من خلال تتبعنا لتصريحات، وأقوال، وكتابات مؤيدة لطرفي الحرب نستشف أنهما ضد التدخل الدولي لإنقاذ شعب السودان من الحرب. فمن ناحية فإن الجيش يرى أن وجود طرف دولي في أرض البلاد يمثل انتهاكاً للسيادة.
بل إنه لا يتيح له التخلص مما يسميها المليشيا المستعينة بالدعم الخارجي الإماراتي.
أما الدعم السريع فإنه يعتقد أن أي تدخل عسكري يفصل ما بينه وجنود الجيش يعد تحجيماً لطموحه للسيطرة على بقية الولايات وإنقاذ البلاد من الكيزان.


إذن فإن الطرفين يعليان من سقوف تطلعاتهما الإستراتيجية مع مراعاة حالة الشعب في الحاضر بالتأكيدات فقط بأنهما مع إيقاف الحرب بشروط تظهر تأثيرها في اتفاق التفاوض.
الفصل السابع جرّبته البلاد من قبل في دارفور، وحقق بعض النجاحات، وليس كلها.. الآن تعاني كل مناطق السودان من آثار الحرب الجارية، وليس هناك في الأفق القريب ما يشيء بأن الاستقرار ممكن في ظل تعنّت الجيش للجلوس للتفاوض بسبب ضغط المؤتمر الوطني المنحل.
والثمن الباهظ الذي دفعه شعب السودان جميعه في هذه الحرب رغم التفاوت بين حال منطقة وأخرى إلا أن الخطر يتمثل في تلاشي أثر سطوة الدولة، وقدرتها على دعم المواطن عموماً في كل احتياجاته.
وبخلاف المناطق التي يسيطر عليها الجيش فإن هناك عقبات كثيرة في مناطق الدعم السريع تمنعه من تعويض دور الدولة، ونحن كما نعرف أن الدولة ليست في قوة سلاحها فحسب وإنما أيضاً في مشروع الحكم الراشد الذي يحقق الحرية والسلام والعدالة، كما اختصر ثوار ديسمبر الأمر. أما حال سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، فإنها بالكاد تسعى لإثبات شرعيتها داخلياً، وإقليمياً، ودولياً.
وفي حال مساءلة هذه السلطة عن قدرتها على استرداد السطوة الحكومية التي سبقت الحرب فإن التكهنات يمكن أن تسرح في الخيال، ولكنها لا تقدم إجابة عن المدى الذي يستغرقه حرب الجيش حتى يسحق خصيمه تماماً. وبالنسبة لقدرة قادة الجيش على القيام بأعباء الحكم، وتوفير الأمن، والخدمات الأساسية لمناطق سيطرته فحدث ولا حرج.
وكل هذا يحدث في ظل الهشاشة الأمنية، والعسكرية، التي أكدتها انسحابات الجيش من مناطق لا يصدق مؤيدوه حتى الآن أنها سقطت في يد الدعم السريع. بل لاحظنا أن سلطة بورتسودان غير حريصة على تشكيل حكومة تضطلع بمهامها لتلبية حاجيات الناس، وذلك خوفاً من أن يفقد قادة الجيش السلطة في حال وجود رئيس وزراء ووزراء مدنيين بكامل صلاحياتهم.
هذه الأوضاع غير المستقرة في مناطق سيطرة الطرفين أثرت بطبيعة الحال على واقع المواطنين.
ويبدو أن الطرفين لا يملكان الحلول العاجلة للتعامل مع أزمة الغذاء، والدواء، والأمن، وتحفيز المواطنين للبقاء في مناطقهم دون اللجوء إلى مناطق أخرى، أو اتخاذ خيار الهجرة للخارج. إن تقرير لجنة بعثة الأمم المتحدة بشأن تقصي الحقائق الذي صدر خصيصا قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع عشر من سبتمبر المقبل ربما سيكون له تأثير في مستقبل الحرب والسودان معا بلا شك، خصوصاً لو أن موازيين المعادلة في مجلس الأمن أجمعت على ما يترتب على تقرير اللجنة من اتخاذ خطوات إزاء حرب السودان.
وعندئذ فإن ما يثار الآن بأن السودان مقبل على الفصل السابع رهين بقدرة الدول الغربية تحديداً على إقناع الصين وروسيا بجدوى هذا الإجراء.
ذلك إذا توافرت الإمكانيات المادية لتمويل العملية. اعتقد أن غياب الجيش عن مؤتمر جنيف ساعد كثيراً في خروج توصيات البعثة الأممية بهذا الشكل.
بل سيكون الثمن الفادح هو استخدام الولايات المتحدة أذرعها السياسية النافذة للمضي قدما في تدويل الحرب أكثر بعد أن نجحت في تدويل الخدمات المقدمة للمواطنيين السودانيين. ويبدو أن اعتماد سلطة بورتسودان على ذات النهج الذي استخدمه نظام البشير في التعامل المتهور مع الغرب سيعجل بحصر حركة الجيش في المناطق التي يسيطر عليها، وحرمانه من استخدام سلاح الطيران في المناطق التي تشملها الإغاثة الدولية على الأقل.
إن إعمال الفصل السابع في حالة السودان الراهنة ضروري للغاية لكونه ينقذ أرواح السودانيين المرشحين للموت لو استمرّت الحرب بتصاعد مضاعف بعد الخريف. أما أحاديث النخب هنا وهناك عن رفض أي تدخل دولي في الحرب بسبب الحفاظ على السيادة، والابتعاد عن التدويل، وتحاشي التآمر الإمبريالي، فلا جدوى منها. ذلك ما دامت نخب الطبقة الوسطى عاجزة عن إنقاذ السودانيين الفقراء من الموت، والانتهاكات الجسيمة، والمعاناة الكارثية في الحصول على شروط الحياة الأولى.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟

جوبا- تواجه اتفاقية السلام الموقَّعة بين الحكومة والفصائل المعارضة في دولة جنوب السودان بوساطة سودانية عام 2018 جملة من العقبات التي تعرقل تنفيذ بنودها على أرض الواقع، أبرزها انعدام الإرادة السياسية، وغياب التمويل الكافي، واستمرار إرث الصراع السياسي والعسكري العميق بين الأطراف المعنية.

ومع تكرار الانتهاكات وتباطؤ تنفيذ الالتزامات الرئيسية، يتزايد القلق من تراجع الزخم الدولي الداعم للعملية السلمية، ما يهدد مستقبل الاتفاق ويضع استقرار البلاد على المحك.

وتبرز أخطر الأزمات التي تواجه اتفاقية السلام في جنوب السودان بقيام الحكومة باعتقال رياك مشار، النائب الأول لرئيس الجمهورية وزعيم المعارضة المسلحة، الفصيل الرئيسي، على خلفية اتهامات تتعلق بأحداث منطقة الناصر في ولاية أعالي النيل، حيث اندلعت اشتباكات بين قوات الحكومة وفصائل محلية محسوبة على المعارضة، أدت لمقتل قائد حامية الناصر مطلع هذا العام.

عراقيل تنفيذ الاتفاق

كما شملت الاعتقالات قيادات أخرى من المعارضة، أبرزهم وزير البترول، فوت كانغ، وقيادات رفيعة، وأسهمت الاعتقالات بزيادة التوتر وتعميق الانقسامات بين الأطراف، مما أثَّر سلبًا على فرص تنفيذ اتفاق السلام بصورة فعالة.

وأصدرت المفوضية المعاد تشكيلها لمراقبة تنفيذ اتفاق السلام تقريرها في شهر يونيو/حزيران الماضي، مؤكدة أن "تنفيذ البنود الرئيسية للاتفاق توقف إلى حد كبير"، وسط تدهور الأوضاع السياسية والأمنية و"اختراق وقف إطلاق النار بسبب الاشتباكات المتكررة بين قوات دفاع شعب جنوب السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان – المعارضة".

وأشارت المفوضية، في تقريرها، إلى أن "فرض الإقامة الجبرية على رياك مشار واحتجاز قيادات المعارضة يُعمِّق انعدام الثقة ويقوِّض الالتزام بتنفيذ الاتفاق"، كما نبَّهت إلى أن "غياب الحوار المباشر يعكس شكوكًا عميقة تعرقل التنفيذ"، داعيةً "لإطلاق سراح المعتقلين واستعادة المشاركة الكاملة لجميع الأطراف لاستعادة الثقة ودفع السلام".

الرئيس سلفاكير (يمين) يلتقي المبعوث الأممي نيكولاس هايسوم لبحث تنفيذ اتفاق السلام (رئاسة الجمهورية)

ورغم تلك المناشدات، لم توجه الحكومة أي تهم بحق مشار ولم تخضعه للمحاكمة، بل مضت قدما في النظر بقضايا تنفيذ الاتفاق دون وجود فعلي للمعارضة المسلحة في المؤسسات، في ظل صمت الجماعات الأخرى الموقعة على الاتفاق، وأسفر هذا الموقف عن تصاعد التوترات الميدانية بمناطق وجود قوات المعارضة المسلحة، مما زاد من هشاشة الوضع الأمني وأعاق تقدم عملية السلام.

إعلان

وخلال اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي في شهر يونيو/حزيران الماضي، قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، نيكولاس هايسوم، إن "الاشتباكات المسلحة المستمرة وانتهاكات وقف إطلاق النار تسببت بنزوح أكثر من 130 ألف شخص، مع تدهور الوضع السياسي والأمني في جنوب السودان".

وأضاف هايسوم "لا يوجد حل عسكري للقضايا السياسية"، داعيًا إلى "وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح قادة المعارضة، واستئناف الحوار السياسي"، مؤكدا ضرورة "منع العودة للحرب ودعم إجراء الانتخابات الديمقراطية في البلاد".

الشرطة العسكرية في جنوب السودان خلال عملية تمشيط في جوبا (الفرنسية)ضغوط للإنقاذ

ويتوقع الكاتب الصحفي وادينق البينو تدخلا إقليميا فاعلا لإنقاذ اتفاقية السلام المنشطة، حيث ستكون كل من منظمة إيغاد والاتحاد الأفريقي في صدارة الجهات التي تمارس ضغوطًا على حكومة جنوب السودان.

وأضاف البينو للجزيرة نت "تأتي هذه الضغوط كخطوة لإحياء اتفاق السلام وتنشيط مساراته"، متوقعا "أن تشهد الأيام المقبلة زيارات من وفود الاتحاد الأفريقي إلى جوبا، تشمل لقاءات مع رياك مشار ومشاورات مع حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، بهدف وقف انتهاكات الاتفاقية".

وجددت سفارات كندا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في بيان لها -الأسبوع الماضي- دعوتها للإفراج غير المشروط عن مشار، معتبرة أن إطلاق سراحه ضروري لاستئناف الحوار السياسي وتحقيق السلام المستدام في جنوب السودان.

وأعربت السفارات عن "قلقها من استمرار الأعمال العدائية وانتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار واتفاق السلام المُنشط، التي تهدد استقرار البلاد وتنمية شعبها"، وأدانت الهجمات المتكررة على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والمنشآت الطبية، مؤكدة أنها تزيد من معاناة السكان.

من جهته، اقترح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، أكول ميان، تأجيل الانتخابات حتى ديسمبر/كانون الأول 2028 وتمديد الفترة الانتقالية إلى فبراير/شباط 2029 كإجراء لمعالجة اختلالات اتفاق السلام، معتبرا أن فشل الأطراف المعنية بتنفيذ البنود الأساسية للاتفاق، إلى جانب الانقسامات السياسية والعنف المستمر والتحديات الاقتصادية والإنسانية، يحول دون إجراء الانتخابات المقررة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2026.

وقال ميان للجزيرة نت "ندعو إلى حوار شامل وعاجل بين شركاء السلام والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي، لتمكين تنفيذ بنود الاتفاق مثل:

تكوين جيش موحد إعداد دستور دائم الإصلاحات المالية ومحاربة الفساد معالجة لجميع تلك الأزمات التي تواجه تنفيذ بنود اتفاق السلام". رياك مشار (يمين) بجانب وزيرة الزراعة جوزفين لاقو بآخر ظهور له قبيل وضعه تحت الإقامة الجبرية (رئاسة الجمهورية)مشاكل المعارضة

ومن ناحيته، يشير المحلل السياسي أندريا ماج مبيور، إلى أن اتفاقية السلام تمر بمعوِّقات كبيرة، مبينا أن المشكلة الأساسية لاتفاقية السلام المنشطة هي ضعف الإرادة السياسية لدى الشركاء الأساسيين في الحكومة والمعارضة، إضافة للانشقاقات المستمرة داخل صفوف المعارضة، خاصة بعد اعتقال رياك مشار، حيث كان متوقعا تماسك المعارضة لتنفيذ ما تبقى من البنود، وهو ما لم يحدث.

إعلان

ويضيف للجزيرة نت "تراجع دور الضامنين بشكل واضح، خصوصا مع الفتور الذي أصاب الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وخروج الرئيس السوداني السابق عمر البشير من الحكم".

ويتابع "أن غياب الإرادة السياسية يعوق إجراء الانتخابات في ظل غياب المعارضة وعدم إتمام التعداد السكاني"، مطالبا الحكومة "بتهيئة المناخ السياسي المناسب لإقامة الانتخابات، عبر تنفيذ الاتفاق، وإعداد دستور دائم، ونزع السلاح من أيدي المواطنين".

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يتصدى لهجمات «الدعم» في الفاشر
  • أكثر من 60 قتيلاً فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي مكثف على غزة خلال 24 ساعة
  • الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية غير مسبوقة في السودان
  • ماكرون يدعو لتشكيل بعثة أممية إلى غزة.. وينتقد خطة إسرائيل لتوسيع الحرب
  • رئيس المجلس الأعلى للدولة يبحث مع بعثة الأمم المتحدة مستجدات خارطة الطريق المرتقبة
  • عدد الصحفيين القتلى في غزة يرتفع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إلى 238.. هؤلاء أبرزهم!
  • بعثة الأمم المتحدة: الإعلام في النزاعات قد يتحول إلى أداة للتحريض وبناء روايات موجهة
  • مسؤولة أممية: 30 مليون شخص بالسودان بحاجة لمساعدات
  • الجيش السوداني يمنح “الأمم المتحدة” الضوء الأخضر لدخول الفاشر
  • دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟