في الوقتِ الذي كانتْ فيه الطائرات والصواريخ الإسرائيلية تَدك مواقعَ حزب الله ليل نهارَ، كانَ هناكَ بيتٌ واحدٌ مضيءٌ، هو منزلُ نبيه بري. فيه يستقبلُ الوفود الأجنبية، اتَّجه له وزيرُ خارجيةِ إيرانَ أمس فورَ وصولِه المطار، والمبعوثونَ الغربيون، والوسيطُ الأمريكي أموس هوكستين يسابقُ الإيراني، والسفراء الأجانب.
أهميةُ بري، إلى جانبِ الشرعيةِ البرلمانيةِ الضروريةِ لتفعيلِ أي حل سياسي يبدأ بانتخابِ رئيسٍ للجمهورية، أنه يمثل الطائفة الشيعية في وقتٍ تمرُّ فيه باضطرابٍ خَطير. إسرائيلُ تقومُ منذُ أسبوعين، بشكلٍ شبهِ يومي، بعمليةِ اجتثاثٍ لحزب الله، مثلمَا تمَّ اجتثاثُ حزب البعث بعدَ إسقاطِ صدام. وكمَا فعلَ الحلفاءُ في ألمانيا باجتثاثِ القياداتِ النازيةِ، وفي اليابانِ إبانَ الحربِ العالميةِ الثانية. القضاءُ على قادةِ الضاحيةِ يتسبَّبُ في فراغٍ خطيرٍ يستوجبُ أن يملأَه قيادي شيعي حتى يمنعَ الفوضَى، ويحولَ بين الطموحينَ من الحزب وتسلقِ السلم. بري لا يزالُ من أهمّ الشَّخصياتِ السياسيةِ اللبنانيةِ بشكلٍ عام، وقيادتُه المرحليةُ عمليةَ الإنقاذِ السياسية لا يمكن أن تتمَّ من دون مشاركةِ المكوِّنِ الشّيعي، مع بقيةِ الطَّوائف، حتى تمنحَ هذا الحلَّ التأييدَ الشَّعبيَّ والشرعيةَ الضرورية.
بغيابِ نصر الله هناكَ عقباتٌ أمامَ زعامةِ بري لطائفتِه، بعضُهم يعترضون عليهِ بحكم سِنّهِ، 86 عاماً، وكذلكَ لرفضِ الشَّارعِ اللبنانيّ للقياداتِ التقليديةِ القديمة، وهناكَ أصواتٌ تغمزُ بأنَّ بري سارعَ للتتويجِ قبل دفنِ نصر الله، وأنَّه انقلابٌ مدبَّرٌ وجزءٌ من مؤامرة. وقد تكونُ زيارةُ وزيرِ خارجيةِ إيرانَ على عجلٍ إلى بيروتَ محاولةً لوقفِ عمليةِ شطبِ «حزب الله» سياسياً، ويريدُ عرقلةَ نقلِ السّلطات له.
لا يمكن أن ننسَى أنَّ نصر الله وإيرانَ هما من قادَا، ليس الشيعة وحسب، بل كل لبنانَ إلى المذبح. وما نراه من مآس موجعةٍ هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لفتحِهم لبنانَ جبهةِ حرب، في حربٍ ليسَ له فيها ناقةٌ ولا جمل، واختطفوا البلدَ لثلاثةِ عقودٍ على الأقل.
المثيرُ أن الحَراكَ الجديدَ أفرز نتائجَ مهمةً وسريعةً بل وجريئة بأكثرَ ممَّا توقعتْه القوى الخارجية. أولاهَا الإعلانُ عن فصلِ لبنانَ عن "ملف المساندة"، أي التخلي عن المشروعِ الإيراني بالاشتباكِ مع إسرائيل في غزة. وكانَ ذلك التزامَ نصر الله.
الثانيةُ التراجعُ عن شرطِ وقفِ الهجومِ الإسرائيلي بوصفه شرطاً لانتخابِ رئيسِ للجمهورية، والإعلان عن بدءِ الإجراءاتِ من دون الانتظارِ لأسابيعَ أو أشهرٍ حتى تنتهيَ العمليةُ العسكريةُ الإسرائيلية. حينَها سيتمُّ تنصيبُ الرئيسِ اللبناني الأول الحرّ منذ عقود، وسيكونُ حاكماً عسكرياً بحكم ِالظَّرف الخَطير. فقد عاشتِ البلادُ تحتَ هيمنةِ القوى الأجنبية: منظمةِ التَّحريرِ الفلسطينية في السبعينات، ثم سوريا في الثمانيناتِ والتسعينات، وفي الألفيةِ سيطرت إيرانُ ممثلةً بحزب الله.
الأرجحُ أن الرئيسَ سيكون قائدَ الجيش، الذي ينتظرُه دور تاريخي ومهمة صعبة، هي بسطُ سيادةِ الدولةِ أخيراً من الحدود السورية إلى الحدودِ الإسرائيلية. وبهذا تنتهِي محنةُ لبنان، بالنيابة عن إيران، بمواجهةِ إسرائيل، وحينَها لا تصبحُ لدَى إسرائيلَ الذَّريعة لما تبقَّى من كيلومتراتٍ تحتلُّها. هذه الخطواتُ تحدَّثَ عنها بري، طبعاً بلغتِه السياسية، وجاءَ في البيانِ المشتركِ أنْ يتمَّ "نشرُ الجيشِ فوراً على طول الخط الأزرق، كخطوةٍ أولى لتطبيقِ اتفاق الطّائف والقرارات الدولية 1701، 1680، 1559، ممَّا يُؤدّي إلى تثبيتِ اتّفاق الهدنةِ مع إسرائيل، وضبطِ الحُدود وحمايةِ لبنان، واستردادِ الدَّولةِ لقرارِ السّلمِ والحرب، وحصرِ السّلاح بيدِها فقط". والجملةُ الأخيرة هي الأهمُّ والأصعبُ، نزع سلاح الميليشيات.
عودةُ بري إلى المسرحِ السياسي سيدعمُها صف طويل من القوى اللبنانية، والدولِ الإقليمية، والقوى الدولية، مع رغبةٍ حقيقيةٍ عند المجتمع الدولي في إنهاء حالةِ الفوضى والحرب الأهلية التي عاشهَا لبنانُ زمناً أطولَ من أي بلدٍ آخر في العالم. الرغبةُ الدوليةُ نابعةٌ من المخاطر التي أصبحَ لبنان مصدّراً لها. فقد أصبحَ محطةَ نشاطِ التَّخريبِ الإقليميةَ، والتهريبِ الدولية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله حزب الله نصر الله
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تستهدف تدريبات "قوة الرضوان" في جنوب لبنان
أفادت تقارير لبنانية يوم الجمعة، بوقوع ضربات جوية إسرائيلية مكثفة استهدفت مناطق في جنوب لبنان والبقاع الغربي، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف مجمعا تدريبيا تابعا لحزب الله للمرة الثانية هذا الأسبوع.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارات على المنطقة الواقعة بين بلدتي الزرارية وأنصار، وكذلك المنطقة الواقعة بين تفاحتا والبيسارية في الجنوب.
وأضافت الوكالة أن 4 غارات استهدفت منطقتي المحمودية والجرمق قرب العيشية في منطقة جزين. كما أشارت إلى أن 4 غارات أخرى ضربت وادي زلايا في البقاع الغربي، مؤكدة أن تحليق الطائرات الإسرائيلية مستمر على علو متوسط فوق المنطقة.
بيان الجيش الإسرائيلي
من جهته، أكد الجيش الإسرائيلي في بيان أن قواته شنت هجوما على مجمع تدريب وتأهيل يستخدمه مقاتلو وحدة الرضوان التابعة لحزب الله في جنوب لبنان.
وقال الجيش في بيانه إن هذا هو الهجوم الثاني الذي يستهدف مجمع تدريب لحزب الله هذا الأسبوع. وأضاف أن عناصر الحزب يتلقون تدريبات على الرماية واستخدام أسلحة مختلفة بهدف تنفيذ "عمليات إرهابية" ضد القوات والمواطنين الإسرائيليين.
وأشار البيان أيضا إلى أن الجيش استهدف بنى تحتية عسكرية إضافية تابعة للتنظيم في مناطق أخرى جنوب لبنان.
واعتبر الجيش الإسرائيلي أن إجراء التدريبات العسكرية وبناء بنى تحتية لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل يشكل "انتهاكا للتفاهمات" و"تهديدا" لدولة إسرائيل، مؤكدا استمراره في العمل على "إزالة أي تهديد".