حمد العلوي.. مات شامخًا
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
سالم بن نجيم البادي
رحل الرجل النبيل صاحب القلم الشجاع والقلب ناصع البياض، الذي لم يكن يخفق بغير حب الوطن والإنسان والعروبة والإسلام. كان مُتميزًا وصاحب مبادئ لا يتزحزح عنها، ومثقفا من الطراز الرفيع، وكانت مقالاته تصدح بالحق لا يخاف في ذلك لومة لائم.
أخبرني ذات مرة أنَّ إحدى الجهات استدعته وطلبت منه تغيير أسلوبه في الكتابة، لكنه رفض ذلك رفضًا تامًّا وخرج مرفوع الرأس، واثقًا من نفسه، وهو يعلم أنه لا أحد يستطيع أن يجبره على تغيير أسلوبه في الكتابة، ولا تغيير مبادئه وقناعاته، وهدفه في كل الأحوال مصلحة الوطن والمواطن، ثم إنه هو رقيب نفسه، وهو الذي أفنى سنوات عمره في خدمة الوطن، وقد تدرَّج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة مقدم في شرطة عمان السلطانية، بعد أن عاد إلى أرض الوطن مع من عادوا من العمل في دول الخليج، وذلك مع بداية النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله.
وقد شهد له كل من عرفه في العمل بالكفاءة والحزم والإخلاص والتفاني والإبداع والحكمة والرشد، والقدرة على إدارة الأزمات وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وشغفه الكبير بعمله. وقد تألم كثيرًا بعد أن أُحِيل إلى التقاعد، وكان دائم الحديث عن التقاعد والمتقاعدين وضعف رواتبهم وقلة الاهتمام بهم، وكتب عنهم مقالات عدة، وكان يحب أن يحوِّر كلمة متقاعد إلى "مت قاعدا"، لكنه أبدا لم يمُت قاعدًا، بل مات شامخًا ومنافِحًا عن القضايا التي يُؤمن بها: قضايا الوطن والإسلام والعروبة والإنسان، فكانت له آراء يجهر بها دون وجل، وهو على دراية تامة بخفايا ودهاليز القضايا المعاصرة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والجماعات والأحزاب المختلفة، ولديه قدرة عجيبة على التحليل العميق، قد تفوق قدرة بعض هؤلاء المحللين الذين تستضيفهم القنوات الفضائية، وأستطيع القول بأنَّ الرجل داهية، وحاد الذكاء، ومدرسة في القيم والمبادئ والأخلاق والنخوة والشهامة والغيرة على الوطن، كان يتصدى لكل من يحاول الإساءة لعُمان عبر المقالات وفي منصة (x)، وفي المجالس وفي مجموعات الواتساب، وبكل الوسائل المتاحة له.
أعرفُ الرجل بحُكم أن والدته من بلدتنا، ومازحته ذات مرة قائلا: "نحن نقرأ لك فقط لأن والدتك منَّا"، ابتسم وهو يعلم أنَّ مقالاته الرصينة تجد القبول والترحيب من كل فئات المجتمع، ودليله في ذلك الصدى الواسع لمقالاته، والتعليقات التي تصل إليه بعد نشرها، وكان سعيدًا لأن الكثير من مقالاته كانت تحصد المركز الأول في القراءة في الموقع الإلكتروني لجريدة "الرؤية"، فكانت مقالاته مميزة وله أسلوبه الخاص، وكان يطعِّم مقالاته باللهجة العمانية القديمة، وكنت أتواصل معه بشكل دائم وهو يتصل بي ليسأل عن والدي الذي يحرص على زيارته دائمًا، خاصة في الأعياد والمناسبات.
وحين اتصلت به أيَّام عيد الأضحى الماضي، وقد منعه المرض من القدوم من مسقط حيث يقيم إلى ولاية ينقل، أخبرته أن أبي يفتقده حتى إنَّه ترك له من المشاكيك ولحم التنور، وفي كل يوم من أيام العيد يقول أبي: "اليوم أنتظر حمد"، وحين أخبرته بذلك بدا متأثرًا وحزينًا، وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى والدي، وأن أخبره بأنه بخير وسوف يزوره قريبا.
وكان -رحمه الله- حين يزورنا لا نمل من حديثه، كان في كل أوقاته بشوشا، حلو المعشر، تألفه النفس، يتكلم عن ذكرياته وعن تجاربه الثرية في الحياة، وعن مقالاته والقضايا التي تشغل الناس في المجتمع، وعن رغبته تطوير قريته "حيل العرب" الواقعة شمال ولاية ينقل بين الجبال الشاهقة وفي أعماق واد سحيق، وإعادة الحياة إليها بعد أن هجرها كل سكانها، وقد استطاع الحصول على الموافقة لشق طريق ترابي إلى القرية، بعد أن كان الوصول إليها يتم بواسطة الحمير أو سيرًا على الأقدام، وقام ببناء استراحة صغيرة في القرية، وكان يأمل وصول الكهرباء وكل الخدمات إلى قريته.
كان -رحمه الله- يتابع مقالاتي ويشجعني وينتقدني أحيانا، حتى إنه اقترح عليَّ تغيير صورتي في الجريدة بسبب التمصيرة، فقلت له إني لا أجيد غير هذه التمصيرة، وأختلف معه أحيانا لكنه يبقى القدوة، وهو الذي شجعني للكتابة في جريدة "الرؤية" الرائدة.
وبرحيل حمد بن سالم العلوي، فقد الوطن أحد رجاله الأنقياء الأفذاذ والمخلصين والمدافعين عنه بحماس وحب.. نسأل الله أن يرحمه ويغفر له وأن يُسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف: نمد أيدينا لأبنائنا من ذوي القدرات.. أنتم فخر هذا الوطن
شهد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، افتتاح فعاليات مؤتمر دولي بعنوان "المرأة في حياة ذوي الاحتياجات الخاصة في ضوء رؤية مصر ٢٠٣٠ - دعم وتمكين في إطار التنمية المستدامة. يقام المؤتمر تحت شعار "هي تستطيع"، وتنظمه لجنة خدمة المجتمع وتنمية البيئة، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر؛ وبرئاسة فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، وبحضور كلٍّ من: الأستاذ الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث - مقرر المؤتمر؛ والأستاذ الدكتور عبد الدايم نصير، مستشار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف؛ والمستشارة الدكتورة أمل عمار، رئيس المجلس القومي للمرأة؛ والأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحمن، مساعد وزير التضامن الاجتماعي للحماية الاجتماعية؛ والأستاذ الدكتور محمد فكرى خضر، نائب رئيس جامعة الأزهر لفرع البنات؛ والمهندسة هدى دحروج، مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتنمية المجتمعية الرقمية؛ وعدد من السفراء وقيادات جامعة الأزهر والعلماء والمفكرين.
وفي كلمته رحب وزير الأوقاف بالسادة الحضور، مؤكدًا أن هذا المؤتمر يتناول أمرًا شديد الأهمية، ألا وهو التضافر وحشد الجهود من أجل خدمة ثلاثة محاور مهمة، أولها: دور المرأة تقديرًا وعرفانًا وإكبارًا، وثانيها: ذوو القدرات الخاصة من أبنائنا الكرام من ذوي الهمم، وثالثها: الربط بين المرأة وبين ذوي القدرات الخاصة.
وأشار الوزير إلى تاريخنا الإسلامي زاخر بأمثلة لاعتناء العلماء بذوي الهمم والقدرات الخاصة؛ الذين أكرمهم الله تعالى بفقد حاسة من حواسهم في ظاهر الأمر، وعوّضهم بمواهب وعطاءات وبصائر نافذة وطاقات جبّارة وعقول متألقة ومواهب كريمة، فقد ألّف الجاحظ كتابا في القرن الثالث الهجري جمع فيه أصحاب القدرات الخاصة والهمم من الصحابة والتابعين والعلماء والأئمة والأكابر، وألف كذلك الإمام الكبير صلاح الدين الصفدي كتاباً جامعًا لأصحاب المواهب والهمم والقدرات الخاصة ممن فقدوا حاسة البصر، لكن استنارت بصائرهم، وهذا يُبيّن مقدار الاعتزاز والإكبار لدينا كمسلمين وكمصريين لذوي الهمم وذوي القدرات الخاصة.
واختتم الوزير كلمته مخاطبًا أبناءه وبناته من كل ذوي القدرات الخاصة في بلدنا العظيم -أرض الكنانة- مصر، قائلاً: نحن جميعًا؛ الأزهر الشريف، وإمامه الأكبر، ووزارة الأوقاف، وجامعة الأزهر، والمجلس القومي للمرأة، وكافة وزارات الوطن: أبناءَنا الكرام وبناتنا الكريمات من ذوي القدرات الخاصة، نحن نفتخر بكم، ونعتز بكم، ونسخّر كل مؤسسات الدولة لخدمتكم، ونثق فيما لديكم من مواهب وطاقات مدهشة، وندعمكم بكل ما نملك، ونتطلّع ونرقب منكم أن تكونوا في الغد القريب أئمةً وقادةً وزعماء وعظماء، وأن تكونوا مبدعين، وتمتلكوا من الهمة والطاقة والموهبة ما يصنع نماذج مدهشة ومحيرة من عبقريتها. وأضاف: ويكفي أن أختِم بكلمة توقّفتُ أمامها كثيرًا من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد كان مرةً يتحدث عن الحديث النبوي الشريف: "إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم"، فكان فخامة الرئيس يقول: "إذا كان هؤلاء الضعفاء من ذوي القدرات الخاصة في مكانة يُنصَر بها الأقوياء، فهم أقوى الأقوياء".
وأردف الوزير: باسم وزارة الأوقاف، أهنّئ المؤتمر الكريم في جامعتنا العريقة العزيزة جامعة الأزهر الشريف، وأهنئ كل القائمين على المؤتمر، وكل العاملين على صياغته ونجاحه. وباسم وزارة الأوقاف، نتقدّم لأبنائنا وبناتنا من كل ذوي القدرات الخاصة في سائر ربوع الوطن بكل الدعم حتى نرى منكم في الغد القريب شموسًا مشرقة تنير سماء الوطن، بل تنير سماء الإنسانية.
وفي ختام المؤتمر شارك وزير الأوقاف في تكريم عدد من ذوي الهمم، كما كرم الأستاذ الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر وزيرَ الأوقاف؛ تقديرا لجهوده المخلصة في رعاية ذوي الهمم، ودعم حقوق المرأة في كل الاتجاهات، وفي الدعوة ونشر الوعي والفكر الوسطي بشكل عام.