خبراء يجيبون لـ "للفجر".. هل ينجح مؤتمر القاهرة لحل أزمة السودان؟
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
استضافة القاهرة خلال الساعات القليلة مؤتمر القوي السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة من أجل الوصول إلى حل لإنهاء الصراع السوداني، حيث أكد البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي استضافته القاهرة، على ضرورة الوقف الفوري الحرب، ووقف العدائيات وضرورة الالتزام بإعلان جدة الموقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ودان البيان الانتهاكات التي ارتكبت في الحرب، ودعا النظر إلى الوضع الإنساني ودعم جهود المجتمع الدولي والمحلي والالتزام بتعهداتهم.
حيث يري الخبراء والمتخصصين أن مؤتمر القاهرة هو نقطة انطلاقة مهمة لإنهاء الصراع في السودان.
لقاء الرئيس السيسي مع القوي السودانية
ألتقي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، استقبل وفدًا سودانيًا من المشاركين في مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي تستضيفه مصر، وذلك بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، بالإضافة إلى عدد من ممثلي الأطراف الإقليمية والدولية، من بينهم وزير خارجية تشاد، وكبار مسئولي دول الإمارات وقطر وجنوب السودان وألمانيا، فضلًا عن ممثلي الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وسفراء فرنسا والمملكة المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي والسعودية بالقاهرة.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن السيد الرئيس أعرب، خلال اللقاء، عن تقديره لاستجابة المشاركين للدعوة المصرية لعقد هذا المؤتمر المهم، تحت شعار "معًا لوقف الحرب"، في ظل اللحظة التاريخية الفارقة التي يمر بها السودان الشقيق، والتي تتطلب تهيئة المناخ المناسب، لتوحيد رؤى السودانيين تجاه كيفية وقف الحرب، مشددًا على أن مصر لن تالو جهدًا، ولن تدخر أية محاولة، في سبيل رأب الصدع بين مختلف الأطراف السودانية، ووقف الحرب، وضمان عودة الأمن والاستقرار، والحفاظ على مقدرات الشعب السوداني، مؤكدًا ضرورة تكاتف المساعي للتوصل لحل سياسي شامل، يحقق تطلعات شعب السودان، وينهي الأزمة العميقة متعددة الأبعاد التي يعيشها السودان، بما تحمله من تداعيات كارثية على مختلف الأصعدة، السياسية والاجتماعية والإنسانية.
كما أكد الرئيس أن الدولة المصرية تبذل أقصى الجهد، سواء ثنائيًا، أو إقليميًا ودوليًا، لمواجهة تداعيات الأزمة السودانية، وذلك عبر تقديم كافة أوجه الدعم، بما يعكس خصوصية العلاقات المصرية السودانية، حيث تستمر مصر في إرسال عدد كبير من شحنات المساعدات الإنسانية للأشقاء في السودان، فضلًا عن استضافة ملايين الأشقاء السودانيين بمصر. وسياسيًا، شدد السيد الرئيس على ضرورة أن يتضمن الانتقال للمسار السياسي للأزمة، مشاركة كافة الأطراف، وفقًا للمصلحة الوطنية السودانية دون غيرها، وأن يكون شعار "السودان أولًا" هو المحرك لجميع الجهود الوطنية المخلصة، فضلًا عن ضرورة أن ترتكز أية عملية سياسية ذات مصداقية، على احترام مبادئ سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، باعتبارها أساس وحدة وبناء واستقرار السودان وشعبه الشقيق، مؤكدًا حرص مصر على التنسيق والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحل الأزمة السودانية.
وأضاف المتحدث الرسمي أن المتحدثين من رموز القوى السياسية والمدنية السودانية، أعربوا من جانبهم عن تقديرهم وتثمينهم البالغ للجهود المصرية المخلصة لدعم السودان منذ بدء الأزمة الراهنة، ما يجسد عمق الأواصر التي تجمع شعبي البلدين ووحدة التاريخ والمصير بينهما، مؤكدين ترحيبهم بمساعي القيادة المصرية لتقريب وجهات نظر الأطراف السودانية للخروج من الأزمة الحالية، فضلًا عن الدعم الذي تقدمه مصر لشعب السودان، سواء عبر سعيها الدؤوب لمعالجة الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه مناطق واسعة في السودان، أو من خلال استضافتها الكريمة والطيبة، شعبًا وحكومة، لأبناء الشعب السوداني في وطنهم الثاني مصر، بما يعكس العلاقات الأخوية الأزلية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.
مؤتمر القوي السودانية بالقاهرة بين الطموح والتحدياتقال محمد الأمين أبا زيد المحلل السياسي السوداني، إن مؤتمر القاهرة المنعقد يوم 6يوليو 2024 والذى دعت له الخارجية المصرية كافة القوى المدنية الديمقراطية والسياسية الفاعلة في السودان تحت شعار معا من اجل وقف الحرب. يمثل المؤتمر اختراقا نوعيا من عدة وجوه: "وجه أول يعتبر أول لقاء يجمع الفرقاء السياسيين منذ اشتعال الحرب في السودان ومن وجه ثاني التمثيل الإقليمي والدولي فى المؤتمر عامل قوة ودفع لوقف الحرب ومن وجه ثالث توقيت المؤتمر وتزامنه مع تبنى الاتحاد الأفريقي لآلية رئاسية لجمع قادة الحرب في لقاء مرتقب".
وأضاف أبا زيد في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن المؤتمر جاء من حيث المكان في مصر بمتماثله من ثقل كبير وخصوصية وتاريخية في العلاقة مع السودان ومن حيث الزمان في توقيت زمنى معقد في مسار الحرب تمددت فيه لمعظم ولايات السودان بينما تلاشى مفهوم الحسم العسكري الذى علت نبرته في الايام الاولى.
تابع، أن التأثير الكبير لاستدامة الحرب له ارتباط كبير بالأمن الاستراتيجي لمصر باعتبار إنه ا تحوى اكبر عدد من اللاجئين السودانيين وكذلك لما يمثله السودان من عمق استراتيجي لأمن مصر، لأجل ذلك فان التحرك المصري له مسوقاته الموضوعية، مشيرًا إلى أن الحرب إذا استمرت سيكون له انعكاساته السالبة على الامن والسلم الدوليين في محيط السودان الإقليمي بمجمله.
وأكد أن الحضور الإقليمي والدولي اعطى زخمًا ذا قيمة للمؤتمر ولإمكانية تأثيره على مسار القضايا التي تبناها المؤتمر وهى وقف الحرب والازمة الانسانية الناتجة عنها وتأسيس مسار سيأسى لما بعد الحرب.
لفت إلى أنه من المسلم به أن المؤتمر لن يحسم كل القضايا ولكنه يمثل نقلة نوعية من خلال تعظيم المشتركات التي توافق عليها المشاركون فى اهمية وقف الحرب من خلال التفاوض واهمية تامين مسارات الإغاثة والعمل الإنساني وابتدار مبادئ عامة للمسار السياسي القادم والتأسيس لفترة انتقالية مدنية ديمقراطية، وفى جانب نجح المؤتمر في دعوة المجتمع الإقليمي والدولي في ممارسة دوره الإنساني في انقاذ شعب السودان من ويلات الحرب وتأثيراتها على مجمل وجوه حياته.
أشار المحلل السياسي السوداني إلى أن المؤتمر حرص على تبنى تشكيل الية لتطوير مخرجاته والدفع بها نحو تحقيق شعار المؤتمر معا من اجل وقف الحرب، ما بين الآمال والطموحات الكبيرة للمؤتمر والتفاؤل الشعبي بمخرجاته وتأثيراتها تكمن القدرة على تحولها إلى رؤية شاملة لوقف نزيف الدم وتحقيق السلام في ربوع السودان إلى ارادة طرفي الحرب وامتثالهما للإرادة الشعبية الرافضة للحرب ولما يترتب عليها سياسيًا.
انطلاقه مهمة
أوضح الدكتور رامي زهدي، المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن مؤتمر القاهرة لحل الأزمة السودانية يأتي في إطار الجهود الدولية لإنهاء الأزمة بصفة خاصة دول الجوار وبصفة أكثر خصوصية مصر مشيرا إلى أن مصر تسعى إلى حل الأزمة السودانية.
و أضاف زهدي في تصريحات خاصة لـ "الفجر "، أن ما يميز هذا المؤتمر هو وجود القوي السودانية المختلفة على طاولة الحوار موضحًا أن المؤتمر ليس من منتظر أن يخرج المؤتمر بنتائج حاسمة لأنه ليس مؤتمر الفرصة الأخيرة وليس مؤتمر الوحيدة ولكن هو مؤتمر الفرصة الهامة التي من الممكن أن تكون بداية الحل للأزمة السودانية.
واختتم المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن مصر تسعى من أجل إيجاد قوي ثلاثة مؤثره على طرفين الصراع القائم تتمثل في مجتمع مدني يعبر عن تطلعات الشعب السوداني.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الرئيس السيسي الأزمة السودان السودان مصر اجتماع الرئيس السيسي اليوم السيسي السیاسیة والمدنیة السودانیة الأزمة السودانیة مؤتمر القاهرة فی السودان أن المؤتمر وقف الحرب فضل ا عن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ليبيا.. أزمةُ الإنسان قبل الدولة
يمثل العامل الاجتماعي أحد أهم ركائز بناء الدولة الحديثة، إذ تتأسس المجتمعات على منظومات من القيم والعلاقات التي تربط بين أفرادها عبر الدين والمذهب والقبيلة والمصالح المشتركة، وفي الحالة الليبية، تتسم البنية الاجتماعية بدرجة عالية من التجانس؛ فغالبية السكان ينهلون من دين واحد ومذهب مالكي واحد، كما تحكمهم شبكة واسعة من العلاقات القائمة على القبيلة والنسب والمصاهرة، ما جعل المجتمع — في بنيته النظرية — قادرًا على التماسك ومواجهة التحديات.
غير أن هذا التجانس، بدل أن يتحول إلى قاعدة لبناء دولة عصرية، ظل حبيس البنى التقليدية في ظل غياب مشروع وطني قادر على تحويله إلى رصيد حضاري يعزز المدنية والمواطنة. وهنا بدأ الإشكال الذي شكّل جذور الأزمة الليبية الراهنة، إذ تحوّل الانتماء الاجتماعي في لحظات الأزمات إلى أداة للانقسام والاصطفاف، بدل أن يكون ركيزة للوحدة الوطنية.
التنمية الاجتماعية والثقافية:
من الفرص الضائعة إلى الهشاشة الحالية
على الرغم من محدودية الموارد في بدايات الدولة الليبية بعد الاستقلال، شرعت ليبيا مبكرًا في تأسيس مؤسسات التنمية، ثم تبنت التخطيط الخماسي منذ العام 1963، ليتوسع هذا التوجه في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات اعتمادًا على عوائد النفط. وقد مكّن هذا المسار الدولة من توفير السكن والتعليم والصحة وفرص العمل، ما أحدث قفزة اجتماعية وتنموية ملموسة خلال السبعينيات والثمانينيات.
لكن هذه الطفرة ركزت على البناء المادي وأغفلت البعد الثقافي والوعي المدني، ما أدى إلى فجوة واضحة بين مظاهر التحضر وسلوك المجتمع. فقد ظل المجتمع الليبي متأرجحًا بين الموروث القبلي والعادات التقليدية من جهة، ومقتضيات العصر وقيم الدولة الحديثة من جهة أخرى، دون عملية تحديث حقيقية قادرة على دمج التراث بقواعد المدنية. وزاد الأمر تعقيدًا حين اتخذت الدولة من القبيلة إطارًا لتوزيع المناصب والنفوذ بدل اعتماد الكفاءة، فترسخت المحسوبية، وضعفت مؤسسات الدولة، وأصبح العرف القبلي في كثير من الأحيان أقوى من سلطة القانون.
العوامل الاجتماعية العميقة للأزمة الليبية
لم تكن الأزمة الليبية مجرد صراع على السلطة، بل نتاج تراكم اجتماعي وثقافي ممتد لعقود:
القيم الاجتماعية المتحولة:رغم وحدة الدين والمذهب، جرى توظيف الانتماءات القبلية والمناطقية للدفاع عن مصالح ضيقة، ما حوّل بعض الموروث الاجتماعي إلى حاجز أمام بناء الدولة المدنية. الاقتصاد الريعي النفطي:
خلق الاعتماد على عوائد النفط مجتمعًا متواكلًا، ورسّخ ثقافة انتظار الدولة بدل المبادرة الفردية، وانتشرت البطالة المقنعة والمحسوبية، فصار الريع النفطي مصدرًا لتوزيع النفوذ لا للتنمية الحقيقية. الهجرة الداخلية والتحولات العمرانية: أدى انتقال السكان من الريف إلى المدن دون سياسات حضرية واضحة إلى احتكاك بين أنماط اجتماعية مختلفة، وخلق تصادمًا بين الثقافة البدوية ونمط الحياة الحضرية، ما ولّد توتراً في البنية الاجتماعية. انهيار منظومة التعليم: غياب التربية المدنية عن المناهج، وضعف الخطاب الوطني، سمحا للفراغ الثقافي بأن يُملأ بالقبيلة والسلاح والخطاب المتشدد، بدل قيم الدولة والقانون. دور النخب والمثقفين: عوض أن يلعب الكثير منهم دورًا توعويًا إصلاحيًا، انحاز بعضهم إلى الاصطفافات الاجتماعية والسياسية الضيقة، ما أسهم في تكريس الانقسام بدل مقاومته، وأضعف وظيفة المثقف كقائد للوعي. الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي: ومع غياب الضوابط المهنية والأطر القانونية، تحولت هذه الأدوات من منصات لنشر المعرفة والتواصل إلى ساحات للاتهامات والتحريض والشائعات، فزاد خطاب الانفعال والتخوين، وتعمقت الفجوة بين المكونات الاجتماعية والسياسية، وتسارعت عملية الانقسام بدل تهدئتها. لم يكن الإعلام منشئًا للأزمة، لكنه أصبح وقودها الأسرع اشتعالًا.
أحداث 2011 وتفجر الشرخ الاجتماعي
أظهرت أحداث فبراير 2011 هشاشة البنية الاجتماعية الليبية؛ إذ لم يكن الانقسام سياسيًا فحسب، بل اجتماعيًا ومناطقيًا وقبليًا. ومع سقوط النظام، تصاعد منسوب الانتقام والإقصاء والتهجير، وانفرطت الروابط الاجتماعية التي لطالما شكلت ضابطًا للعلاقات بين الليبيين، فتعزز الشرخ وتعمقت الأزمة.
برز في أول اختبار مجتمعي لليبيين بعد عام 2011 انكشاف أزمة الوعي الجمعي، إذ بدأ كل طرف يرى في نفسه الأفضل، مرة من منظور شخصي، وأخرى من زاوية قبلية أو مناطقية، حتى وصل الأمر إلى نبش الأصول والإيحاء بأن هذا “أصيل” وذاك “دخيل”، وأن فئة ما هي الأحق بحكم ليبيا لأنها ـ حسب زعمها ـ تعرّضت للإقصاء، أو لأنها أحفاد المجاهدين وشيوخ القبائل. وبدل أن تتجه القوى الاجتماعية نحو الاندماج الوطني وصياغة مشروع جامع، عاد الخطاب إلى مربعات الانقسام، وتحوّلت الهوية من عامل قوة ووحدة إلى أداة تفرقة وصراع، تُقاس فيها الشرعية بمعايير الماضي لا بقدرة الحاضر على البناء.
إعادة البناء الاجتماعي: مدخل الحل الليبي
لن يخرج الليبيون من أزمتهم دون مشروع وطني يعيد ترتيب الأولويات ويعالج أساس الأزمة: الإنسان وثقافته. ويتطلب ذلك:
نشر الوعي المدني عبر برامج تعليمية وإعلامية جادة تعيد الاعتبار لقيم المواطنة والمسؤولية.
معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية بخطط ممنهجة لا بردود أفعال آنية.
فرض سيادة القانون ونزع السلاح من خارج مؤسسات الدولة، خصوصًا في المناطق الملتهبة.
استثمار دور القبيلة في المصالحات الاجتماعية بما يخدم الدولة، لا أن يكون بديلًا عنها.
وفي هذا السياق، برزت مبادرة القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، الداعية إلى أن يكون الحل «ليبيًّا–ليبيًّا»، والتي وجدت قبولًا واسعًا لدى القبائل والمجتمع المحلي، باعتبارها خطوة نحو استعادة القرار الوطني، وكسر حلقة التبعية للتدخلات الخارجية، وفتح الطريق أمام مشروع وطني جامع.
الأزمة الليبية ليست صراعًا بين أطراف سياسية فحسب، بل أزمة وعي وهوية وتنظيم اجتماعي. فالدولة لا تُبنى بالثروة، بل بالإنسان القادر على إدارتها، وبمجتمع يؤمن بقواعد القانون ويحمي وحدته. لذلك، فإن إعادة بناء الوعي الاجتماعي والثقافي هي الخطوة الأولى نحو دولة ليبية مستقرة، تتحول فيها المواطنة من شعار إلى ممارسة، وتصبح الدولة حقيقة لا فكرة مؤجلة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.