عربي21:
2025-08-01@01:14:04 GMT

فلسطين.. الخرافات الدينية ومئة عام من المعاناة

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

أعادت معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي، وفتحت النقاش من جديد حول طبيعة الصراع بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، ولعل الأهم أنها فتحت النقاش حول ماهية وطبيعة الكيان الصهيوني والأفكار التي أسس عليها، لا سيما مع وجود حكومة يمينية متطرفة في سدة الحكم.

لقد دفع حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وما اعتبرته جهات دولية عديدة، كمحكمة العدل الدولية والجنايات الدولية والعديد من الدول، حرب إبادة جماعية، إلى تغيير كبير في صورة الكيان الصهيوني، الذي طالما عمل على تسويق صورة الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تعتبر نفسها امتدادا للحضارة الغربية، والديمقراطية الوحيدة في المنطقة، التي تحترم القانون وحقوق الإنسان وتمتلك جيشا لديه منظومة أخلاقية يستند إليها.

كل ذلك تبدد بعد طوفان الأقصى ولم يعد لدى الكثيرين الجرأة على طرحه، فقد ظهر الاحتلال بشكل جلي كمجرم حرب منتهك لكل القوانين الدولية وقواعد الحروب، وسيطر السلوك البربري على أدائه.

هذا السلوك وهذه المعركة تعيد التفكير في جذور فكرة الاحتلال الصهيوني وإنشاء هذا الكيان وما رافقه من مؤامرات وأكاذيب وخرافات "دينية"، إلى حد يمكننا فيه القول إن الفلسطيني ووطنه كانا ولا زالا ضحية لجملة من "الخرافات الدينية" التي تقاطعت فيها أديان مختلفة. وقد استُخدمت هذه الخرافات من قبل قوى وجماعات استعمارية علمانية فاشية، بعضها وبعض قياداتها ملحدة، لإنجاز أهدافها الاستعمارية.

دفع حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وما اعتبرته جهات دولية عديدة، كمحكمة العدل الدولية والجنايات الدولية والعديد من الدول، حرب إبادة جماعية، إلى تغيير كبير في صورة الكيان الصهيوني، الذي طالما عمل على تسويق صورة الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تعتبر نفسها امتدادا للحضارة الغربية، والديمقراطية الوحيدة في المنطقة
بريطانيا إمبراطورية التوحش وانعدام الضمير

لم تكتف القوى الاستعمارية في حينه، ممثلة ببريطانيا العظمى، بالترويج لكذبة تاريخية يدحضدها الواقع؛ بأن فلسطين هي أرض بلا شعب وستعطى لـ"شعب" بلا أرض، حيث كان الشعب الفلسطيني يعيش في أرضه ولديه البنية الحضارية والمدنية الكاملة كشعب يعيش على أرضه كغيره من شعوب المنطقة، فيما كان اليهود يعيشون في بلدانهم وكأجزاء من شعوب وقوميات مختلفة في عدد كبير من دول العالم، وكذلك كغيرهم من الأقليات الدينية في العديد من دول العالم.

بل ذهبوا أبعد من ذلك في تبرير هذا العدوان على الشعب الفلسطيني ومحاولة إلغائه بالكامل وسلب وطنه التاريخي، فتم اختراع وتبنّي خرافات دينية جزء منها باسم الدين اليهودي والآخر من المسيحية. فكانت أفكار وخرافات "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد" و"الخلاص والمخلص" ومعركة هرمجدون" و"الألفية السعيدة" من أهم الخرافات الدينية التي استخدمت لتجنيد الدعم وتجييش الأفراد والمؤسسات لبناء ودعم الكيان الاستيطاني الاستعماري الجديد المسمى "إسرائيل"، وتمكنت بريطانيا العظمى ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام هذه الخرافات بأقصى أساليب الاستعمار والقهر وبانعدام كامل للضمير والقيم.

الصهيونية المسيحية منبع الشرور والخرافات

نشأت هذه الخرافات في معظمها مع نشأة البروتستانتية، وانتشار فكرة الخلاص وعودة المخلص "المسيح"، وبروز حركة تدعو للعمل من أجل تحقيق هذه الأفكار "الخرافات" التي باتت تعرف بالصهيونية المسيحية، حيث يعتقد أتباع هذه الفكرة أنه لا بد من تجميع اليهود في فلسطين ومن ثم تنصيرهم كي يعود المسيح المخلص إلى الأرض، ويبني دولته التي تمتد لألف عام، والتي تسمى عندهم بـ"الألفية السعيدة". وبعد تجميع اليهود وتنصيرهم تحدث المعركة الكبيرة والفاصلة بين الحق "الذي يمثلونه"، من وجهة نظرهم، وبين الشر الذي يمثله كل الآخرين من البشر باستثناء المسيحيين، وينتصر الخير على الشر في معركة "هرمجدون" التي تحدث في فلسطين.

وقد تبنى هذه الفكرة رؤساء سابقون للولايات المتحدة مثل رونالد ريغان، الذي كادت تصريحاته التي اعتبر فيها أن الاتحاد السوفييتي يمثل قوى الشر التي ستهزم في هرمجدون؛ أن تقود لحرب عالمية لولا تدارك المسؤولين في إدارته الذين اعتبروا كلامه غير مقصود.

يتمتع أنصار هذه الفكرة بنفوذ كبير جدا في عدد من دول العالم، ويقدّر البعض عدد أعضاء أو أتباع المسيحية الصهيونية (البروتستانت الإنجيليين Protestant Evangelical )، بما يناهز الـ130 مليون عضو في كل قارات العالم، منهم حوالي 70 مليونا في الولايات المتحدة وحدها. يسيطر أنصار هذه الأفكار على مؤسسات اقتصادية وإعلامية وفكرية وسياسية ذات تأثير ضخم، فالإعلام الأمريكي، على سبيل المثال، يشهد حضورا متزايدا لهم، إذ يملكون ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، وأكثر من 1000 محطة إذاعية، ويعمل في مجال التبشير بفكر هذه التيار ما يقرب من 80 ألف قسيس، بعضهم لديهم ملايين المتابعين.

يكشف كتاب "البعد الديني في السياسية الخارجية الامريكية" لمؤلفه د. يوسف الحس؛ حجم النفوذ لأنصار هذا التيار في مختلف المجالات، ومدى تأثيرهم على صناع القرار في الولايات المتحدة، بما في ذلك بعض الرؤساء الذين سكنوا البيت الأبيض، ومنهم جيمي كارتر ورونالد ريغان وجزء كبير من فريق دونالد ترامب، بالإضافة لعدد كبير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الديمقراطيين والجمهوريين.

أحيت القوى الصهيونية المسيحية، بطرق مختلفة، البعد الديني لدى اليهود والحركة الصهيونية المرتبط بفلسطين، وبدأ أطراف في الحركة الصهيونية التنظير لـ"مفاهيم" وخرافات "دينية" كانت قد مرت عليها قرون طويلة من الزمن وطواها النسيان، إلا أن القوى الاستعمارية ولأغراض الاستعمار والهيمنة أزاحت التراب عن هذه الخرافات وأعادت إحياءها، وبدأ التنظير لفكرة أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله قد وعدهم بالأرض المقدسة، فلسطين وما حولها، ومما ورد في سفر التكوين "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقا قَائِلا: "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إلى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَات"، ولتحقيق هذا الوعد كان لا بد من إقامة دولة تمتد من النيل إلى الفرات، ولكن الاعتبارات الاستعمارية قضت بأن تكون الدولة فقط على أرض فلسطين، كما نص على ذلك وعد بلفور المشؤوم.

استغلال هذه المفاهيم الدينية الدوغمائية من قبل القوى الاستعمارية شكل الغطاء لسلوك استعماري إجرامي عانى منه الفلسطينيون على مدى قرن من الزمن، فكانوا ضحايا لاستغلال بشع من قبل الإمبريالية العالمية للخرافات الدينية
ولسنا هنا في موضع تفنيد هذه الخرافات الدينية والتاريخية، فقد قام بذلك الكثير من المؤرخين وفقهاء الدين والتاريخ، بمن فيهم بعض المؤرخين اليهود. لكن خلاصة الرأي أن هؤلاء الصهاينة الذين تم تجميعهم في فلسطين بغطاء الخرافة الدينية والتاريخية ولأهداف وبأدوات استعمارية، لا يربطهم بفلسطين أي علاقة كانت، فهم من شعوب شتى لها تاريخها وثقافتها المختلفة، كما أنهم في غالبيتهم العظمى، وبالذات المؤسسين منهم، علمانيون وملحدون لا يؤمنون بدين، وقد صدق فيهم قول المؤرخ اليهودي إيلان بابيه حين قال: "غالبية الصهاينة لا يؤمنون بوجود الله، لكنهم يؤمنون بأنه وعدهم بأرض فلسطين". ومما يعزز هذا الرأي هو قبول قيادة الحركة الصهيونية في حينه إقامة دولة لهم في مناطق جغرافية أخرى في العالم، كأفريقيا وأمريكيا اللاتينية.

استغلال هذه المفاهيم الدينية الدوغمائية من قبل القوى الاستعمارية شكل الغطاء لسلوك استعماري إجرامي عانى منه الفلسطينيون على مدى قرن من الزمن، فكانوا ضحايا لاستغلال بشع من قبل الإمبريالية العالمية للخرافات الدينية، وقد آن الأوان، وبعد انكشاف كل هذا الكذب والزيف، أن يقف كل صاحب ضمير إلى جانب الفلسطينيين لتخليصهم من هذه الشرور، شرور الخرافات والتلفيق والكذب باسم الدين، فلا هم شعب الله المختار ولا هذه الأرض موعودة لأحد إلا لأصحابها، ولن يأتي مخلصهم ولا ألفيته السعيدة، ولا بد من استمرار الجهود على كل الصعد، الفكرية والدينية والثقافية والسياسية لكشف وتفنيد هذه الخرافات.

إن من أهم إنجازات معركة طوفان الأقصى هو رفع الغطاء "الديني والاخلاقي والقيمي" عن هذا الكيان، وكشف حقيقته الاستعمارية الفاشية المنافية لكل قيم وتعاليم الأديان جميعا، وهو أمر سيكون له ما بعده.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الاحتلال الدينية فلسطين الاحتلال الدين الإبادة مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة مقالات اقتصاد صحافة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوى الاستعماریة هذه الخرافات من قبل

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة بنها: نُثمن دور الدولة المصرية في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني

عقد مجلس جامعة بنها اجتماعه برئاسة الدكتور ناصر الجيزاوي رئيس جامعة بنها، وبحضور الدكتور السيد فوده نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتورة جيهان عبد الهادى نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والسادة أعضاء مجلس الجامعة.

وخلال الجلسة أكد الدكتور ناصر الجيزاوي، أن مجلس الجامعة بجميع أعضائه يدعم ويؤيد ويثمن المواقف التاريخية والبطولية والقرارات التي تتخذها الدولة المصرية في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، مضيفًا إن الجامعة كانت أعلنت من قبل بشكل واضح وصريح دعم وتأييد ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، من مواقف ترفض بشكل قاطع مخطط تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية.

وأشار الجيزاوى إلى أن الجامعة حريصة على دعم الطلاب من الأشقاء الفلسطينيين الدراسين بالجامعة وفقا لتوجيهات القيادة السياسية وتقديم كافة الخدمات لهم.

من ناحية أخرى قدم الدكتور ناصر الجيزاوي الشكر للدكتور السيد فوده نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور جمال عبد العزيز القائم بعمل عميد كلية الهندسة بشبرا والدكتور السيد الملتقى القائم بعمل عميد كلية الفنون التطبيقية وذلك بمناسبة وصولهم السن القانونية للمعاش، مشيدًا بـمجهوداتهم الواضحة خلال فترة عملهم، متمنيًا لهم كل التوفيق في استكمال مسيرة عملهم أساتذة بكلياتهم.

كما وجه رئيس الجامعة، الشكر إلى القيادات الأكاديمية والإدارية بالجامعة على الأداء المنضبط والجهود المبذولة خلال العام الجامعي 2024م /2025م وحرصهم على الارتقاء بالجامعة مختلف القطاعات، داعيًا إلى مواصلة العمل، وبذل المزيد من الجهود لتحقيق تقدم الجامعة علي المستوى المحلي والدولي.

ووجه الدكتور ناصر الجيزاوي القيادات الأكاديمية بمتابعة خطة التدريب الصيفي والميداني من خلال تنظيم الدورات التدريبية والأنشطة المختلفة، مؤكدًا إن إدارة الجامعة تسخر جميع إمكانياتها ومواردها للارتقاء بأبنائها الطلاب لصقل مهاراتهم المهنية والعملية لخدمة مجتمعهم، ووطنهم.

وأكد " الجيزاوي " علي أهمية متابعة مكاتب التنسيق الإلكتروني بالجامعة بصفة مستمرة، لاستقبال طلاب الثانوية العامة بشعبتيها العلمية والأدبية، لإجراء التنسيق الإلكتروني بمراحله المختلفة للعام الدراسي الجديد لتسجيل رغبات التحاقهم بالكليات مع ضرورة توفير استراحات ومظلات وأماكن مناسبة لانتظار الطلاب وأولياء أمورهم مع التوجيه بتقديم كافة التسهيلات اللازمة والخدمات المطلوبة للطلاب خلال فترة التقدم للتنسيق الإلكتروني بمراحله المختلفة.

وأعلن الدكتور ناصر الجيزاوي أنه في ضوء خطة الجامعة للتحول الرقمي ورفع كفاءة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وافق مجلس الجامعة على تشكيل لجنة فنية للبت في العروض المقدمة لإنشاء مركز بيانات الجامعة (داتا سنتر) بمقره الجديد بمبنى المعامل المركزية ليكون مركزا تبادليًا مع الموجود حاليًا بكلية التجارة وذلك لتأمين قواعد بيانات الجامعة والنسخ الاحتياطية للبيانات و مواكبة النظم الحديثة لمراكز البيانات.

مقالات مشابهة

  • القيادات الدينية الفلسطينية يتضامنون مع مصر في وجه الحملة المغرضة
  • أنصار الله تحذر السعودية والإمارات: صواريخنا صوب العدو وأعيننا عليكم
  • رئيس جامعة بنها: نُثمن دور الدولة المصرية في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني
  • النيجريون لفرنسا: اعترفي بالجرائم الاستعمارية وعوضي عنها
  • المرجعية الدينية صمام الأمان في الأزمات
  • إطلاق صاروخ باليستي من اليمن على وسط الكيان
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • ربنا يستر.. خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي بيجاوب بفهلوة في المسائل الدينية
  • فوضى توزيع المساعدات في غزة تُشعل السوق السوداء وتُفاقم المعاناة الإنسانية
  • مراسل القاهرة الإخبارية: فوضى توزيع المساعدات بغزة تُفاقم المعاناة وتفتح السوق السوداء