سائق شاحنة يشنق نفسه خوفا من تكاليف يستحملها بعد انقلاب شاحنته في خط حضرموت - مأرب (صور).

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

الإنسان بين الذكاء الكلي والوحشية البدائية

يهرول العالم اليوم نحو عتبة غير مسبوقة في تاريخ المعرفة؛ عتبة يسمّيها علماء الحوسبة «الذكاء الاصطناعي العام» وهي اللحظة التي ستتجاوز فيها الآلة قدرات الإنسان في التفكير والتحليل وصنع القرار. ويعد العلماء في المختبرات، وفي مراكز الأبحاث الكبرى، لزمن مختلف تماما عن هذه اللحظة التي نعيشها ونعتقد أننا بلغنا فيها ذروة المعرفة حيث تدار الاقتصادات والطب والتعليم وحتى الإبداع الفني، بذكاء لا ينام ولا يخطئ وفق ما نقرأ ونسمع من علماء المستقبليات التقنية.

لكن، في هذه اللحظة نفسها، وعلى الكوكب ذاته، ما زالت هناك أيادٍ تُمسك بالسيف نفسه وبالفكر نفسه الذي كان يدفع مقاتلي القرون الوسطى للقتل والإبادة وكأن التاريخ لم يتحرك قيد أنملة وكأنما الفكر لم يتطور أبدا.

وتكشف الأسماء التي تمنح لهذه المجازر أكثر بكثير مما تخفي، وإلا ماذا يمكن أن نفهم من تسمية نتنياهو عملية اجتياح غزة باسم «عربات جدعون»، أو يصف قتاله بأنه ضد «العماليق».. لا يكتفي هذا الفعل باستدعاء رموز الحرب «المقدسة» في النصوص القديمة، بل يضفي عليها طابع الوحشية والانتقام التاريخي، وكأن الزمن دائرة مغلقة تعيد إنتاج أحقادها عبر القرون.

يظهر هذا الأمر التناقض العميق الذي يعيشه القرن الحادي والعشرين: على طرف، مشروع إنساني يسعى إلى محاكاة الذكاء، وتحويله إلى منظومة كونية قادرة على حلّ أعقد المعضلات، وعلى الطرف الآخر، مشروع مضاد، يسعى إلى تكريس الغريزة الأولى، تلك التي كانت تدفع الإنسان الأول لقتل غريمه كي يستحوذ على كهفه أو طعامه.

لن يستطيع الذكاء الاصطناعي العام المنتظر أن يلغي هذا التناقض بشكل تلقائي، مع الأسف الشديد، فالآلة - مهما بلغت من دقة الحساب وقدرة التعلم - تبقى مرآة لصانعها، تتغذى على قيمه وخطابه ومخزون ذاكرته، وما لم يتغير «المحتوى الإنساني» نفسه، ستظل التكنولوجيا مجرد أداة تعيد إنتاج تناقضاتنا بأشكال أكثر كفاءة وأوسع نطاقًا.

المعضلة إذن ليست في سؤال هل ستتفوق الآلة على الإنسان؟ بل في سؤال آخر يبدو أكثر إلحاحًا: أيّ إنسان ستتفوق عليه؟ الإنسان الذي يزرع ويبتكر ويؤسس للمعرفة، أم الإنسان الذي يقتل ويبرّر قتله بنص قديم أو أسطورة؟

وإذا كانت إسرائيل التي تدعي أنها واحة ديمقراطية وقلعة التكنولوجيا في الشرق الأوسط واقعة في قلب هذه التناقضات وما يصاحبها من هرطقة فكرية، فإن العالم العربي المتضرر من هذا المشهد بكل معاناته مدعوّ أكثر من غيره إلى قراءة المشهد بعين مزدوجة: عين ترى في الذكاء الاصطناعي فرصة لإعادة بناء القوة العلمية والمعرفية، وعين أخرى لا تغفل عن أن التاريخ - بكل وحشيته ورموزه القديمة - ما زال يتحرك على مقربة من بيوتنا وذاكرتنا.. ما يعني أننا لسنا مجرد متفرجين على صراع بين عقل إلكتروني وسيف صدئ، بل طرف أصيل في معركة تحديد المفهوم: هل يتقدم الإنسان بذكائه، أم يعود بذاكرته إلى كهوف الماضي.

مقالات مشابهة

  • الأوقاف اليمنية تمنح وكالات التفويج مهلة أخيرة لتوريد الدفعة الأولى من تكاليف الحج
  • مصرع شخص وطفل وإصابة سائق في انقلاب نصف نقل على الصحراوي الغربي بسوهاج
  • وفاة سائق شاحنة غاز بعد انقلابها في شبوة
  • الهلال يُرحب بمبادرة الأهلي طرابلس ويتقاسمان تكاليف مباراة التتويج.. والكرة في ملعب اتحاد الكرة
  • محافظة مسقط تعزز الوعي بخدمة طلب تكاليف أضرار الحوادث المرورية
  • الزراعة: الاستفادة من البحوث العلمية في زيادة المحاصيل وتقليل تكاليف الإنتاج
  • البقمي يكشف طريقة لتوفير تكاليف صيانة السيارات حتى 70%.. فيديو
  • استطلاع.. قراء "اليوم" يفضلون الاكتفاء بحفل عائلي لإعادة توازن تكاليف الزواج
  • بعد تشخيص خلل في الحشد.. لواء أنصار المرجعية يضع نفسه تحت تصرف السوداني
  • الإنسان بين الذكاء الكلي والوحشية البدائية