عاش الشاب (جاي) jay حياة قصيرة ملهمة حقق خلالها حلمه في مواجهة أمواج مافريكس بطول ٣٢ قدما (الركمجة)، وحصل على الشهرة ليس بسبب إنجازه فحسب، بل بسبب شجاعته في مواجهة حائط أمواج مافريكس الذي يستحيل امتطاؤه، ناهيك عن الصمود في مواجهته. تبنت أروقة هوليود قصته من خلال فيلم «مطاردة مافريكس» ( Chasing Mavericks).
استوقفتني الفلسفة العميقة للقصة التي تجسدت في جملة (بعض الناس يتخطون الحدود ثم يكتشفون أن الحدود هي التي تخطتهم)، فجودة الحياة ليست محصورة في طول البقاء فقط بل في تصميم بشري إنساني محرر من الخوف – محب – شغوف – مرن - قادر على موازنة المعطيات.. إلخ يروض الظروف ويتماهى مع أمواجها.
بقليل من التأمل وبعيدا عن تكييف الحجج لتبرير المواقف قصة جاي (jay) وأمواج مافريكس قصتنا جميعا، فأمك التي لم تحصل على الحياة التي حلمت بها أعطتك عمرًا ومشاعر نقية بلا شرط أو قيد، لم تبكِ على تردي الحال بل امتطت «موجة مافريكس» بانسيابية ومرونة لتصل بك إلى حلمك الذي بات حلمها، وغيرت دورها في المعركة من ضحية إلى محركة للصفوف وحولت طاقتها من التركيز على ما فقدت إلى استثمار أمثل لما تملك وما يسعدها وهو أنت ونفسها، تلك الأم هي النموذج الإنساني البشري الذي يشكل مقوم مهم في جودة الحياة.
وذاك الشاب الذي غابت مسؤولية والديه تجاهه - بمبرر أو بدون مبرر- وبات يعمل نادلا في مطعم ويدرس مستهدفا طموحاته اختار الصعود لقمة موجة مافريكس، متحديا المجهول ليشق طريق حياته (فإما حياة أبتغيها أو حياة أبتغيها) لا خيار ثالث.
وهناك تلك الفتاة التي تستحق أفضل فرصة ونُزعت منها فاختارت أن تقاتل من أجل خلق فرص جديدة حتى لو تطلب ذلك التنازل عن شيء من طموحها بشجاعة ونزاهة لم يغلبها قهر الظلم ولم تتبدل قيمها بل زادت شخصيتها توهجا بصفات لم تكن ستشرق داخلها دون هذه التجربة، لقد اختارت أن تواجه «موجة مافريكس» متحدية الهزيمة.
وفي زاوية أخرى من الحياة كُتبت قصة مراهقة بارزت المرض الذي أضعف مهاراتها وأعاق اعتمادها على نفسها، واليوم كسبت التحدي وصنعت طبقا من البيض المقلي دون مساعدة، اختارت تلك الفتاة اختراق «موجة مافريكس» وتفوقت عليها واستحقت وسم الشجاعة بمقلاة وبيضة.
الحياة ملأى بالاختيارات لكن قوة الاختيار ليست للجميع، بل لمن يملك الشجاعة فالاستطاعة أن تكون مقداما وحكيما، وإن لم تكن تام الجاهزية، كن أنت الأمان لنفسك وللآخرين، وكن القيمة إذا تهاوت القيم، وكن دائما الحقيقة مهما تعاظم زبد الزيف، بالمناسبة جاي (jay) توفي في سن ٢٢ سنة بعد حياة ممتلئة بالكثير من كل شيء؛ بالتخلي والخوف والفقد والفقر والاحتياج والتنمر والشجاعة والامتنان والمرونة والنجاح والشهرة والعطاء والبر لوالدته والتسامح والسعادة والإقبال بحب على الحياة بكل مراحلها بما فيها مرحلة الموت، وأبرز ما يميز شخصيته الحكمة والذكاء في التكيف مع الطبيعة، استمع للرياح ليفهم حركة الأمواج ولم يتحداها بل سلمها القيادة واستخدمها للوصول وضبط أنفاسه فقط.
لم يختر حياته لكن اختار كيف يعيشها وصدقا لم يتخطَ الحدود بل كان للحدود شرف تخطيه، وأنت أيضا لك قصة، أنت البطل فيها والمخرج والكاتب. إن شئت بلغت الأفق اللا متناهي، وليكن حسن التوكل على الله وقود عزيمتك، وعندها لن يهزمك شيء، بقي أن تعرف أن «موجة مافريكس» التي بداخلك قابلة للتحدي قد تتجاوزها لتواصل الحياة التي تنتظرك ومعك قصة بطولة تستحق أن تروى وقد تهزمك لكن ستترك داخلك شعورًا مريحًا بأن حياتك تستحق المحاولة، فإن لم تكن منتصرا ستكون شجاعا، يومكم سعيد.
د.عبير صالح الصقر
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: المملكة أخبار السعودية المحيط
إقرأ أيضاً:
بناه السلطان لخياطه الموثوق.. مبنى فريد في إسطنبول يعود إلى الحياة بعد إهماله لعقود
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لأعوام، كان من السهل تجاهل شقة بوتر في تركيا. ولم ينظر إليها أحد عند عبور شارع الاستقلال، أكثر شوارع إسطنبول ازدحامًا بالمشاة، حيث يمرّ قطار الترام الأحمر العتيق أمام متاجر الموسيقى والمقاهي.
فوق المتاجر، كانت واجهة أنيقة على طراز الفن الجديد، "آرت نوفو"، في طليعة مدينة تُعيد تعريف نفسها، لكنها تداعت بهدوء.
ولم يكن المبنى مجرّد واجهة مزخرفة.
كلّف السلطان عبد الحميد الثاني ببنائه، وصمّمه المهندس المعماري الإيطالي رايموندو دارونكو، من أجل خيّاط السلطان الهولندي الجنسية، جان بوتر.
وكان الهيكل من المباني التي عرّفت إسطنبول إلى العمارة الأوروبية الحديثة، وشكّلت جماليات شوارعها الأكثر ثراءً.
لكن على مدار القرن التالي، تغيرت ملكية الشقة مرات عدة، ومن ثم تعرّضت للإهمال.
الآن، حوّلتها أعمال ترميم حديثة إلى جزء من الحياة العامة، في ظل إعادة افتتاحها كمركزٍ ثقافي ومساحة عمل مشتركة.
أشرف السلطان عبد الحميد الثاني على جزء من الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية بين العامين 1876 و1909، وكان رجلاً مليئًا بالتناقضات.
هو معروف بحكمه الاستبدادي من الناحية السياسية، لكنه في حياته الخاصة، كان مفتونًا بالفنون والتصاميم والموسيقى الأوروبية.
كان السلطان من مُعجبي شخصية شارلوك هولمز التي ابتكرها الكاتب آرثر كونان دويل، ومن محبي الأوبرا والباليه، كما كان يُوظِّف اختصاصيين أجانب ضمن بلاطه.
سلطان وخيّاط ومهندس معماريكان خياط السلطان الرسمي جان بوتر بين أولئك الاختصاصيين.
حرص عبد الحميد على استيراد بدلاته من باريس، إلا أنّ بوتر كان من يتولى إجراء القياسات والتعديلات الدقيقة في إسطنبول.
في العام 1900، أهداه السلطان قطعة أرض في بيرا، واحدة من أكثر أحياء إسطنبول عالميةً وجاذبيةً للثقافة الأوروبية، لبناء مسكن ودار أزياء.
لتحقيق ذلك، لجأ عبد الحميد إلى كبير المهندسين المعماريين في قصره، الإيطالي رايموندو دارونكو.
وبعد اكتمال بنائه في العام 1901، كانت شقة بوتر أول مبنى مصمّم على طراز الفن الجديد في إسطنبول.
تميّز المكان بأناقته الجريئة، وزخارفه المزهِرة، وتفاصيل تحمل رأس "ميدوسا" المنحوتة.
كان المبنى أيضًا رائدًا من الناحية التكنولوجية، فكان أول مبنى سكني بإطار فولاذي في تركيا، مع كونه على الأرجح ثاني مبنى بمصعد في البلاد بعد فندق "بيرا بالاس".
وقال الصحفي إمراه تيميزكان: "قصة شقة بوتر عبارة عن تاريخ مختصر لتحديث إسطنبول".
وأوضح أنّ الشقة "كانت مساحة تُمثّل أسلوب الحياة الغربي، محصورة في دائرة القصر في تلك الحقبة. يوازي إعادة افتتاحها للجمهور اليوم، كمركزٍ ثقافي، الفكرة الجمهورية المبكرة المتمثلة بإضفاء الطابع الديمقراطي على الثقافة والفن".
في الطبقة الأرضية، سرعان ما أصبح مشغل بوتر مركزًا للحياة الاجتماعية في بيرا، حيث استضاف عروض أزياء وجلسات قياسات لنخبة إسطنبول.
أمّا في الطبقات العليا، فقد سكنتها عائلة بوتر.
وترى المهندسة المعمارية ومديرة المشاريع في بلدية إسطنبول الكبرى للتراث، ميرفي جيديك، أنّ ارتباط المبنى ببوتر والمهندس المعماري دارونكو عزّز من سمعته، فأكّدت أنّه "وُلد من رحم الفن والتصميم".
على وشك الانهيارلم يدم مجد المبنى طويلاً، فبعد حروب البلقان والحرب العالمية الأولى، تضاءل طابع الحياة العالمي في بيرا، وباعت عائلة بوتر الشقة في العام 1917، وانتقلت إلى باريس. وهُجِر المبنى على مرّ العقود مع بروز تركيا كجمهوريةٍ حديثة.
وقالت جيديك إنّ المبنى كان "متهالكًا" و"على وشك الانهيار".
تغير مصيره في العام 2021، عندما شرعت بلدية إسطنبول الكبرى بترميمه بحذر.
كان الهدف القيام بأدنى حد من التدخل، مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من التفاصيل الأصلية. وشكّل التغيير الأعمق تحوُّل المبنى من رمزٍ خاص للمكانة إلى منارة ثقافية عامة.
عندما أعيد افتتاح الطبقات السفلية في أبريل/نيسان 2023، تحت اسم مركز كازا بوتر للفنون والتصميم "Casa Botter Art and Design Center"، شهد المبنى إقبالاً غير متوقع.
في البداية، خُصصت الطبقات العليا للاستخدام كمكاتب تابعة للبلدية، لكن كان للزوار خطط أخرى.
وأوضحت جيديك: "أظهر الأشخاص اهتمامًا كبيرًا خلال أسبوع الافتتاح لدرجة أنّنا لم نتمكن من استخدامه كمكتب. بدأ المبنى يكتسب دورًا جديدًا على نحو تلقائي".
وبدأ الطلبة والعاملون عن بُعد، بالإضافة للمبدعين، باستخدام الغرف المفتوحة كمساحة عمل ومكاتب مشتركة.
متحف معماري حي