النساء وجوائز نوبل العلمية: ماري كوري أنموذجا
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميـس الظّفـري -
على مدار أكثر من قرن من تاريخ جوائز نوبل، لم تحصل النساء سوى 13 جائزة في الفيزياء والكيمياء. ولكن في حين أن قضية المساواة بين الجنسين في مجال العلوم لا تزال بعيدة المنال، فإن الأمور بدأت تتحسن، فقد فازت أكثر من نصف هؤلاء النساء بالجوائز خلال السنوات الست الماضية. فكيف يمكن أن يستمر هذا الاتجاه؟ تقدم لنا سيرة حياة العالمة ماري كوري بعض الأفكار بهذا الخصوص.
كونها الشخص الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في كل من الفيزياء والكيمياء، واجهت كوري مؤسسة علمية انحصرت جوائزها على الذكور، لكنها استفادت من شبكة دعم مثالية تفتقر إليها معظم النساء العالمات اليوم.
شجعتها عائلتها، خاصة والدها، الذي أيقظ اهتمامها بالعلوم. كان يعتقد أنها تستحق التعليم، على الرغم من أن جنسها كان يمنعها من الالتحاق بالجامعة في وارسو، المكان الذي ولدت فيه ماري عام 1867. عقدت هي وأختها الكبرى، برونيا، اتفاقا، تعمل ماري بموجبه مربية، لدعم دراسات برونيا الطبية في جامعة باريس حتى تصبح برونيا طبيبة، حيث يمكنها رد الجميل.
يؤكد تقرير صادر عن الجمعية الأميركية للنساء الجامعيات حول أداء الفتيات في فصول الرياضيات والعلوم أن مواقف الآباء والمعلمين تشكل أهمية بالغة لتحقيق النجاح. ففي إحدى الدراسات، كان مجرد إخبار الفتيات في سن المدرسة الثانوية بأن "ذكائهن يمكن أن يتوسع مع الخبرة والتعلم" كافياً لرفع درجاتهن وزيادة رغبتهن في مواصلة دراسة الرياضيات.
في جامعة باريس، حصلت (ماري سكودوفسكا) آنذاك على درجتي ماجستير قبل أن تلتقي بالفيزيائي بيير كوري، الذي تزوجته في عام 1895، وساعدها في تصميم جهاز لأبحاث الدكتوراه الخاصة بها. وفي وقت لاحق، عندما أصبحت نتائجها مثيرة للاهتمام حقًا، ترك تجاربه الخاصة للعمل معها في المجال الذي أطلقت عليه اسم "النشاط الإشعاعي". لم تتمكن ماري من الاعتماد على ثبات بيير كزوج وشريك في المختبر فحسب، بل وأيضًا على مساعدة والده، الذي انتقل للعيش معهما للمساعدة في رعاية ابنتهما (إيرين).
وفي الولايات المتحدة، قد يكون من الصعب الحصول على هذا المستوى من الدعم، فأكثر من 40% من العالمات يتركن وظائفهن بدوام كامل بعد ولادة طفلهن الأول.
أنجبت ماري ابنة ثانية، إيف، في عام 1904، وعادت إلى المختبر، وكذلك إلى تدريس الفيزياء لبضعة أيام في الأسبوع في أكاديمية للمعلمات. وبصرف النظر عن والد زوجها والمساعدة الإضافية التي قدمها، فقد وظفت تلميذتها المفضلة، (أوجيني فيتيس)، كمربية أطفال دائمة. استفادت هذه الطالبة أيضًا من كوري كقدوة يحتذى بها، فقامت (فيتيس) بإجراء أبحاث الدكتوراه الخاصة بها في الفيزياء، وتزوجت من زميل فيزيائي وأصبحت فيما بعد مديرة أكاديمية التدريس.
إن القدوات مهمة. فقد أظهرت الأبحاث أن القدوة لا تحتاج إلى أن تكون حاضرة جسدياً في حياة الفتاة الصغيرة حتى تلهمها. والواقع أن هذه الدراسة حددت ماري كوري باعتبارها شخصية قادرة على تحقيق هذا الدور بالنسبة للعديد من الفتيات.
بعد وفاة بيير فجأة في حادث عام 1906، تمت دعوة ماري الحزينة، على عكس التقاليد الذكورية في جامعة باريس، لتولي مختبر الجامعة حيث عملوا معًا، كما تولت منصب أستاذيته. وباعتبارها أول امرأة على الإطلاق تلقي محاضرة في تلك المؤسسة القديمة، فقد أزعجت بعض الزملاء لكنها استمتعت بزمالة الآخرين. انضم إليها عدد قليل من زملائها الأساتذة وزوجاتهم في تكوين مدرسة تعاونية لأطفالهم، والتي صممتها ماري وفقًا للاحتياجات التعليمية لابنتها المراهقة إيرين.
إن أعضاء هيئة التدريس من النساء المنضمات حديثا للتدريس أكثر عرضة للرفض من قِبَل العميدات والأستاذات، تماما كما كان يفعل الرجال في تلك المناصب. وبدلاً من مساعدة المحاضِرة الوافدة الجديدة الأصغر سناً، قد تميل النساء في المناصب العليا إلى تركها تتخبط بمفردها، كما تخبطن هنّ من قبل.
كانت شهرة ماري كأول امرأة تفوز بجائزة نوبل سبباً في تحولها إلى منارة. فقد سافرت العشرات من النساء الباحثات عن العلم إلى باريس للعمل أو الدراسة تحت إشرافها. وعادت العديد منهن إلى أوطانهن ليصبحن بدورهن من أوائل الأستاذات الدائمات في هولندا والمجر والبرتغال وأماكن أخرى. وخلال الحرب العالمية الأولى، وبينما كانت ماري تسعى جاهدة لتوفير خدمات الأشعة السينية للجنود الجرحى، قامت بتدريب 150 امرأة فرنسية راغبة في تشغيل المعدات وقراءة صور الأشعة. وفي الوقت نفسه، حصلت ابنتها إيرين، التي كانت لا تزال في سن المراهقة، على شهادة في التمريض بالإضافة إلى دراستها الأكاديمية، وعملت في المستشفيات بالقرب من الجبهة.
حافظت إيرين على قيم والدتها من خلال الانضمام إليها في المختبر، وحصلت على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون، وتزوجت وأنجبت طفلين، وأجرت الأبحاث التي أدت بها إلى أن تصبح في عام 1935 ثاني امرأة تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء.
قد يكون التشجيع والتوجيه ورعاية الأطفال هي العناصر الأقل تكلفة المرتبطة بإجراء البحوث في الفيزياء أو الكيمياء، ومع ذلك فهي عوامل مهمة لنجاح النساء العالمات اليوم. كانت ماري في عصرها استثناءً من القاعدة. واليوم، لا تزال لديها نصائح لمستقبل أكثر عدالة للنساء.
*دافا سوبل هي مؤلفة كتاب "عناصر ماري كوري: كيف أضاء توهج الراديوم الطريق أمام النساء في مجال العلوم" الذي سيصدر قريباً.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
التعليم العالي: إدراج ثلاث مركبات نانوية كهروحرارية بمدينة الأبحاث العلمية ضمن قاعدة بيانات المؤسسة الدولية لحيود الأشعة ICDD
أعلنت مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية إدراج ثلاث مركبات كيميائية نانوية كهروحرارية، تم تطويرها ضمن فريق بحثي مشترك من مصر (مدينة الأبحاث العلمية، وهيئة الطاقة الذرية) وإيطاليا، بقاعدة بيانات المؤسسة الدولية لحيود الأشعة ICDD، وذلك بعد نشر نتائجها البحثية في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة، واعتمادها رسميًا في مايو 2025.
وأكد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن هذا الإنجاز يُجسد نجاح جهود البحث العلمي المصري في تحقيق التميز على المستوى الدولي، ويعكس ما تمتلكه مدينة الأبحاث العلمية من كوادر بحثية مؤهلة وإمكانات متقدمة قادرة على إنتاج معرفة موثوقة ذات قيمة علمية وتطبيقية عالية. وأضاف أن إدراج هذه المركبات في قاعدة بيانات ICDD يفتح آفاقًا جديدة للتعاون البحثي الدولي، ويُسهم في دعم الصناعات المتقدمة في مجالات الطاقة وتكنولوجيا المواد والابتكار، ويُعزز من مكانة المؤسسات البحثية المصرية في قواعد البيانات العالمية.
وأوضحت الدكتورة منى عبد اللطيف، مدير مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية، أن الفريق البحثي تمكن من تحديد البصمة التعريفية والهوية البلورية لثلاث مركبات نانوية كهروحرارية تُستخدم في تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية، مشيرة إلى أن إدراجها في قاعدة بيانات ICDD جاء بعد مراجعة علمية دقيقة استمرت قرابة عامين. وأضافت أن هذا النجاح يُعد إضافة نوعية لسجل إنجازات المدينة، ويؤكد قدرتها على تقديم أبحاث أصيلة تُستخدم كمرجع علمي وصناعي معتمد في مجالات الطاقة المتجددة، والمواد النانوية، وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية.
وضم الفريق البحثي الدكتور عبد الهادي بشير قشيوط الأستاذ الباحث بقسم بحوث المواد الإلكترونية بمدينة الأبحاث العلمية، والدكتورة شيماء عبدالله الباحث المساعد والمسؤولة عن التنسيق مع المؤسسة الدولية لحيود الأشعة وتسجيل المركبات، والدكتور نعمة جمعة أمام الباحث المساعد بهيئة الطاقة الذرية، وبالتعاون مع الدكتورة جوليانا أكويلانتي (Dr. Giuliana Aquilanti) من مركز السينكروترون، والدكتور هومبرتو كابريرا (Dr. Humberto Cabrera) من مركز البصريات والفيزياء النظرية في مدينة تريستا الإيطالية.
وأشار الدكتور عبد الهادي قشيوط إلى أن الورقة البحثية التي تناولت هذه المركبات تم نشرها في مجلةمجلة بحوث وتكنولوجيا المواد Journal of Materials Research and Technology التابعة لدار النشر العالمية إلسيفير (Elsevier) والمصنفة Q1 ضمن تصنيف Scopus، موضحًا أن طريقة التصنيع اعتمدت على تقنية الصهر الحراري في أنبوب كوارتز مفرغ من الهواء مع تعديل نسب العناصر الداخلة في التركيب، مما نتج عنه خواص بلورية ومورفولوجية فريدة أهلتها للقبول في قاعدة بيانات ICDD.
كما أكدت الدكتورة شيماء عبدالله أن هذه المركبات تُعد من المنتجات البحثية الأصيلة ذات القيمة التطبيقية، وتسهم في تطوير المعرفة العلمية بمجالات المواد الصلبة والمواد النانوية والطاقة. وأوضحت أن الهويات البلورية المُسجلة تُستخدم في القطاع الصناعي لمراقبة الجودة والإنتاج وفقًا للمواصفات العالمية، وتُسهم أيضًا في إثراء البحث الأكاديمي من خلال إتاحة بيانات XRD المعتمدة عالميًا، ما يُتيح للباحثين في جميع أنحاء العالم مقارنة نتائجهم بدقة وتطوير تطبيقات جديدة في مجالات الطاقة والأجهزة الإلكترونية والمواد المتقدمة.
جدير بالذكر أن المركز الدولي لبيانات الحيود (International Centre for Diffraction Data – ICDD) يُعد مؤسسة علمية دولية متخصصة في إصدار "ملف حيود المسحوق" (Powder Diffraction File – PDF)، ويُعد المصدر المرجعي الوحيد المعترف به عالميًا في توصيف المواد البلورية، ويقع مقره في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُستخدم منذ عام 1937 كأداة أساسية لأبحاث علوم المواد في جميع أنحاء العالم.