روما، إيطاليا – عندما انتُخب البابا فرنسيس عام 2013، واجه دعوات صاخبة لتوسيع دور المرأة داخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

آنذاك استجاب البابا السابق إلى حد ما. فتح فرنسيس اجتماعات رئيسية أمام النساء، وسمح لهن بتولي أدوار عليا داخل البيروقراطية المركزية القوية للكنيسة، وعين أول امرأة "رئيسة لحكومة الفاتيكان".

بالنسبة للبعض، كانت هذه خطوات جبارة لمؤسسة محافظة بشدة. ولكن بالنسبة لكثيرين آخرين، لم ترقَ خطوات فرنسيس إلى ما هو مطلوب لجعل الكنيسة "شاملة ومتنوعة" حقًا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2معرض "كنوز منقذة من غزة" في باريس.. حكاية وطن حافظ على ذاكرته رغم كل محاولات الطمسlist 2 of 2قبل حوالي 2500.. كيف أسست أميرة بابلية أول متحف في العالم؟end of list

والآن، وبينما كان يعقد الكرادلة اجتماعات يومية قبل بدء عملية التصويت عقب وفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل/نيسان، يظل دور المرأة في الكنيسة قضية خلافية. عندما يخرج الكرادلة أخيرًا من خلوة "الكونكلاف" (اجتماع الكرادلة لانتخاب البابا) في الفاتيكان، هل سيكونون قد اختاروا بابا يكمل نهج فرنسيس ويقر تغييراته أم شخصًا قد يتراجع عنها؟

قالت كيت ماكيلوي، المديرة التنفيذية لمؤتمر رسامة النساء (Women’s Ordination Conference)، وهي منظمة غير ربحية تركز على حقوق المرأة داخل مؤسسات الكنيسة: "النساء لا يحبسن أنفاسهن". وأضافت "هناك بعض القلق بشأن ما إذا كانت البابوية القادمة ستشهد بعض التراجع عن التقدم المحرز، لأن هناك رغبة حقيقية في استمرار مشروع إدماج [المرأة]».

إعلان المشروع غير المكتمل

لا يزال إرث فرنسيس موضع نقاش عندما يتعلق الأمر بالمرأة في الكنيسة.

راهبات يستمعن إلى البابا المنتخب حديثا ليون الرابع عشر، وهو يخاطب الحشد من الشرفة المركزية الرئيسية لكاتدرائية القديس بطرس للمرة الأولى (الفرنسية)

لقد منح النساء حق التصويت على القضايا المتعلقة بالكنيسة في "سينودس الأساقفة" (جمعية لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية). كما عين عشرات النساء في مناصب رفيعة المستوى، بما في ذلك باربرا جاتا مديرة لمتاحف الفاتيكان، والأخت رافاييلا بيتريني رئيسة لدولة الفاتيكان، والأخت سيمونا برامبيلا كأول امرأة تشغل منصب رئيس لمكتب بالفاتيكان يشرف على الرهبانيات لكل من الرجال والنساء. بشكل عام، طوال بابوية البابا فرنسيس، ارتفع وجود المرأة في القوى العاملة بالكنيسة من حوالي 19% إلى 23.4 %، وفقًا لأرقام الفاتيكان.

ولكن بالنسبة للبعض، كانت هذه مجرد تغييرات شكلية. لم يحرز البابا تقدمًا في القضية المثيرة للجدل المتعلقة برسامة النساء، لا سيما كشمامسة (Deacons – رتبة كنسية) أو كاهنات (Priests – رتبة كنسية أعلى).

في الكنيسة الكاثوليكية، يشمل دور الشماس بعض الوظائف الدينية، مثل المساعدة أثناء القداس وأداء طقس التعميد، ولكنه لا يسمح بأداء معظم "الأسرار المقدسة".

شكل البابا فرنسيس لجنتين -الأولى عام 2016 والثانية عام 2020- للنظر فيما إذا كان بإمكان النساء العمل كشمامسة من خلال دراسة ما إذا كان هذا هو الحال في القرون الأولى للكنيسة. لم يُنشر التقرير الذي أعدته المجموعة الأولى للجمهور قط لأن اللجنة لم تتمكن من الاتفاق على القضية، وفقًا لفرنسيس، بينما لم تنهِ اللجنة الثانية عملها أبدًا. في عام 2024، خلال مقابلة مع شبكة "سي بي إس" (CBS) الأميركية، قدم البابا فرنسيس رفضًا قاطعًا لرسامة النساء شمامسة. ولكن بعد بضعة أشهر، وقّع على الوثيقة النهائية لسينودس، قائلا إن القضية يجب أن تظل مسألة "مفتوحة".

قالت ماكيلوي "يبدو الأمر وكأنه فتح الباب لكنه لم يفتحه بالكامل".

أما بالنسبة لصيرورة النساء كاهنات، فقد أصدر البابا يوحنا بولس الثاني عام 1994 حظرًا تم تأكيده مرارًا وتكرارًا منذ ذلك الحين.

إعلان "نادي الرجال المغلق"

هذا التمثيل الناقص يتجلى بوضوح هذه الأيام حيث يناقش أعضاء هيئة مكونة بالكامل من الرجال مصير الكنيسة. في اجتماعات ما قبل المجمع الانتخابي في روما، يناقش الكرادلة ما يعتقدون أنها القضايا والأولويات الأساسية التي يجب أن يكون البابا المستقبلي قادرًا على معالجتها؛ من الفضائح الجنسية والمالية للكنيسة وأزمة الإيمان العالمية إلى العلاقات مع الصين وأهمية القانون الكنسي.

معظم الكرادلة الذين صوتوا للحبر الأعظم الجديد داخل كنيسة سيستين في الفاتيكان هذا الأسبوع، قد تم تعيينهم من قبل البابا فرنسيس ويتماشون مع العديد من أفكاره وقضايا جدول أعماله، مثل العدالة الاجتماعية والهجرة وتغير المناخ. ومع ذلك، يقول المراقبون إنهم لم يوضحوا مواقفهم بشأن المرأة في الكنيسة بشكل جلي.

راهبات يصلين في ساحة القديس بطرس في اليوم الثاني من المجمع البابوي، في مدينة الفاتيكان (الأوروبية)

في عام 2023، قال الكاردينال أندرس أربوريليوس، أسقف ستوكهولم بالسويد، إنه "من المهم أن نرى أن هناك طرقًا أخرى" للنساء لخدمة الكنيسة "غير الخدمة الكهنوتية". وفي خطاب ألقاه في اجتماع ما قبل المجمع الانتخابي هذا الأسبوع، فاجأ بنيامينو ستيلا، وهو كاردينال إيطالي يُنظر إليه على أنه مقرب من البابا الراحل، زملاءه من رجال الدين باتهامه فرنسيس بخلق "فوضى" في الكنيسة من خلال فتح إدارة مكاتب الفاتيكان أمام رجال ونساء ليسوا جزءًا من الإكليروس.

الأخت ماري، وهي راهبة وصلت إلى الفاتيكان من مرسيليا بفرنسا، أثناء انتخاب البابا الجديد، توافق على ذلك الطرح.

قالت، طالبةً عدم الكشف عن لقبها "لكل شخص دوره ونحن سعداء بالبقاء في مكاننا، الذي ليس ضمن التسلسل الهرمي للكنيسة". وأضافت: "إن [تعيين النساء شمامسة أو كاهنات] من شأنه أن يغير طبيعة مؤسسة الكنيسة وعملية نقل الإيمان».

إعلان

هناك أيضًا الحرس المحافظ الذي أثار غضبه قرار فرنسيس بتعيين أشخاص غير إكليروس في مناصب عليا. في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية الأسبوع الماضي، أشار الكاردينال الألماني غيرهارد لودفيغ مولر، وهو محافظ بارز، إلى كيف أن الكوريا الرومانية (الجهاز الإداري للكنيسة الرومانية الكاثوليكية) هي هيئة كنسية لا ينبغي أن يديرها علمانيون، وهو على الأرجح انتقاد لتعيين الأخت برامبيلا العام الماضي.

الراهبات يحتفلون في ساحة القديس بطرس بعد رؤية الدخان الأبيض الذي أعلن انتخاب البابا الجديد خلال المجمع البابوي (غيتي) واقع قائم بالفعل

ومع ذلك، لا يمكن للكنيسة أن تتجاهل موضوع المرأة ودورها بعد الآن، كما أشارت سابينا بافوني، أستاذة تاريخ المسيحية بجامعة نابولي الشرقية وعضو الجمعية الإيطالية للمؤرخين.

قالت بافوني "هناك وعي بضرورة معالجة هذا الموضوع لأنه لا يزال يعتبر من الموضوعات الساخنة، ولكن كيفية معالجته ليست واضحة بعد".

وأشارت إلى أن قضية إدماج المرأة في الكنيسة هي أيضًا مسألة عملية متزايدة الأهمية ومركزية لعمل المؤسسات الكاثوليكية ذاتها.

تدير النساء بالفعل شؤون العديد من المجالات في أنحاء كثيرة من العالم، من إدارة الرعايا (وحدات إدارية كنسية)، ودعم أنظمة الرعاية الصحية المحلية، والتعليم، بينما يتناقص عدد الرجال الذين يدخلون سلك الكهنوت في معظم الأماكن.

قالت بافوني "لقد تغيرت الكنيسة بالفعل". "وعلى الكنيسة أن تواكب هذا الواقع".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اجتماعي المرأة فی الکنیسة البابا فرنسیس الکنیسة ا

إقرأ أيضاً:

بعد البابا فرنسيس.. من يكون الخليفة رقم 267 للقديس بطرس في الفاتيكان؟

في قلب مدينة الفاتيكان، وتحديدًا داخل جدران كنيسة سيستين، يحتشد كرادلة الكنيسة الكاثوليكية في طقس مغلق يحمل من الرمز والدلالة أكثر مما يحمله من السياسة والإدارة.

فالمجمع البابوي، الذي يُعقد لاختيار البابا الجديد، لا يتمحور فقط حول تحديد شخصية الزعيم الروحي لأكثر من مليار كاثوليكي حول العالم، بل يتعلق جوهريًا بإرث لاهوتي وروحي متجذّر في عمق التاريخ المسيحي.

"مفاتيح ملكوت السماوات"، التي سلّمها يسوع لبطرس كما ورد في إنجيل متى، تعود اليوم إلى الواجهة، لا كمجرد رمز، بل كمعيار لمهمة كونية ترتكز على الإيمان والتفويض والسلطة الأخلاقية.

قرار روحي سياسي

حسب صحيفة نيويورك تايمز، الخميس 8 مايو 2025، في كل مرة يجتمع فيها الكرادلة، كما هو الحال في هذه الأيام بعد وفاة البابا فرنسيس، فإنهم لا يختارون فقط رئيس دولة الفاتيكان، بل أيضًا الخليفة رقم 267 للقديس بطرس، الذي يُنظر إليه بحسب التقاليد الكنسية كأول قائد للكنيسة.

وشدد الكاردينال تيموثي دولان من نيويورك على أن السؤال الحقيقي في هذه اللحظة ليس فقط عن طبيعة المنصب، بل عن هوية من سيحمل هذا الإرث: "إنه ليس رئيسًا تنفيذيًا أو رئيس مجلس إدارة"، قال، "بل هو خليفة القديس بطرس، وأسقف روما".

خيارات الكرادلة بين التقاليد والتجديد

في لحظة مفصلية من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ومع انتهاء بابوية وبدء أخرى، تتجه أنظار العالم نحو قلب الفاتيكان، حيث ينعقد المجمع المغلق (الكونكلاف) لاختيار البابا الجديد.

ويتجاوز هذا الحدث كونه مجرد انتقال في القيادة الروحية، بل يحمل في طياته أبعادًا دينية وسياسية وإنسانية في آن واحد، إذ يشكّل منصب البابا سلطة أخلاقية وروحية مؤثرة على الساحة العالمية، ويعكس مواقف الكنيسة تجاه قضايا العدالة والسلام وحقوق الإنسان في عالم متغيّر وسريع الإيقاع.

يبرز الكاردينال الفلبيني لويس أنطونيو تيبل كأحد أبرز الأسماء المطروحة بقوة لتولّي المنصب البابوي، مستندًا إلى سجله الإنساني ونشاطه الفاعل في ميادين العدالة الاجتماعية.

ويمثّل تيبل صوتًا صادقًا للعالم النامي، وقد عُرف بدعواته المتكررة لاحتضان المهمشين والدفاع عن الفقراء، ما جعله محل تقدير داخل أوساط الكنيسة الكاثوليكية وخارجها، خاصةً في القارة الآسيوية التي تشهد تزايدًا في عدد المؤمنين الكاثوليك.

إلى جانبه، يحظى الكاردينال بييترو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان، بمكانة مرموقة لما له من خبرة واسعة في إدارة العلاقات الدبلوماسية للكرسي الرسولي، وقد لعب دورًا حاسمًا في عدد من الاتفاقيات والحوارات بين الفاتيكان ودول عدة.

ويُنظر إليه كشخصية توازن بين البعد اللاهوتي والبُعد السياسي، ويُمكن أن يُمثّل استمرارًا للاستراتيجية البابوية الهادئة والدبلوماسية التي طبعت السنوات الماضية.

ومن خارج الدائرة الأوروبية والآسيوية، برز اسم الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست مؤخرًا كأحد الخيارات المحتملة. يتمتع بريفوست بخلفية رعوية وتعليمية قوية، وهو شخصية بارزة في الكنيسة الأمريكية، ويُعرف بانفتاحه الفكري وقدرته على التواصل مع الأجيال الجديدة من المؤمنين.

دخوله إلى قائمة المرشحين بقوة يعكس تحولات جديدة داخل الفاتيكان تجاه تعزيز الحضور العالمي للكنيسة.

سرية تامة وقرار مصيري

يتميّز انتخاب البابا بطقوس عريقة ودرجة عالية من السرية. إذ يدخل الكرادلة المؤهلون مجمعهم المغلق في كنيسة سيستين بعيدًا عن الإعلام وأي تأثير خارجي.

وتُراجع خلفيات المرشحين بعناية فائقة، وتُناقش رؤاهم بشأن مستقبل الكنيسة وتوجهاتها الفكرية والروحية. لا يُنتخب البابا إلا إذا حصل على ثلثي الأصوات، وهي نسبة تؤكّد ضرورة التوافق العميق بين الكرادلة.

قد تمتد جلسات التصويت لعدة أيام، يتخللها صلوات وتأملات، ويُشعل دخان أسود من مدخنة الكنيسة للإشارة إلى فشل التصويت، بينما يُشعل الدخان الأبيض عند انتخاب البابا الجديد، في لحظة ينتظرها ملايين الكاثوليك حول العالم بترقبٍ وخشوع.

سياق حساس وتحديات كبرى

يأتي هذا الانتخاب في لحظة حرجة للفاتيكان، حيث يواجه تحديات متعددة تتعلق بدور الكنيسة في قضايا حقوق الإنسان، والهجرة، وحماية البيئة، والعدالة الاجتماعية، فضلًا عن ملفات شائكة مثل العلاقة مع الأديان الأخرى.

كما تبرز الحاجة إلى قيادة روحية تمتلك الحكمة والجرأة في معالجة قضايا الشباب وتطورات العالم الرقمي، والتفاعل مع صعود التيارات اليمينية والشعبوية التي تشهدها مناطق عدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية. في خضم هذه المتغيرات، تزداد الحاجة إلى بابا قادر على تجسيد القيم الإنجيلية بفعالية ومرونة مع الحفاظ على عمق العقيدة.

صوت للسلام ورمز للأمل

لا يقتصر تأثير البابا على الكاثوليك البالغ عددهم أكثر من مليار وربع حول العالم، بل يمتد إلى دوائر أوسع باعتباره شخصية رمزية تُمثّل صوتًا عالميًا في الدفاع عن كرامة الإنسان، وتعزيز الحوار بين الثقافات، والدعوة إلى السلام والعدالة.

ومن هنا، تكتسب هوية البابا القادم أهمية بالغة: هل سيكون من العالم النامي مجددًا كما حدث مع البابا فرنسيس الأرجنتيني؟ أم يعود المنصب إلى أحد أبناء القارة الأوروبية ذات التاريخ العريق في الكرسي الرسولي؟

وبين تقاليد الكنيسة العريقة وتحديات الحاضر، يُعقد المجمع البابوي المغلق لاختيار خليفة القديس بطرس رقم 267، في مشهد يُلخّص عمق الروحانية المسيحية واتساع أثرها في العالم المعاصر، وقرار الكرادلة هذه المرة لا يُحدد فقط مَن سيحمل المفاتيح الرمزية لكنيسة المسيح، بل أيضًا من سيحمل آمال العالم في لحظة عطشى للسلام والتجديد والقيادة الروحية النزيهة.

طباعة شارك البابوية البابا فرنسيس الكنسية الكاثوليكية الفاتيكان

مقالات مشابهة

  • في حدث تاريخي غير مسبوق.. انتخاب أول بابا أميركي لقيادة الكنيسة الكاثوليكية
  • ليو الرابع عشر أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية
  • الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست بابا الفاتيكان الجديد
  • رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ الكاثوليكية بانتخاب بريفوست بابا للفاتيكان
  • سلام: أهنئ الكنيسة الكاثوليكية والمؤمنين بانتخاب قداسة البابا
  • أمريكي الجنسية .. تعرف على روبرت فرنسيس بريفوست بابا الفاتيكان الجديد
  • بعد البابا فرنسيس.. من يكون الخليفة رقم 267 للقديس بطرس في الفاتيكان؟
  • انتخاب بابا الفاتيكان: كيف يحدد لون الدخان مصير الكنيسة؟
  • مراسم مجمع الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان الجديد خلفا للبابا فرنسيس ستبدأ اليوم