كورنيش بيروت البحري يتحول إلى ملجأ مفتوح للنازحين
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
بيروت– "خرجنا عندما تعرضت حارة حريك للتهديد، معتقدين أن الضربة الإسرائيلية ستنتهي سريعا وسنعود، لكن الأمر لم ينته، وقد مرت 10 أيام ونحن نبيت بالكورنيش"، تقول روان بحزن عميق بعد نزوحها من منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت.
مع تصاعد القصف الإسرائيلي على بلدات الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، تضاعف عدد النازحين، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن أكثر من مليون شخص نزحوا إلى مناطق أكثر أمانا.
لجأت روان وزوجها وأطفالها الثلاثة، وأكبرهم لم يتجاوز الـ12، إلى الكورنيش البحري في بيروت، طلبا للنجاة. وتقيم الأسرة مؤقتا على أطراف الكورنيش، بين المارة وأصوات الأمواج.
"كان الهروب سريعا وفوضويا، لم يكن هناك وقت للتفكير أو التخطيط، مشهد الفرار كان جماعيا، الكل يبحث عن أمان وهمي في زوايا المدينة"، حسب رواية روان للجزيرة نت لتفاصيل النزوح القاسية.
وتحاول روان وأسرتها التأقلم مع واقع جديد وغير مألوف. ويوما بعد يوم، تواجه المزيد من الضغوط، في حين لا تفارقهم أسئلة من قبيل "متى نعود؟ وهل سنجد منزلا نعود إليه؟".
ومع ارتفاع أعداد النازحين ازدادت معاناتهم مع نقص حاد في مراكز الإيواء وارتفاع غير مسبوق في تكاليف الإيجار. ومع تضاؤل خيارات المأوى، لجأ الكثير من النازحين إلى أرصفة كورنيش العاصمة، وهناك تتجسد قصصهم اليومية.
من عين المريسة إلى المنارة، تتراكم معاناة الناس وسط آثار الحرب والدمار. مشهد يتكرر ويعكس واقع الكثير من العائلات التي وجدت نفسها مجبرة على التأقلم مع قسوة الحياة في الشوارع.
وهذا أبو محمد، رب أسرة فر بعائلته من منطقة النبطية في جنوب لبنان، يقول بحسرة "كنا نعتقد أن بيروت ستكون الملاذ الآمن، لكننا هنا أيضا بلا مأوى، ننام على مقاعد الكورنيش، وكل يوم نتساءل ماذا سنفعل وأين سننام الليلة؟".
رغم الجهود الرسمية والمتواصلة من المجتمع المدني والمبادرات المحلية لاستيعاب النازحين، تواجه مراكز الإيواء ضغطا هائلا.
يوضح أحد العاملين في مركز إيواء للجزيرة نت، أن القدرة الاستيعابية للمركز تجاوزت الحد الأقصى، مضيفا "هناك عائلات بأكملها تنام في ممرات المدارس، ولا نملك ما يكفي من الأغطية أو الطعام لتلبية احتياجاتهم".
قبل أشهر قليلة، كانت بيروت تحتفي كعادتها كل عام بالمهرجانات الصيفية السياحية والحفلات الموسيقية التي تجمع مئات الآلاف من اللبنانيين من مختلف المناطق، وتطلق المفرقعات النارية. اليوم، وعلى حين غرة، انقلب المشهد، وباتت القذائف المزلزلة ترعب الناس، ولم يعد مشهد عائلة نازحة تفترش الأرض في الكورنيش أو قرب مبنى سكني أو حتى داخل مرآب، أمرا مستغربا.
في ظل غياب الحلول الكافية، اضطر بعض النازحين إلى استخدام سياراتهم كمأوى مؤقت. يروي خليل، النازح من مدينة صور، للجزيرة نت تجربته قائلا "ننام في السيارة منذ أيام، لا خيار آخر، ولا أحد يساعدنا".
وبحسب خليل، تتكدس الأغراض داخل السيارة، حيث تحتل حقائب الملابس والمستلزمات الأساسية كل زاوية، بينما يتداخل الصوت الخارجي مع همسات الأطفال الذين يحاولون النوم في المقاعد الخلفية، ورغم أن هذه الحالة تبدو مؤقتة، فإن غياب المبادرات الحكومية والضغط المتزايد على منظمات الإغاثة قد يؤجل إيجاد حلول دائمة.
وتزيد الضغوط النفسية والصحية التي يعاني منها الأطفال في هذه الظروف من تعقيد الوضع. تقول أم علي، وهي أم لـ4 أطفال، بحزن "أطفالي يبكون طوال الليل بسبب الجوع. لا أستطيع فعل شيء لهم. هذا أسوأ كابوس يمكن أن تعيشه أي أم".
ووفقا لتقديرات رسمية، يصل عدد النازحين في لبنان في مراكز الإيواء إلى نحو 185 ألفا و400 نازح (38 ألفا و400 عائلة)، وتم فتح ألف مركز لاستقبال النازحين، وبلغ عدد المراكز التي وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى 807 مراكز.
ويتوزع النازحون في مراكز الإيواء حسب المحافظات كما يلي: 68 ألفا و500 في جبل لبنان، 51 ألفا و200 في بيروت، 14 و400 في الشمال، 14 ألفا و200 في البقاع، 13 ألفا و800 في الجنوب، 11 ألفا و700 في بعلبك الهرمل، 6700 في عكار، و1100 في النبطية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مراکز الإیواء
إقرأ أيضاً:
بسبب مماطلة الاحتلال.. أزمة الإيواء والسكن تتفاقم في قطاع غزة
غزة- على رصيف مدرسة، غربي مدينة غزة، كان علي الضبّة يُجهّز الأرض لبناء خيمة عليها تأوي 11 شخصا هم أفراد أسرته، بعد أن طلب منه صاحب "المخزَن" الذي كان يُقيم فيه إخلاءه.
وفقد الضبّة منزله في الأيام الأولى للحرب، قبل أكثر من عامين، نظرا لموقعه القريب من السياج الحدودي شرقي مدينة غزة. ومنذ ذلك الوقت نزح عشرات المرات من مكان لآخر، جنوب ووسط وشمال القطاع، واضطر في إحدى المرات للإقامة في مقبرة.
وتحمِل ذاكرته مشاهد قاسية من رحلات النزوح والتنقل، فداخل مركز إيواء جنوب مدينة غزة أعدم أحد قناصة الاحتلال الإسرائيلي طفلته ذات الـ12 عاما برصاصة أطلقها عليها، ولا يزال حتى الآن يجهل مكان جثمانها.
فوق الأرصفة
ويعتبر المواطن الضبّة نفسه سيئ الحظ، كونه لم يتمكن من الإقامة داخل مراكز الإيواء التي تُشرف عليها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأممية "أونروا"، أو المؤسسات الخيرية الأخرى، التي امتلأت عن بكرة أبيها، ولم يعد بها متسع لعائلات جديدة.
ولذلك لجأ، كغيره ممن ضاقت بهم مراكز الإيواء، للبحث عن رصيف فارغ محاذٍ لمؤسسة عامة لإقامة خيمته عليه. وهو لا يمتلك خيمة جاهزة لنصبها، ولذلك يعتزم تركيب ألواح خشبية وتغطيتها بغطاء بلاستيكي، سيضطر لشرائه من السوق بالرغم من أنه لا يملك ثمنه، كما يقول للجزيرة نت.
وببعض الحجارة وأكوام الرمل، يحاول إبعاد مياه الصرف الصحي المتدفقة بمحاذاة الرصيف، ويضيف: "أسرتي كبيرة، فلدي 9 أبناء، وأذهب لمراكز الإيواء وللمدارس، ولغيرها، لكن لا أجد متسعا داخلها، لذلك جئت هنا لنصب الخيمة، لأن السكان يرفضون أن نقيم خيامنا على أرصفة منازلهم".
وللإقامة خارج مراكز الإيواء سلبيات كثيرة، حسب الضبّة، أهمها عدم الحصول على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية، ويقول: "نحن منسيون، ولا أحد يبحث عنا هنا، علما أنني بلا مصدر دخل منذ فقدت متجري الخاص ببيع الأدوات المستعملة بسبب الحرب".
وبجوار أولئك النازحين المقيمين على الأرصفة وفي الشوارع، يجد آخرون مثلهم أنفسهم أفضل حظا، بعد أن عثروا على مبانٍ "رسمية" كالمدارس والوزارات والنقابات للسكن فيها بعد أن نجت من الدمار، لكنهم يعانون من الاكتظاظ الشديد وغياب الخدمات.
إعلانففي مقر نقابتي "الإداريين" و"الموظفين في القطاع العام"، غربي غزة، تقيم نحو 15 عائلة، تعد ما يقارب مائة شخص.
ويقول محمد عابد، أحد سكان المبنى: "جئنا هنا لعدم توفر بديل، نحن عائلات كثيرة من غزة، وجباليا وبيت حانون، وغيرها، كل أسرة أخذت غرفة، والصالات تم تقسيمها بالشوادر إلى غرف صغيرة". ويضيف إن وضع تلك العائلات المعيشي سيئ للغاية بسبب الازدحام الشديد، وعدم توفر الخدمات.
ونظرا لعدم اعتماده كمركز إيواء رسمي، فإن سكان المبنى النازحين، لا يحصلون على مساعدات من المؤسسات الخيرية -حسب عابد- ويضطرون لإحضار المياه من مناطق بعيدة.
ويأمل مئات الآلاف من النازحين البدء سريعا في إعادة إعمار قطاع غزة، لتعويضهم عن منازلهم التي فقدوها جراء سياسة التدمير الممنهجة التي اتبعها الاحتلال.
خيام مهترئة بلا عزل ولا صرف صحي.. العاصفة "بايرون" تضرب قطاع غزة وسط تحذيرات من كارثة إنسانية جديدة#الجزيرة_رقمي pic.twitter.com/swaf8iVJZN
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 11, 2025
أرقام موجعةويقدّر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة عدد مَن هدمت إسرائيل منازلهم بنحو مليون ونصف المليون إنسان (قرابة 288 ألف أسرة).
وذكر الثوابتة، في حديث خاص بالجزيرة نت، أن عدد الذين يعيشون داخل مخيمات إيواء رسمية، أو عشوائية، يُقدر بنحو مليون و371 ألف شخص، ويوضح أن قرابة 620 ألف شخص (120 ألف أسرة) يعيشون في منازل آيلة للسقوط، وهو ما يُعرّضهم لأخطار الموت والإصابة، خاصة في فصل الشتاء بفعل الأمطار والرياح.
ويقدّر أعداد اللذين يعيشون داخل مبانٍ حكومية ورسمية بنحو 48 ألف شخص (9 آلاف أسرة).
وحول أعداد الخيام التي دخلت قطاع غزة، منذ بداية الحرب قبل 26 شهرا، يوضح الثوابتة أنها بلغت نحو 135 ألف خيمة، لكنّه يستدرك قائلا إن 125 ألف خيمة منها (93% من إجمالي الخيام) قد اهترأت وخرجت عن الخدمة.
ويقدّر أن نحو 22 ألف خيمة تلفت بسبب الأمطار والرياح المصاحبة للمنخفضات الجوية خلال الفترة القصيرة الماضية.
وذكر الثوابتة أن الخيام التي دخلت خلال الشهرين الأخيرين، عقب سريان اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، وصلت لقرابة 20 ألف خيمة، مؤكدا أنها "غير كافية مطلقا، فقطاع غزة يحتاج لإدخال 300 ألف خيمة بشكل عاجل، وما دخل يُشكّل 7% فقط من الاحتياج الفعلي العاجل".
ويتابع: "الخيام عندما تهترئ وتخرج عن الخدمة، يحاول النازحون إصلاحها، لكنّها تبقى غير مناسبة مطلقا للشتاء، وبالتالي المطلوب الآن هو 280 ألف خيمة".
تعنُّت الاحتلالويؤكد المسؤول الحكومي الثوابتة أن الاحتلال يرفض إدخال البيوت المتنقلة الجاهزة، رغم أن ذلك مخالف للبروتوكول الإنساني الملحق باتفاق وقف إطلاق النار.
ويضيف أن هذه المساكن الجاهزة تحل جزءا كبيرا من مشكلة السكن والإيواء لعشرات الآلاف من العائلات التي تعاني من التشرد والنزوح، وهو ما يُصر الاحتلال على رفضه. كما أن المنازل المتنقلة ستوفر للنازحين بيئة "كريمة" للسكن، بديلا عن الخيام التي لا تصلح للسكن الآدمي.
إعلانويلفت إلى أن الاحتلال يرفض بشكل قاطع إدخال أي مواد بناء، يمكن أن يستخدمها المواطنون لترميم منازلهم المتضررة.
وفي حال إدخال مواد البناء، خاصة الأسمنت، يقول الثوابتة: ستتمكن عشرات الآلاف من العائلات من ترميم أجزاء من منازلها المتضررة جرّاء الحرب، وبالتالي السكن فيها، مبينا أن آلافا يسكنون الآن بمنازلهم المتضررة من القصف الإسرائيلي، وهو ما يُعرّضهم للأخطار.
كما أن إدخال مواد البناء سيساعد البلديات على ترميم أجزاء كبيرة من المرافق والبُنى التحتية، وبالتالي تحسين الخدمات المُقدمة للمواطنين.
ويُعدّد الثوابتة احتياجات القطاع العاجلة في مجال الإيواء كالتالي:
300 ألف خيمة بشكل عام، و280 ألف خيمة بشكل عاجل. 560 ألف شادر وغطاء بلاستيكي. مليون و120 ألف فرشة. مليونان و240 ألف بطانية 5 ملايين و600 ألف متر مربع من النايلون.