إنّ ما تَمُرُّ به أمّتنا اليوم من مُلِمَّاتٍ ومصاعب غير مسبوقةٍ يجعل واجبَ الوقتِ على العلماء والحكماء التصدّي لبيان الحكم الشرعيّ ومقاصده للأمّة، بناءً على المسؤوليّة التي يتحمّلونها في أعناقهم بمُقتَضى قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، وذلك بما يُفضي لتحقيق شهود الأمّة والانتقال بها من المراقبة والفعل التَّرَقُّبِيِّ إلى المبادرة والفعل الحضاريِّ.



وإنّ الناظر إلى الأزمة اليوم يدرك حجم الالتباس والاشتباه الذي حصل في كثيرٍ من المواقف التي لا تزال قائمة حتى اللحظة، ومن هنا وجب تقديم رؤيةٍ شرعيَّةٍ عميقةٍ تراعي مناهج العلماء المحقّقين بضبط قراءة المشهد بتفاعلاته، وانعكاساته، وعلاقاته المتشعّبة في ضوء التهديد الصهيونيِّ الذي يستهدف الوجود الحضاريِّ للأمَّةِ؛ عقيدةً، وهويَّةً، وقِيَمًا، بعيدًا عن القراءات المتسرّعة المشوبة بالعاطفة.

وهذه مداخل منهاجية في التعامل مع هذه النازلة الكبرى:

أولًا ـ يلزمنا في فاتحة البيان أن نؤكّد على أنّ القراءات الشرعيَّةِ المنضبطةِ إنّما تنطلق من الأصول الكلِّيَّةِ، والقواعد الجامعة التي يتضمنُّها الخطابُ الشرعيّ.

غياب الكلمة الجامعة معناه اضطراب الأحوال، واختلال النظام، واستحكام التنازع والتفرّق المفضي إلى الفشل وذهاب الرّيح، والانشغال بالخلاف الجزئيّ يُضيِّعُ الأبعاد الكُلِّية في الأمّة. وإنّ الجماعة قَسيمُ السُّنَّة في تحديد هويَّةِ أهل السُّنَّة والجماعة، وإنّ طلب الجماعة في المعارك المصيريّة خاصَّةً هو سمة أهل السُّنَّة.ثانيًا ـ إنّ نظر العلماء الصّادقين في تفكيك التّحديات والفتن التي تعصف بالأمّة اليوم والتّعرف على عناصرها لا بدّ أن يأخذ حقّه من التأصيل والتنزيل؛ لأنّ تأثيراتها لا تقف عند المتلبّسين بها، بل باتت تسع العالم الإسلاميّ كلّه، بل البشريّة بأسرها لو عُمم نموذجها الجارف، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]، إنّ هذا الخطر العامّ والشامل يستدعي أن يتصدّى المسلمون له في سياق الكلمة الواحدة الجامعة على مقتضى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، فغياب الكلمة الجامعة معناه اضطراب الأحوال، واختلال النظام، واستحكام التنازع والتفرّق المفضي إلى الفشل وذهاب الرّيح، والانشغال بالخلاف الجزئيّ يُضيِّعُ الأبعاد الكُلِّية في الأمّة. وإنّ الجماعة قَسيمُ السُّنَّة في تحديد هويَّةِ أهل السُّنَّة والجماعة، وإنّ طلب الجماعة في المعارك المصيريّة خاصَّةً هو سمة أهل السُّنَّة.

ثالثًا ـ إنَّنا اليوم أمام لحظةٍ تاريخيَّةٍ يَستَقوي فيها العدوّ الصهيونيّ ويبغي إعادة تشكيل الشّرق الأوسَطِ تُؤازِرُه في ذلك معظم القوى الغربيّة، الأمر الذي يفرض تحدّيات حضاريّة ووجوديّة جديدة على قاطني هذه المنطقة بكل مكوِّناتِهِم، كما يفرض عليهم تأجيل خلافاتِهِم البينيَّة قيامًا بمقتضيات الأولويّات في الدّفاع الشرعيّ والمدافعة الحضاريّة، وكلاهما يؤكّدان وجوب التَّفاكُر والتَّداعي لبحث الخطر الدّاهم الذي يصاحبه تواطُؤٌ من بعض الأنظمة، وسكوتٌ من أنظمةٍ أخرى، ولمثل هذه المُلِمَّات يضع النّاس ثقتهم في العلماء بوصفهم أصحابَ الولايةِ حين يغيب رُعاة مصالح الأمَّة من القادة والزُّعَماء.

رابعًا ـ بِحُكم ما شَهِدَه الحدث من قِراءاتٍ تَعَسُّفيَّةٍ غلبت عليها العاطفة والنّظر الجزئيّ الضيّق يلزم تقديم رؤيةٍ كلّيَّةٍ جامعةٍ في سياق فقه الموازنات والنظر المصلحيّ الضابط الذي يُراعي فقه الواقع، وفقه المآلات، وفقه المقاصد، فإنّ الأخذ بمقتضى هذه الأنواع من الفقه يترتّب عليه الفهم العميق، والتّنزيل الدّقيق، وهذا الذي يشهد له قوله تعالى {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وهذا الفقه وحده ما يعصم من هَنات بعض المُتَصَدِّين للدّعوة في العمل الإسلاميّ الذين يُحسنون الإسقاط دون تقديم البدائل والسّياسات. وإنّه من السّهل الدّعاء بهلاك الظّالم على يد الظّالم، ولكن المسؤوليّة تقتضي تعظيم المصالح وتقليل المفاسد، وبناء المُشتركات بناءً على سُنَن الحركة والفاعليّة، ومن أظهَرِها أنّ الواقع لا يقبل الفراغ.

خامسًا ـ من خوارِم الرّؤية الكلّيَّة النّظر إلى المشهد في سياق منهجيّة التّعضِيَة والتّجزيء والتّبعيض، فضلًا عن التّهارج والتّخوين الذي حدث في المنصات الافتراضيّة المختلفة، وكلّها تجعل الأمّة في إطارٍ من التّشرذُم النّفسيِّ والاجتماعيّ، في وقتٍ يستدعي ضرورة اجتماعِ الكلمة بدفع الأَخطَر فالأَخطَر من المفاسد عن الأمّة، وإنّ المنهج الإسلامي يقتضي تقويم الأفراد والجماعات بحسب ما فيهم من خيرٍ وشرٍّ تارةً كما هو نهج المحدّثين، أو بحسب انفكاك الجهة كما هو نهج الأصوليّين.

سادسًا ـ مقتضى هذا النّظر الشرعيّ التأصيليّ اجتماع كلمة الأمّة على مواجهة الكيان الصهيونيّ ومدافعته والتّصدي لمشروعه، وتجاوز كلّ أسباب التّنازع والافتراق، وهذا يتحقّق بنُصرة المظلوم من طوائف المسلمين كلّهم، مع تجريمِنا لما وقع من ظلم فادحٍ، وقتل شائِه، وتدمير مُمَنهج لإخواننا في الشّام والعراق واليمن، إلّا أنّ الكلمة اليوم تستوجبُ تأجيل هذه الإشكالات دون إسقاطها وترحيلها إلى وقت الاختيار، أمّا وقت الضّرورة فإنّ مواجهة الكيان الصهيونيّ متحتّمة في تجميع كلّ الطّاقات والقدرات لدحره وإبطال مشروعه.

وفي الختام:

فلا يخفى أنّ الخلاف المبنيّ على الاجتهاد إذا تحوّلت آراؤه إلى ولاءات خاصّة، وتحزّبات طائفيّة ومناطقيّة، وتفريغات نفسيّة، فإنّه يخرج بذلك عن كونه رحمةً ليكون تمزيقًا لأهل الإسلام، واتّباعًا لطريق أهل الكتاب الذين انحرفوا عن هدي الأنبياء والمرسلين، وبهذا تظهر خطورة الانفِصام والاستقطاب الحادّ الذي تشهده الأمّة اليوم بما يستلزم نفرة عُلَمائِيَّة جامعة تقول كلمتها في مواجهة هذه النّازلة الكبرى.

وفي هذا السّياق نرغب بتأكيد جملةٍ من الحقائق ملخّصة مختصرة:

تتبوَّأ القضيّة الفلسطينيّة ومقاومة العدوّ الصهيونيّ بكلّ مُمكن مُتاح قضايا الأمّة المعاصرة، وبالنّظر إلى أبعادها الدّينيّة والحضاريّة، وعظيم تبعاتها على بقاء الأمّة ومستقبلها ومصيرها، وهذا محلّ إجماع أهل الحلّ والعقد فيها من العلماء والقادة الصّادقين.

وبناءً على ذلك ينبغي التّرحيب بكلّ جهدٍ يقاوم الاحتلالَ ويدافع قُوَّتَه الغاشمة، بناءً على مبدأ التّعاون على البرّ والتّقوى، والتّحالف على سنن حلف الفضول، دون أن ينفي تقرير هذه الحقيقة الاختلاف الفكريّ أو العقديّ، ودون أن يرفع الملامة ويلغي المحاسبة على الجرائم الطائفيّة التي خلفت آلامًا وجراحًا ومفاسد في سوريا والعراق واليمن، إذ إنّ جراح الأمّة واحدة، وقضاياها مترابطة.

تتبوَّأ القضيّة الفلسطينيّة ومقاومة العدوّ الصهيونيّ بكلّ مُمكن مُتاح قضايا الأمّة المعاصرة، وبالنّظر إلى أبعادها الدّينيّة والحضاريّة، وعظيم تبعاتها على بقاء الأمّة ومستقبلها ومصيرها، وهذا محلّ إجماع أهل الحلّ والعقد فيها من العلماء والقادة الصّادقين.كما تفرض هذه اللّحظة تعظيم المشتركات على مستوى الخطاب والسعي بمعالجة علل الطّائفيّة التي يستثمر فيها أعداء الأمّة ويسعون لتأجيجِها، وهذا الأمر ممكن إذا حَسُنت النّوايا، وهو واجبٌ كي لا يستفرد العدوّ الصهيونيّ بمكوّنات الأمّة واحدًا تلو الآخر.

‏وعلينا أن نتعامل مع المسألة الطائفيّة بوصفها مرضًا يستلزم العلاج ولا نستسلم لبقائها دوّامةَ صراعٍ يستنزف طاقة الأمّة فيما لا طائل من ورائه

‏وإذا نظرنا إلى مآلات ما يجري فإن انكسار المقاومة ـ لا قدّر الله ـ يؤول إلى أن يعربد المشروع الصهيونيّ في ربوع الأمّة وحواضرها الكبرى دون رادع.

‏ممّا يستوجب حشد ما يمكن من جهود الأمّة لدفعه وردعه، ‏وهذا يمثل واجبًا أعلى يُقَدَّم على غيره من الاعتبارات، والله الهادي إلى سواء السّبيل.

*نائب رئيس اتّحاد علماء المسلمين، ورئيس مركز الفكر الإسلاميّ والدّراسات المعاصرة

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العلماء احتلال فلسطين علماء حرب موقف أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة الیوم أهل الس الذی ی ة التی الأم ة

إقرأ أيضاً:

دول مظلومة في فقه الهجرة: الأم تجقلب والشكر للكفيل

دول مظلومة في فقه الهجرة: الأم تجقلب والشكر للكفيل
قبل تلاتة أيام أو كدة كتبت بوست عن إقتصاديات الهجرة في أمريكا. عودة للسودان حقيقة أنا بستغرب عن كطريقة البيتكلم بيها بعد الخبراء عن الهجرة كصدقة من الدول المستضيفة توجب علي المهاجرين إمتنان ذليل. هذا منطق يقلب المعادلة راسا علي عقب وهو نوع من الشفشفة الفكرية.

الهجرة، بالذات الشرعية المنظمة، في جوهرها عملية نهب موارد بشرية من دول الجنوب تحصل فيها الدول المستضيفة علي كفاءات وقدرات عمل لم تنفق مليم واحد في تنميتها. ياهو زمان كان بيجو يخطفو العبيد من أجل توفير العمالة وحسي بيخطفو المهاجرين الشرعيين وغيرهم.
يعني شوف لما شاب سوداني أو نيجيري درس محاسبة وللا طب وللا هندسة وللا بقا نقاش ماهر أو ممرض. الزول ده علي أقل تقدير بيكون عاش كم وعشرين سنة علي حساب المجتمع السوداني أو النيجيري، وتحملت الأسرة والدولة والمجتمع تكاليف باهظة لتجهيزه. تكاليف مالية وتكاليف زمن التربية والتعليم والحماية وتكاليف عاطفية للحماية النفسية وكلو. دي تكاليف ما ساهلة مادية وللا غير مادية.

طيب الزول ده لما يهاجر لدولة، الدولة المضيفة دي ما دفعت تعريفة في تجهيزه، ومجتمعها لو كان داير مهني زيو كان لازم يدفع تكلفة التنشئة. زي ما تربي جدادة فترة طويلة ولما تبدا تبيض تشيلها بطول جارتكم وتطلب منك أن تشكرها لانها ساهمت في نضافة بيتك من خرا الجداد. يعني ببساطة قصة الهجرة دي جوهرها نهب موارد ومفروض الدول المستضيفة تشكر المهاجرين.

طبعا في استثناءات ذي هجرة السودانيين لمصر بعد الحرب وقبلها. من المؤكد أن الأقتصاد المصري بيستفيد من وجود السودانيين أصحاب الثروات والمداخيل المعقولة. لكن الحقيقة أن مصر فتحت بابها للسودانيين وملايين منهم معدمين وفقر من فار المسيد وما عندهم حاجة يضخوها في الإقتصاد المصري. ومع ذلك استقبلتهم مصر ولم تشترط أي موارد إقتصادية لقبول المهاجر وطبعا أصلا هي مصر ما محتاجة لعمالة وافدة. المهاجرين السودانيين في مصر من جميع الأقاليم والقبايل والاعراق ومعظمهم فقراء لا يحتاجهم الأقتصاد المصري وفيهم جنجا وشذاذ أفاق .

ودة ما بيعني أنو المهاجرين ما ممكن يشكرو دولهم علي حسن الضيافة والتعامل الكريم. يشكرو ويقدرو ده واجب زي ما بنشكر أي زول أو دولة علي حسن التعامل في أي سياق. أنا حسي بشكر كل الدول العشت فيها أو زرتها علي حسن التعامل وممتن كتير. ولكن يظل جوهر عملية الهجرة كما هو: الحصول علي قوة عمل بالمجاني بعد أن دفعت مجتمعات أخري تكلفة تجهيزها.

بعدين ياخي حسي حول العالم في دول كتيرة من أغني الدول إلي المتوسط والفقير عندهم برامج لجذب المتقاعدين للهجرة إليها. أي متقاعد عندو حد أدني من الدخل بيرحبو بيهو وبيدوهو إقامة دايمة بتتحول لجنسية. دي دول موجودة في أوروبا واسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. المنطق ببساطة هو أن الدول دي بتكون دايرة أنو المتقاعد يصرف قروشو في سوقها وينشط العيادات الطبية الدكاكين والمطاعم والمولات وسوق العقارات والذي منو. ودة بيثبت ليك أنو الدول المستضيفة مفروض تشكر المهاجر وتديهو كيكة.

قال غسان كنفاني “يسرقون خبزك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك ان تشكرهم علي كرمهم….يا لوقاحتهم.”. بدل خبزك دي خت عمالتك الماهرة.

زمان في بداية المسيرة كتبت ورقة أكاديمية عن سبب أزمة ميزان المدفوعات المزمنة في السودان. بعد الكثير من الجداول والحساب والاحصاء قلت أن جذر الأزمة يعود إلي صدمة البترول الأولي. لما سعر البترول إرتفع أربعة أضعاف بين يوم وليلة. ودي كانت لحظة بداية إنهيار السودان الإقتصادي والسياسي لانو حدث فقر في السودان وفي المقابل ظهرت ثروة ضخمة في الخليج. نتج عن الثروة الجديدة وتعمق الفقر في السودان هجرة لاهم أنواع الخبرات من العمال المهرة من الحرفيين وعمال البناء إلي كبار الأطباء وأساتذة الجامعات وغيرهم.
بالتحديد قلت أن صدمة البترول دي كانت نقطة قطع الطريق علي ممكنات التنمية السودانية. الصدمة دي أضرت بكل دول أفريقيا لانها غيرت شروط التبادل التجاري – وارداتك سعرها زاد وصادراتك لم ترتفع أسعارها بنفس المستوي . لكن الصدمة عوقت السودان شديد واكتر من الدول الأخري لانو يترتب عليها نزيف دائم للقوة العاملة الماهرة وهي أساس التنمية الأهم. ده طبعا إضافة إلي مشاكل نجمت عن تعديل ميزان القوة السياسي والديني والايديلوجي والثقافي.

مثلا من الثمانينات كان ممكن دول واحدة في الخليج او زي بريطانيا يكون عدد الأخصائيين السودانيين فيها اكتر من المتوفر في السودان.
في دول أيضا تضررت زينا زي مصر لكن مصر عندها مهارات فائضة وقوة عاملة ضخمة وإحنا ما عندنا قدر سنامها.

ومن الوقت داك أصبح هدف العملية التعليمية في حدها الأعلى هو تجهيز مهاجرين. وطبعا السؤال هو كيف تتطور دولة في أدني سلم التنمية لو كانت بتفقد معظم مهاراتها بمجرد التخرج واكتساب حد أدني من الخبرة. وطبعا خسارة السودان تساوي مكاسب الدول التي جذبت إنسانه العامل.
أدناه مقال مكتوب قبل أيام عن اقتصاديات الهجرة.
إقتصاديات هجمة ترمب علي المهاجرين:
يشن دونالد ترامب حملات شعواء ضد المهاجرين، خاصة غير الشرعيين، لكن هذه السياسات قد تترتب عليها عواقب اقتصادية وخيمة. فوفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية، يشكل المهاجرون غير الشرعيون نحو 40% من عمال المزارع . وفي حال تنفيذ ترحيل جماعي لهؤلاء العمال، فمن المتوقع أن تغلق آلاف المزارع أبوابها، مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية. وهذا الارتفاع لن يثير استياء الناخبين فحسب، بما في ذلك مؤيدو ترامب أنفسهم، بل سيضر أيضًا بالشركات وأصحاب الأعمال. فمع ارتفاع تكاليف المعيشة، سيطالب العمال والموظفون بزيادة الأجور، مما سيضغط على أرباح الشركات ويضعف قدرتها التنافسية.

ولا يقتصر التحدي على ذلك، فالعمل في المزارع شاق ويصعب استقطاب العمالة المحلية أو المهاجرين الشرعيين له، حتى مع زيادة الأجور. فالظروف القاسية، من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة إلى البعد عن المراكز الحضرية، تجعل هذه الوظائف غير جذابة للأمريكيين.
على صعيد آخر، فإن تشديد القيود على المهاجرين الشرعيين وطلبة الجامعات يحرم الاقتصاد الأمريكي من كفاءات علمية وهندسية وريادية عالية. وبدلاً من أن تساهم هذه المواهب في دفع عجلة الابتكار والنمو في أمريكا، سينتهي بها الحال إلى تعزيز اقتصادات منافسة، مثل الصين أو دول أوروبا الغربية.

ومن الجدير بالذكر أن التفوق التاريخي للاقتصاد الأمريكي مقارنة باقتصادات أوروبا الراكدة يعزى إلى حد كبير إلى انفتاح الولايات المتحدة على مساهمات المهاجرين، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين. فالكثير من الدراسات الأقتصادية التجريبية تؤكد أن المهاجرين يشكلون دعامة أساسية للاقتصاد الأمريكي، وليس عبئًا عليه.

بمعني آخر، أن حملات ترمب ضد المهاجرين تضر بفقراء وأغنياء أمريكا معا ولا يسندها منطق إقتصادي. ولكن اليمين الأمريكي تدفعه إعتبارات عنصرية وثقافية ودينية تعلو علي الجانب الإقتصادي، لذلك فان الشركات تفضل أن تظل أبواب الهجرة مفتوحة حتي لو تم وضع بعض القيود هنا وهناك لإمتصاص الحماس العنصري عند شرائح مهمة من اليمين الإنتخابي.

معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دريان: لا دولة بدون المسلمين والمسيحيين
  • دول مظلومة في فقه الهجرة: الأم تجقلب والشكر للكفيل
  • اتحاد المسلمين.. زوال للصهاينة والهيمنة الغربية
  • غزة توجه رسالة عاجلة لـ علماء الأمة الإسلامية: “غزة تستصرخكم” و ”صمتكم يطيل أمد المجازر”
  • “مصطلح التعايش” بوابة الاختراق: كيف تسلل المشروع الصهيوني إلى قلب العالم الإسلامي؟
  • مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ الأمة العربية والإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديد
  • التربية بنهر النّيل تعلن عن بداية امتحانات الشّهادة المتوسّطة للعام (2025) في الثّاني من أغسطس المقبل
  • اليمن جبهة متقدمة في معركة الأمة لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي
  • وقفات بجامعة الحديدة تندد بالعدوان الصهيوني الأمريكي على غزة وإيران
  • استدعاء مرشد جماعة الإخوان المسلمين في الأردن للتحقيق في قضية مالية