عبد السلام فاروق يكتب: من هنا وهناك
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
العالم ينام ثم يستيقظ على أخبار جديدة كل يوم.. لا يصلنا منها إلا أقل القليل!
وسائل الإعلام اعتادت ألا تختار من الأنباء إلا ما تراه مهماً طبقاً لوجهة نظر يسميها الإعلاميون: "سياسة التحرير" ؛ أى أن كل نبأ جديد أو غريب أو صادم لن تسمع عنه إذا لم يتوافق مع سياسة التحرير تلك، وكثير من الأخبار يتم التعتيم عليها عالمياً وبشكل مقصود؛ فعلى سبيل المثال أنباء ما يحدث من صراع دولى على ثروات القطب الشمالى، باتت كأنها تابو محرم على أجهزة الإعلام أن تتناوله!
لكن هناك أنباء أخرى تقع على الحافة، فهى شائعة ومتاحة وغير ممنوعة لكن العيون تمر عليها مرور الكرام رغم أنها ذات دلالات كاشفة أو ذات عمق ومغزى أو أنها ستصبح ذات تأثير كبير لاحقاً.
موت الطائر الأزرق!
مواقع السوشيال مثلا ينالها نصيبها من التغيير والتطور، فبعد ما حدث لموقع فيسبوك وتحوله إلى ميتا، قرر إيلون ماسك قتل الطائر الأزرق المشهور لتويتر، ليتحول إلى "إكس"..فما السبب فى مثل تلك الخطوة الغريبة؟ وكيف يمكن التخلص من براند عالمى قوى كهذا فى مقابل علامة شائعة غامضة المعنى؟!
فكرة التخلص من عصفور تويتر لإحياء مشروع تطويري فى عالم السوشيال ميديا كان يراود إيلون ماسك منذ شهور فى أعقاب فوزه بصفقة شراء تويتر. وقد أعلنت الرئيسة التنفيذية لمشروع إكس الجديد أنه يمثل مرحلة جديدة من التفاعل اللامحدود الشامل لكل أساليبه من صوت وفيديو ورسائل بل وخدمات مصرفية فورية! هكذا يريد إيلون ماسك الاستفادة بخبراته السابقة فى تأسيس تطبيق باى بال الشهير للدفع الإليكترونى.
إن هذا القرار ليس هو الوحيد المثير للجدل فى قرارات ماسك. فقد أبرزت صحيفة نيويورك تايمز مخاوف قادة بعض الدول الكبري من هيمنة إيلون ماسك على الفضاء الخارجى من خلال شركته الرائدة سبيس إكس،خاصةً وأن هذا الملياردير العبقرى الذى نشأ فى جنوب إفريقيا وصنع بها ثروته الأولى قبل أن ينتقل لكندا ومنها إلى أمريكا هو شخص تصفه الحكومات بالمتلقب الذى لا يمكن التنبؤ بقراراته المفاجئة، وهو ما يتعارض مع مصالح بعض الحكومات التى تحرص على سرية وخصوصية العمل فى هذا القطاع الاستراتيجى من قطاعات العمل التجسسي والاستخبارى على مستوى العالم! فكيف به وهو ينوى نشر أكثر من 40 ألف قمر صناعى من أقمار خفيفة الوزن منخفضة الارتفاع تحيط بالكرة الأرضية كلها من خلال مشروعه الجديد ستار لينك بتكلفة تصل لمليارات الدولارات؟!
تكنولوجيا الصين في قلب المعركة!
أول الدول التى حاولت مواجهة مشاريع إيلون ماسك المتطورة بطبيعة الحال كانت الصين..إنها قررت ألا تنتظر حتى ترى أثر ما ستحدثه مثل تلك المشروعات الهادفة للهيمنة على أدوات الاستخبارات وجمع المعلومات وفى مقدمتها الأقمار الصناعية، لهذا سارعت الصين بالإعلان عن مشروعها الطموح الذى يُرمز له GW أو شبكة معلومات الدولة "جووانج"، وهو مشروع عسكرى فى الأساس يبغى تحقيق التفوق على تكنولوجيا الغرب المهيمنة على الفضاء، ومن أهدافه المعلنة أن يتم إطلاق نحو 13ألف قمر صناعى خلال 10 سنوات فقط. الذى أزعج الصين وجعلها تسارع خطواتها نحو اقتحام عالم الفضاء بكل قوتها، هو ما صدر من تصريحات بعض قادة أوكرانيا أنه لولا مشروع ستارلينك لإيلون ماسك لحدث الاجتياح الروسي الكامل لأوكرانيا خلال عدة شهور! وهو ما ضاعف من المخاوف الدولية ضد شركة سبيس إكس وتطبيقاتها العسكرية المخيفة.
لكن على الناحية الأخرى من قضية التكنولوجيا الصينية، فإن الصين تخشى من تأثير التقنيات والألعاب الإليكترونية على أطفالها، وعلى الأجيال القادمة من القادة والمخترعين والعسكريين الصينيين؛ لهذا أعلنت هيئة تنظيم الفضاء الإلكترونى الصينية عن تطبيق برامج خاصة بالقصّر وصغار السن لتحديد عدد ساعات استخدامهم اليومى للهواتف الذكية باعتبارها مسألة تتعلق بمستقبل الصين نفسه! هكذا قررت الهيئة دفع شركات تصنيع الهواتف لأجل تقديم برامج خاصة بالقصر من شأنها منع المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما من الدخول لشبكة الإنترنت عبر الأجهزة من العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا، مهما أثر هذا على مبيعات الأجهزة أو حتى على حركة البورصة!
هذا القرار سيتم تطبيقه كالتالى بشكل تجريبي قبل أن يتم تعميمه فى الصين:حيث سيُسمح للمستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما بساعتين في اليوم، وللأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاما بساعة واحدة، في حين يُسمح للصغار دون سن الثامنة بثماني دقائق فقط!
لماذا غضبت أمريكا..وارتعبت فرنسا؟
لأول مرة فى تاريخ التصنيف الائتمانى يتم تخفيض التصنيف الأمريكى من “تربل إيه” إلى “دبل إيه بلاس”. هذا ما حدث يوم 2 أغسطس الجارى من قِبل وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى؛ فأحدث هزة فى سعر الدولار الذى انخفض بشكل فورى بعد القرار فى مقابل عملات عالمية أخرى، وفى سعر الذهب الذى ارتفع بنسبة 2 فى الألف. هذا الحدث على الرغم من كونه يبدو بسيطاً ضعيف التأثير، إلا أنه أحدث ردود فعل غاضبة جداً من البيت الأبيض، خاصةً أنها تأتى بعد شهرين من انتهاء أزمة سقف الدين بالكونجرس، وبعد شهور من أزمة إفلاس بعض كبريات البنوك الأمريكية!
أما فرنسا فيبدو أن أمامها صيف ساخن جداً بعد ما حدث فى الغرب الإفريقي من انقلاب مفاجئ فى النيجر ، فى أعقاب انسحابات سابقة للتواجد الفرنسي فى عدة دول إفريقية منها مالى وبوركينا فاسو وعدة انقلابات فى تلك المنطقة التى بدأ النفوذ الفرنسي بها فى التلاشى! يأتى هذا فى أعقاب توجه إفريقي عام نحو التخلص من هيمنة الغرب، والاتجاه نحو الشرق متمثلاً فى روسيا والصين.
كلمة السر فى هذا التحول الغرب إفريقي هو الرئيس المؤقت لبوركينا فاسو"إبراهيم تراورى" الذى أحدث صدمة للعالم بأكمله بعد أن أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وتجرأ على طرد التواجد الأجنبى كله من البلاد، ثم تجاوز الحد بأنه أعلن مؤخراً خلال القمة الروسية الإفريقية الأخيرة عن نيته فى التخلص من هيمنة الشركات الأجنبية، ومنها شركات كندية تسيطر على استخراج الذهب، وطرد هذه الشركات من بوركينا فاسو للأبد.
فرنسا وقفت أمام تلك التحولات الخطيرة وقفة خطيرة وهى فى طريقها لمواجهة عسكرية مع النيجر للدفاع عن مصالحها فى مستعمراتها الإفريقية القديمة، بينما يقف الجزائر والغرب الإفريقي كله محذراً إياها من أى تدخل..فهل تنتهى تلك الدراما نهاية رومانسية مثالية كما نتمنى،أم سيتمكن الغرب من إعادة احتلال الغرب الإفريقي تارة أخرى؟
العبقرى المجهول.. حاتم زغلول
قلة قليلة تعرف أن مخترع الواى فاى هو مصرى كندى اسمه "حاتم زغلول"!
ولولا أنه عربي الأصل وأن الإعلام الغربي طمس على إنجازه، لكان لهذا المخترع المصري العبقرى شأن آخر..بينما الذى حاز الشهرة شخص استرالى سرق اختراع زغلول ونسبه لنفسه، ما دفع حاتم لرفع قضية ضد الشركات التى استخدمت اختراعه، وحصل على تعويضات وصلت إلى 2 مليار دولار، أسس بها شركة خاصة سماها واى لان سرعان ما أصبح لها صيت كبير بين الشركات العالمية لتقنيات الاتصالات. وقد استطاع زغلول تطوير تقنية الواى فاى إلى تقنية 4G الشهيرة، ويعكف فى الوقت الحالى على صياغة مشروع ضخم يسميه " انترنت الفقراء" .. فما أكثر أبطالنا المجهولين وعباقرة المصريين فى أنحاء العالم.. وما أقل ما نعرف عنهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إیلون ماسک التخلص من
إقرأ أيضاً:
في ذكرى 30 يونيو.. كيف سطّر «الإخوان» نهايتهم في حكم مصر (2 من 2)
كانت الطامة الكبرى في خطط جماعة الإخوان خلال حكم محمد مرسي لمصر هي السعي لـ «تمكين» كوادرها وأعضائها الذين تكالبوا على السلطة وقاموا بغزو كل مؤسسات الدولة وأجهزتها وجامعاتها.
وتغيرت لغة الخطاب داخل هذه المؤسسات وفى أجهزة الإعلام، وأطلقت اللحى، وبدأ اضطهاد الأقباط والشيعة، ووصل الأمر لحد تكفير الشيعة المصريين وسحلهم وقتل أربعة منهم والتمثيل بجثثهم، الأمر الذى أثار غضب كل المصريين.
هكذا عادت الجماعة تستخدم العنف ضد من عدتهم خصوم الاسلام وأعداء الشريعة، ولم يلتفت مرسى للكتابات التى حذرتهم من اجترار تاريخهم الدموى.
وعندما شكلت وزارة هشام قنديل زاد الاضطراب فى البلاد ولم تنجح الحكومة فى مواجهة المشكلات اليومية، لأنها لم تضع خططا موضوعية، ومارست نشاطها بصبغة إخوانية، ولم تكن تطلعاتها وطنية.
وفى الثانى عشر من أغسطس 2012، أصدر مرسى قراره بإقالة المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع، والفريق سامى عنان رئيس الأركان وبعض أعضاء المجلس العسكرى، كما صدرت قراراته بحركة تنقلات واسعة بين قادة الأفرع المختلفة للقوات المسلحة.
وتجرأ مرسي، بتوجيه من مكتب الارشاد، وأصدر إعلانا دستوريا جديدا ألغى به الإعلان الدستورى المكمل الذى كان قد أصدره المجلس العسكرى يوم 18 يونيو 2012، وكان الهدف من هذا الإعلان الدستورى أن يمنح نفسه صلاحيات مطلقة.
والمثير للدهشة أن الجماعة وأنصارها احتفلوا بالإطاحة بالمشير طنطاوى والفريق عنان، وقدموا تفسيرا دينيا لهذا الانقلاب «فهو نصر مبين يعادل فتح مكة، أو غزوة فى سبيل الله تعادل غزوة بدر»، وأصبح مرسى العياط عند البعض، بطلا مقامه من مقام صلاح الدين الأيوبى قاهر الصليبيين، وكأن المشير طنطاوى كان صليبيا جاء مع الحملة الصليبية ليغزو مصر، ونجح فى تقلد منصب وزير الدفاع!
وتمادى مرسى ومن خلفه مكتب الإرشاد فى تجاهل القوى السياسية الدينية، التى صدمها الإعلان الذى سبقته تظاهرات كوادر وأعضاء الجماعة أمام دار القضاء العالى.
كان هذا الإعلان نقطة تحول فاصلة فى علاقة مرسى والجماعة بالقوى السياسية، حيث جاء لتحصين أى إعلانات دستورية وأي قوانين وقرارات صدرت منذ تولى مرسى رئاسة الجمهورية أو ستصدر بعد ذلك وحتى انتخاب مجلس شعب جديد، فلا يجوز الطعن عليها بأي طريقة وأمام أي جهة، كما نص على إعادة التحقيقات والمحاكمات فى جرائم القتل والشروع فى قتل وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التى ارتكبت ضد الثوار، كما نص على تعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية، وكذلك نص على أنه لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
وهكذا جاء هذا الإعلان الدستورى ليعزز ويوسع صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية، ويحصن قراراته من القضاء.
وقد رفضت الأحزاب والقوى السياسية المدنية هذا الإعلان وهاجمته وخرجت مظاهرات واحتجاجات عنيفة ضده، وأطلقوا عليه «الإعلان الفرعونى».
ورأى البعض أن هذا الإعلان كان بمثابة الشرارة الأولى التى نبهت القوى المعارضة للجماعة، للخطر الذى ينتظر مصر، وأنه لابد من عزل مرسى والتخلص من حكم المرشد.
وعلى الطرف الآخر اندفعت المظاهرات الإخوانية تؤيد الإعلان وعمت الفوضى شوارع القاهرة، وسرعان ما توجهت العناصر المعارضة للجماعة ناحية قصر الاتحادية يوم 25 نوفمبر، واستمرت الاحتجاجات.
وفى الرابع من ديسمبر 2012، ولم يكن قد مضى على تولى مرسى الرئاسة أكثر من ستة أشهر، اعتصمت أعداد كبيرة أمام قصر الاتحادية، وعلى الفور أعلنت الجماعة «النفير العام» واندفعت ميليشيات الإخوان لتدافع عما أطلقت عليه «شرعية الرئيس»، وأسفر عدوان هؤلاء عن إصابة العشرات، وامتدت مطاردة الإخوان إلى ميدان روكسى وشارع الخليفة المأمون وامتداد شارع الميرغنى وشارع القبة وجسر السويس، والشوارع الجانبية فى مصر الجديدة.
ونجحت ميليشيات الإخوان في القبض على عدد ليس بالقليل من المتظاهرين وتم سحلهم وتعذيبهم وتقييدهم على أبواب قصر الاتحادية واتهموهم بالعمالة، وحاولوا انتزاع اعترافات منهم على من يحرضهم من أعداء الجماعة، وقدموا عددا كبيرا منهم للنيابة التى أفرجت عنهم بعد ثبوت براءتهم، ليس فقط، وأنهم كانوا مجنيا عليهم وليسوا جناة، الأمر الذى أدى إلى وقوع أزمة بين المحامى العام المستشار مصطفى خاطر رئيس نيابات شرق القاهرة، والنائب العام، الذى عارض إطلاق سراح المتهمين «الأبرياء»، ولما اشتد الخلاف بين الاثنين قرر النائب العام إلغاء ندب المستشار مصطفى خاطر، وثارت ثائرة أعضاء النيابة وانضم إليهم نادى القضاة، ورفضوا أن ينفذ قرار إلغاء ندب مصطفى خاطر، بل وطالبوا بإقالة النائب العام.
وعندما حاول مرسى امتصاص غضب الثائرين والمعارضين، ودعا إلى «الحوار الوطنى»، كان الحوار مهزلة فاشلة، ولم تنفذ أي من توصياته، عندئذ قرر مرسى إصدار إعلان دستورى جديد ألغى فيه إعلان يوم 22 نوفمبر 2012، وسمح بإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد، إلا أن المظاهرات عادت من جديد ضد هذا الإعلان.
هكذا كانت مصر تتجه بسرعة نحو فوضى قد تؤدى إلى كارثة لا يحمد عقباها، وانطلقت حناجر الأئمة والدعاة وعدد من المثقفين تدعو مرسى والجماعة إلى ضرورة إزالة أسباب الاحتقان وعدم الاستمرار فى «تمكين» عناصر الإخوان فى مفاصل الدولة ومؤسساتها.
ورفض مرسى مقترحات «جبهة الإنقاذ» ولم يوافق على حل وزارة هشام قنديل واكتفى بتعديل وزارى محدود وشكلى.
ولما ازداد الاحتقان وازدادت الاضطرابات والفوضى، قام عدد من الشباب غير المنتمين لأحزاب بتأسيس الحركة التى عرفت بحركة «تمرد» واستلهموا فكرة التوكيلات التى نفذت إبان ثورة 1919، حيث أعدوا استمارات موقعة من المصريين يطالبون بها بسحب الثقة من رئيس الجمهورية مرسى العياط ويطالبون أيضا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقد استحسن الشعب المصرى فكرة «سحب الثقة، وإجراء الانتخابات المبكرة»، لذلك شهدت القاهرة والمدن الكبرى والصغرى والقرى والعزب والنجوع إقبالا هائلا على توقيع الاستمارات.
وتحولت الميادين قبل 30 يونيو إلى ما يشبه ساحات الحرب بين أنصار جماعة الإخوان والمعارضين لها من كل التيارات السياسية، وشارك الذين لا ينتمون أيديولوجيا لأى حزب أو تيار خوفا على مستقبل البلاد، بعدما أدركوا حقيقة الجماعة، والفوضى والخراب الذى تسببت فيه.
وكانت سيناء قد تحولت إلى معسكرات للإرهابيين الذين قتلوا الضباط والجنود، وكان كل يوم يمر يثبت فشل مرسى والجماعة فى إدارة شئون البلاد، وانتشر قطاع الطرق واللصوص فى الشوارع وسرقت السيارات، ولم يعد السير فى طرق القاهرة أو الطرق السريعة آمنا، وحبس كبار السن أنفسهم فى بيوتهم التى لم تعد آمنة هى الأخرى، وبدز اقتصاد البلاد ينهار.
وأطلقت الجماعة أعوانها يحتلون ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة، وأطلقوا حملة مضادة لحملة «تمرد» أسموها حملة «تجرد» لم تحظ بتأييد أحد غير أعضاء الجماعة.
وهكذا دخلت مصر فى نفق مظلم ومرت الأيام ثقيلة، وكل يوم يحمل مزيدا من التدهور، عندئذ تدخل الجيش وطلب القوى السياسية المتصارعة بتحقيق مصالحة وطنية، ومنح الكل مهلة أسبوع على الأكثر.
رفض مرسى وأعلنت كوادر الجماعة أنها قادرة على مواجهة أعدائها وسحقهم، وصورت الجماعة الصراع على أنه صراع بين «أنصار البلد» و«أنصار الشيطان»، وأن أنصار الله عليهم مجابهة الكفار، وطمأنت أنصارها: إذا ما قتلنا «فقتلاهم فى النار، وقتلانا فى الجنة».
تزايد عدد الكتابات العلنية والمنشورات التى هاجمت مرسى وجماعته، واتهمتهم أنهم جماعة انتهازية صعدت إلى حكم مصر فى غفلة من الزمن.
فى واحد من المنشورات التى وزعت على المتظاهرين تم حصر أخطاء وخطايا مرسى والجماعة، تحت عنوان "كوارث مرسى وإخوانه" جاء فيه أن مرسى تسبب فى كوارث أهمها:
• الإعلان الدستورى الذى حصن قرارات الرئيس، وهو إجراء غير دستورى وجريمة تستدعى محاكمته.
• تقسيم الشعب المصرى بين الإخوان وأنصارهم «المسلمين» وبقية المصريين «الكفار».
• هجوم الإخوان على المتظاهرين السلميين أمام الاتحادية وقتل 11 شخصا وجرح العشرات بعد تعذيبهم وسحلهم.
• محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى.
• أحداث بورسعيد، ومقتل أكثر من 75 شخصا.
• الاستقالات الجماعية للمستشارين.
• الاضطراب والفوضى وكثرة الجرائم وسرقة السيارات وخطف الأطفال والشباب.
• كارثة قطار أسيوط ومقتل 50 شخصا وكارثة قطار الجنود ومقتل 17 جنديا.
• تعكير الأمن العام واحتلال ميدان رابعة العدوية والنهضة.
• انتشار الكذب والخداع وعدم الشفافية.
• الهجوم على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
• الصدام مع الأزهر الشريف.
• الهجوم على الإعلام وتحميله مسئولية الكوارث التى حلت بمصر.
• أزمة الوقود والسولار وانقطاع الكهرباء.
• خطف الجنود وعدم محاكمة الخاطفين.
• مشروع الصكوك الإسلامية.
• تلفيق التهم للمعارضة للجماعة.
• إعلان براءة جميع المتهمين فى موقعة الجمل.
• الإفراج عن المسجونين من أعضاء الجماعة.
• التصريحات البذيئة لوزير الإعلان الإخوانى.
• التخطيط لأخونة التليفزيون المصرى والمؤسسات والجامعات.
• استقالة المستشار القانونى لمرسى وإعلانه صراحة هيمنة مكتب الإرشاد على الرئيس.
• كارثة التعامل إعلاميا مع مشكلة سد النهضة.
• معادة الجماعة للقضاة ومحاولة تزكيته لخدمة أغراض الجماعة.
• إساءة مرسى بخطاباته المسفة فى المحافل الدولية.
وبدأت دعوات الاحتشاد الوطنى، وطرحت كثير من الأفكار حول «ترتيبات ما بعد التخلص من مرسى وجماعته» من ذلك المنشور الذي نشرته «حركة الدفاع عن الجمهورية» بتاريخ 24 يونيو 2013 الذى جاء فيه: «إن الحركة تنظر إلى المرحلة الانتقالية الجدية بمنظور أوسع وأشمل من مجرد تغيير رئيس برئيس آخر، وأن هذه النظرة تحمى الوطن العزيز من شرور الانتقام والتشرذم والصراع السياسى».
وافترضت الحركة أن تكون المرحلة الانتقالية سنة واحدة فقط يتم فيها توفير المناخ الأفضل والأكثر ديمقراطية للأحزاب والقوى والتنظيمات السياسية، لتطرح أفكارها حول القضايا ذات الأولوية من ذلك قيام الجيش بحماية أركان الدولة، وإدارة الشئون الداخلية بعد تعطيل الدستور الإخوانى، ومن ذلك أيضا تفعيل القرارات أرقام 56، 95 لسنة 1968، و445 لسنة 1970، بشأن دور «المجلس الأعلى للأمن القومى»، وحل مجلس الشورى الإخوانى على أن يتولى التشريع مؤقتا الجمعية التأسيسية للدستور البديل.
هكذا، وبعد سنة واحدة من صعود الإخوان للحكم، اكتشف الشعب المصرى أنهم ليسوا دعاة أو رجال دين، وإنما هم رجال سياسة انتهازيون إرهابيون، لهم أطماعهم وأفكارهم التى لم يتقبلها الشعب وكان أخطرها تقسيم المصريين إلى مسلمين وكفار.
خرج المصريون وحاصروا وزارة الثقافة، ورفضوا اتّباع جماعة جاءت لتنفذ المشروع الأمريكى، مشروع الشرق الأوسط الجديد، لبلدهم، كما رفضوا فكرة تقسيم المقسم وتجزئة المجرمين.
كان مشهد الملايين التى قدرت بقرابة الأربعين مليون مشهدا مذهلا وصادما للجماعة وحلفائها فى الخارج، وكان لابد من قرار حاسم، وتحت ضغط الشعب الثائر جاء القرار يوم 3 مايو 2013 بإنهاء رئاسة الرئيس الإخوانى محمد مرسى، وتعيين المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد وتعليق العمل بالدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
هكذا نجح الشعب المصرى مؤيدا بجيشه الوطنى فى إفشال المشروع الأمريكى، وهزيمة الجماعة التى دفعت للسيطرة على الحكم، ووضع حد للفوضى التى أوشكت أن تودى بتماسك الشعب المصرى وتهز أركان الدولة، وتدخلها فى نفق مظلم.
وبدأت الجمهورية الجديدة ترسم شخصية جديدة لمصر، وكان على الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يخوض أولا معركة شرسة على الإرهابيين وأعداء مصر فى الداخل والخارج، وهى المعركة التى بدأت من عام 2014 وحتى الآن.
اقرأ أيضاًفي ذكرى 30 يونيو.. كيف سطّر «الإخوان» نهايتهم في حكم مصر (1 من 2)
«صحيفة الرأي الأردنية»: أمن الدولة يستدعي المسئول الأول في جماعة الإخوان
«حدث في زمن الإخوان.. الطريق إلى ثورة 30 يونيو».. كتاب لمصطفى بكري يكشف خطايا الجماعة خلال حكم مصر