تحليل عسكري: صواريخ حزب الله قادرة على استهداف أي مكان بإسرائيل
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
أفاد تحليل عسكري إسرائيلي حديث بأن صواريخ حزب الله الدقيقة قادرة على استهداف أي مكان في إسرائيل، بفضل الأنظمة المتقدمة التي تمتاز بها، والتي تشمل أنظمة تصحيح المسار ورؤوسا حربية ذات قدرة تدميرية كبيرة.
وأشار التحليل، الذي نشره موقع "كالكاليست" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إلى أن صواريخ "فاتح 110" التي يمتلكها حزب الله يمكنها التحليق من ميناء بيروت إلى ميناء إيلات في أقصى جنوب إسرائيل.
وفي هذا السياق، حذر البروفيسور زفي إيكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق ومؤسس معهد آرون للسياسات الاقتصادية، من التبعات الاقتصادية المحتملة للحرب الشاملة، التي قد تشمل تصعيدا في غزة وتوترات مع حزب الله وإيران.
وبحسب لإيكشتاين، فإن الوضع الراهن يهدد الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل، ويتطلب استجابة طارئة.
السيناريوهات المتوقعةويتوقع إيكشتاين أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي نموا بنسبة 1.5% في عام 2024، مع زيادة العجز إلى 8.4% ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 67%، في حال تم التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على القطاع ويعيد الأسرى، ويعتمد هذا السيناريو على استعادة الوضع الطبيعي في الأشهر المقبلة.
أما إذا نشبت حرب متعددة الجبهات مع إيران وحزب الله، فقد تواجه إسرائيل هجمات صاروخية على تل أبيب وتعطيل العمليات في الموانئ، مما قد يؤدي إلى تدهور اقتصادي كبير، ومن الممكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5% أو أكثر، وترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 80%.
وأكد إيكشتاين أن الوضع الحالي يتطلب تحضيرا لمواجهة السيناريو الأسوأ، بما في ذلك الاستعداد لتوقف الرحلات الجوية وتعطل الموانئ.
كما أضاف أن وزارة المالية وبنك إسرائيل لم يقدما خططا كافية لمواجهة الأزمات الكبرى، مما يترك البلاد في حالة من عدم اليقين الاقتصادي.
ونوه إيكشتاين بأن المستقبل الاقتصادي لإسرائيل يعتمد بشكل كبير على نتائج الوضع العسكري والسياسي الحالي، وتحديد مدى تأثير الأزمات الحالية على استقرار البلاد الاقتصادي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حزب الله
إقرأ أيضاً:
تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات ثاد
في ليلة الـ16 من يونيو/حزيران 2025، لم تكن السماء فوق تل أبيب مسرحا لمعركة تقليدية، بل خشبة رقص قاتلة. صواريخ فرط صوتية انطلقت من عمق إيران، لا تصيح ولا تزمجر، بل تنساب بسرعة تتحدى الإدراك، وتؤدي حركاتها المعقدة بين طبقات الغلاف الجوي كراقص محترف يتفادى كل يد تمتد لإيقافه. أمام هذا الأداء التقني الفائق، بدت خوارزميات "ثاد" -أكثر منظومات الدفاع الأميركية تقدما- كأنها تراقب رقصة لا تفهم خطواتها، ولا تعرف متى ولا أين ستنتهي.
إن ما يجعل تلك الصواريخ ترقص بهذا التمرّد ليس سرعتها الخارقة فحسب، بل قدرتها على كسر كل قواعد الاشتباك المعروفة. فهي لا تتبع مسارا ثابتا، ولا تكتفي بالتحليق بسرعة تفوق 5 أضعاف سرعة الصوت، بل تتحول رؤوسها الحربية إلى أجسام انزلاقية مناورة، تغيّر اتجاهها وارتفاعها كما يشاء مصمّموها، متجنبة أي نقطة اعتراض محتملة. فهذا النمط الجديد من الحركة لا يمنح منظومات مثل "ثاد" سوى ثوانٍ قليلة للتعامل مع تهديد لا يسير وفق منطق الخوارزميات، بل يراوغها كما لو كان يعرف كيف تفكّر.
رقصة الصواريخ الإيرانية التي استطاعت التغلب على خوارزميات "ثاد" لديها خصائص محددة مكنتها من أن تؤدي رقصتها الليلة باقتدار.
إعلان – الرقص في المنطقة العمياءكان من المفترض أن يُغطي رادار "إيه إن/تي بي واي- 2" (AN/TPY-2) التابع لمنظومة "ثاد" السماء كما تغطي العين المدربة ساحة المعركة، بدقة تتجاوز الألف كيلومتر، لكن الرادار الأميركي، رغم قوته، صُمم لينظر إلى الأعلى، لا إلى الزوايا المائلة للغلاف الجوي. والصواريخ الإيرانية لم تأتِ من العلو، بل انزلقت في ارتفاعات ماكرة تتراوح بين 30-50 كيلومترا، وهي المنطقة الرمادية التي تُعرف تقنيا بـ"تحت أفق الكشف" (underflying detection horizon). وهناك، بين صمت الرادار وتأخر القرار، وجدت هذه الصواريخ مساحتها الحرة للرقص بعيدا عن أعين الخوارزميات.
الرادار قد يراك، لكن هل يعرف أين ستذهب؟ هنا يبدأ الرقص الحقيقي. فالصواريخ الفرط صوتية الإيرانية لا تندفع بخط مستقيم وهو ما يفسر الرقصات التي كنا نشاهدها في سماء حيفا وتل أبيب، بل تُراوغ كأنها تدرك مسبقا كيف يفكر النظام المعادي. ففي كل ثانية، تُغير اتجاهها وارتفاعها، مما يُربك خوارزميات التتبع التي صُمّمت أصلا للتعامل مع أهداف تسلك مسارا شبه ثابت.
وتعتمد منظومة "ثاد" على خوارزميات مثل "كالمان فلتر" (Kalman Filter)، التي تحاول باستمرار تقدير موقع الهدف وسرعته عبر سلسلة من الحسابات اللحظية. ومع كل مناورة مفاجئة، تبدأ الخوارزمية بإعادة الحساب. فإذا أضيف إلى ذلك وجود احتماليات متعددة للمسار -كما في خوارزمية (Multi-Hypothesis Tracking)- يصبح النظام منشغلا بمطاردة أشباح الحركة أكثر من الهدف الحقيقي نفسه.
– اللحظة التي تنهار فيها الحساباتالسرعة هنا ليست مجرّد رقم، بل عدوّ زمني للخوارزميات. حين تنطلق الصواريخ الإيرانية بسرعة تتجاوز ماخ 13 (Mach 13) -أي أكثر من 4 كيلومترات في الثانية- تتحول نافذة اتخاذ القرار داخل منظومة "ثاد" إلى لحظات خاطفة، بالكاد تكفي للرصد، فضلا عن التحليل أو إصدار أمر اعتراض.
إعلانخوارزميات مثل "تتبع وأنت تمسح" (Track-While-Scan)، والمخصصة لمتابعة أهداف متعددة لحظيا، تجد نفسها في سباق مع سيل من البيانات المتغيرة، حيث لا يكفي أن ترصد، بل يجب أن تتوقع، وأن تفعل ذلك أسرع من سرعة الحركة نفسها. وفي تلك الثواني القليلة، تتجمّد المنظومة في حالة أشبه بـ"شلل رقمي"، تفقد فيه القدرة على الإمساك بمسار ثابت للهدف، لأن الهدف نفسه لا يملك مسارا واحدا.
وأشار تقرير رسمي صادر عن مكتب تقييم الأداء في وزارة الدفاع الأميركية (DOT&E) في عام 2023 إلى هذا العجز بوضوح، إذ ذكر "تُشكّل الصواريخ الأسرع من الصوت تحديا للجداول الزمنية الحالية لأجهزة الاستشعار والصواريخ الاعتراضية، مما يتطلب إعادة النظر بشكل كامل في تسلسل الاشتباك" .
– الرقص بين الطبقات… حيث لا أحد يرىتُصمم الأنظمة الدفاعية الحديثة على شكل طبقات متداخلة: طبقة عليا تعترض الصواريخ في الفضاء، مثل "إس إم-3" (SM-3)، وطبقة متوسطة مثل "ثاد"، وأخرى منخفضة مثل "باتريوت". ومن الناحية النظرية، يخلق هذا التدرج حزاما متعدد المراحل من الحماية. ولكن عند التطبيق، توجد بين هذه الطبقات فجوات تشغيلية تُعرف في العقيدة الدفاعية بـ"defense layer seams"، وهي مناطق يختلط فيها من يتولى مسؤولية الرصد، ومن يصدر أمر الاعتراض، ومن يمتلك القدرة على التنفيذ.
كما صُمّمت الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية لتضرب بدقة داخل هذه المنطقة الرمادية. فهي لا ترتفع كثيرا لتواجه "إس إم-3″، ولا تهبط مبكرا كي تُعالج بفعالية من باتريوت، بل تبقى في النطاق الزمني والمكاني الذي يربك التوزيع الوظيفي بين الأنظمة.
وهذه الفجوات ليست مجرد مساحات خالية في السماء، بل مساحات خالية في القرار، حيث يمر الصاروخ، لا لأنه أسرع فقط، بل لأن الأنظمة تتردّد فيمن يرد أولا.
– سحابة التشويش: عندما تتجاوز الضوضاء سرعة القرارفي ساحة الحرب الحديثة، لم يعد التحدي فقط في اعتراض صاروخ واحد ذكي، بل في التمييز بين الحقيقي والوهمي ضمن عاصفة من الإشارات. هذا ما يُعرف عسكريا باسم "الإغراق الدفاعي" (Saturation Attack)، وهو تكتيك يقوم على إطلاق عدد كبير من الأهداف -صواريخ، طائرات مسيرة، شراك إلكترونية- في وقت متزامن لتجاوز طاقة المعالجة القصوى لمنظومات الدفاع الجوي.
إعلانووفق دراسة لمؤسسة راند (RAND) نشرت عام 2022، فإن الإغراق الدفاعي الفعال لا يكتفي بإرباك الرادار، بل يصيب مركز القرار بالشلل اللحظي، إذ تشير الدراسة إلى أنه "يمكن أن تؤدي هجمات التشبع إلى إرباك ليس فقط أجهزة استشعار الرادار، ولكن أيضا دورات صنع القرار البشرية والخوارزمية التي يجب أن تحدد التهديدات الحقيقية وتعطي الأولوية لها وتتعامل معها".
– الراقص الذي يقرر خطوته القادمة وحدهلم تعد المناورة في الجيل الجديد من الصواريخ الفرط صوتية، مجرد استجابة مُبرمجة مسبقا، بل خيار لحظي يتخذه الرأس الحربي بناء على ما "يراه" في السماء. فبعض التقارير الغربية -منها تقرير لمركز راند حول "الاستقلالية القتالية في الذخائر التفاعلية"- تُشير إلى أن دولا مثل إيران والصين بدأت بتجريب خوارزميات ذكاء اصطناعي داخل أنظمة التوجيه، لاتخاذ قرارات حركة ذاتية في الزمن الحقيقي.
وبهذا المفهوم، لا يعود الرأس الحربي مجرد مقذوف موجه، بل يتحول إلى راقص منفرد على مسرح السماء، يغيّر خطوته مع كل نبضة رادارية، لا لأنه مبرمج على الحركة، بل لأنه أصبح يفهم ما يدور حوله ويتصرّف بناء على ذلك.
عندما تكسر الرقصة التوقعات تكون النهايةما يجعل الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية بهذا القدر من الخطورة، ليس امتلاكها لميزة واحدة، بل تراكب 5 طبقات من التهديد: سرعة خارقة، مناورة لحظية، مسارات منخفضة، شراك تشويشية، وخوارزميات ذكاء اصطناعي تجعل من الرأس الحربي كيانا مستقلا في اتخاذ القرار.
فكل واحدة من هذه الطبقات تُربك خوارزميات "ثاد"، لكن اجتماعها معا يجعل من كل محاولة اعتراض، أشبه بمحاولة الإمساك براقص قرر ألا يتبع الموسيقى التي تعرفها.
أمام هذا النوع من التهديد، لا يعود السؤال: "هل يستطيع النظام اعتراض الصاروخ؟"، بل يصبح: "هل يفهم النظام أساسا ما يراه؟".
الخطر الحقيقي لم يعد في الصاروخ، بل في اللحظة التي تصبح فيها الخوارزمية نفسها، هي الطرف الأبطأ في المعركة.
إعلان