واشنطن- تتصدر قضايا مثل أوكرانيا وردع روسيا وتطويق التهديد الصيني والإنفاق الدفاعي؛ جدول أعمال قادة الدول الـ32 الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال قمتهم الموسعة في واشنطن، اليوم، وتستمر 3 أيام، بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيس الحلف، وسط تخوف أوروبي من نجاح المرشح الجمهوري دونالد ترامب -المشكك بجدوى الناتو- في هزيمة الرئيس جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية.

وتتجه أنظار المسؤولين والصحفيين في القمة إلى بايدن بعد أدائه الكارثي في المناظرة الانتخابية أمام غريمه ترامب، والتي دفعت لخروج بعض الدعوات من داخل حزبه الديمقراطي تطالبه بالانسحاب من السباق الرئاسي ومنح الفرصة لمرشح أصغر.

وتوافد على واشنطن مئات المسؤولين من عشرات الدول، الأعضاء وغير الأعضاء بحلف الناتو، وآلاف الصحفيين والمراقبين من مختلف دول العالم، للمشاركة في تغطية أعمال قمة فارقة في تاريخ أكبر حلف عسكري.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (يمين) يلتقي ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو في البنتاغون بواشنطن (رويترز)

وغرد موقع وزارة الدفاع (البنتاغون) أمس الاثنين، على منصة إكس مذكرا بأهمية الحلف، وقال إن "المسؤولين الأميركيين يتفقون على أن قيمة الناتو لا جدال حولها".

وأبرز البنتاغون أنه على مدى 75 عاما كان الناتو قوة للسلام في مواجهة الاتحاد السوفياتي، ومنعت حربا أكبر في البلقان، وانضمت إلى الحرب ضد "الإرهاب الدولي"، وهي حتى الآن على استعداد للدفاع عن جميع أراضي الناتو من "العدوان الروسي".

من جهته، وصف الرئيس بايدن الناتو بأنه "أعظم تحالف عسكري في تاريخ العالم". ومنذ تأسيس حلف شمال الأطلسي، نسب المسؤولون الأميركيون من كلا الحزبين الفضل إلى الحلف في المساهمة في أمن وازدهار وحرية الشعب الأميركي والعالم.

وتعتبر النخبة الأميركية الحلف واحدا من أنجح تحالفات الدفاع الجماعي في التاريخ. ونشأ الحلف من رحم تجارب القرن الـ20 عندما قتلت حربان عالميتان أكثر من 100 مليون شخص. ورأت واشنطن في منظومة حلف الناتو ما يمنع حدوث هذا النوع من الكوارث مرة أخرى.

مخاوف رغم الأوقات الممتازة

ويرى ماكس بيرغمان، مدير برنامج الدراسات الأوروبية الأطلسية وشمال أوروبا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، أن قمة الناتو تأتي في واحدة من أفضل الأوقات وأسوئها للحلف.

واعتبر بيرغمان، الذي سبق له العمل في وزارة الخارجية خلال عدة إدارات سابقة، أن الحلف يحظى بأوقات ممتازة، في ظل اتفاق على ضرورة ردع روسيا، ونجاح في توسع الحلف جغرافيا بضمه فنلندا والسويد خلال العامين الأخيرين.

وفيما يتعلق بأوقات الناتو السيئة، يرى بيرغمان أن استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا المتاخمة لحدود الناتو والتي لديها طموح بالانضمام إليه، وتحديات زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وتصاعد التشكيك بالتزام الولايات المتحدة تجاه الحلف، خلقت مخاوف لم يسبق أن واجه مثلها على مدار تاريخه.

ومن شأن اهتزاز التزام واشنطن بحلف الناتو إحداث زلزال إستراتيجي لمفهوم الأمن الأوروبي، خاصة أن واشنطن تسهم بما يقدر بـ60% من ميزانية الحلف وما يقرب من 505 آلاف من عدد مقاتليه. وتساهم بقية دول الحلف بـ1.4 مليون جندي، وميزانية عسكرية لا تزيد على 400 مليار دولار.

وفي حديث للجزيرة نت، أكد خبير السياسة الخارجية الأميركية بجامعة "دارتموث" البروفيسور وليام وولفورث، أنه بعد 75 عاما، لا يزال حلف شمال الأطلسي يشكل حجر الزاوية لأمن أميركا الشمالية وأوروبا، وأن الحلف "ناجح لأنه يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها أكثر أمنا".

وأشار وولفورث إلى أن "أهم تحدٍ يواجه الناتو هو الخطر الروسي، لكن الأهم هو التباين بين تصورات الدول الأعضاء للتهديدات الروسية، فبولندا ومخاوفها من روسيا على سبيل المثال تختلف جذريا عن مثيلتها لدى تركيا أو اليونان".

جنود بولنديون يحملون علم حلف الناتو بعد تدريب مع مجموعة قتالية متعددة الجنسيات تابعة للحلف في بولندا (غيتي) اختبار أوكرانيا

وسلط هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 الضوء على أهمية حلف الناتو للدول الأوروبية، وأصبح الهجوم الروسي أخطر تهديد للأمن الأوروبي، إلا أن الناتو أصبح أقوى وأكبر وأكثر اتحادا من أي وقت مضى، حسب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن.

ويدرك الحلفاء الأوروبيون في الناتو المخاطر التي تفرضها ميول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية. ففي عام 2014، عندما هاجمت روسيا أوكرانيا أول مرة واحتلت شبه جزيرة القرم، حققت 3 دول فقط أعضاء هدف الحلف المتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي. وهذا العام، من المتوقع أن تصل 24 دولة على الأقل إلى مستوى 2%.

وقبل 6 أسابيع، مرر الكونغرس حزمة مساعدات لأوكرانيا مقدارها 60 مليار دولار، وقبل ذلك مرر الاتحاد الأوروبي مساعدات مشابهة تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار. ويرى بعض المعلقين أن هذه المساعدات حسّنت وستحسن الوضع الميداني للقوات الأوكرانية خلال الأشهر القادمة.

ولا يتوقع أن تثير قضية انضمام أوكرانيا للحلف الكثير من اللغط في جلسات قمة الناتو، خاصة بعدما أبرمت عدة دول اتفاقيات أمنية ثنائية، بما في ذلك الولايات المتحدة مع أوكرانيا؛ تلزمها بدعم كييف على المدى الطويل. وبدلا من ضم أوكرانيا، الذي لا يحظى بإجماع، سيتم التركيز على تأكيد نية الحلف بضمان دعم كييف على المدى الطويل واستعداده لدعم وحدة أراضيها.

مخاطر عودة ترامب

في عام 1796، قال الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن في خطاب الوداع إن "سياستنا الحقيقية هي الابتعاد عن التحالف الدائم مع أي جزء من العالم الأجنبي". وقال واشنطن ذلك على الرغم من أن بلاده تدرك أنها بدون التحالف مع فرنسا في الثورة الأميركية، كانت بريطانيا ستنتصر. وفي الوقت الذي قد لا يدرك فيه ترامب هذه الخلفية التاريخية، فإنه يتعهد بالسير على خطا جورج واشنطن تجاح حلف الناتو.

ويظهر استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو للأبحاث هذا العام أنه رغم أن ما يقرب من ثلثي الأميركيين لديهم وجهة نظر إيجابية عن الناتو، فإنه لا يزال هذا يعني أن ثلث الأميركيين لديهم آراء غير مواتية حول الحلف، وذلك بزيادة 4% منذ عام 2023. هذه الزيادة المتزايدة في المشاعر الانعزالية في الولايات المتحدة تثير قلق قادة دول الناتو خاصة مع تبني ترامب هذه المشاعر السلبية تجاه الحلف.

وعن سباق الانتخابات الرئاسي وعلاقته بمستقبل حلف الناتو، أشار البروفيسور وولفورث إلى أن "بايدن يرى الناتو كجزء أساسي من موقف الولايات المتحدة العالمي ورصيد ضخم في أمن الولايات المتحدة وازدهارها. في حين يعتبر ترامب أن حلف الناتو مثّل عبء على مدى عقود للولايات المتحدة وأنه صفقة سيئة بالنسبة لأميركا حيث دعمت واشنطن أمن حلفاء أغنياء ولا تحصل على الكثير في المقابل".

ويتوجس الأوربيون من توجه إدارة بايدن لجعل الناتو يركز بشكل أساسي على منطقة المحيطين الهندي والهادي. وعندما ذهب وزير الخارجية أنتوني بلينكن أول مرة إلى مقر الناتو في مارس/آذار من عام 2021، ذكر الصين أكثر من 10 مرات، في حين ذكر روسيا 4 مرات فقط. ومن هنا يرتفع القلق بين الأوروبيين من احتمال مطالبة واشنطن لها بلعب دور عسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادي، مشابه للدور العسكري الأميركي في القارة الأوروبية.

واعتبر وولفورث أن دعوة البيت الأبيض اليابان وكوريا الجنوبية للمشاركة في قمة الناتو تهدف إلى زيادة التعاون والتنسيق بين الناتو وحلفاء أميركا الآسيويين، وستعتبرها بكين جزءا من جهود الاحتواء العالمية الأميركية، وأنها جزء من الحرب الباردة الجديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة حلف الناتو قمة الناتو

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تكشف عن تكتيك جديد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية

لجأ البنتاغون إلى تكتيك عسكري متطور يعتمد على "خدعة الإلهاء" لتنفيذ ضربات جوية دقيقة ضد منشآت نووية إيرانية، في خطوة تؤكد تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وتكشف المعلومات أن القوات الأمريكية أطلقت مجموعتين من قاذفات "بي-2" الاستراتيجية من قاعدة في ولاية ميسوري الأمريكية في توقيت متقارب، بهدف إرباك أنظمة الرصد الإيرانية والدولية.

فقد حلقت المجموعة الأولى غربًا نحو جزيرة غوام في المحيط الهادئ مع تشغيل أنظمة التعريف الرادارية، ما سمح لها بالظهور على شاشات الرادار. في المقابل، توجهت المجموعة الثانية، المؤلفة من سبع طائرات، شرقًا نحو إيران، مع إيقاف تشغيل جميع أجهزة البث والتعريف، ما مكنها من التسلل بسرية تامة نحو أهدافها.

وتعتبر قاذفات "بي-2" الطائرات الوحيدة القادرة على حمل قنابل "GBU-57" الضخمة، والمعروفة باسم "الأم"، والتي تستخدم لاختراق التحصينات القوية والأنفاق العسكرية العميقة. واستُخدمت هذه القنابل في الضربات التي استهدفت ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران هي نطنز وفوردو وأصفهان في ليلة 22 حزيران / يونيو.



وتهدف الضربات إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني، في إطار استراتيجية ضغط عسكري واستخباري تستهدف الحد من تطور إيران النووي، في ظل استمرار التصعيد بين طهران وإسرائيل، حيث ترد إيران بضرب قواعد إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، ما أسفر عن خسائر بشرية ومادية في الجانبين.

وجاءت هذه الضربات وسط تصاعد حدة التوترات الدولية، حيث أدانت روسيا الهجوم ووصفت الضربات بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، داعيةً الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق فورًا في هذه الهجمات. من جانبها، أكدت واشنطن أن العمليات تأتي في إطار حقها في الدفاع عن نفسها وحلفائها، مشددة على أن إيران تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الإقليمي والعالمي.

يُذكر أن قاذفات "بي-2" الأمريكية تعد من أكثر الطائرات تطورًا في العالم، حيث تعتمد تقنيات التخفي لتجنب الرادارات، ما يجعلها أداة حاسمة في تنفيذ ضربات سرية ودقيقة. كما أن قنابل "GBU-57" التي تحملها تتمتع بقوة تدميرية كبيرة وقدرة على اختراق تحصينات تحت الأرض يصعب الوصول إليها بوسائل أخرى.

تعكس هذه العمليات التكتيكية المتطورة تعقيد الصراع بين واشنطن وطهران، وتدل على تحول طبيعة الحروب الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والعمليات السرية بجانب العمليات العسكرية التقليدية.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تراقب تهديدات إيرانية.. ماذا يجري داخل الولايات المتحدة؟
  • النشطاء: على أوروبا أن تضمن أمنها بنفسها بعيدا عن الولايات المتحدة
  • الناتو: ملتزمون بالدفاع عن أوكرانيا وندعم سعيها للانضمام إلى الحلف
  • ماكرون: يجب وقف إطلاق النار في أوكرانيا والعمل على تحقيق سلام دائم
  • أوكرانيا.. قمة الناتو تناقش كيفية إجبار ‎روسيا على إنهاء الحرب
  • قادة الناتو يجددون التزامهم بحماية جميع دول الحلف
  • رسائل قوية من قمة الناتو.. دعوات لحماية السلام وإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • واشنطن و الناتو... مستقبل إمبراطورية الدعوة
  • روته: زيادة إنفاق الناتو إلى 5% من الناتج المحلي قفزة نوعية لتعزيز الردع ضد روسيا
  • الولايات المتحدة تكشف عن تكتيك جديد في ضرب المنشآت النووية الإيرانية