تصدرت الأنفاق، بصفتها سلاحا استراتيجيا، عناوين الحرب بين حماس إسرائيل بعد الهجوم الدامي الذي شنته الحركة، المصنفة إرهابية، على مناطق إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، حيث وضعت حكومة بنيامين نتانياهو تدمير شبكة أنفاق الحركة ضمن أهدافها الرئيسية.

ومع التوغل البري الإسرائيلي في الداخل اللبناني، عاد الحديث عن حرب الأنفاق إلى الواجهة بعد أن عرض الجيش الإسرائيلي مشاهد قال إنها داخل أنفاق حزب الله، فماذا عن تاريخ هذه الأنفاق في لبنان؟ وكيف سخرها الحزب في مواجهة إسرائيل؟ وهل أصبح هذا التكتيك سلاحا بحدين للحزب بعد مقتل أمينه العام حسن نصرالله في ملجأ محصن تحت الأرض.

2006.. أصل الحكاية

ترجع التقارير بناء الأنفاق في لبنان إلى خمسينات القرن الماضي، حيث استخدمت لنقل المؤن قبل أن تصبح سلاحا استراتيجيا.

وعمل الفلسطينيون أنفسهم، رجالا ونساء في حفر هذه الأنفاق ومنها نفق كفرحلدا في البترون اللبناني حسب بحث لروزماري الصايغ بعنوان "الفلسطينيون من فلاحين إلى ثوار".

وفي الستينات، اكتسبت الأنفاق أهمية استراتيجية بالنسبة للفلسطينيين في غرب بيروت، حيث ربطت بين تل الزعتر والكارنتينا.

ويشير كتاب فرنسي بعنوان "إشاعات حرب لبنان: خطابات العنف" (Les rumeurs dans la guerre du Liban: Les mots de la violence) إلى "أنفاق في تل الزعتر لاخفاء الماء والسلاح لكنها لم تصلح للحياة، ونفق يربط تل الزعتر بالمخيمات في منطقة الكارنتينا" في الحقبة نفسها. 

وهذا ما يؤكده أرشيف الأخبار من الثمانينات، حيث يذكر خبر نقلته يونايتد برس (United Press International) بتاريخ 7 أكتوبر 1982، عثور "الجيش اللبناني على شبكة معقدة من الأنفاق التي بناها مقاتلون فلسطينيون للاحتماء من الهجمات الإسرائيلية ولإخفاء كميات هائلة من الإمدادات العسكرية".

وحينها، علق ضابط لبناني بالقول إن هذه الأنفاق ربما ليست بجديدة، مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود خرائط متوفرة لهذه الشبكة: "نحن لا نعرف كم يبلغ طول هذه الأنفاق. بعضها جديد وبعضها قديم. وليس لدينا خرائط. ربما تكون مفخخة. من يدري؟"

وحسب التقرير، "ربطت هذه الأنفاق المبطنة بالخرسانة، التي يمتد أحدها لمسافة ميلين من غرب بيروت إلى جنوبها، بين معاقل الفلسطينيين في المدينة والمخيمات الثلاثة للاجئين جنوب بيروت - صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة. وشاهد المراسلون الذين قاموا بجولة في الأنفاق مخابئ ضخمة مملوءة حتى السقف بمتفجرات حديثة تتراوح من صواريخ غراد الروسية إلى قذائف الهاون والهاوتزر الأميركية (...) ولم يتجاوز ارتفاع بعض الممرات ثلاثة أقدام، في حين كانت ممرات أخرى كبيرة بما يكفي لإخفاء ما يصل إلى 8 شاحنات صغيرة. كما عثر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين على 8 مداخل للأنفاق. ويؤدي مدخلان إلى مخابئ مليئة بأكثر من 500 صندوق من قذائف المدفعية المصنعة في كوريا الشمالية وقذائف الهاون الأميركية. ولم يكن معروفًا ما إذا كان المدنيون الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين على دراية بالمتاهة، أو عدد الذين احتموا بداخلها". 

أما في مخيم شاتيلا قرب الاستاد الرياضي بالمدينة، فإن "الأبواب الفولاذية  تؤدي إلى أسفل منحدر رملي يصل إلى نفق يبلغ ارتفاعه عشرة أقدام، وهو يتسع لسبع أو ثماني شاحنات صغيرة. وفي أسفل المنحدر، يضيق النفق ويتحول إلى مخبأ عرضه ثمانية أقدام، والأرضية هناك عبارة عن ممر خشبي. ووجدت في النفق عشرات الصواريخ السوفييتية من طراز غراد مكدسة على الحائط في صناديق خشبية وما لا يقل عن 50 صندوقًا يحتوي على قنابل دخانية وقذائف مدفعية من عيارات مختلفة وقنابل الهاون". 

وفي الجنوب اللبناني، ارتبطت سيرة الأنفاق بحزب الله، ولكن إسرائيل اختبرت عن قرب معركة مصغرة للأنفاق حيث واجهت الفرار الكبير لسجنائها في أكبر عملية في العالم هروب للأسرى من سجن أنصار في 8 آب 1983، حيث فر أكثر من 30 سجينا حفروا بالملاعق والسكاكين نفقا بين سجنهم ومنطقة خارج الأسلاك الشائكة. 

واتُهمت إسرائيل بدورها في الثمانينات (1983) بحفر أنفاق عقب احتلالها الجنوب اللبناني، "لربط النهر من باطن مجراه بالأراضي المحتلة في الجليل ليتسنى لبعض مياهه التي يشك بأنها تتراوح بين 100-500 مليون م3 بالجريان نزولا إلى الأراضي المحتلة (...) وادعاء وجود ارتباط جيولوجي جوفي بين الليطاني وروافد الأردن (...) وللمطالبة بحصتها من النهر المعترف به دوليا"، حسب ما نقرأ في بحث للدكتور محسن محمد صالح في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني (2018-2019). 

غالانت أكد أن قرار الإخلاء سيستمر حتى دفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.

أما عن أنفاق حزب الله، تشير التقارير إلى تصاعد وتيرة بنائها في 2006 وتحديدا بعد "حرب تموز" بتنسيق وثيق بين إيران وكوريا.

وهذا يجعلها أقدم من الأنفاق في غزة والتي بنيت في الأصل مع مصر بهدف التغلب على الحصار الاقتصادي المصري والإسرائيلي على القطاع عام 2007. وتتألف أنفاق الحزب من شبكة أخطبوطية وفقا لتقرير أصدرته مؤسسة "ألما" البحثية الإسرائيلية عام 2021، وتمتد حتى سوريا حسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية وحاول الحزب الوصول حتى إسرائيل، كما يبدو من الأنفاق الهجومية التي عثر عليها في ديسمبر 2018 أسفل الخط الأزرق (بحث أميركي بعنوان The Coming Conflict with Hezbollah).

وضمن لبنان نفسه، عشرات الكيلومترات التي تربط بين مختلف المناطق الفرعية داخل جنوب لبنان وبين ثلاث مناطق استراتيجية لحزب الله:

1- منطقة ضاحية بيروت – المقر المركزي لحزب الله.

2- منطقة البقاع – العمود الفقري العملياتي اللوجستي لحزب الله.

3- جنوب لبنان – المواقع الدفاعية لحزب الله.

وتستخدم الأنفاق لغايات مختلفة يمكن تلخيصها، حسب المحلل السياسي اللبناني محمد نمر، بالأهداف العسكرية  واللوجستية.

أما عن الأهداف العسكرية، فتعمل كصلة وصل بين المناطق وتسمح بنقل الأسلحة أو إطلاقها بما أنها مزودة بمنصات مخصصة لبعض الصواريخ.

كما أنها تعمل كمصدر إنطلاق وتخفي للمسلحين. وقد أشارت صحيفة "تايمز" الإسرائيلية في سياق حرب الأنفاق إلى "محاربة الأشباح" في إشارة إلى مسلحي حماس، وتكرر هذا التوصيف في إطار الحرب اللبنانية. 

أما على المستوى اللوجستي، تستخدم الأنفاق لربط مراكز القيادة وهذا ما رأيناه في الضاحية مع استخدام صواريخ تصل إلى عمق 40 مترا تحت الضاحية الجنوبية لبيروت لبلوغ مكان تواجد قيادات حزب الله. 

من الأنفاق البدائية إلى مدينة الصواريخ

تطورت أنفاق حزب الله من الشكل البدائي المعروف بقطر ضيق يكفي لتحرك الأفراد إلى أنفاق متطورة ومؤهلة لتنقل الشاحنات. وهذا ما يمكن استنتاجه من مقارنة بسيطة بين نموذج لنفق يعود لـ"حرب تموز 2006" وفره حزب الله في مجمع سياحي للحزب الله في مليتا في جنوب لبنان عام 2010، وفيديو يعرض نموذجا للأنفاق الحديثة للحزب نشره هذا الأخير بعنوان "جبالنا خزائننا" في آب 2024. 

وترجح خطة اقترحها الجنرال الإسرائيلي، أمير أفيفي، أن منافذ الأنفاق قريبة من منازل منفذي الهجمات.

ويحدد في كتابه  بعنوان "لا انسحاب: خطة لحفظ إسرائيل للأجيال القادمة" (No Retreat: How to Secure Israel for Generations to Come) الذي استوحى فيه من أنفاق حماس أن "النفق على بعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام، فيتسلسل المهاجم داخل النفق ويتوجه حتى موقع الإطلاق. وفي الوقت المحدد، يقوم بإطلاق وابل من الصواريخ قبل أن يتخفى مجددا فيها". 

أنفاق حزب الله في جنوب لبنان كانت ذات أسقف عالية بما يكفي للمشي تحتها، وأنظمة تهوية وإضاءة وحمامات. ووفق أفيفي: "تم بناء عشرات المخابئ القيادية داخل الشبكة، مقسمة إلى غرفتين أو ثلاث غرف لكل منها". 

وتغير شكل النفق وازداد تعقيدا عبر السنين، حسب ما يظهر فيديو "جبالنا مخازننا" الذي نشره حزب الله المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة، حيث ما عادت الأنفاق دفاعية حصرا بل ازدادت شبكتها تعقيدا ومعها دورها ليصبح هجوميا أيضا.

وحسب الفيديو، تتسع الأنفاق لمرور قوافل الشاحنات والدراجات النارية كما تتضمن مخازن أسلحة ومنصات لإطلاق صواريخ من نوع "عماد 4".

وتظهر كعالم مواز تحت الأرض، حيث تتميز بالإضاءة والتهوئة، ووصفتها وكالة "مهر" الرسمية الإيرانية بـ"مدينة الصواريخ" في الجنوب، بينما شبهها تقرير لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية بـ"مترو الأنفاق". 

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في يناير 2019 اكتشاف وتدمير "أنفاق هجومية عبر الحدود"، بعضها تحت قرى حدودية لبنانية تعرضت مرارا لهجمات دون أن تدمر.

كما حذر تقرير إسرائيلي من قدرة هذه الأنفاق على التحول لمقبرة لأي منشأة قد يتم حفرها تحتها. وأكد مهندسان إسرائيليان في تقريرفي حزيران 2023 بموقع مؤسسة "ألما"، تعويل حزب الله على الأنفاق لإحداث قدر كبير من الدمار، أحيانا من خلال إحداث فراغات. 

ولفتا، في هذا السياق، إلى أن "حفر الأفاق تحت سلسلة جبال راميم المطلة على كريات شمونة كفيل بالتسبب بانهيار أجزاء من الجبل وتعريض المواطنين ومنازلهم للخطر. ولذلك، يركز الحزب على دخول وحدة الرضوان الجليل باستخدام الأنفاق المليئة بالمتفجرات". 

كما نقل تقرير أميركي في "واشنطن بوست "نهاية سبتمبر الماضي عن مهندسين وخبراء استراتيجيين إلى أن حزب الله حفر أنفاقا مباشرة إلى داخل إسرائيل. وشن الجيش الإسرائيلي عملية "درع الشمال" في يناير 2019، بعد عثوره على 6 أنفاق تكتيكية. وانتهت العملية بتدميرها". 

نصر ولو "مؤقتا"

يشير بحث يتناول "تحييد مشروع أنفاق حزب الله" ( Neutralizing Hezbollah’s Tunnel Project)، إلى أن هدف الأنفاق هو تمكين خلايا وحدة الكوماندوز التابعة لحزب الله (الرضوان) من التسلل إلى إسرائيل ومساعدتها على تحقيق "صورة النصر" من خلال احتلال (ولو مؤقتًا) مجمع أو قاعدة للجيش الإسرائيلي أو طريق رئيسي. وبالتالي، تركز أي خطة إسرائيلية على كشف وتدمير الأنفاق وتحسين قدرات الاستخبارات والكشف.

وبالتوازي، تتوخى إسرائيل حسب البحث، إيصال رسالة إلى إيران من خلال كشف الأنفاق ودعوتها للتحرك لكبح جماح حزب الله، وعدم التدخل في أي صدام عسكري يندلع بين إسرائيل وحزب الله.

كما توجه إسرائيل رسالة للسلطت اللبنانية على اعتبار أن الاتفاق الأممي رقم 1701 يتضمن أيضا الكشف عن خريطة الأنفاق.

وسرد العقيد الإسرائيلي المتقاعد، كوبي لافي، في حديث لـ"الحرة"، جهود إسرائيل لدفع الجهات "القادرة على التدخل بإقناع الحزب بوقف حفر الأنفاق لكن الحزب استمر بعمليات الحفر وبتزويدها بالأسلحة".

وإسرائيل تعتمد على معطيات القوات البرية لتدميرها مع الإشارة إلى فارق مقارنة بغزة، وهو أن الأراضي جبلية وهذا يعني أن الحزب دفع الكثير لتطويرها بينما تقدم ببطء وبمساعدة من دول أخرى.

وحفرت غالبية الأنفاق في البقاع الغربي وبيروت وجنوب لبنان، وتدرك إسرائيل أن هذا لم يتم بتعليمات من الدولة اللبنانية.

وإسرائيل مجبرة اليوم في ضوء دروس "تموز 2006"، على تطهير هذه الأنفاق حيث مستودعات كاملة مليئة بالذخيرة بواسطة وسائل عدة طورت لهذا الغرض، وتدمر الأنفاق وتجعلها غير قابلة لشن هجمات في المستقبل"، وفق لافي.

أما عن حزب الله، فكشف الصحفي اللبناني، قاسم قصير، أن حفر الأنفاق بحد ذاته إنجاز وأن  "الحزب ينتظر العملية البرية".

وأكد على امتلاكه "قدرات مميزة في حرب الأنفاق وهذا ما تبينه التطورات خلال يومين من معارك عسكرية وعدد القتلى. كما أن إسرائيل ستذهب للتفوض كلما دفعت اثمانا باهظة. كما أن الحزب يقيم الأمور الميدانية باستمرار ويدرس كل الخيارات وهو يخوض معركة جديدة ويستفيد من كل التطورات".

ملاجئ أو مقابر؟ 

بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 28 سبتمبر في مكان محصن تحت مبان سكنية، طرح السؤال حول فعالية الأنفاق والبنية التحتية المخفية بشكل عام ونقاط الضعف التي جعلت تصفية زعيم الحزب ممكنة.

الجيش الإسرائيلي استهدف نصر الله في ضربة دقيقة على الضاحية الجنوبية

وفي هذا السياق، لفت نمر إلى المقارنة المطروحة بين أنفاق حماس وأنفاق الحزب، مشيرا إلى أن الأخيرة أكثر تعقيدا نظرا للطبيعة الجبلية الوعرة.

وعلى الرغم من أن ذلك يفترض بأن يجعلها أكثر تحصينا، تغير الوضع بسبب عاملين:  تطور الأسلحة الإسرائيلية مقارنة بحرب 2006 والعامل البشري في سيناريو التجسس، وفق نمر.

ومع تطور الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، باتت الأنفاق أقل أمانا. وتمتلك إسرائيل صواريخ "جي.بي.يو" (GBU) الأميركية، القادرة على اختراق المباني والتحصينات الخرسانية.

واستخدمت إسرائيل هذه الصواريخ التي تبلغ تكلفة الواحد منها زهاء الصاروخ حوالي 145 ألف دولار في حربها على لبنان 2006. وفي سيناريو اغتيال نصر الله، استهدفت مقره العسكري "المحصّن" تحت الأرض بـ 80 قنبلة.

أما العامل الثاني الذي أضعف دور الأنفاق فهو بشري، حيث تمكنت إسرائيل من الحصول على الإحداثيات أو ما أسمته "بالمعلومة الذهبية" بفضل العملاء.

وتمحورت المعلومة من جملة أمور أخرى حول القوة التدميرية اللازمة لاختراق التحصينات وصولا للمركز الذي يشكل جزءا من منظومة الأنفاق حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بينما أشار تقرير بصحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى أن "عميلا إيرانيا" زود إسرائيل بالمعلومات الحساسة. 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی أنفاق حزب الله هذه الأنفاق الأنفاق فی من الأنفاق جنوب لبنان لحزب الله أنفاق فی الله فی وهذا ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

حزب الله يرفض التفاوض.. للصبر حدود والتزامات 1701 ليست أبدية

تشير المعطيات الواردة من مصادر أميركية مطلعة إلى أنّ التصعيد الإسرائيلي الواسع الذي كان مقرراً بعد زيارة البابا فرنسيس لم يُسقطه بنيامين نتنياهو من حساباته، بل جرى تأجيله فقط بانتظار اللحظة المناسبة. فالقرار بالتصعيد ثابت، فيما تحاول الدولة اللبنانية أن تناور في مساحة ضيقة من الوقت عبر خطوة تعيين السفير سيمون كرم في لجنة الميكانيزم، وهي خطوة تحركت بتفاهم رأس الهرم السياسي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس والحكومة، في محاولة لتقديم إشارات تعاون للمجتمع الدولي أو على الأقل امتصاص الضغط المتزايد.

لكن هذه الخطوة لم تمرّ بلا ضجة ولا بلا شكوك. فهناك من يرى فيها جزءاً من سلسلة تنازلات متدحرجة تقدمها الحكومة اللبنانية تحت وطأة الضغوط الدولية، من دون أن تحصل في المقابل على أي مكسب سياسي أو أمني أو ميداني. والأسوأ أن بعض القوى يعتبر أنّ الحكومة رمت هذه الورقة على الطاولة من دون رؤية واضحة، ومن دون أن تراعي أنّ لجنة الميكانيزم نفسها، منذ تشكيلها، لم تنجح في تحقيق أي من الأهداف التي نصّت عليها: لا انسحاب إسرائيليا، ولا تبادل أسرى، ولا حتى خريطة طريق للإعمار أو لوقف الخروقات اليومية.

إسرائيل من جهتها لا تخفي نواياها. فالضربات الجوية مستمرة رغم اتفاق وقف الأعمال العدائية، وسوف تبقى على وتيرتها في إطار سياسة «التفاوض تحت النار» التي تعتمدها تل أبيب كلما أرادت فرض شروط على خصومها. وما تريده إسرائيل يتمثل بنزع سلاح حزب الله، ودفع الدولة اللبنانية إلى القيام بذلك عبر جرّ الجيش اللبناني إلى المداهمات والمصادرات داخل القرى، وهو أمر يدرك الجيش استحالته ويعرف أنّ الذهاب إليه سيقود البلاد إلى سيناريوهات لا يمكن احتواؤها. لذلك يرفض الجيش الانزلاق إلى هذا المسار مهما اشتدّ الضغط الخارجي أو تعددت أشكاله.

في المقابل، يردّ حزب الله بطريقة مزدوجة تجمع بين الرسالة السياسية والصلابة الميدانية. فهو يعتبر، بحسب مصادره أنّ بعض القوى في الداخل تصوغ مواقفها وفق حسابات لا تعبّر عن حقيقة المشهد ولا عن طبيعة الصراع. ويشير بوضوح إلى أنّ رئيس الجمهورية تشاور في موضوع تعيين كرم مع أطراف محددة، بينما هو ــ أي الحزب ــ لم يكن على علم بالتفاصيل. ويضع الخطوة في إطار «التنازل المجاني» الذي لم ينتج شيئاً في السابق ولن ينتج شيئاً اليوم. فكل اجتماعات الميكانيزم السابقة لم تغيّر في الواقع الميداني ولا في السلوك الإسرائيلي، وكلها انتهت إلى أوراق لا قيمة لها.

أما على مستوى المواجهة، فيدرك الحزب، وفقق المصادر، أنّ إسرائيل، رغم تفوقها الجوي، عالقة في مأزق بريّ لم تستطع تجاوزه. وتقديراته أنّ تل أبيب لو كانت قادرة على شنّ حرب برية على لبنان لفعلت ذلك منذ الأسابيع الأولى، لكنها تعرف أنّ كلفتها ستكون هائلة وأن نتائجها ليست مضمونة. لذلك تكتفي بحرب جوية قاسية محسوبة الزمن والوتيرة، لكنها عاجزة عن تغيير المعادلة على الأرض. وفي هذا السياق، يقول الحزب إنه انتصر ميدانياً وخسر جوياً، لكنّ الخسارة الجوية لا تمنع الردّ ولا ترسم سقفاً سياسياً نهائياً.

ويضيف الحزب ، كما تقول المصادر، أنه التزم بالقرار 1701 التزاماً كاملاً: لا قصف للمستوطنات، وانسحاب كامل من جنوب الليطاني. لكن هذا الالتزام ليس مفتوحاً بلا حدود. فإذا استمر العدوان وتواصلت الغارات، فسيسقط الغطاء السياسي الذي يضبط إيقاع المعركة، وقد يجد الحزب نفسه «حرّاً» في تعديل قواعد الاشتباك. بمعنى أوضح: أمن المستوطنات مضمون فقط بقدر التزام إسرائيل بالتهدئة، والاستمرار في التجاوزات وفشل الحكومة في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي ووقف الانتهاكات سيعيد الأمور إلى مربع مختلف، ولن يقف الحزب مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية.

هذا الموقف يفتح الباب أمام قراءة أعمق: فلبنان الرسمي يدخل مرحلة دقيقة تحاول فيها الحكومة أن توازن بين الضغوط الدولية وحجم الواقع في الجنوب، بينما يشعر الحزب بأنه يُدفَع تدريجياً إلى منطقة اختبار صبره وحدوده. ومع أنّ الحزب يؤكد دعمه لبناء الدولة وسيادتها على الجنوب كاملاً، فإنه يرفض أي نقاش في السلاح شمال الليطاني قبل تحقيق ثلاث أولويات: الانسحاب الإسرائيلي، عودة الأسرى، وإطلاق مسار إعادة الإعمار. وبعد ذلك فقط يمكن الانتقال إلى البحث في استراتيجية دفاعية تضمن حماية الجيش والشعب وتثبيت الأمن الوطني.

وبينما يتقدّم بعض المسؤولين اللبنانيين بخطوات يعتبرونها واقعية، يراها آخرون انحناءً أمام عاصفة الضغط الخارجي، من دون أن يقابلها أي احترام إسرائيلي لسيادة لبنان أو لحقوقه. فالدولة تبدو وكأنها تتقدم من تنازل إلى آخر، والنتائج ما تزال صفراً. وفي المحصلة، يبدو المشهد كأنه سباق بين دبلوماسية متعبة وضغط إسرائيلي متصاعد، وبين دولة تسعى لشراء الوقت وحزب يلوّح بأنّ للصبر حدوداً. فالتصعيد قد يعود في أي لحظة، لأن تأجيله لا يعني إلغاءه، ولأن إسرائيل في حساباتها لا تزال تعتبر أنّ الضغط العسكري هو الطريق الأسرع لفرض شروطها. وفي هذه اللحظة الحرجة، تبدو الساحة اللبنانية أمام مفترق طرق: إمّا حلول حقيقية تحفظ السيادة وتوقف النزف، وإمّا انزلاق إلى مواجهة أوسع يُعاد معها خلط الأوراق على نحو يتجاوز قدرة أحد على ضبطه.
  المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة حزب الله لا يمانع التفاوض غير المباشر"لكن ليس بدون ثمن"! Lebanon 24 حزب الله لا يمانع التفاوض غير المباشر"لكن ليس بدون ثمن"! 05/12/2025 10:01:41 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 "حزب الله" يحدّد سقف الهدنة.. ويرسم حدود التفاوض Lebanon 24 "حزب الله" يحدّد سقف الهدنة.. ويرسم حدود التفاوض 05/12/2025 10:01:41 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 "حزب الله" يرفض التفاوض السياسي.. عون وبري وُضِعا في جوّ البيان قبل صدوره Lebanon 24 "حزب الله" يرفض التفاوض السياسي.. عون وبري وُضِعا في جوّ البيان قبل صدوره 05/12/2025 10:01:41 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 " حزب الله" غير متحمّس لتعزيز مستوى التفاوض: مرحلة جديدة عليه التكيف معها Lebanon 24 " حزب الله" غير متحمّس لتعزيز مستوى التفاوض: مرحلة جديدة عليه التكيف معها 05/12/2025 10:01:41 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 الجيش اللبناني الإسرائيلي اللبنانية حزب الله دبلوماسي الجمهوري إسرائيل من جهته قد يعجبك أيضاً السياحة تتقدّم على الحرب… لبنان يحجز مكانه على خارطة الموسم Lebanon 24 السياحة تتقدّم على الحرب… لبنان يحجز مكانه على خارطة الموسم 02:45 | 2025-12-05 05/12/2025 02:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "العدو الصهيوني يواجهنا بوحدتنا الوطنية".. قبيسي يحذر من الانقسام الداخلي Lebanon 24 "العدو الصهيوني يواجهنا بوحدتنا الوطنية".. قبيسي يحذر من الانقسام الداخلي 02:30 | 2025-12-05 05/12/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بين الأزمات والحقوق.. أين يقف الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان اليوم؟ Lebanon 24 بين الأزمات والحقوق.. أين يقف الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان اليوم؟ 02:30 | 2025-12-05 05/12/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 برّاك يحذّر: الحرب قد تعود Lebanon 24 برّاك يحذّر: الحرب قد تعود 02:20 | 2025-12-05 05/12/2025 02:20:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تقشّف ومخازن فارغة: حسابات الحرب تتحكم بالسوق جنوبا Lebanon 24 تقشّف ومخازن فارغة: حسابات الحرب تتحكم بالسوق جنوبا 02:15 | 2025-12-05 05/12/2025 02:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعدما ألزمه المرض البقاء في المستشفى... الفنّ العربيّ يخسر فناناً شهيراً (صورة) ​ Lebanon 24 بعدما ألزمه المرض البقاء في المستشفى... الفنّ العربيّ يخسر فناناً شهيراً (صورة) ​ 13:22 | 2025-12-04 04/12/2025 01:22:51 Lebanon 24 Lebanon 24 أمر عاجل يخصّ لبنان.. قرار أميركي لإسرائيل وصحيفة من تل أبيب تعلنه! Lebanon 24 أمر عاجل يخصّ لبنان.. قرار أميركي لإسرائيل وصحيفة من تل أبيب تعلنه! 08:30 | 2025-12-04 04/12/2025 08:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هل ستتمكن هذه الدولة من إغراق حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد؟ Lebanon 24 هل ستتمكن هذه الدولة من إغراق حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد؟ 10:30 | 2025-12-04 04/12/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد إنفصالها عن وديع الشيخ... هل تعيش هذه الممثلة الجميلة قصّة حبّ جديدة؟ Lebanon 24 بعد إنفصالها عن وديع الشيخ... هل تعيش هذه الممثلة الجميلة قصّة حبّ جديدة؟ 15:22 | 2025-12-04 04/12/2025 03:22:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هل يؤجل التفاوض المباشر الحرب فعلا؟ Lebanon 24 هل يؤجل التفاوض المباشر الحرب فعلا؟ 10:01 | 2025-12-04 04/12/2025 10:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب هتاف دهام - Hitaf Daham أيضاً في لبنان 02:45 | 2025-12-05 السياحة تتقدّم على الحرب… لبنان يحجز مكانه على خارطة الموسم 02:30 | 2025-12-05 "العدو الصهيوني يواجهنا بوحدتنا الوطنية".. قبيسي يحذر من الانقسام الداخلي 02:30 | 2025-12-05 بين الأزمات والحقوق.. أين يقف الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان اليوم؟ 02:20 | 2025-12-05 برّاك يحذّر: الحرب قد تعود 02:15 | 2025-12-05 تقشّف ومخازن فارغة: حسابات الحرب تتحكم بالسوق جنوبا 02:14 | 2025-12-05 إنخفاض في أسعار المحروقات.. إليكم الجدول الجديد فيديو بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء 09:14 | 2025-12-01 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 البابا لاوون الرابع عشر في مزار سيدة لبنان - حريصا (مباشر) Lebanon 24 البابا لاوون الرابع عشر في مزار سيدة لبنان - حريصا (مباشر) 04:38 | 2025-12-01 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 تغطية مباشرة لليوم الثاني لزيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان (مباشر) Lebanon 24 تغطية مباشرة لليوم الثاني لزيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان (مباشر) 01:34 | 2025-12-01 05/12/2025 10:01:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • ضباط إسرائيليون يقرون بفشل خطة القضاء على أنفاق حماس
  • حقيقة عن أحمد الشرع.. هكذا أنهى سوداوية نظام بشار
  • فضل الله: لعدم تقديم تنازلات مجانية للعدو
  • إسرائيل تستعد لـاصطياد الرؤوس الأخيرة لحماس والحزب!
  • عودة: كثيرون يجوعون إلى العدالة والحق
  • حزب الله: لا للتفاوض ولا للمواجهة
  • المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية تقنية - أمنية وحزب اللهلن يكسرها مع عون
  • خطاب قاسم يكرّس ثبات الحزب على موقفه من السلاح والتفاوض
  • حزب الله ينتقد تعيين مدني في الميكانيزم.. وبراك: إسرائيل لن تحقق أهدافها بسحق الحزب
  • حزب الله يرفض التفاوض.. للصبر حدود والتزامات 1701 ليست أبدية