نظرات الطفل «الخاتم» – ثلاثة عشر سنة- لأقرانه وهم في طريقهم إلى المدارس بمدينة القضارف شرقي السودان في ذلك الصباح كانت مشحونة بالحسرة والأمل المستحيل، فهو نازح مع أسرته من ولاية الجزيرة الى مدينة القضارف بسبب الحرب في ولايته بعد دخول قوات الدعم السريع البها في التاسع عشر من كانون الاول/ديسمبر للعام 2023م.

التغيير ــ محمد غلامابي

لم تكن أسرته تضع حسابا لتعليم الخاتم وإخوانه كما قال والده، «الأولوية كانت لنجاة الأسرة، ولم نفكر في شئ ٱخر».. صحيفة  «التغيير الالكترونية» زارت الأسرة في سكنها المؤقت بأحد الأحياء الطرفية لمدينة القضارف، وعكست تجربة نزوح الأسرة، وحلم الخاتم وإخوانه في مواصلة تعليمهم.

الطفل محمد الخاتم

البداية كانت مع رب الأسرة محمد أحمد فضل المولى، والذي قال عن ظروف نزوحه إنه مع إشتداد حالات الاعتداء على المدن والقرى من قبل قوات الدعم السريع، ومهاجمة قريتنا غربي ولاية الجزيرة بوسط السودان، وسقوط عدد من القتلى  أربعة ، وعدد من الاصابات، شهدت الرعب لا كما يحكي عنه الٱخرون، بل كما رأيته في عيون أطفالي، وصراخهم، وبكائهم عند سماع اصوات الرصاص، فقررت النزوح من القرية، ولم تكن القضارف هي مقصدي، لأنني خرجت مرعوبا، وصلنا مدينة المناقل، وهي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، وفي الميناء البرًي المدينة وضعنا امتعتنا التي خرجنا بها، وبدأنا نتلفت، ونتشاور في وجهتنا القادمة، ليستقر رأينا على مدينة القضارف بشرق السودان.

وعن الظروف التي جابهتهم في طريق النزوح قال فضل المولى :«طبعا سلكنا طريقا ترابيا، غير مسفلت، حتى مدينة سنار، وأضطررنا للمبيت قبل الوصول إلى سنار بسبب الارتكازات التي يضعها الجيش السوداني طوال الطريق، وكانت معاناتي الشخصية كمريض بالسكر يتناول الانسولين، في حفظه، وتناوله» ،و «قال كل تلك المعاناة تهون أمام معاناة أطفالي، حيث كنا نتنقل عبر عربات تسمى ــ دفارات ــ  هي في الأصل لنقل البصائع لا البشر»، وعن ظروف عيشه بالقضارف قال «لم يكن هناك من خيارات امامي، فقمت بالسكن في بناية تحت التشييد، كان علي دفع أجرتها بهذا الحي الطرفي  ــ الصوفي ــ ، وهي أجرة معقولة بالنظر إلى الأحياء الأخرى بالمدينة».

سألت محمد أحمد عن تعليم ابناءه، وما إذا كان من سبيل لذلك، فقال «هذا حلم بعيد المنال، أتحسر في هذه الحرب اللعينة على مستقبل أبنائنا التعليمي، فلدي ثلاثة أبناء في طور التعليم، اكبرهم   الخاتم وهو قد جلس لإمتحانات الشهادة المتوسطه بولاية الجزيرة في نزوحنا الأول من الخرطوم، وتحصًل على نتيجة طيبة 215 من 280 درجة، ولكنه لم يتمكن من الانتقال إلى المرحلة المتوسطة بسبب الحرب في ولاية الجزيرة، كان ذلك في العام الفائت 2023م، كما انه لم بجد فرصة لمواصلة تعليمه بالقضارف، وكذلك شقيقه محجوب 9 سنوات، ومصطفى 6 سنوات، كانت الأولوية لنجاتهم من الموت، أما مسألة التعليم فهي حلم بعيد المنال، وليس في البال حاليا) قلت لفضل المولى قد ينسى هؤلاء الأطفال حتى ما تعلموه من قبل؟ فقال «أدرك ذلك جيدا، ولتجنب ذلك الحقت أبنائي بخلوة بالحي لتحفيظ القران الكريم، وهو أمر أعاد صلتهم بالقراءة والكتابة، لكنه قطعا لن يكون بديلا عن المدارس».

«التغيير» سألت إبنه «الخاتم» 13 سنة عن ذهابه الى المدرسة فقال :عايز امشي المدرسة، وأدخل المرحلة المتوسطة، والاقي طلاب جدد، لكن ما عندنا فرصة لينا كنازحين».. قلت له هل انت شاطر؟ فقال «أيوا.. أنا – احرزت – 215 درجة من المجموع 280».. أما شقيقه محجوب 9 سنوات فتمنى هو الٱخر العودة الى المدرسة خاصة وانه شاطر في الرياضيات والعربي، أي اللغة العربية بحسب قوله.. أما الأم فقالت «تمنيت أن أعِد الأولاد وهم في طريقهم للمدرسة، لكن هسع – أي الٱن – المهم أكلهم وشربهم وعلاجهم»..

ولم تتسبب الحرب في  نزوح آلاف الأسر داخل السودان، وأخرى لاجئة خارجه، بل إمتدت اياديها الٱثمة الى مستقبل  الأبناء والبنات في الحصول على تعليم لائق.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

بعد التحذيرات الأممية والتعقيدات على الأرض.. هل تقترب جنوب السودان من الحرب الأهلية؟

تفجرت الأوضاع بشكل كبير في دولة جنوب السودان، منذ مارس/ آذار الماضي، بصورة أعادت إلى الأذهان الاحتراب الأهلي الذي كان سائدا قبل توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة، والذي حقق نوعا من الهدوء قبل نشوب الخلافات حول الترتيبات الأمنية والخلاف بين الرئيس سلفا كير، ونائبه رياك مشار، وعودة طلقات الرصاص مجددا للجنوب.
من جانبها، حذّرت لجنة الأمم المتحدة المعنية لحقوق الإنسان في جنوب السودان، قبل أيام، من أن مزيج “الهجمات العسكرية، والقمع السياسي، والوجود العسكري الأجنبي، يهدد بتقويض اتفاق السلام المنُشط لعام 2018، هذا الوضع يؤجج مخاوف عميقة، ويزيد من عدم الاستقرار والصدمة واسعة النطاق بين السكان، ما يستدعي تدخلا إقليميا عاجلا ومنسقا”.
وقالت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا، في بيان نُشر الجمعة الماضية على موقع الأمم المتحدة، إن “تجدد العنف في البلاد يدفع الاتفاق إلى حافة الانهيار، ما يهدد بتجزئة البلاد أكثر”.
وأكدت سوكا أن “الاتفاق لا يزال هو السبيل الوحيد الموثوق لتحقيق الاستقرار والسلام والانتقال الديمقراطي”، ودعت الشركاء الإقليميين وخاصة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، إلى “زيادة نفوذهم وضغطهم على قادة جنوب السودان لتهدئة التوترات، والعودة إلى حوار هادف، وتنفيذ الاتفاق بالكامل”.
وجددت اللجنة دعوتها للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتكثيف الضغط الدبلوماسي على قادة جنوب السودان، لضمان التهدئة الفورية والتنفيذ الكامل للاتفاق المنشط. وشددت سوكا على أن “أي محاولات أحادية الجانب لعرقلة عملية الانتقال وتقويض هياكل السلام الإقليمية لها تداعيات خطيرة على السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي، والتقاعس عن العمل قد يغرق البلاد في دوامة صراع مدمرة أخرى”.
بداية، يقول د.محمد مصطفى، رئيس “المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية” بالسودان: “ليست هناك خيارات أخرى غير السلام العادل والشامل كي تعيش دولة جنوب السودان آمنة ومستقرة وذات اقتصاد مستقر”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “شعب جنوب السودان عاش تجارب مريرة منذ عهد الاستعمار مرورًا بالثورة الوطنية المهدية والاستعمار الإنجليزي والحكومات الوطنية بعد إستقلال السودان، لكن لم يستفد من كل هذه التجارب”.

وتابع مصطفى: “لو استفاد من كل تلك التجارب والمظالم البشعة التي مورست عليه من استرقاق وتهميش وتشريد، لكان أفضل من يطبق الديمقراطية وسيادة حكم القانون في بلده بعد الاستقلال”.
وأشار رئيس “المركز العربي”، إلى أن” النظام الحالي هناك يلعب نفس الدور، الذي ظلت تلعبه أنظمة السودان الفاسدة التي ظلت تنقض المواثيق والعهود منذ الحكم الذاتي 1953، وحتى انفصال جنوب السودان، ولو لا حظنا أن الجنوب منذ الانفصال يعيش ما بين سندان الحرب ومطرقة الانهيار الاقتصادي رغم موارده الاقتصادية الضخمة، رغم أن هذا الشعب يستحق السلام والاستقرار والتقدم والازدهار في ظل وضع ديمقراطي وتداول سلس للسلطة وليس صراع عليها يأكل الأخضر واليابس ويجعل من المواطن آخر اهتماماته”.
وقال مصطفى: “نحن الآن نعيش أسوأ حرب في العالم بسبب الظلم التاريخي الذي تجذر وتمدد ليفسد أخلاق الشعب قبل أن يتوقد حربا ويدمر السودان كله، وما لم تفطن له القيادة الحالية في جوبا هو العودة لتاريخها النضالي وتاريخ الجنوب وتتأمل في كل حقبة خطوة خطوة سوف تندم وتتحسر كثيرا على جنوب السودان كما ندمنا وتحسرنا على السودان”.

ولفت رئيس “المركز العربي”، إلى أن “أفريقيا ساحة حرة لتقاطعات مصالح الغرب وجهات أخرى، ما لم يفكر القائد الجنوبي ويعمل بجد لمحاربة الظلم والفساد، لا يستطيع الاطمئنان على سلامة وأمن بلده، لأن المظلومين في بلده يبحثون عن دعم ليتمردوا على النظام، ووقتما تلاقت أشواقهم بمصالح جهة ما سوف يجدون الدعم ويفجرون حربا ضروسا ضد نظام بلدهم”.
وأكد مصطفى أن “هناك مؤشرات كثيرة تدل على هشاشة الوضع الأمني في جنوبنا الحبيب، ولكن نثق في الجنوبيين بأنهم يستطيعون تجاوز المرارات، بل هم أكثر شعب متسامح لذلك نتوقع انتصار الحكمة وتفويت الفرصة للذين يريدون العبث بأمن جنوب السودان واستقراره”.
من جانبه، قال أندريا ماج، المحلل السياسي من جنوب السودان، إن “الحل رغم كل الصعوبات يكمن في الحوار، وربما يتم الاتفاق على خارطة جديدة للسلام بعد فشل الخارطة السابقة للسلام، لكن الوضع صعب ولا نقول إننا في حرب، لكن يمكن أن تتطور الأمور وتصل إلى الحرب الأهلية الشاملة، ما لم يجلس الساسة في دولة الجنوب ويتفقوا على مسار جديد للسلام بمساعدة دولية وإقليمية لاحتواء الوضع”.

وأضاف في اتصال مع “سبوتنيك”: “الجهود الإقليمية والدولية لم تنقطع، منذ اندلاع الأزمة من أجل العودة إلى التفاوض واحتواء الموقف. الوضع بلا شك خطير لكنه لم يتجه إلى الفوضى والحرب الأهلية حتى الآن، ورغم سيطرة الجيش في جنوب السودان على جزء كبير من الأوضاع، إلا أننا لا نستبعد خطر الحرب والانجراف مرة أخرى إلى صراع مسلح في البلاد”.
وحول إمكانية العودة إلى اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة بعد أن فُقدت الثقة بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، الذي يقبع في الإقامة الجبرية، قال ماج: “أعتقد أن الأمر صعب جدا، هذه هي المرة الثالثة التي تنشب فيها الخلافات، المرة الأولى كانت في العام 2015 والثانية في 2018، وهذه هي المرة الثالثة والتي تم فيها احتجاز، العلاقة بين الرئيس ونائبه علاقة متوترة بشكل كبير، لذلك أعتقد أن عودة الرجلان للجلوس مرة أخرى سيكون سهلا وهذا يمثل خطورة على مستقبل البلاد”.
ومنذ مارس/ آذار 2025، شنّت قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان عمليات عسكرية متواصلة، شملت غارات جوية على مناطق مأهولة بالمدنيين، ما تسبب في سقوط ضحايا كثر ونزوح جماعي، كما أُعلنت حالة الطوارئ في عدة مناطق لا تزال العمليات مستمرة فيها.
وأعلنت حكومة جنوب السودان، نهاية مارس الماضي، قرار الرئيس سلفا كير، بوضع النائب الأول للرئيس رياك مشار، قيد الإقامة الجبرية.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، بيانا صادرا عن وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة مايكل مكوي لويث، أكد فيه أن القرار يأتي “في إطار الصلاحيات الدستورية للرئيس”، مشددًا على أن “اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية بين عامي 2013-2018، ما زال قائمًا رغم هذه التطورات”.
وفي سياق متصل، حثّت الحكومة البريطانية رعاياها على مغادرة البلاد “فورًا”، عبر منشور لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، على منصة “إكس”، حذّر فيها من “تدهور الأوضاع الأمنية”، كما أعلنت كينيا عن إرسال رئيس وزرائها السابق رايلا أودينغا، كمبعوث خاص للوساطة بين الطرفين.
بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه من أن الوضع قد “يدفع البلاد نحو حافة حرب أهلية”، وذلك في أعقاب الاشتباكات الأخيرة بين القوات الموالية لكير، وتلك المناصرة لمشار، في مناطق متفرقة.
يذكر أن جذور الأزمة الحالية تعود إلى الاشتباكات التي اندلعت الشهر الماضي بين الجيش وميليشيا “الجيش الأبيض” في بلدة الناصر، والتي اتُهم فيها حزب مشار بـ”التواطؤ”، وهو ما ينفيه الحزب. وقد شملت الاعتقالات الأخيرة عددًا من حلفاء مشار البارزين، بينهم وزير النفط ونائب قائد الجيش.

وكالة سبوتنيك

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
  • أكثر من 80% من شباب القضارف يتعاطون المخدرات خاصة “الآيس والشاش والبنقو”
  • بعد التحذيرات الأممية والتعقيدات على الأرض.. هل تقترب جنوب السودان من الحرب الأهلية؟
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 742 سلة غذائية في محلية ود مدني الكبرى بولاية الجزيرة في السودان
  • أحلام الشامسي تحتفل بذكرى زواجها الـ23
  • مدير مكتب الجزيرة بطهران: إيران استخدمت صواريخ أكثر قوة بعد كلمة خامنئي
  • عمرو موسى يحذر: مصر ليست بعيدة عن شرارة الحرب
  • السودان والحرب
  • “تم ترحيل 4.5 ألف مقيم غير شرعي”.. الجزيرة: حصر اكثر من مائة شخص من دولة جنوب السودان توطئة لترحيلهم
  • “تخريج الأحفاد” .. سفير السودان بالقاهرة ومحافظ مرسى مطروح يشهدان تخريج طالبات كلية الطب بجامعة الأحفاد في مدينة العلمين