسكاري. ما السبب في عدم تطبيق المسلمين لقيم ومعايير الإسلام في حياتهم؟ لماذا تطبق مجتمعات غالبيتها غير مسلمة أساسا جوهر وقيم الإسلام، ولا توجد بها لافتات دعائية إسلامية، هل العلة في مبادئ الإسلام أم في جهل المسلمين بمبادئ وقيم ما يعتنقون، إذا كانت الأولى فكيف يتبع إنسان راشد قيم معطوبة، وإذا كانت الثانية فالعيب ليس في أن يكون الفرد جاهلا هذا يمكن إزالته بالعلم والفكر والمعرفة بالاستنارة، العيب في المكابرة وادعاء المعرفة كما تفعل التنظيمات الجاهلة وكما يفعل رجرجة من الجهلاء التابعين، دون تدبّر لورود آيات قرآنية كثيرة تحذّر في جوهرها من داء (الأكثرية)، دون تمعّن في مدلول القول المأثور (طوبى للغرباء)، بل دون العمل بتوجيهات القرآن الواضحة بشأن (النفس اللوامة.
إنّ الحاجة إلى عمليات إصلاح ديني شامل تبدو أكثر إلحاحا، لقد قضى المسلمون قرونا طويلة في واد غير ذي زرع، والينابيع الصافية الرقراقة تجري من تحت أرجلهم وهم لا يبصرون، ينهل من فراتها من البشر من أنيرت أمامهم الدروب بفضل المفكرين والفلاسفة والمبدعين والمصلحين فيما المفكر في أوساطهم مدان بالتجديف! والمستنير وسط ظلماتهم منبوذ، والبشرية في سعيها نحو التقدم والتطور قد تعطف على المتخلفين، لكنها أبدا لن تقف تنتظرهم في نص الطريق.
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل فی المرکز
إقرأ أيضاً:
مسبار فضائي سوفياتي يسقط على الأرض.. ما أخطار نفايات الفضاء؟
مرت حادثة سقوط المسبار السوفياتي "كوسموس 482" على الأرض بسلام وأمان، كما كان متوقعا، لكنها كانت مناسبة للتحذير من خطر متزايد اسمه "النفايات الفضائية".
أطلق الاتحاد السوفياتي عام 1972 مسباره الذي صمم للهبوط على كوكب الزهرة في إطار السباق الفضائي مع أميركا إبان حقبة الحرب الباردة، لكن عطلا في الصاروخ الذي حمله أدى إلى فشل المهمة، مما تركه عالقا في مدار بيضاوي حول الأرض لأكثر من نصف قرن.
وخلال الـ10 أيام الماضية، كان هناك اهتمام عالمي بعودته للأرض، وذلك بعد أن كشفت محطات تتبع الحطام الفضائي حول العالم اقترابه من اخترق الغلاف الجوي للأرض، وسقط السبت العاشر من مايو/أيار الجاري فوق المحيط الهندي غرب جاكرتا بإندونيسيا، دون أن يتسبب في أي أضرار تذكر، كما كان متوقعا، وفقا لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس.
ورغم أن كل التوقعات كانت تشير إلى سيناريو السقوط الآمن لهذا المسبار، فإن الاهتمام بهذا الحدث يعكس قلقا مستمرا بشأن الأخطار التي قد يشكلها هذا النوع من الحطام الفضائي على البشر.
حطام متنوع الأحجاموالمركبات الفضائية القديمة أحد أنواع الحطام الفضائي، الذي يضم أيضا أي جسم صناعي تم إطلاقه إلى الفضاء ولم يعد قيد الاستخدام، مثل قطع ناتجة عن عمليات انفصال الصواريخ عن الأقمار الاصطناعية أو التصادم بين الأقمار الاصطناعية.
إعلانوتقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن هناك 54 ألف جسم فضائي يزيد حجمه على 10 سنتيمترات، و 1.2 مليون يتراوح حجمه بين 1 سم و10 سم، و140 مليون جسم يتراوح حجمه بين 1 مم و1 سم.
ويقول الدكتور أحمد مجدي، أستاذ مساعد علوم وتكنولوجيا الفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وعضو فريق مشروع إنشاء المحطة المصرية لرصد الحطام الفضائي والأقمار الاصطناعية في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "لم يتحول المسبار السوفياتي إلى هذا الحجم الصغير، الذي يزيد من فرص السقوط في أكثر من مكان حول العالم، وذلك بسبب مواصفات خاصة في تصنيعه، لكنها مناسبة جيدة للتحذير من خطورة الحطام الأصغر".
وعلى عكس حطام الصواريخ الذي يتفتت وينتشر على مناطق واسعة، فإن "كوزموس 482" مصنوع من التيتانيوم ومصمم لتحمل حرارة الدخول للغلاف الجوي لكوكب الزهرة، لذلك كان سقوطه كجسم واحد متوقعا، مما يقلل من خطر تناثر الحطام على مناطق مأهولة.
وقبل السقوط، كشفت مؤسسة "إيروسبيس كو أوبريشن" الأميركية -المعنية بتعزيز التعاون في مجالات الفضاء والطيران بين الحكومات والشركات وجهات البحث العلمي- عن أن احتمال إصابة أي فرد على الأرض بسبب هذا المسبار تكاد تكون معدومة، وتقدر بمعدل 0.4 في كل 10 آلاف، وهي نسبة تُعد آمنة عالميا، إذ تبقى احتمالية أن يُصاب شخص بصاعقة أكبر بكثير من أن يتعرض لإصابة بسبب سقوط "كوزموس 482".
ومع ارتفاع معدل الخطر في مناسبات أخرى لاختراق الحطام الفضائي للغلاف الجوي للأرض، وذلك بسبب احتمالات تفتته لقطع صغيرة، فإن الواقع يشير إلى أنه حتى مع تلك المعدلات، فإن حوادث تضرر البشر من سقوط هذا الحطام الفضائي محدودة للغاية.
وتاريخيا، لا توجد سوى حادثة واحدة أصابت فيها قطعة من الحطام الفضائي شخصا بشكل مباشر، وكان ذلك عام 1997 في أوكلاهوما بالولايات المتحدة، وعرفت باسم "حادثة لوتي وليامز"، وكانت القطعة صغيرة وخفيفة، بحجم اليد تقريبا، وتبين أنها جزء من خزان صاروخ "دلتا 2″، وهو نظام صواريخ أميركي متوسط الحمولة، استخدمته وكالة ناسا وسلاح الجو الأميركي لإطلاق الأقمار الصناعية والمهمات الفضائية بين عامي 1989 و2018، ولم تُصب لوتي بأي أذى يُذكر، واقتصر الأمر على صدمة خفيفة.
إعلانأما الحادثتين الأخريين، فكانتا عام 2022 حين سقطت أجزاء كبيرة نسبيا من صاروخ "فالكون 9″، التابع لشركة "سبيس إكس الأميركية، مثل ألواح حرارية وهياكل معدنية، في منطقة نائية في أستراليا، ولم يصب أحد، لكن كان هناك قلق من حجم وسرعة القطع.
وفي عام 2020، سقط جزء من صاروخ صيني "لونج مارش فايف بي" غرب أفريقيا، وأصابت بعض الشظايا المعدنية الضخمة قرى بساحل العاج، ورغم الأضرار المادية (تدمير بعض المنازل)، فلم تُسجل إصابات بشرية.
والتفسير العلمي لندرة حوادث الارتطام، رغم تقرير وكالة الفضاء الأوروبية الذي يشير لكثرة الحطام الفضائي، هو أن "معظم سطح الأرض غير مأهول، إذ إن نحو 71% مغطى بالمحيطات، وحتى على اليابسة، توجد مساحات شاسعة غير مأهولة بالسكان (كالصحارى، والغابات، والجبال)"، كما يوضح مجدي.
ويضيف: "لكن هناك مخاوف من أنه مع تزايد الأنشطة الفضائية قد يتجاوز عدد الحطام الإحصائية التي أشارت لها الوكالة الأوروبية، وهو ما يزيد من احتمالات وصوله للمناطق المأهولة".
ويرتبط بهذا الخطر تحد آخر، وهو أنه عندما تعود الأجسام الفضائية (مثل الصواريخ أو أجزاء الأقمار الصناعية) إلى الأرض بطريقة غير مُتحكم بها، فإنها قد تمر عبر الأجواء التي تستخدمها الطائرات المدنية، مما يشكل خطرا -وإن كان ضئيلا- بوقوع اصطدام.
وتشير دراسة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" -نشرتها دورية "ساينتفيك ريبورتيز" في يناير /كانون الثاني الماضي- إلى أنه في المناطق ذات الكثافة الجوية العالية جدا (مثل المطارات الكبرى) هناك احتمال بنسبة 0.8% سنويا أن تتأثر هذه الأجواء بسقوط جسم فضائي غير مُتحكم به.
ويرتفع هذا الاحتمال إلى 26% سنويا في المناطق الجوية الأوسع ولكن لا تزال مزدحمة، مثل شمال شرق الولايات المتحدة، وشمال أوروبا، والمدن الكبرى في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
إعلانوالمعضلة التي تواجه السلطات هي أنه إذا أغلقت السلطات المجال الجوي مؤقتا خلال عملية دخول جسم فضائي غير متحكم به، فإنها تقلل خطر الاصطدام، لكن في المقابل، تؤدي هذه الإغلاقات إلى تأخيرات مكلفة اقتصاديا في حركة الطيران، لذلك، تقف السلطات أمام معضلة: هل تحمي السلامة وتغلق المجال الجوي؟ أم تتجنب الخسائر الاقتصادية وتتركه مفتوحا؟
والحل المثالي هو التأكد من أن كل عمليات العودة إلى الأرض تتم بشكل مُتحكم فيه، وتوجيهها إلى المحيط، لكن الدراسة تعترف بأنه حل غير واقعي بسبب وجود أكثر من 2300 جسم صاروخي حاليا في المدار ستعود جميعها بشكل غير مُتحكم فيه يوما ما.
والنتيجة أنه ستستمر هذه المخاطر لعقود قادمة، وستظل سلطات الطيران المدني تواجه قرارات صعبة في كل مرة يحدث فيها سقوط غير مُتحكم به لجسم فضائي.
وبالإضافة لهذه الأخطار، هناك خطران آخران للحطام الفضائي، يتجاوزان نسبة حدوث أخطار إصابة البشر على الأرض والطائرات المدنية في المجال الجوي، إذ يتعلقان بالتأثير السلبي المحتمل للحطام على رواد الفضاء والأقمار الاصطناعية.
ويقول مجدي إن "أحد الأخطار الرئيسية المرتبطة بالحطام الفضائي هو التصادمات التي قد تحدث مع الأقمار الاصطناعية العاملة، وهذه التصادمات لا تسبب فقط أضرارا مباشرة للأجهزة الفضائية، بل تؤدي إلى توليد مزيد من الحطام".
ووفقا للوكالة الأوروبية للفضاء، تم تسجيل أكثر من 650 حادثة تفكك أو تصادم أو انفجار أو حادثة شاذة أخرى في المدار منذ بداية عصر الفضاء في عام 1957، ومن بين هذه الحوادث، وقعت 7 تصادمات مؤكدة بين أقمار صناعية أو أجسام فضائية أخرى، مما أدى إلى توليد كميات كبيرة من الحطام الفضائي.
وأحد أبرز هذه التصادمات وقع في فبراير/شباط 2009، عندما اصطدم القمر الصناعي الأميركي العامل "إيريديوم 33" بالقمر الصناعي الروسي غير النشط "كوزموس 2251" على ارتفاع 789 كيلومترا فوق سيبيريا، و أسفر هذا التصادم عن تدمير كلا القمرين الصناعيين وتوليد أكثر من 1800 قطعة من الحطام القابل للتتبع.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 12 تصادما صغيرا يحدث سنويا في المدار، مما يعكس التحديات المتزايدة في إدارة حركة المرور الفضائية.
والتأثيرات خارج حدود الأرض تشمل أيضا المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها رواد الفضاء، ويشير تقرير لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عام 2022 إلى أن هناك خطرا متزايدا على رواد الفضاء بسبب الحطام الفضائي.
ووفقا للتقرير، فإن أكثر من 100 مليون قطعة بحجم حبة الملح، يمكن أن تثقب بدلة الفضاء، وأكثر من 500 ألف قطعة بحجم كرة زجاجية، كبيرة بما يكفي للتسبب في أضرار للمركبات الفضائية، وخاصة خلال عمليات السير في الفضاء.
إدارة الحطام الفضائيوللتعامل مع خطر الحطام الفضائي، فإن البداية تبدأ من تحسين الرقابة والإنذار المبكر، عبر التوسع في إنشاء محطات رقابة الحطام الفضائي، ومنها أكبر محطة في الشرق الأوسط، ستبدأ عملها في مصر قريبا، بتعاون مصري صيني.
ويقول مجدي، وهو عضو في مشروع إنشاء هذه المحطة، إن "هذه المحطات تمثل جزءا من أنظمة الإنذار المبكر التي تتيح تحديد موقع الحطام وتحذير المشغلين حول أي تهديدات محتملة".
ويضيف أنه "بعد رصد التهديدات عبر محطات تتبع الحطام، ستسعى وكالات الفضاء للتعامل معها، باستخدام تقنيات يجري تطويرها بهدف إزالة هذه القطع من المدار، فعلى سبيل المثال، تطور ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، روبوتات فضائية تستخدم تقنيات مثل الشبكة أو الرمح، لالتقاط القطع الفضائية، ثم سحبها إلى المدارات المنخفضة حيث يمكن أن تدخل الغلاف الجوي وتتفكك".
وإلى أن تثبت تقنيات إدارة الحطام الفضائي فعاليتها، فإن سقوط "كوسموس 482″، رغم أنه مر بسلام، فقد قرع جرس إنذار لمجتمع الفضاء الدولي، مفاده أنه: "إذا كان خطر إصابة البشر على الأرض بالحطام الفضائي منخفضا جدا في الوقت الراهن، فإن الاستمرار في تجاهل هذه المسألة قد يؤدي إلى سيناريوهات أكثر خطورة في المستقبل، سواء على الأرض أو في الفضاء نفسه".
إعلان