1300 وثيقة في "ذاكرة وطن في أرض اللبان" بمحافظة ظفار
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
صلالة- الرؤية
افتتح صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد مُحافظ ظفار مساء أمس المعرض الوثائقي: "ذاكرة وطن في أرض اللبان" بمحافظة ظفار بفعاليات عودة الماضي (السعادة)، الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات خلال الفترة من 5 إلى 21 أغسطس الجاري.
ويهدف المعرض إلى نشر المعرفة من خلال إكساب الكفاءات الوطنية بالمعارف والعلوم، وتنمية التواصل والترابط بالمجتمع المحلي والمجتمعات الأخرى.
وقال الدكتور طالب بن سيف الخضوري المدير العام المساعد للمديرية العامة للبحث وتداول الوثائق بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: "إن حرص هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية للمشاركة في فعاليات موسم خريف ظفار يأتي إيمانًا بأهمية إبراز الدور الحضاري والتاريخي للسلطنة عبر الحقب الزمنية المختلفة وبيان إسهام الإنسان العُماني في مختلف المدن العمانية في الحضارة الإنسانية".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الانبعاث الحضاري.. على طريق الأسئلة والتحدي والاستجابة.. مشاتل التغيير (31)
اختتمنا المقال السابق بأسئلة طرحها مشروع الانبعاث الحضاري؛ ذلك المشروع الذي لا يزال يستحق منا الاهتمام والتركيز، ونشير في هذا المقال إلى أسس ومرتكزات مهمة تسوغ للأسئلة المطروحة وأهميتها؛ ذلك أن أهمية السؤال الحقيقي النافع ضمن مشروع نهضوي كهذا يجب أن يولي الأسئلة اهتماما فائقا.
فاستراتيجية السؤال من أهم الاستراتيجيات المنهجية التي أكّد عليها أستاذنا حامد ربيع، وقد أشار إلى أن أسئلتها لا يجب أن تكون من نمط تلك الأسئلة المباشرة أو الاعتيادية، ولكنها غالبا ما يمكن إدراجها في صنف الأسئلة ذات الطابع الاستراتيجي والكلي والإشكالي. ورغم أن لاستراتيجية الأسئلة مكانتها منهجيا وبحثيا، إلا أن هذه الأهمية تزداد في مثل هذه المشروعات والقضايا الأساسية والمحورية، من مثل قضية النهضة والنهوض، خصوصا أن مثل هذه القضايا الكلية إنما تمتلك مفاهيم وأطرا وأطروحات ومجالات وعلاقات، وربما أبنية ومؤسّسات، تكون معقدة ومتشابكة إلى الدرجة التي تستدعي طرح أسئلةٍ ذات طبيعة خاصة ومتميّزة في توصيفها ومواصفاتها، تستوعب مثل هذه السياقات، وتلك المقولات، وآلياتها المنهجية وقواعدها التفسيرية؛ إنها الأسئلة الأساسية والمٌؤسِسة.
إذا كانت الأفكار والمشاعر والمنطلقات الحاكمة والمنعكسة في جوانب الحياة الأساسية لأي مجتمع إنساني؛ تشكل النموذج الحضاري وتصبغ الإنسان عقيدة وقيما وحسّا وتوجهات واهتمامات وسلوكا، فإن السؤال هو كيف يمكن بناء نموذج حضاري إسلامي يحكم حياة الأمة بالاستفادة من طاقة التغيير الهائلة، وبمَ يتعامل مع هذا الضعف المتراكم والخلل الخطير في موازين القوى الحضارية؟
أكدنا دائما وأبدا في مقالات سابقة أن السؤال الصحيح نصف الإجابة، بل ربما يكون شرطا للإجابات السليمة؛ ذلك أننا لو بدأنا بالسؤال الخطأ سيؤدّي بنا حتما إلى الإجابات الخطأ، لأن السؤال بداية للتفكير والتدبير والتغيير. ومن ثم علينا تجنّب كل مواطن الزلل في السؤال وتبصر مكامن الاختلاط فيه؛ الأسئلة الزائفة، والأسئلة التابعة، والأسئلة المخذولة، والأسئلة المنتقمة، والأسئلة الميتة، والأسئلة المحنطة، والأسئلة المفخّخة، وأسئلة خارج التصوّر العقلي، وأسئلة خارج الزمن، والأسئلة القاتلة، وأسئلة الالتفاف، فهي تورثنا، في النهاية، ذهولا وانفعالا عن مقاصد الأمة من الأسئلة النافعة والحقيقية.
ذلك كله لا يمكن أن نصل إليه من دون الاعتماد على استراتيجية السؤال التي تعدّ من أهم آليات تحليل مشاريع النهوض الحضارية، لقدرتها على سبر أغوار مثل هذه المشاريع من زواياها المختلفة، سواء على درجاتها الزمنية، الماضي والحاضر والمستقبل، أو من زاوية الرؤية والأطر الكلية والتحليلية والمفاهيمية والتفسيرية والإشكالات الأجدر بالتناول، أو الوقوف على الأطراف والفواعل، والمجالات، والقضايا، والعلاقات. ذلك كله يمكن الوقوف عليه من السؤال، ولكن كما سبقت الإشارة؛ السؤال النافع والحقيقي.
الأسئلة والتحدي: هل تبني الأمة نموذجها الحضاري بمرجعيتها الدينية الأصيلة أم تستمر تحت مظلة النموذج الحضاري السائد؟
وإذا كانت الأفكار والمشاعر والمنطلقات الحاكمة والمنعكسة في جوانب الحياة الأساسية لأي مجتمع إنساني؛ تشكل النموذج الحضاري وتصبغ الإنسان عقيدة وقيما وحسّا وتوجهات واهتمامات وسلوكا، فإن السؤال هو كيف يمكن بناء نموذج حضاري إسلامي يحكم حياة الأمة بالاستفادة من طاقة التغيير الهائلة، وبمَ يتعامل مع هذا الضعف المتراكم والخلل الخطير في موازين القوى الحضارية؟ وكيف يمكننا استثمار نهوض الأمم وبناء الحضارات في لحظات التحولات التاريخية الفاصلة؟ أسئلة حضارية مهمة ومشروعة؛ لا شك أنها تمثل تحديا هائلا. وفي تقديرنا أن التحدي الجوهري الأساسي يتحدد بناء على الإجابات التي تقدمها القوى الحية في الأمة عليه، وتتحدد مواقعها وأدوارها في خدمة أمتها وإقامة دينها في هذه اللحظة الفارقة. وهو تحد يتطلب عطاءات فكرية وحركية وعملية عميقة وعديدة، وحوارات وتجارب وممارسات متنوعة.
التحدي والاستجابة؛ طرح أرنولد توينبي نظريته في "التحدي والاستجابة"، معتبرا ذلك محركا للإنسان بشروط، فالإنسان يستجيب للتحدي متى كان في حدود قدراته، وإلا عجز. ونشأة الكيان تحدث نتيجة تحدٍ ما، إما للبيئة، أو للبشر، أو كليهما، وينهار الكيان حينما يعجز عن الاستجابة لهذه التحديات. وإن أهم شرطين لحدوث هذا التفاعل يكون بوجود قوة إبداعية (أشخاص مبدعين)، وبيئة ملائمة لغاية أو غير ملائمة لها.
في هذا السياق، يقول توينبي إنه كلما زاد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى ما يصفه بـ"الوسيلة الذهبية" التي تحمل هذه الفكرة؛ أن الكيان يواجه التحديات عبر سلسلة من الاستجابات التي قد تكون غير فعالة أحيانا، ولكن من خلال التجربة والتعلم يصل إلى الحل الأمثل الذي يقوده نحو التقدم والرقي. إن الأمر يمر بدورة التحدي والاستجابة هذه؛ ذلك عندما تواجه تحديا فإن هذا يعني أنك تتطور، وأن هذا التحدي بمثابة جسر للانتقال لمرحلة جديدة تتطلب شجاعة أكبر ومهارات إضافية وحلولا إبداعية. يرى توينبي أن التحدي المفيد المنتج ينبغي ألا يكون صعبا، بحيث يعجز الإنسان عن التعامل معه، ولا يكون التحدي سهلا، بحيث لا يثير في الإنسان دوافعه للتحضر. وأكد أن صعوبة التحدي وسهولته أمر نسبي، فما تعتبره أمة صعبا قد لا تعتبره أمة أخرى كذلك.
بين الأسئلة والتحدي والاستجابة تقع هذه المحاولة من الدكتور حسين القزاز للاشتباك مع هذا التحدي الكبير، عبر تقديم أفكار أولية عامة عن السؤال المتعلق بكيفية السعي لإطلاق تلك المسيرة الحضارية. وهو يشير إلى أربع زوايا مقترحة للنظر فيها؛ ويمكن أن يُدار حوار بشأنها نستطلع به آفاقا ممكنة لإطلاق تجربة حضارية إسلامية جديدة تتبنى وتستصحب نموذجا حضاريا إسلاميا مستقلا؛ استلهاما لمفهوم التحدي في مواجهة الاستجابة على ما يرى توينبي.
الاستجابة الإحيائية في مفهومها القرآني "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" الذي أشرنا إليه من قبل:
الزاوية الأولى: محركات التاريخ الأجدر بالتركيز في لحظات التحولات التاريخية الفاصلة؛ كيف تنهض الأمم وتبنى الحضارات؟ ذلك أن الأمم تنهض بعد ضعف وتقوى بعد انكسار (والعكس). ودعنا بالتالي نفكر في المحركات الكبرى التي تعين في هذا النهوض ونحاول استصحاب تجلياتها المعاصرة، ثم دعنا نجتهد في التساؤل عن مساحات السعي المتاحة لنا في رحابها، لعلنا بذلك نتقدم خطوة مهمة في اتجاه كسر ذلك الحاجز الذهني النفسي الذي يعوق كثيرين منا عن طرح سؤال الانبعاث الحضاري الإسلامي أصلا. عندما نراجع سنن التبدل ومكنات البناء الحضاري، ونتأمل مكاننا من هذه السنن وأنصبتنا من تلك الممكنات، نطرح على أنفسنا السؤال: ألا نستطيع إذن وألا يجدر بنا أن نتتبع سنن هذه العوامل والمكنات والمحركات للتاريخ الإنساني ولنهوض الأمم ونأخذ بأسبابها؟
الزاوية الثانية: الوعي باللحظة ومكانتها ومُكْنَاتِها. الحياة الإنسانية في حالة مستمرة من التشكل والتغير، ومسيرات التجارب الحضارية الإنسانية تمر عبر دورات حياة يمكن تتبع بعض ملامحها العامة، وإن اختلفت تضاريسها وتفاصيلها وأحداثها الفارقة وتتابعها وانقطاعها وانتظامها وطفراتها؛ بين التجارب الحضارية المختلفة، وحتى داخل التجارب الممتدة زمنا والمتسعة مكانا بين مراحلها وأجزائها. والأمر الذي لا تختلف فيه تلك التجارب على تنوعها هو أن كلا منها هو بمثابة رحلة في التاريخ؛ تمر بمحطات متنوعة تتطور عبرها الحياة الإنسانية وتتغير وتتبدل أحوالها.
هكذا من المهم جدا لنا أن نميز طبيعة وخصائص المحطة التي نمر بها الآن: ملامح وفرص وإملاءات وإمكانات المرحلة الحضارية التي تعيشها أمتنا. وهي كما هو بادٍ لحظة مخاض حضاري صعب، واجب الوقت فيها هو العمل على استكمال شروط عبورها وعبورنا معها لذلك الانطلاق المنشود. ألا نستطيع ويجدر بنا أن نفقه طبيعة تلك اللحظة وأولوياتها، ونسعى جادين لإعلاء تلك الأولويات واستيفاء الوسع في تحقيق مقتضياتها؟
الزاوية الثالثة: واجبات أوقات على مستوى قطاعات الحياة/ المكونات الرئيسة للبنية الحضارية. لئن اهتمت الزاويتان السابق ذكرهما بمحركات تاريخ يمكن أن تدفع حركة الأمة كلها للأمام، وبمقتضيات لحظة علينا أن نراعي أولوياتها في حركتنا كلها، فإن هذه الزاوية الثالثة تُنَزِّلُ تلك الأفكار والمقتضيات على ساحات القطاعات الأساسية لحياة الأمم والشعوب. فالتركيز هنا هو على سؤال: كيف يمكن أن تنهض الأمة في رحاب مشروع إحياء إسلامي في كل من مساحات الحياة الأساسية: معرفة وثقافة وتشكيلات مجتمعية أساسية وأنظمة سياسية واقتصادية وإدارية كلية وأنظمة وسيطة؛ من تعليم وصحة وقضاء وأمن وغيره وعلاقة للناس بالمكان الذي يعيشون فيه إعمارا وصيانة وتطويرا؟ ألا نستطيع ويجدر بنا: أن يعمل كل منا بتركيز في الجانب الوظيفي الذي يتقنه وفي قطاعات الحياة الأساسية التي يستطيع العطاء فيها، على تقديم فكر ونماذج وممارسات إسلامية مفارقة في فلسفتها وبنيتها لتلك النماذج العلمانية والممارسات الملتبسة التي تسود مساحات الحياة اليوم؟
طرح أفكار على هذه المستويات ونقاشها في الساحات الفكرية والعملية واحد من مدخلات كثيرة مطلوبة في مقاربة هذه التحديات الحضارية الكبرى التي تواجهها أمتنا والاستفادة من فرصها السانحة، إنها مشاتل التغيير حينما تتواكب مع أسئلة حضارية وقضايا فكرية تتعلق بمسألة النهوض؛ واستجابات واعية حيوية كمقدمات تأسيسية للحركة والنشاط والفاعلية
الزاوية الرابعة: استشراف مسارات أحداث كبرى وتطورات حياة حثيثة وتدافع هائل/ تحف بالتحولات المستهدفة وتتشكل معها؛ لن تنطلق تلك المسيرة الحضارية الجديدة في فراغ أو تنزل على أرض ساكنة. على العكس تماما، الأمة تعيش حالات وأنواعا ودرجات من التدافع الشديد، والإنسانية كلها معها. وبالتالي فعلى القائمين على مشروع الانبعاث الحضاري للأمة في هذه الظروف أن يهيئوا أنفسهم للتعامل مع أوجه التدافع تلك. عليهم أولا أن يدركوها ويعوا أبعادها ومحركاتها ودينامياتها وتداخلاتها وآثارها، ثم عليهم أن يحددوا مواقفهم منها ومدى وطبيعة تداخل المشروع الجديد معها.
وينبهنا كثير من المخلصين إلى أوجه تدافع أصبحت واضحة للعيان، ونسمع كثيرا عن أهمية إعمال الفكر الإستراتيجي الثاقب لإدراك أبعادها، وتشعر دوما بآمال هؤلاء وأولئك أن يسفر ذلك الوعي الاستراتيجي عن نجاحات واختراقات يمكن لنا أن نحدثها في رحاب هذا التدافع المعقد الكبير. إلا أن المحدد الأكبر لمثل هذا الاختراق المأمول هو ذلك الغائب الحاضر عن معظم تلك الجهود والآمال: هو الانتباه للأبعاد والمقتضيات الحضارية في مثل تلك المواجهات. ألا نستطيع ويجدر بنا أن نشحذ الهمم ونرتقي بالوعي ونبني على الطاقات الهائلة في أمتنا لخوض تلك التدافعات بحقها؟
إن طرح أفكار على هذه المستويات ونقاشها في الساحات الفكرية والعملية واحد من مدخلات كثيرة مطلوبة في مقاربة هذه التحديات الحضارية الكبرى التي تواجهها أمتنا والاستفادة من فرصها السانحة، إنها مشاتل التغيير حينما تتواكب مع أسئلة حضارية وقضايا فكرية تتعلق بمسألة النهوض؛ واستجابات واعية حيوية كمقدمات تأسيسية للحركة والنشاط والفاعلية.
x.com/Saif_abdelfatah