تصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في غلاف غزة، والتي أشعلت حرباً طاحنة متمادية حتى اللحظة في القطاع وفجّرت زلزالاً من التداعيات الاستراتيجية في كل المنطقة، ولكن أخطرها وأشدّها تأثيراً إلى حدود تمدد الحرب إياها حطّ رحاله في لبنان. 
ويستمر العدو الإسرائيليّ بشنّ غاراتٍ عنيفة على الضاحيّة الجنوبيّة للعاصمة بيروت ومدن الجنوب والبقاع وبلداتهما، فضلًا عن محاولاته المستمرة للتوّغل بريًّا في بعض المناطق الحدوديّة.



وكتبت" النهار": سوف يتاح لكل البلدان العربية وسواها أن تعاين وتقف عند الذكرى الأولى لـ7 تشرين الأول2023 من زاوية البلدان "المعنية عن بعد" ، إلا لبنان الذي يغرق في يوم الذكرى وما يليها في حرب مستنسخة عن حرب غزة إذ تحوّلت وجهة التدمير الإسرائيلي إلى جبهة الشمال منذ أسبوعين وها هي مناطق واسعة من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية تتسابق مع غزة تحت وطأة التدمير والقتل وحمامات الدماء وكأن طوفان الدم انتقل الى لبنان.   

وقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً هستيرياً مخيفاً في القصف الإسرائيلي التدميري الذي يستهدف منطقة الضاحية الجنوبية خصوصاً، فيما تواكب هذا القصف خطة تفريغية واضحة لمناطق جنوب الليطاني حيث دأب الجيش الإسرائيلي على توجيه الإنذارات إلى أهالي وسكان البلدات والقرى الحدودية لمغادرة منازلهم والاتجاه نحو شمال الليطاني وعدم العودة الى منازلهم. وباتت تداعيات هذه الخطة، تنذر بتراكم أعداد هائلة من النازحين اللبنانيين قد تتجاوز أرقامها المليون الذي تحدث عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل فترة. وأعربت أوساط معنية عن مخاوفها من أن تؤدي إطالة أمد الحرب إلى انهيار قدرات لبنان على احتواء الحدّ الأدنى الممكن من كارثة النزوح اللبناني فيما هو يعاني أفدح تداعيات النزوح السوري. يضاف إلى ذلك أن اخطار الإضطرابات الأمنية والاجتماعية ستتفاقم تباعاً ككرة الثلج في ظل ما سيرتبه ملف النزوح لأكثر من مليون هجروا منازلهم في العديد من المناطق المستهدفة. ولم يعد مجدياً التستر عن أحداث واحتكاكات عديدة حصلت وتحصل في مناطق عدة بعضها يأخذ طابعاً حزبياً وطائفياً.     

وكتبت" اللواء": مضت سنة كاملة على عملية طوفان الأقصى، وغداً تنقضي سنة كاملة على دخول حزب لله في جبهة إسناد غزة «وشعبها المظلوم» والمقاومة هناك..
متغيرات وتطورات ضخمة حدثت، خلال 365 يوماً، لم يكن احد من المعنيين على بصيرة باستمرار المواجهات سنة كاملة، مفتوحة على فترة زمنية تطول أو تقصر وفقا لمعطيات غير واضحة وغير ممكن التنبؤ بها.
ورأت أن هناك حراكا ديبلوماسيا فرنسيا من أجل وقف إطلاق النار وهذا يأتي في سياق أولوية فرنسية تعمل عليها بشكل مكثف.
على أن الاخطر أن كلمة جاءت على لسان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كادت تتسبب بأزمة مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتياهو، عندما قال له: «متضامنون مع اسرائيل لكن وقت وقف اطلاق النار حان»، فردّ نتنياهو رافضاً وضع قيوده على قراراته وعدوانيته، عندما طالب ماكرون في تصريح سابق بوقف تزويد اسرائيل بالاسلحة لتوقف الحرب.
لم يكتفِ نتنياهو برفض وقف النار في غزة، امتداداً الى لبنان، على الرغم من الليونة التي أبدتها حركة «حماس» فجاء الى الحدود اللبنانية، متفقداً وحدات جيشه المكلف باحتلال جنوب لبنان، في محاولة لإعطاء معنويات لجنوده الذين يواجهون ظروفاً بالغة لجهة الاحباط وانهيار الروح المعنوية، بعد الخسائر التي منيت بها وحدة إيغوز، ووحدات أخرى، من لواء غولاني، لجهة المحاولات الرامية لاحداث خرق بري عند الحدود.


وكتبت" الاخبار": يواصل العدو الإسرائيلي عمليات القصف التدميري لعدد كبير من الأحياء في القرى الحدودية، فيما واصل لليوم السادس على التوالي، منذ بدء «المناورة البرّية» الإسرائيلية في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، تحقيق اختراقات جدية، لكنّه لم ينجح بعد بالتموضع في أي بلدة حدودية، بل إن الاشتباكات بينه وبين المقاومين، تقع عند كل محاولة في الأمتار الأولى داخل الأراضي اللبنانية، إضافة إلى استهداف المقاومة بشكل مستمرّ، لنقاط ومواقع تحشّد وتجمّع هذه القوات، قبل دخولها إلى لبنان، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.وليل امس، اطقلت صلية صاروخية من العيار الثقيل سقطت جميعها في قلب مدينة حيفا، واعلنت وسائل العلام العدو ان الدفاعات فشلت في صد اي من الصواريخ التي اصابت مباني ومراكز تجارية وطرقات، وتسببت بوقوع اصابات كثيرة الى جانب الاضرار التي ظهرت في فيديوهات وزعها المستوطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما توجه كل سكان المدينة الى الملاجئ فورا.
ورغم اعتماد العدو على قوات مشاة من النخبة الخاصة، وليس على الألوية التقليدية، إلا أنه حاول في عدة مواضع إدخال دبابات وآليات ثقيلة إلى داخل الأراضي اللبنانية، لكنّ المقاومين تصدّوا لها. وتمّ استهداف ما يزيد عن 5 دبابات منذ بداية العملية. ويبدو واضحاً أن العدو مهتمّ جداً بالتقاط الصور، حيث يزجّ بقواته إلى أطراف القرى الحدودية، ويتعرّض لإطلاق النار والكمائن والقصف، ويُصاب ويُقتل جنوده، لكنه يعود لإرسال مزيد من القوات، بهدف التقاط صور في بعض البيوت القريبة التي تبعد عشرات الأمتار عن الحدود، قبل أن يعاود سحب قوّاته تحت نيران المقاومين. وهو ما فعله أمس، في بلدة يارون الحدودية، إذ التقط صوراً لقواته ومقاطع فيديو على أطراف البلدة، ثم انسحب منها بفعل نيران المقاومة، وأرسل طائراته الحربية للإغارة عليها. ومساء أمس، وقعت اشتباكات بين المقاومين وقوات العدو، عند أطراف بلدتي يارون ومارون الرأس، حينما حاولت قوات العدو التقدّم مجدّداً. كما اندلعت اشتباكات أخرى في منطقة خربة شعيب شرق بلدة بليدا، حيث صدّت المقاومة محاولة توغّل جديدة لقوات العدو، بعدما كانت قد فشلت في ذلك فجر أمس.
وقد احتجّت القوات الدولية العاملة في الجنوب على اقتراب القصف الإسرائيلي من موقع لها في تلك المنطقة، علماً أن مواقع الجيش اللبناني القريبة من تلك المنطقة أخليت في وقت سابق. لكنّ القوات الدولية حصلت على تعهد بعدم التعرض لقواتها من قوات الاحتلال، ما سمح لها بعدم إخلاء الموقع. وفي وقت لاحق من مساء أمس، استنفرت قوات الاحتلال ووسائل الإعلام على خلفية الاشتباه بعملية تسلل إلى مستوطنة دوفيف قبالة رميش. وسارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الحديث عن تسلّل مقاومين، قبل أن تقول إن الجيش أحبط عملية تسلل وقتل ستة مقاتلين، لكنها عادت بعد نصف ساعة لتعتذر من الجمهور، بعدما تبيّن أن قوات الاحتلال «أطلقت النار بصورة كثيفة» باتجاه مجموعة من الخنازير البرية التي تعبر عادة تلك المناطق الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة. وقد تسبّبت حركة الجيش بحالة ذعر عند عدد من سكان مستوطنات أخرى، وقال مراسل إسرائيلي إن الذعر سببه أن المستوطنين في أماكن بعيدة عن المكان، ظنوا أنهم أمام هجوم من قبل حزب الله، خصوصاً أن الحادثة وقعت عشية عملية طوفان الأقصى حين تمكّن مقاومون من حركة حماس من اقتحام مستوطنات غلاف غزة.
 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

قصة مليون قتيل بـ100 يوم.. رواندا التي عامت على بحور من الدم

على مدار أيام في العاصمة الرواندية كيغالي، وعلى الشوارع ذاتها التي تدفق فيها الدم والفارون من اللهب، وتعثرت عليها أقدام الحسرى قبل أن تسحقهم آلة القتل، تتبعت قصص الآلام والأحزان.

فتشت في عناقيد الذكريات عن دفاتر الموت الحمراء في هذه الأرض، التي باتت بين السواطير والحراب، أعيد المأساة سيرتها الأولى، وأسرد رواية موت مضى عليها عقود.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"الإسفين الإستراتيجي".. هل يمزق ترامب التحالف بين روسيا والصين؟list 2 of 2"سر العنكبوت".. كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟end of list

ففي فصول القصة ما يشبه قصصا قريبة منا، عشنا وقائعها وتعرفنا على شخوصها وأبطالها، وشممنا رائحة الدم تفوح من سطورها، وملأت مشاهد الفقد أوراقها وأروقتها، لكن النهايات تباينت.

التقيت ناجين من المذبحة وكثيرا من ذوي الضحايا والجلادين أيضا، استنطقت الأماكن والوثائق والشهود، وزرت النصب التذكاري للإبادة، الذي لا تزال بعض قبوره مفتوحة تنتظر استقبال رفات المزيد.

وها أنا ذا أنقل لكم الرواية عن قرب كاملة، فربما هي أرحام الدم ووشائج المآسي التي تتلوّن بها شاشات حياتنا اليوم عبر شعوب ذاقت قهوة الموت القانية على حينِ تغافل من العالم.

الإبادة في 10 نقاط خلال 100 يوم قُتل نحو مليون من الروانديين وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. لعب الإعلام الحكومي دورا رئيسيا في التحريض على الإبادة. قتل خلال هذه المجازر نحو 75% من التوتسي. تمكن التوتسي من إعادة ترتيب صفوفهم وراء الجبهة الوطنية، التي قادها الرئيس الحالي بول كاغامي، وتمكنوا من السيطرة على البلاد. بعد الحرب، غرقت البلاد في الفوضى تحت إدارة الرئيس باستور بيزيمونغو التي استمرت 5 سنوات، وعاشت أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. بعد خلاف بينهما، تنازل بيزيمونغو عن منصبه عام 2000 لنائبه كاغامي الذي حدد هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني النهوض بالبلاد وانتزاعها من الفقر والفساد. تمكن كاغامي من تحقيق المصالحة المجتمعية، وأنجزت إدارته دستورا جديدا للبلاد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي. نُظمت محاكمات دولية ومحلية للمتورطين في الإبادة الجماعية، برز خلالها دور رئيسي لمحاكم الجاكاكا. كشف عن دور فرنسا في دعم الحكومة في المذابح ضد التوتسي. برز الدور الإيجابي للأقلية المسلمة في رواندا خلال الإبادة، وأشادت الحكومة بهم. رئيس رواندا باستور بيزيمونغو (يسار) ونائبه بول كاغامي يتبادلان الحديث عام 1994 (الفرنسية) الدور الاستعماري

لم تبدأ الإبادة في رواندا عام 1994، بل كانت قبل ذلك بكثير، كان ذلك حين رسمت دول الاستعمار التي توالت على البلاد إرهاصات المشهد، وسيناريوهات المذبحة، ومنحت القاتل سلاحا ليرتكب جريمته.

إعلان

وكما يقول المؤرخ والكاتب توم نداهيرو -الذي فقد 12 فردا من عائلته- "كنا شعبا واحدا بلا أي تقسيمات عرقية أو دينية"، حتى نهايات القرن التاسع عشر تقريبا، حين عقد مؤتمر برلين عام 1884 وبدأت الدول الاستعمارية تقتسم أراضي القارة السمراء، وكانت رواندا في البداية تحت الاستعمار الألماني.

لا يكاد يشك أحد من الروانديين في الدور الذي لعبه الاستعمار بالتحضير للإبادة، حتى الرئيس بول كاغامي الذي تحدث عن دور الفترة الاستعمارية في إذكاء الصراعات في القارة السمراء.

وقال خلال برنامج المقابلة الذي بثته الجزيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن الحرب الأهلية الرواندية كانت نتيجة حتمية للسياسات التي اتبعتها القوى الاستعمارية.

المؤرخ توم نداهيرو فقد 12 فردا من عائلته في المجزرة (الجزيرة) العبث بالديموغرافيا

كانت البداية، حين عبث الألمان في التركيبة السكانية، ودعموا جماعات من السكان في مواجهة جماعات أخرى، وقاموا من خلال ما أسموه دراسات جينية وعرقية أن يفرقوا بين الناس.

وخلال الحرب العالمية الأولى، روجت القوات البلجيكية التي تمكنت من السيطرة على رواندا وبوروندي، لتفوق جماعة التوتسي على الهوتو، وقننت الفرز بين السكان على أساس ما يملكه الفرد من الماشية.

كما قدمت سلطات الاستعمار الجديد بطاقات هوية تفرق بين التوتسي والهوتو، مما تسبب بحدوث فجوات اجتماعية بين السكان، وكان لهذه البطاقات الأثر الأكبر في التمييز بين السكان والتعرف على أصولهم خلال الإبادة.

ويروي المؤرخ نداهيرو أن السلطات الاستعمارية كانت تستخدم أدوات ومساطر لقياس طول عظام الوجه وقطر الرأس وشكل الأنف وطول القامة لتحديد أعراق الناس وتقسيمهم بناء على ذلك، وهناك مئات الوثائق والصور التي تثبت هذه الممارسات العنصرية.

واعتمد المستعمر البلجيكي على الأقلية الإقطاعية المالكة للأرض من التوتسي مقابل استعباد أغلبية الهوتو.

إعلان السيطرة على الكنيسة

قامت ثورة "الهوتو الكبرى" في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ضد الاستعمار والأقلية المستبدة، مما دفع البلجيك إلى التضحية بحلفائهم التوتسي لصالح الوافد الجديد، وهرب نتيجتها نحو 100 ألف توتسي خارج البلاد آنذاك.

ومنح المستعمر البلجيكي الهوتو السيطرة على الكنيسة، فأصدروا أول صحيفة باسم "كينا ماتيكا" تحت إشراف الكنيسة الكاثوليكية، واستخدمت للتحريض على التوتسي والتشكيك في مواطنتهم وفي انتمائهم إلى رواندا.

وعمّقت الصحيفة الهوة بين مكونات رواندا الاجتماعية، فصورت الهوتو على أنهم أصحاب البلاد بينما صورت التوتسي على أنهم "أجانب وافدون" وإقطاعيون جاؤوا غزاة من خارج البلاد.

تصاعدت التوترات بين التوتسي والهوتو، واستعرض المؤرخ نداهيرو عددا من الأحداث والصراعات التي خاضتها الجماعتان منذ عام 1961 حين ألغى الاستعمار البلجيكي النظام الملكي في البلاد، وبعدها بعام أعلن استقلال البلاد، وأدت تلك النزاعات إلى مقتل وتشريد عشرات الآلاف من الروانديين.

وبين عامي (1963-1967) عاد الآلاف من جماعة التوتسي إلى رواندا، بيد أنهم تعرضوا لمجازر كبيرة راح ضحيتها نحو 20 ألف شخص، فضلا عن تهجير نحو 300 ألف من ديارهم.

سيطر الهوتو على السلطة وزاد التحريض على التوتسي، خصوصا مع صعود الرئيس جوفينال هابياريمانا إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1973.

ونجحت مليشيات الهوتو في توجيه عصابات القتل الشبابية المعروفة بـ"إنترا هاموي" -وهو اسم يعني باللغة المحلية "أولئك الذين يهاجمون معا"- لاستهداف التوتسي، وصورت التوتسي على أنهم يملكون ثروات البلاد وأنهم "الأعداء والأشرار الذين يجب قتلهم".

نزوح المزارعين التوتسي من رواندا عام 1963 (شترستوك) دور الإعلام في التحريض

يشير تقرير نشرته الجزيرة نت إلى الدور الذي لعبته الصحف وإذاعة "الألف تل" في الإبادة، وكيف استغلت للتحريض على أقلية التوتسي في ظل حكم الهوتو.

يقول التقرير إن الإذاعة الرواندية الحكومية -المعروفة بـ"آر تي إل إم" (RTLM)- كانت تبث أغاني الفخر التي تمجد الهوتو وتصف التوتسي بالأعداء، ووقف السياسيون المقربون من الرئيس خلفها يقدمون أنفسهم حماة لمصالح الأغلبية ويدعمون ذلك بسخاء.

كما انخرطت صحيفة "كينا ماتيكا" وأكثر من 20 صحيفة محلية نشأت لاحقا في بث الكراهية والتحريض على القتل، ونشر قوائم بالأسماء والعناوين للشخصيات المستهدفة، ووصفهم بأنهم متواطئون مع الجبهة الوطنية المعارضة.

إعلان

بثت الإذاعات والصحف الوصايا العشر للهوتو، لتكون دليلا للتعامل مع التوتسي، وجاء فيها لا تتزوج ولا تعاشر ولا تتاجر مع التوتسي ولا تثق بهم.

وأكدت بعثات المنظمات الدولية والإقليمية إلى رواندا في عام 1993 في تقاريرها أن البلاد تشهد انتهاكات جسمية ومنظمة ضد المدنيين، وأن فرق الموت تتحرك في العلن، في حين يتم التحريض على القتل عبر أمواج الإذاعة.

تشكيل الجبهة الوطنية

فور إعلان يوري موسيفيني رئيسا لأوغندا في عام 1986 تم تعيين كاغامي رئيسا للاستخبارات العسكرية الأوغندية.

وبعد نجاحه في أوغندا، وجه كاغامي نظره واهتمامه نحو وطنه رواندا، فأسس مع زميله فريد رويجياما وعدد من قادة التوتسي الروانديين المنفيين الجبهة الوطنية الرواندية.

عين رويجياما زعيما للجبهة، وخططت لخوض حرب ضد النظام في رواندا، وكان الهدف الإطاحة بجوفينال هابياريمانا والعودة إلى الوطن.

في بداية أكتوبر/تشرين الأول 1990 بدأت الجبهة في مهاجمة المدن الحدودية الرواندية، وتمكن عناصر الجبهة من دخول رواندا عام 1991 في هجوم قتل فيه زعيمهم رويجياما.

وبعد صراع كاد يُودي بوحدة الجبهة، عين موسيفيني بول كاغامي زعيما جديدا لها، فأعاد تنظيم الجبهة ثم عاود الهجوم مرة أخرى، ووصل قرب العاصمة كيغالي.

وبعد هجمات متتالية، إضافة إلى جهود الأمم المتحدة ووساطة زعيم الهوتو باستور بيزيمونغو وضغوط الحكومة الفرنسية، وافق نظام هابياريمانا إلى الجلوس مع الجبهة في مفاوضات سميت "مفاوضات أروشا".

استمرت المفاوضات بين عامي 1991 و1993 وقاد كاغامي وفد الجبهة، في غضون ذلك كانت العاصمة كيغالي تشهد اغتيالات استهدفت سياسيين وناشطين اشتهروا بمواقفهم المؤيدة للمصالحة الوطنية والتعايش بين الهوتو والتوتسي.

حققت المفاوضات تقدما باتجاه تسوية سياسية تضمن عودة التوتسي إلى رواندا وتمتعهم بحقوقهم المدنية ووقّعت الحكومة مع الجبهة الوطنية اتفاق "أروشا" للسلام عام 1993، وأشرفت عليه منظمة الوحدة الأفريقية ورئيسا الولايات المتحدة وفرنسا.

إعلان

نصت بنود الاتفاقية على منح الجبهة الوطنية الرواندية حق المشاركة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وغيرها من الامتيازات، مقابل تخلي الجبهة عن سلاحها وقبولها دمج مقاتليها في الجيش الوطني، لكن بنود هذه الاتفاقية لم تطبق بشكل فعلي.

بول كاغامي زعيم الجبهة الوطنية الرواندية التي يقودها التوتسي يصافح ضابطا كنديا من الأمم المتحدة 1994 (الفرنسية) شرارة الإبادة

ورغم عدم التوصل إلى سلام مستقر وشامل، تم إرسال بعثة لحفظ السلام من الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا، وفي المقابل، بلغت موجة التحريض على التوتسي بحلول مارس/آذار 1994 أوجَها.

وأسهمت في حالة الاحتقان تلك مواقف القوى الدولية المتصارعة على السيطرة على المنطقة، ومنها فرنسا وبلجيكا الداعمتان لنظام الهوتو في كيغالي، والولايات المتحدة الأميركية الداعمة لنظام موسيفيني وحلفائه من التوتسي.

كما أنّ المكاسب الميدانية التي بدأت الجبهة الوطنية تُحققها من أواخر 1993 كانت مقلقة للهوتو.

وفي السادس من أبريل/نيسان عام 1994، كان العالم على موعد مع انطلاق شرارة الإبادة، كانت الأجواء تنبض بالحياة على أمل أن ينجح الاجتماع الإقليمي في مدينة أروشا بتنزانيا المجاورة في وضع حل للنزاع في رواندا.

لكن الرياح سارت بما لا تشتهيه السفن، حيث فجر صاروخان مجهولان الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا، العائدين من الاجتماع، مما أسفر عن مقتلهما على الفور.

وقبل انطلاق أي تحقيق لمعرفة المتورط بإسقاط تلك الطائرة، وجهت وسائل الإعلام المحلية التي يسيطر عليها الهوتو أصابع الاتهام للتوتسي، واتهمتهم بالضلوع في اغتيال الرئيس، وحثت الهوتو على "التدخل والقيام بواجبهم".

وكأن الأمر أعد له مسبقا، فعلى الفور اغتالت قوات الأمن رئيسة الوزراء، وهي من "الهوتو المعتدلين"، و10 من قوات حفظ السلام البلجيكية المكلفة بحمايتها في منزلها يوم 7 أبريل/نيسان 1994.

جوفينال هابياريمانا رئيس رواندا الذي اتهمت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الهوتو التوتسي باغتياله  (غيتي) سيول الدم

أطلق الهوتو هجماتهم الأولى ضد التوتسي في منطقة كيغالي بتاريخ 6 أبريل/نيسان 1994، وخلال ساعات قليلة انتشرت الهجمات إلى عموم البلاد.

إعلان

تقول بعض التقارير إن الإبادة الجماعية كانت انطلقت بالفعل، ولكن اشتد جحيمها ابتداء من هذا التاريخ، فشن الجيش ومليشيات الهوتو حملات وقتل واغتصاب ضد التوتسي والمعتدلين من الهوتو.

وتعاونت القوات الحكومية مع مليشيا إنتراهاموي وأقامت حواجز على الطرق في كيغالي، وبدأت في مهاجمة التوتسي و"الهوتو المعتدلين"، وسرعان ما انتشر القتل إلى مدن أخرى.

كان الجنود يفتحون النار على الحشود، في وقت كان فيه مسلحون بالعصي والأسلحة البيضاء يتنقلون بين المنازل مستهدفين التوتسي ومن يحاول حمايتهم أو تقديم الملاذ لهم، واغتصبوا النساء ونهبوا الممتلكات، كما ارتكبوا أعمال قتل جماعية في الملاعب والمدارس.

وفي بعض الحالات، ضلل التوتسي المطارِدين للجوء إلى الكنائس باعتبارها مواقع آمنة، مما جعلهم صيدا سهلا لمليشيات القتل والإبادة، وذكر بعض شهود عيان للجزيرة نت أن نحو5 آلاف من التوتسي قتلوا في كنيسة واحدة.

عدد ضحايا مذابح الإبادة اقترب من مليون قتيل في غضون 100 يوم  (أسوشيتد برس)

بعد ذلك، بأيام أجلت الأمم المتحدة المواطنين الغربيين من البلاد، كما خفضت عدد قوات حفظ الأمن الدولية التابعة لها من 2500 جندي، إلى 250 جنديا فقط.

وبلغ عدد الضحايا بحلول 12 مايو/أيار نحو 200 ألف شخص، ولكن رغم ذلك امتنعت الأمم المتحدة عن استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، واستعاضت عن ذلك بالقول "انتهاكات للقانون الدولي من شأنها القضاء على جماعة عرقية بشكل جزئي أو كامل".

وفي منتصف مايو/أيار أصدر مجلس الأمن قرارا يقضي بحظر إرسال الأسلحة إلى رواندا، وفي نهاية الشهر نفسه أعلنت الأمم المتحدة أن أعداد الضحايا تُراوح بين (250-500) ألف مدني.

وفي غضون 100 يوم، اقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا.

واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى الكونغو الديمقراطية المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة.

عشرات الآلاف من الروانديين يتجمعون بخيم مؤقتة هربا من المجازر عام 1994 (الفرنسية) السيطرة على كيغالي

سرَّعت المجازر -بحسب بعض المراقبين- بهجوم الجبهة الوطنية على كيغالي في يونيو/حزيران 1994، إلى أن تمكنت بدعم من أوغندا ودول أفريقية أخرى، من هزيمة الجيش الرواندي والسيطرة على الحكومة، بعد أن قتلت -بحسب مراقبين- 30 ألفا من الهوتو.

إعلان

وأعلن عن انتهاء أعمال القتل في 4 يوليو/تموز 1994، ولاحقا أعلن الجيش إحكام سيطرته على كامل البلاد، وخوفا من الانتقام فرّ ما يقدر بنحو مليونين من الهوتو بعضهم شارك في الإبادة الجماعية إلى الكونغو الديمقراطية، في حين نهب مسؤولون خزائن الدولة وفروا إلى فرنسا.

بعد 4 أشهر، شُكلت حكومة وحدة وطنية جديدة لقيادة البلاد برئاسة زعيم الهوتو باستور بيزيمونغو، وتم تعيين فوستين تواجيرامونغو رئيسا للوزراء وبول كاغامي -البالغ من العمر آنذاك 37 عاما- نائبا للرئيس ورئيسا للأمن الداخلي.

رئيس وزراء رواندا السابق فوستين تواجيرامونغو ينتظر لإلقاء كلمة أمام تجمع حاشد  (الفرنسية – أرشيف)

عاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونغو وحكومته، اختلف الرئيس ونائبه في وقت لاحق، فتنازل عن منصبه لنائبه كاغامي.

بعد ذلك، سُجن بيزيمونغو بتهمة التحريض على العنف العرقي، بينما انتخب كاغامي رئيسًا للبلاد في 17 أبريل/نيسان 2000، وكانت المهمة الأولى التي تنتظره سن دستور جديد قادر على مسايرة المرحلة الجديدة وتجاوز شبح المجازر.

وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي.

وواصل كاغامي سياسة إعادة الإعمار بعد الإبادة الجماعية، وشرع في خطة من عدة محاور في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية وإنجاز دستور جديد حظر الإشارات العرقية واستخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام أي خطاب عرقي.

ووضع أمامه هدفين رئيسيين هما: اقتلاع الفقر من بلاده، وتوحيد شعبه الذي قسمته المذبحة.

كما وضع خطة من 4 بنود لتجاوز آثار الإبادة:

محو الذكريات البشعة المرتبطة بالمذبحة، حيث أعلن حدادا سنويا، يلقي خلاله خطابا تذكاريا يضع فيه هدفا سنويا لتوحيد الروانديين حوله. تثقيف الشباب عن طريق التعليم وتدريس أسباب الإبادة وكيفية محوها وتلافي تكرارها. تحقيق العدالة لأولئك الذين تضرروا جراء تلك المذبحة، وتقديم كبار المجرمين للمحاكم الدولية، وإعادة تأهيل المشاركين في المذبحة ودمجهم في المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة. وضع علم ونشيد وطني جديدين لتوحيد الروانديين، ودستور جديد يحظر استخدام المسميات العرقية مثل الهوتو والتوتسي في أي خطاب. إعلان ما بعد المجازر

مع استتباب الحكم للرئيس بول كاغامي، أولت الحكومة أهمية قصوى لملف العدالة الانتقالية ومحاكمة المتورطين في المذابح، وإحلال المصالحة بين فئات المجتمع، وشكل هذا الملف هاجسا للبلاد، بسبب فظاعة الأعمال الإجرامية التي ارتكبت بحق الأبرياء.

تحركت الحكومة على عدة محاور، وتواصلت مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي بادرت بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمعروفة رسميا باسم "المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات للقانون الدولي" ومقرها في أروشا بتنزانيا.

انحصر اختصاص هذه المحكمة في ملاحقة كبار القادة المسؤولين عن الإبادة، وكان في مقدمتهم رئيس الوزراء الرواندي السابق جان كابيندا حيث أقر بأنه مذنب في 6 تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2004.

كما لاحقت المحكمة 4 من كبار القادة المتورطين في المجازر وهم العقيد باغوسورا الذي يعتبر المهندس الرئيسي للإبادة الجماعية، ووزيرة العدل ومحافظ كيغالي ورئيس البرلمان السابق الفريد موليرا.

وحتى عام 2011 أكملت المحكمة محاكمة 80 مسؤولا من مجموع 92 متهما من كبار مسؤولي الحكومة الضالعين في الإبادة.

متهمون بالإبادة في رواندا يظهرون في قاعة المحكمة من اليسار إلى اليمين: باغوسورا وأناتول نسينغيومفا وجراتين كابيليجي والقائد ألويس نتاباكوز (غيتي) محاكم الجاكاكا

وعلى المستوى المحلي، تشكلت محاكم وطنية تخصصت في محاكمة من ثبتت إدانتهم بالتورط في المجازر في المستويات الدنيا، وحكمت على عدد منهم بالإعدام، لكن هذه المحاكم اتُّهمت في بعض الحالات بالقصور في بعض الإجراءات التي تميل إلى التحيز العرقي.

كما أنشئت المحاكم القبلية التقليدية التي سميت "محاكم الجاكاكا" وتعني العشب، وتشير إلى جلوس الجميع على الأرض لمعالجة المشكلات على أسس تقليدية كانت تستخدمها المجتمعات لحل النزاعات بين العائلات.

إعلان

وعملت الآلاف من هذه المحاكم في الهواء الطلق، وتقمص القادة القبليون دور القضاة فيها، ونظروا في مئات آلاف القضايا، واستطاعت هذه المحاكم أن تُنهي 1.5 مليون قضية بين عامي 2001 و2010.

الاعتراف والصفح

كما لجأت الحكومة إلى إستراتيجية الاعتراف والصفح من أجل بث روح المسامحة عبر عدد من المشاريع التقليدية، منها مشروع أومو غومو وتعني شجرة الجميز، ويقوم الجناة السجناء ببناء منازل للمحتاجين من الناجين من المجازر، من أجل تحقيق المصالحة بمستوى أعمق.

وأطلق مشروع "قرى مصالحة" التي جمعت الجناة والناجين في مكان واحد من أجل إقامة علاقات جديدة، وأعطت هذه الإستراتيجيات حوافز لمزيد من السعي نحو المصالحة بين أفراد المجتمع.

بادرت الحكومة الرواندية مستفيدة من اتفاقية أروشا للمصالحة بإنشاء اللجنة الوطنية للمصالحة "سي إن يو آر" (CNUR) عام 1999، ووضعت لها عددا من الأهداف وفقا للمادة 178 من الدستور:

صياغة برنامج وطني للوحدة والمصالحة. تكريس وتعزيز المصالحة الوطنية والوحدة. تقديم مقترحات حول أفضل الطرق لإزالة وإنهاء الانقسامات. تعزيز الوحدة الوطنية وتنظيم مؤتمرات وطنية تقديم مبادرات جديدة تدعم المبادرات الموجهة لمكافحة الفقر، ودعم المبادرات التي تخدم المصالحة.

تمت صياغة مشروع قانون يدعو إلى إنشاء صندوق تعويضات، وفي بعض الحالات تم تفويض الحكومة الرواندية بدفع التعويضات للضحايا، ولكن لم تجد طريقها للتنفيذ، بل اكتفت الحكومة بإنشاء صندوق لتوفير الرعاية الصحية والتعليم للناجين دون الخوض في التعويض المالي.

جان كلود موتاريندوا (من الهوتو) ودافروسا موكاروبايز (امرأة من التوتسي) يقفان قرب نبع ماء بين قريتيهما، ويعدان من أوائل من بادر بالمغفرة والمصالحة بعد إبادة رواندا عام 1994 (الفرنسية) دور فرنسا في الإبادة

"في حال عدم وجود إستراتيجية مباشرة في المنطقة التي قد تبدو صعبة التنفيذ سياسيا، فإن لدينا وسائل ومفاتيح إستراتيجية غير مباشرة يمكن أن تعيد توازنا معينا"، كان هذا نص برقية عاجلة من الجنرال الفرنسي كريستيان كيسنو إلى الرئيس فرانسوا ميتران في أوج حملة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها أقلية التوتسي في رواند في التسعينيات.

إعلان

ويقصد الجنرال بالوسائل والمفاتيح مجموعات مرتزقة وآليات وإجراءات عسكرية غير تقليدية مكّنت السلطات الحكومية والمليشيات العرقية من تنفيذ الإبادة.

وتجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى الاتهامات التي وجهها الرئيس كاغامي، عام 2006، ضد فرنسا بشأن دعمها عملية الإبادة الجماعية، كما أعلنت لجنة مكافحة الإبادة العرقية الوطنية الرواندية، عام 2016، لائحة بأسماء 22 ضابطا فرنسيا متورطا بالمشاركة أو دعم عمليات الإبادة.

وقدمت فرنسا أسلحة لحكومة الهوتو، كما قدمت البنوك الفرنسية تسهيلات واعتمادات لصفقات أسلحة أبرمتها رواندا مع الصين ومصر وجنوب أفريقيا، كما نشرت ما يصل إلى 680 جنديا ومستشارا في رواندا أثناء الحرب.

وفي كتاب بعنوان "ما لا يصرّح به"، يقول باتريك دو سانت أكزيبيري إن باريس أرسلت "في أوج الإبادة الجماعية 6 شحنات من الأسلحة بلغت قيمتها نحو 5.5 ملايين دولار".

ويروي جان بول غوتو في كتاب "الليلة الرواندية" أن المساعدات العسكرية الفرنسية أدت لزيادة القوات المسلحة الرواندية من نحو 5 آلاف عنصر إلى قرابة 50 ألفا تكفلت باريس بتدريبهم وتسليحهم.

ولم يخجل الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران من استقبال مجرمي الإبادة الجماعية في مكتبه، بل خاطب أحد مستشاريه قائلا "لقد استقبلت في مكتبي 400 مجرم وألفي تاجر مخدرات، لا يمكن إلا أن نلطخ أيدينا في العمل مع أفريقيا.. في بلدان كهذه، الإبادة الجماعية ليست مسألة مهمة جدا".

وجاء ذلك في حديث نقلته صحيفة "لوفيغارو" في عددها بشهر ديسمبر/كانون الأول 1998 عن برونو ديلاي مستشار الشؤون الأفريقية في قصر الإليزيه.

وجاء في تقرير نشره مكتب "كونينغهام ليفي موس" للمحاماة في أميركا في أبريل/نيسان عام 2021، أن باريس كانت على علم باستعداد الهوتو لتنفيذ حملة الإبادة الجماعية واستمرت في تقديم "الدعم الراسخ" لنظام الرئيس هابياريمانا.

إعلان

وفي مايو/أيار عام 2021 اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة تاريخية لرواندا، بدور بلاده في مقتل 800 ألف معظمهم من الروانديين التوتسي، وقال إن الناجين فقط هم من يمكنهم منح "هبة الغفران".

أين الولايات المتحدة؟

في تقرير لها في عام 2009 تساءلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن سبب عدم تدخل الولايات المتحدة لوقف الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا.

وقالت الصحيفة إن إدارة الرئيس بيل كلينتون والكونغرس شاهدا ما أفضت إليه الأحداث في رواندا في أبريل/نيسان عام 1994 بنوع من الرعب المخدر.

وأضافت أنه بعد أن سحبت أميركا قواتها من مهمة حفظ السلام الكارثية في الصومال، على إثر تعرضهم للقتل والمهانة، تعهدت بألا تتدخل أبدا في صراع لا تعرف كنهه، بين قبائل وعشائر لا تعرفها، في بلد ليس للولايات المتحدة مصالح وطنية فيه.

ومؤخرا، كشفت الخبيرة البريطانية المتخصصة في شؤون أفريقيا بيبا لوتون عن تورط أحد عملاء المخابرات المركزية الأميركية في الإبادة التي شهدتها رواندا عام 1994.

وفي حوار خاص لبرنامج "المنطقة الرمادية" الذي يبث على موقع الجزيرة نت، وصفت الخبيرة البريطانية الدور الذي لعبه روجر وينتر​ عميل المخابرات الأميركية (سي آي إيه) بالمحوري.

مسجد النور مباري في قرية روبونا الذي لجأ له الفارون من التوتسي بالمنطقة الشرقية في رواندا (الجزيرة) مسلمو رواندا والإبادة

من المفارقة، أن الإبادة كان لها تأثير إيجابي على أوضاع المسلمين في البلاد، نتيجة مواقفهم التي كانت محط احترام من الجميع، فقد بذلوا جهودا كبيرة لحماية أفراد أقلية التوتسي من الهجمات التي شنها متطرفو الهوتو.

وتركت مواقف المسلمين -الذين تصل نسبتهم وفق التقديرات إلى نحو 15% من عدد سكان رواندا البالغ 15 مليونا- أثرا طيبا في نفس الرئيس كاغامي بشكل خاص وفي نفوس السكان بشكل عام، ودفعهم ذلك إلى إعادة التقدير للمسلمين ورفع مكانتهم التي سعى الاستعمار إلى وضعها والحط منها.

إعلان

ونقل لي مفتي رواندا ورئيس مجلسها الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ موسى سندايغايا وغيره من الدعاة الذين التقتهم الجزيرة نت أن الرئيس طلب في أكثر من مناسبة من المسلمين أن "يجتهدوا في نشر قيمهم السمحة التي أدت إلى تلك المواقف المشرفة خلال فترة الإبادة".

السيدة كامبيري موناعيد من منطقة روبونا المنطقة الشرقية كان لها دور كبير في حماية التوتسي بمنطقتها (الجزيرة)

وأذكر هنا مثالا على هذه المواقف، ما حصل للمسيحيين التوتسي الذين لجؤوا إلى مسجد النور مباري في قرية روبونا في محافظة رواماغانا بالمنطقة الشرقية، الذي زرته خلال وجودي في رواندا والتقيت عددا من مسؤولي المنطقة وسكانها.

وذكر لي السكان أنهم قاموا بحماية الفارين من القتل، وأن بعضهم قُتل في سبيل الدفاع عن هؤلاء المستجيرين بالمسجد، وقد قابلت السيدة كامبيري موناعيد التي كان لها دور كبير بحمايتهم، ونقل لي السكان أن هذه السيدة قتلت بالحجارة اثنين من المهاجمين من متطرفي الهوتو.

مقالات مشابهة

  • أعنف عدوان جوي اسرائيلي على الضاحية الجنوبية منذ وقف إطلاق النار: تدمير ونزوح
  • عون يندد بالعدوان الإسرائيلي: رسالة للولايات المتحدة بدماء الأبرياء .. ولبنان لن يرضخ
  • تفاصيل ليلة خطيرة في الضاحية.. عدوان إسرائيليّ جديد يسبق العيد
  • إصابة شخص بغارة شنتها مسيّرة للعدو الإسرائيلي على سيارة جنوب لبنان
  • بالصورة.. هذه هويّة المواطن اللبنانيّ الذي اعتقله العدوّ الإسرائيليّ مقابل رأس الناقورة
  • فيديو من رأس الناقورة... العدوّ الإسرائيليّ اعتقل أحد الصيادين من داخل مركبه
  • عدوان: لا إصلاح في لبنان إلا إذا بدأ كل واحد منا بنفسه
  • ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى 54510 شهداء و124901 مصاب
  • سلطات العدو الإسرائيلي تهدم منزل فلسطيني في أم الفحم
  • قصة مليون قتيل بـ100 يوم.. رواندا التي عامت على بحور من الدم