الثورة نت../

ظلت الجمهورية اليمنية لعقود من الزمن، مسرحاً للتدخلات الخارجية وتنفيذ أجندات قوى الهيمنة والاستكبار بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، وأدواتها في المنطقة، حتى انتصار ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م التي حررت القرار السيادي اليمني من الهيمنة والوصاية الخارجية.

تعدّدت صور وأشكال التدخلات الخارجية من استهداف للأمن والاستقرار إلى إذكاء الصراعات بين أبناء اليمن وتفتيت التماسك المجتمعي، وتكوين شبكات وخلايا من العناصر الاستخباراتية لتنفيذ مؤامرات تخريبية بتمويل وتوجيه أمريكي، وبريطاني، وإسرائيلي.

لقد شهدت العقود الماضية، أعمالاً تخريبية واغتيالات في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات، وتنفيذ مخططات إجرامية، أضرت بمصالح اليمن واليمنيين، وساهمت في إقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار، ووصل الحال بالخلايا الإرهابية المجندة من قبل الخارج حد تنفيذ عمليات إجرامية بالمساجد والطرق والأسواق وغيرها.

وما إن انتصرت ثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة، حتى انتهت التدخلات الخارجية وزمن الوصاية وتوحّدت جهود الأجهزة الأمنية في التصدي للعناصر الإرهابية، وأصبح المواطن ينعم بالأمن والاستقرار في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة بعكس ما تمر به المحافظات الجنوبية المحتلة من انفلات أمني.

وبالرغم من المؤامرات الكبيرة التي أُحيكت ضد الشعب اليمني، وقيادته في صنعاء، إلا أن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية كانت بالمرصاد للقوى الظلامية، وتمكنت من إحباط العديد من المخططات وكشف الجرائم قبل وقوعها، وتحقيق الكثير من الإنجازات الأمنية، انطلاقاً من الثقافة القرآنية والثوابت الوطنية والمهام الجسيمة الملقاة على عاتق رجال الأمن.

وتأتي في مقدمة الإنجازات والنجاحات الأمنية التي حققتها ثورة 21 سبتمبر، تطهير العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، من أوكار الخلايا الإرهابية، والقضاء على جيوب تلك العناصر الإجرامية.

أحبطت المؤسسة الأمنية مخططات إجرامية للعدو، وعناصره الإرهابية في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، وألقت القبض على تلك العناصر التي كان يتم تجنيدها وتمويلها ودعمها برعاية أمريكية، سعودية، وأدواتها من الداخل، حتى وصل الأمر إلى أن رجل الأمن كان يخشى على نفسه ويخلع بزته ويتخفى بملابس مدنية، خوفاً لاغتياله من قبل تلك العناصر الظلامية.

تبقى إنجازات ثورة الـ 21 من سبتمبر في الجانب الأمني، شاهدة على الواقع، باستتباب الوضع واستقرار معيشة المواطن وحالة الأمن والسكينة التي يعيشها بالرغم من المؤامرات التي ما تزال تحيكها أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، لثني الشعب اليمني عن موقفه المناصر والمساند للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ودعم مقاومته.

نجحت الأجهزة الأمنية في ضبط الخلايا والجماعات التكفيرية، والعناصر التي جندّها تحالف العدوان الأمريكي، السعودي، الإماراتي لتنفيذ عمليات تخريبية وأفشلت خلال العشر السنوات الماضية العديد من المؤامرات، ما بين مخططات واغتيالات وعمليات انتحارية وتفكيك آلاف العبوات والمتفجرات التي تم إعدادها لاستهداف المواطن في الطرق والأماكن العامة.

استطاعت الأجهزة الأمنية بفضل الله وبحكمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى وتوجيهاتهما لقيادة وزارة الداخلية، من ضبط آلاف الجرائم والقبض على قاطعي الطرق، فضلاً عن ضبط عصابات السرقة والسطو والتزوير والحرابة وغيرها.

تمكنت وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، وبتعاون المواطنين ليس في إحباط مخططات العدوان وإفشال مؤامراته وتحقيق الأمن والاستقرار فحسب، وإنما تجاوزت ذلك وعملت على تطوير العمل الأمني بما يواكب معطيات المرحلة، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في تجسيد أهداف ثورته رغم الاستهداف المباشر لمقراتها وكوادرها وإمكانياتها.

وبالرغم من العدوان والحصار منذ العام 2015م، استطاعت وزارة الداخلية تحويل التحديات إلى فرص، وطورت أدائها بصناعة مدرعات بأيادٍ محلية “بأس 1″ التي دخلت الخدمة في ديسمبر 2020م، و”بأس2” التي تم تدشين العمل بها خلال سبتمبر 2022م، وهي صناعة وفق مواصفات أمنية تؤدي أعمالها بدرجة عالية من الدقة.

عملت وزارة الداخلية على صناعة سلاح مدفعي B10 متحرك ومحرك 6.0V8 بقوة 350 حصان، يبلغ وزن “بأس 2″، أربعة آلاف و500 كيلو جرام، وطولها خمسة أمتار و980 ملم، وارتفاعها مترين و700ملم.

لم تكتف وزارة الداخلية، لكنها أعلنت عن الخطة الإستراتيجية الخمسية 2021- 2025م، التي تضمنت مشاريع كبيرة ذات أثر استراتيجي، ستسهم في إحداث نقلة وتحول نوعي في أداء العمل الأمني وتعزيز الامن والاستقرار وإحباط مخططات العدو، واستكمال إعادة هيكلة وبناء المنظومة الأمنية ثقافياً وإدارياً ومؤسسياً بما يتوافق مع متطلبات المرحلة.

وفي إطار الإنجازات التي حققتها الأجهزة الأمنية، عمليات الرصد والتحري والمتابعة التي أفضت إلى القبض على عناصر رئيسية لشبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وفضح المخططات والأدوار التي قامت بها وتختلف في طبيعة عملها ومستوى تأثيرها، عما تم كشفه من خلايا سابقة.

عملت الأجهزة الأمنية على كشف مؤامرات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية في الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، والسياسية والصحية والتعليمية، والزراعية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وما قدمته من معلومات لأجهزة المخابرات المعادية، وتجسسها على مؤسسات الدولة، والمجتمع والمؤسسات غير الرسمية في البلاد.

ألقت الأجهزة الأمنية، القبض على شبكة التجسس التي أثرت منذ عقود من الزمن، على صانعي القرار، واخترقت سلطات الدولة، ومررت قرارات وقوانين تخدم الأجندة الصهيونية الأمريكية واستقطبت شخصيات عديدة زارت أمريكا لتجنيدهم للعمل مع مخابراتها الإجرامية.

ما حققته وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية خلال ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر يؤكد المستوى المتطور الذي وصلت إليه وقدرتها في التصدي للمؤامرات التي تستهدف أمن الوطن واستقراره.

على الصعيد الأمني، لقد حققت ثورة الحادث والعشرين من سبتمبر تطورات يمكن معها القول بحسم إن مستقبل اليمن صار حصينًا بيد ابنائه.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الأجهزة الأمنیة وزارة الداخلیة العاصمة صنعاء من سبتمبر

إقرأ أيضاً:

بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر

مع دخول سوريا مرحلة سياسية جديدة بعد سقوط النظام المخلوع، برز جهاز الأمن العام، الذي أعيدت تسميته بعد إعادة هيكلة لقوى الأمن والشرطة ليصبح "الأمن الداخلي"، كواحد من أبرز المؤسسات التي أنيط بها حفظ الأمن والاستقرار في ظل تحديات داخلية وخارجية معقدة.

وقد شكل الزج بهذا الجهاز في المحافظات السورية المختلفة، بعدما كان يعمل في إدلب فقط في ظل حكومة الإنقاذ، خطوة ضرورية لتنظيم المشهد الأمني في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، وجاء في لحظة فراغ كان من شأنه أن يهدد بتفكك الدولة والمجتمع معا.

ومنذ اللحظة الأولى، وجد الجهاز نفسه أمام اختبارات صعبة، تتعلق بكيفية تحقيق الأمن من جهة، وبناء علاقة جديدة مع الشارع السوري من جهة أخرى، في ظل إرث ثقيل من انعدام الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية.

وتتعدد وجهات النظر حول أداء الأمن الداخلي بين مؤيدين يرون فيه صمام أمان ضروري، وناقدين يرون أن الانتهاكات ما زالت حاضرة رغم تبدل الوجوه.

يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على أداء هذا الجهاز، كاشفا حدود قوته ونقاط ضعفه، ومجيبا عن سؤال: هل يمكن لهذا الجهاز أن يرسخ الأمن بعيدا عن الانتهاكات والتجاوزات؟

جهاز الأمن العام السوري أعيدت تسميته بعد إعادة هيكلة لقوى الأمن والشرطة ليصبح "الأمن الداخلي" (سانا)تحديات المرحلة وأعباء الأمن الداخلي

منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، تواجه سوريا الجديدة واقعا أمنيا معقدا يتطلب استجابة فورية ومستمرة. فقد وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام سلسلة من التحديات الثقيلة، أبرزها داخليا التعامل مع فلول النظام السابق الذين ما زالوا يهددون الاستقرار عبر هجمات مسلحة أو محاولات تخريبية، فضلا عن خلايا تنظيم الدولة.

ويضاف إلى ذلك التوترات التي تخلقها المليشيات المحلية الخارجة عن السيطرة، كما تجلى في أحداث الساحل والسويداء، أما على الصعيد الخارجي فتبرز التحديات الإقليمية، وفي مقدمتها التهديد الإسرائيلي المتكرر.

إعلان

وفي محاولة لتدارك الفراغ الأمني بعد سقوط النظام، فتحت وزارة الداخلية باب الانتساب إلى جهاز الأمن العام خلال أقل من أسبوعين، مما أدى إلى انضمام آلاف العناصر الجدد بسرعة ومن دون إجراءات فرز دقيقة.

ويصف الباحث في الشؤون الأمنية، عمار فرهود، هذه الخطوة بأنها تحول جذري في بنية الجهاز الأمني، الذي بات يضم أطيافا بشرية متعددة، بعضها يحمل ولاءات أو أجندات لا تنسجم مع أهداف المؤسسة.

ويؤكد فرهود، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التنوع رغم ضرورته في المرحلة الانتقالية، خلق فجوات في الانسجام والانضباط، وأدى إلى تسلل عناصر سعت لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الاستقرار العام، في مقابل وجود عناصر منضبطة ومؤمنة بالقيم المؤسسية التزمت بأداء مهني في مختلف المناطق، وأسهمت في فرض النظام والتصدي لمحاولات التخريب.

نجاحات ميدانية

رغم التحديات البنيوية وواقع التأسيس في بيئة هشّة أمنيا، استطاع جهاز الأمن الداخلي في سوريا الجديدة أن يثبت حضوره كقوة ضابطة للمشهد الداخلي، وحقق خلال أشهر قليلة إنجازات ميدانية لافتة في مواجهة التهديدات المتنوعة التي واجهت البلاد.

على رأس هذه الإنجازات برز الدور المحوري للجهاز في ملاحقة فلول النظام السابق الذين انخرطوا في أنشطة مسلحة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، خصوصا في مدن الساحل السوري.

فقد خاضت وحدات الأمن مواجهات عنيفة خلال حملة مارس/آذار 2025 في محافظات ومدن اللاذقية وطرطوس وجبلة، أسفرت عن تفكيك عشرات الخلايا المسلحة المرتبطة بأجهزة النظام المنهار، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر كانت مخزّنة في الجبال والمناطق الريفية.

لكن هذه المواجهات جاءت بتكلفة بشرية باهظة؛ إذ دفع الأمن العام ثمنا كبيرا في معركة تثبيت الأمن، حيث بلغ عدد قتلى الجهاز في معارك الساحل وحدها 238 عنصرا بحسب تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق.

وفي الجنوب، خلال أحداث السويداء التي اندلعت في يوليو/تموز، إثر مواجهات طائفية بين مجموعات مسلحة محلية، خسر الجهاز مئات من عناصره خلال محاولات فرض الاستقرار ومنع تفكك الوضع الأمني.

إلى جانب هذا، واصل الأمن العام جهوده في محاربة خلايا تنظيم الدولة. وقد نُفذت عمليات نوعية، أبرزها مداهمة في مدينة حلب منتصف مايو/أيار 2025، أسفرت عن مقتل واعتقال عدد من عناصر التنظيم، وضبط عبوات ناسفة وأحزمة متفجرة، كانت معدّة لاستهداف المدنيين في مناطق مزدحمة.

وفي السابع من أغسطس/آب أعلنت قيادة الأمن الداخلي في إدلب أن وحدة المهام الخاصة التابعة لها تمكنت من إلقاء القبض على خلية تابعة لتنظيم الدولة، متورطة في اغتيال 5 أشخاص من الجنسية العراقية.

وأحبط الجهاز بالتعاون مع المخابرات العامة محاولة تفجير في مزار السيدة زينب جنوب دمشق، ما عزز من ثقة الشارع بقدرة المؤسسة على درء التهديدات عالية الخطورة.

الأمن الداخلي في إدلب تمكن من اعتقال خلية تتبع لتنظيم الدولة في منطقة حارم بعملية أمنية (مواقع التواصل)مكافحة المخدرات وتفكيك شبكاتها

وفي ملف مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، برز الجهاز كأحد الأذرع النشطة في تفكيك شبكة الكبتاغون التي راكمها النظام السابق طوال سنوات، وقد أعلن مدير إدارة مكافحة المخدرات عن ضبط 13 مستودعا لإنتاج المواد المخدرة، ومصادرة نحو 320 مليون حبة كبتاغون كانت معدّة للتهريب.

إعلان

وفي أواخر يوليو/تموز نفذت القوى الأمنية عملية أمنية نوعية أسفرت عن ضبط مليون و350 ألف حبّة مخدّرة من نوع "كبتاغون"، كانت معدّة للتهريب خارج البلاد، وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية العراقية.

وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشأن الأمني عمار فرهود إلى أن هذه النجاحات تحققت بفضل العناصر المنضبطة داخل الجهاز، التي تنتمي في معظمها إلى خلفيات ثورية أو أمنية محترفة، وانتقلت من مناطق شمال سوريا للعمل تحت مظلة الدولة الجديدة.

ويؤكد فرهود أن هذه الكوادر لعبت دورا أساسيا في ترسيخ صورة مهنية لجهاز الأمن العام، واستعادت جزءا من ثقة المجتمع التي كانت قد تآكلت خلال سنوات القمع الأمني في عهد الأسد.

تجاوزات وانتهاكات تحت المجهر

رغم ما تحقق من نجاحات ميدانية لجهاز الأمن، فإن سلوك بعض العناصر الأمنية أثار موجة من القلق الشعبي والحقوقي، خاصة بعد توثيق انتهاكات طالت المدنيين في مناطق حساسة مثل الساحل والسويداء.

وقد طرحت هذه التجاوزات تساؤلات جدّية حول الانضباط المؤسسي داخل الجهاز، ومدى فاعلية القيادة في ضبط عناصره في لحظات التوتر والانفلات. ففي الساحل السوري مثلا، حيث اندلعت في مارس/آذار 2025 مواجهات عنيفة ضد فلول النظام السابق، لم تخلُ العمليات الأمنية من تجاوزات مؤلمة.

وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر بعد الحملة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، من بينهم 39 طفلا، و49 سيدة، و27 من الكوادر الطبية. ووجهت الشبكة الاتهام إلى من وصفتهم بـ"الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة"، والتي تتبع شكليا لوزارة الدفاع.

وأكدت مصادر محلية في مدينة السويداء للجزيرة نت أن القوات التي دخلت مدينة السويداء في الأيام الأولى للاشتباكات كانت خليط من الفصائل العسكرية التابعة لوزارة الدفاع ومن عناصر الأمن الداخلي، وبحسب هذه المصادر فإن التمييز بين العناصر كان صعبا بسبب عدم وجود لباس خاصة بكل فئة.

من جهتها أفاد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها يوم 22 يوليو/تموز أن سكان بعض المناطق في السويداء أفادوا بوجود أعمال نهب وحرق للمنازل واعتداءات طائفية وإعدامات تعسفية ارتكبتها قوات تابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع السورية، أثناء دخول لفرض الأمن على حد قول المنظمة الحقوقية.

ويعود جزء كبير من هذه الانتهاكات إلى الشحن الطائفي والإثني المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي غذّى مشاعر الكراهية وساهم في تفلّت بعض العناصر من ضبط النفس، وذلك بحسب الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر.

ويربط الأسمر في حديثه للجزيرة نت هذه السلوكيات بضعف في التأهيل والتدريب والانضباط القيادي، مشيرا إلى أن بعض العناصر التي تم قبولها بعد سقوط النظام دخلت إلى صفوف الأمن من دون تدقيق حقيقي في خلفياتها أو جاهزيتها المهنية، ما أوجد ثغرات أمنية وسلوكية واضحة.

الأمن العام يضبط كمية من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في مدينة القرداحة بريف اللاذقية (مواقع التواصل)أداة نفوذ

من جانبه، يفسّر الباحث الأمني عمار فرهود هذه التجاوزات بأن بعض العناصر الأمنية المنضمة حديثاً لجهاز الأمن الداخلي تعامل مع الجهاز كأداة نفوذ، لا كمسؤولية وطنية، ما انعكس في سلوكيات قائمة على الابتزاز وتصفية الحسابات مع المدنيين أو الخصوم المحليين.

ويدعم هذه المخاوف ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من انتهاكات أوسع نطاقا، شملت مقتل 50 مدنيا -بينهم أطفال ونساء- على يد عناصر الأجهزة الأمنية، ووقوع 192 حالة اعتقال تعسفي خلال النصف الأول من عام 2025.

ورغم تأكيد الحكومة على أنها أفرجت عن أعداد كبيرة من الموقوفين، إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية ما زالت تشير إلى وجود حالات تعذيب واحتجاز خارج القانون، ما يعيد إلى الذاكرة ممارسات القبضة الأمنية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق.

إعلان

حادثة اقتحام منزل الشاب عبد القادر ثلجي في حي المزة بدمشق أواخر يوليو/تموز الماضي، كانت من أبرز الأمثلة على هذا التوتر في العلاقة بين المواطن وجهاز الأمن.

فقد أظهرت تسجيلات مصوّرة -انتشرت على نطاق واسع- عملية المداهمة العنيفة التي رافقها إطلاق نار وترهيب لأفراد العائلة، من دون وجود مبرر قانوني واضح، مما فجّر موجة من الغضب الشعبي ودفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان اعتذار وفتح تحقيق فوري في الحادثة.

ويرى محللون أن استمرار هذه الذهنية، حتى لو كانت محدودة، يهدد الثقة المجتمعية التي بدأت تتشكل حيال الجهاز، ويضعف فرص بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على العدالة وسيادة القانون.

جهود الإصلاح وتطمينات رسمية

أطلقت وزارة الداخلية سلسلة من الإجراءات التنظيمية تمثلت في إعادة هيكلة الجهاز الأمني، ودمج قوى الأمن العام والشرطة في كيان موحد تحت اسم "قيادة الأمن الداخلي"، بهدف توحيد الصلاحيات، وتعزيز القدرة على الضبط والمساءلة.

كما استُحدثت إدارات جديدة لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة التجاوزات، من بينها دوائر مركزية مختصة بالشكاوى، بالإضافة إلى منصة إلكترونية تهدف لتسهيل الإبلاغ عن أي مخالفات يرتكبها عناصر الأمن أو الشرطة، وفق ما أعلن المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا في يونيو/حزيران الماضي.

من جهته، شدد وزير الداخلية أنس خطاب في أكثر من مناسبة على أن وزارته عازمة على تغيير الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بالمؤسسة الأمنية منذ عهد النظام السابق، وهي صورة ارتبطت بالخوف والسلطة المطلقة.

وأشار خطاب إلى أن الوزارة تعمل على تحسين معايير الانتقاء والتدريب والانضباط، وتستعين بكفاءات وطنية من الضباط المنشقين وذوي الخلفيات القانونية والأكاديمية، في محاولة لإعادة بناء الهرم القيادي للجهاز الأمني على أسس مهنية حديثة.

ومن أبرز الخطوات الرمزية التي اتخذتها الوزارة، توقيف رئيس دورية أمنية وعناصرها على خلفية اقتحامهم منزل الشاب عبد القادر ثلجي في دمشق بطريقة غير قانونية، إضافة إلى توقيف عدد من عناصر الأمن في مدينة حماة في السادس من أغسطس/آب بسبب مخالفات مسلكية بحسب ما أعلن قائد شرطة حماة العميد ملهم محمود الشنتوت.

ولم تقتصر مواقف الحكومة على وزارة الداخلية، بل شملت رأس الدولة، ففي خطاب متلفز أعقب أحداث الساحل، تعهد الرئيس أحمد الشرع بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وشكل لجنة للتحقيق فيها.

كما أدانت الرئاسة السورية رسميا في بيان أعقب أحداث السويداء الانتهاكات التي وقعت هناك، مؤكدة أن "أي جهة مسؤولة عن هذه الأعمال، سواء كانت فردية أو منظمات خارجة عن القانون، ستتعرض للمحاسبة القانونية الرادعة، ولن نسمح بمرورها من دون عقاب".

أنس خطاب تعهد بتغيير الصورة الذهنية للمؤسسة الأمنية في سوريا (الجزيرة)شروط نجاح محاولات التقويم

ورغم أن هذه الخطوات لا تزال في طور التأسيس، إلا أن مراقبين يرون فيها محاولة جادة لتقويم أداء الجهاز الأمني وإعادة بنائه على قواعد قانونية ومجتمعية أكثر متانة.

وهذا ما يؤكد عليه الباحث عمار فرهود بالقول إن بعض الإصلاحات بدأت تعكس نفسها على الأرض، خصوصا من خلال إتاحة قنوات للتواصل بين المواطن والمؤسسة الأمنية، وظهور خطاب رسمي يعترف بوجود تجاوزات ويعد بمحاسبة مرتكبيها.

غير أن التحدي الأكبر -بحسب محللين- لا يكمن فقط في سنّ التعليمات، بل في القدرة الفعلية على تنفيذها بصرامة، وفصل العناصر المنفلتة، وإعادة تشكيل الثقافة الأمنية من داخل الجهاز، بحيث تكون قائمة على الشراكة مع المجتمع لا التسلط عليه.

فالوصول إلى الأداء المنشود يتم عن طريق الإعداد الفكري والمهني لعناصر الأمن الداخلي ومن خلال صياغة عقيدة أمنية للمؤسسات الأمنية السورية، بحسب الباحث في الشؤون الأمنية لورانس الشمالي.

وإلى جانب هذه العقيدة الأمنية يشير الباحث الشمالي في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد من وجود قيادة مؤهلة، وعناصر مدربة ومنضبطة، لكي تؤدي كلمة "الأمن" المعنى المطلوب منها لدى المجتمع، وليس المدلول القمعي الذي رافق المؤسسة الأمنية طيلة فترة حكم الأسدين.

مقالات مشابهة

  • الداخلية اليمنية: ضبط أكثر من 40 متهماً بينهم 38 في قضايا الاتجار بالبشر بالمهرة و3 متهمين في قضيتي شروع بالقتل وابتزاز في شبوة
  • الداخلية تنظم ملتقى حول تكامل الأدوار الأمنية والتنظيمية للدوري القطري لكرة القدم
  • ضبط عدد من أجهزة ومعدات ستارلينك التي تستخدم لأغراض تجسسية
  • مصدر أمني: ضبط عدد من أجهزة ومعدات “ستارلينك” التي تستخدم لأغراض تجسسية
  • اللجنة الأمنية في صعدة تناقش خطة تأمين فعالية المولد النبوي
  • بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر
  • وكيل وزارة الداخلية يبحث سُبل تعزيز الأمن في غدامس خلال اجتماع مع مسؤولي البلدية
  • “واينت”: كافة قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رفضوا خطة احتلال غزة
  • الداخلية: ضبط قضايا عملة بـ 4 ملايين جنيه
  • “يديعوت أحرونوت”: كافة قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يرفضون خطة احتلال غزة