ليلة ثقيلة تشبه ليالي شهر يوليو عام 2006، حينما استيقظ السكان في بلدات جنوب لبنان على وقع أصوات القصف المدفعي وقنابل الإضاءة وصواريخ الطائرات الإسرائيلية، لتدق طبول الحرب ويشهد الأهالي على مدار شهر كامل واحدة من أعنف المعارك التي استبسلت فيها المقاومة اللبنانية، قبل أن تنجح في دحر الاحتلال الإسرائيلي لتعم الاحتفالات في الوطن العربي بالانتصار.

تمسك بالأرض والموت على تراب الوطن

وبعد مرور 18 عامًا، يعاد المشهد مرة أخرى، في أول ليالي شهر أكتوبر من عام 2024، ولكن هذه المرة بعد عدوان إسرائيلي غاشم لمدة عام على قطاع غزة، ساندت فيه المقاومة أشقائها في المدينة المنكوبة، لتكون تلك ذريعة لدى الاحتلال الإسرائيلي لإصدار قرار باجتياح بري لجنوب لبنان وتهجير المدنيين من البلدات الحدودية، وقتل الأطفال والنساء والرجال دون أي اعتبارات، فبالنسبة لقادة المجازر «كل عربي هو هدف مشروع»، وفق شهادات عدد من اللبنانيين لـ«الوطن».

فعلى طول القرى اللبنانية الجنوبية التي تقع بمحاذاة حدود المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بـ«المطلة والجليل الأعلى»، لم تغفو أعين اللبنانيين، ولم تذق جفونهم طعم النوم، فالاجتياح البري الذي أصبح واقعًا كان بمثابة تهديد بالموت لمن لا يزال يتمكسك ببيته وأرضه، ورغم أنّ قرى النبطية ومرجعيون وكفر شوبا أصبحت خاوية على عروشها بعدما نزح أغلب سكانها نتيجة القصف والتهديد الإسرائيلي.

إلاّ أنّ محمد عكّار صاحب الـ55 عامًا أحد سكان النبطية، لا يزال يهتم بحديقة منزله الريفي البسيط المكون من طابقين: «ما بتحرك شبر واحد من الأرض، هاي وطنا ومابنعرف غيره ولا بتقدر نعيش في مكان تاني، تمسكي بمنزلي هو مقاومة حتى ولو كنت بلا سلاح»، يقولها «عكّار» بينما يحبس دموعه: «حررنا الجنوب مرة ولو احتلوه مليون مرة هنرجع ونحرره بدمنا، وحياتنا كلها فدا تراب لبنان»، ورغم تدمير مناطق واسعة بالقرب من منزل الرجل الخمسيني والاجتياح البري الذي بدأه الاحتلال فجر اليوم، إلاّ أنّ الأمر لم يدفعه للنزوح: «الرب واحد والموت واحد، وأنا بفضل إني أموت هنا على أرضي».

نزوح في بيروت وافتراش الشوارع في صيدا

أما في العاصمة بيروت كانت الأوضاع أكثر تعقيداً، فسماء المدينة التي كان يصدح فيها صوت «جارة القمر» و«الشحرورة» كل صباح، لم يعد يطرب مسامع اللبنانيين، فمع إشارة عقارب الساعة إلى الثانية بعد منتصف الليل، أضاءت صواريخ الاحتلال سماء الضاحية الجنوبية لبيروت، لتتعالى معها أصوات الصراخ والهروب نحو المجهول، فلا أحد آمن هنا على أرض لبنان.

وتقول زينب قاسم ربة منزل ثلاثينية، إنّها نزحت رفقة زوجها وطفليها من بلدة كفر شوبا في الجنوب وصولاً إلى العاصمة: «صارلي أسبوع هنا عند أختي في الضاحية، وامبارح اجانا أوامر بإخلاء المبنى، وبعد دقائق شوفنا القنابل وهي بتنزل من الطيارة وبتحرق المكان كله وبتحوله رماد، وأختي ما تحملت المنظر وفقدت الوعي من هول الصدمة».

أزمة في الغذاء والماء والدواء

لم تتوقف معاناة اللبنانيين عند النزوح وإخلاء المنازل، ليمتد مشهد افتراش الشوارع والنوم في العراء الذي بدأ في غزة إلى شوارع المدن اللبنانية في صيدا وبيروت.

يحكي حسن الحسيني 35 عامًا، نازح من إحدى قرى الجنوب إلى مدينة صيدا الساحلية، أنّ هناك أزمة إنسانية طاحنة يتعرض لها النازحون، بداية من توفير مكان للإيواء: «أنا ومرتي وابني افترشنا موقف سيارات بناكل وننام ونقضي حاجتنا فيه، ومعانا مئات الأسر التانية لأنه ماضلش مكان نروحه، كل شيء بحياتنا صار ملخبط ومافي حدا عارف وين يروح ولا ايش يعمل».

يحتفظ «حسن» في رقبته بمفتاح منزله الذي أغلقه بإحكام على أمل العودة القريبة: «طلعنا بأبسط الأشياء، وأغلب أغراضنا تركناها في البيت، لأنه يومين إن شاء الله وبنرجع، الله لا يطولها من شدة»، ولسان حاله يقول: «مفتاح البيت بقلبي وأنا راجع وبإيدي والدي ولو كل العالم كان ضدي، أنا راجع يا بلادي راجع».

تحذير من تدهور الأوضاع

أزمة المسكن كانت أول ما اصطدم به النازحون اللبنانيون، لتواجههم عقب ذلك أزمات توفير الغذاء الكافي والمياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى الأدوية اللازمة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، إذ حذرت المنظمات الإغاثية من تفاقم الأزمة مع استمرار الغارات الإسرائيلية، خاصة مع وصول عدد النازحين لأكثر من مليون شخص، 300 ألف منهم من الأطفال وفق إحصائية الحكومة اللبنانية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: لبنان العدوان الإسرائيلي اجتياح بري جنوب لبنان بيروت

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. إرباك في مطار بيروت ورحلات محدودة بانتظار استئناف كامل

انعكست تداعيات التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل بشكل مباشر على حركة الملاحة الجوية في المنطقة، حيث شهد مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حالة من الاضطراب والفوضى بعد إلغاء وتأجيل عدد كبير من الرحلات الجوية، مما أدى إلى تكدّس المسافرين وعجز كثيرين عن مغادرة لبنان.

وشهدت قاعات مطار بيروت تكدسا لافتا للمسافرين المنتظرين، في مشهد يعكس حجم الأزمة التي أثّرت على المواطنين والمقيمين والسياح العالقين.

مسافرون في مطار بيروت يعيشون حالة من القلق وسط غياب حلول واضحة لإجلائهم (رويترز)

ومن بين العالقين، اللبناني أحمد النميري، المقيم في ألمانيا، الذي قال إنه جاء من الجنوب اللبناني إلى المطار على أمل مغادرة البلاد، إلا أن الرحلات كانت متوقفة، مما دفعه إلى التفكير في العودة جنوبا من جديد.

 

وعبّر عن شعور بالخوف نتيجة الوضع غير المستقر، مشيرا إلى أنه لو علم مسبقا بما سيحدث، لكان غادر لبنان قبل أيام الحرب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بالصور.. قصف إيران يدمر بات يام وفرق الإنقاذ تبحث عن ناجينlist 2 of 2"قافلة الصمود" لكسر حصار غزة تواصل زحفها نحو الشرق الليبيend of list

وفي صالة المغادرين، جلس السائح المصري جميل صبحي إلى جانب زوجته، منتظرا رحلة تعيده إلى بلاده، بعد أن اضطر لتمديد إقامته في الفندق يومين إضافيين.

المسافر المصري جميل صبحي اضطر لتمديد إقامته بسبب تأجيل الرحلات (رويترز)

وقال إنّه لا يمانع في حجز رحلة جديدة على نفقته، لكنه أعرب عن استيائه من غياب أي حلول واضحة، موضحا أنه سمع عن رحلات قادمة من شرم الشيخ لإجلاء اللبنانيين، لكن تلك الرحلات تأجلت هي الأخرى، ما جعله يعلّق آماله على أي طائرة تغادر إلى مصر أو عبر شركة طيران أخرى.

المسافرة السورية رحاب رشيد المقيمة في السويد انتظرت أكثر من 12 ساعة وسط قلق متزايد (رويترز)

ومن جهتها، جلست السورية رحاب رشيد، وهي أمّ مقيمة في السويد، في زاوية من صالة المغادرة محاطة بحقائبها وعائلتها، حيث كانت تنتظر رحلة تقلّها إلى مصر في طريق العودة إلى السويد، بعد زيارة قصيرة إلى سوريا خلال عطلة العيد.

إعلان

وقالت إنّها عالقة منذ أكثر من 12 ساعة في المطار، دون أي توضيحات رسمية بشأن رحلتها.

وأضافت أن العائلة تعيش حالة من القلق والخوف، وتبحث عن أي وسيلة للخروج، سواء عبر بيروت أو إلى وجهة ثالثة مثل غازي عنتاب أو برلين.

المسافرون تكدسوا في صالات مطار رفيق الحريري الدولي دون حلول (رويترز)

والخوف المشترك بين هؤلاء المسافرين، كما ظهر في شهاداتهم، لم يكن فقط من ضياع حجوزاتهم أو نفاد صبرهم، بل من تصاعد الخطر الأمني الذي بات يخيّم على الأجواء، وسط تحذيرات من ضربات إسرائيلية قد تطال لبنان أو دولا أخرى في المنطقة.

وكانت شركات طيران، منها "طيران الإمارات"، قد أعلنت عن تعليق مؤقت لرحلاتها إلى لبنان والأردن حتى 22 يونيو/حزيران الجاري، وإلى إيران والعراق حتى نهاية الشهر، وهو ما يعقّد وضع المسافرين أكثر.

مقالات مشابهة

  • برّاك يوسّع المقاربة اللبنانية :لا ضمانات ولا تطمينات
  • السفارة الإيرانية في بيروت: البوصلة ما زالت تتجه نحو فلسطين
  • بالفيديو.. إرباك في مطار بيروت ورحلات محدودة بانتظار استئناف كامل
  • سفارة إيران في بيروت استقبلت وفوداً مؤيدة في وجه العدوان الإسرائيلي
  • الخطوط الجوية اللبنانية تلغي رحلات العراق مؤقتاً
  • برَّاك في بيروت للتشديد على التحييد والتسريع بسحب سلاح حزب الله
  • بالفيديو: انقلاب آلية لجمع النفايات في حارة صيدا وسقوط جريحين
  • بارّاك إلى بيروت في مهمة متعددة الأبعاد
  • نصار: يبقى الدستور المرجع الوحيد لجميع اللبنانيين
  • بيان لتجمع أصحاب الحقوق في وسط بيروت التجاري.. هذا ما جاء فيه