ليبراسيون: في السودان تدور أسوأ حرب
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
قالت صحيفة ليبراسيون إن مؤتمرا عقد أمس الاثنين في باريس لحشد دعم الجهات المانحة، وربما رسم الطريق إلى سلام يبدو بعيد المنال، في بلد دمره صراع دموي، وذلك لإبطاء انزلاق السودان إلى "الجحيم".
وذكرت الصحيفة -في تقرير للمحررة ماريا مالاغارديس- أن ما يدور في السودان "حرب من أجل لا شيء" وأشارت إلى أن ثمن هذه الحرب "التدمير الذاتي لواحدة من أكبر الدول في أفريقيا، تبلغ مساحتها 1.
وخلفت الحرب الدامية بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، التابعة لـمحمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، عشرات الآلاف من القتلى، و6 ملايين نازح داخليا، و1.7 مليون لاجئ في دول مجاورة، وبنية تحتية مدمرة، واقتصادا ينهار بالكامل.
وانطلق مؤتمر دولي في باريس أمس -كما تقول الصحيفة- لمحاولة التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، في وقت تهدد فيه المجاعة أجزاء كبيرة من البلاد، ومن المفترض أن تعمل هذه المبادرة، التي ترعاها فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، على حشد دعم الجهات المانحة، أو حتى رسم الطريق إلى السلام الذي يبدو بعيد المنال.
وقالت جوستين موزيك بيكيمال المديرة الإقليمية لمنظمة التضامن الدولية (غير حكومية) إن هناك حاجة إلى 3.8 مليارات يورو لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا، وتساءلت: هل سيتمكن المجتمع الدولي من جمعها؟ وقالت "هذه أسوأ وأقذر حرب رأيتها منذ 20 عاما. حتى في الشيشان وسوريا لم أشاهد مثل هذا الانفجار".
وتقول إن العاملين بالمجال الإنساني يواجهون عوائق مستمرة، وإنهم يحتاجون 300 شاحنة على الأقل للتعامل مع المجاعة التي تلوح في الأفق، وتقول بقلق "نرى الآن النساء يمزقن لحاء الأشجار لإطعام أطفالهن" حيث 18 مليونا من بين 48 مليون مواطن "يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد".
وتذكر ليبراسيون -في تقرير آخر لمحررها ستيفان شفاليي- أن الأمم المتحدة حذرت من أن السودان، بعد مرور 18 شهرا على بدء النزاع فيه أصبح مهددا بالمجاعة والكوليرا، وذكرت هذه الهيئة الدولية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي تمديد تحقيقاتها في انتهاكات حقوق الإنسان بهذا البلد.
واتهم تقرير الصحيفة الأطراف المتحاربة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات المباشرة من خلال القصف الذي يستهدف المدنيين والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية مثل شبكات المياه والكهرباء.
ويوضح أن قوات الدعم السريع -خاصة- والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب أخرى، بما في ذلك الاستعباد الجنسي والنهب والتهجير القسري للمدنيين وتجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا، ويشير تقرير ليبراسيون أيضًا إلى الهجمات ضد المجتمعات غير العربية، وخاصة المساليت غرب دارفور.
الانزلاق إلى الجحيم
وتؤكد بيكيمال أن صورة مريعة لا تزال تطاردها، موضحة "في يونيو/حزيران ونحن في أدري على الحدود التشادية، رأينا فجأة وصول 80 ألف شخص خلال 48 ساعة، سيرا على الأقدام، وجميعهم مصابون بطلقات نارية، حتى الأطفال والحوامل".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أشار تحقيق أممي أحيل إلى مجلس الأمن إلى مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص بمدينة الجنينة وحدها، وتحدثت التحقيقات عن الاغتصاب والمضايقة والنهب، مشيرة بالأصابع إلى قوات الدعم السريع، كما تتحدث الأمم المتحدة الآن عن "إبادة جماعية محتملة" في دارفور.
وتظل الحقيقة أن المجموعات المتفاوضة المشاركة بالصراع، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد شرق أفريقيا، والجامعة العربية والولايات المتحدة، لم تنجح قط في توحيد جهودها لإجبار كلا الطرفين على الجلوس على نفس الطاولة ووضع حد لهذه "الحرب العمياء".
وتساءلت الصحيفة: هل سيكون مؤتمر باريس أكثر نجاحا؟ خاصة أن الحكومة الرسمية المعترف بها دوليا أعلنت عن "غضبها" لعقد هذا اللقاء، معتبرة أنه اعتداء على "سيادة" البلاد، في وقت ينزلق فيه السودان منذ عام إلى "الجحيم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات
إقرأ أيضاً:
9 مشاهد من تقرير المجلس القومي عن حالة الحقوق والحريات بمصر
أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، تقريره السنوي الثامن عشر للمجلس عن الفترة من 1 يوليو 2024 - 30 يونيو 2025، والذي يأتي بوصفه وثيقة وطنية مستقلة ترصد وتقيم حالة حقوق الإنسان في مصر خلال عام اتسم بتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة على المستويين الإقليمي والدولي.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي موسع يعقد الآن بأحد فنادق مصر الجديدة، بحضور عدد كبير من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، والوفود الحقوقية يأتي في مقدمتهم رئيس المجلس السفير الدكتور محمود كارم.
ويستند التقرير إلى مرجعية دستورية واضحة، وإلى التزامات مصر الدولية، مع اعتماد منهجية وصفية تحليلية تسعى إلى الموازنة بين رصد الوقائع، وتقييم السياسات العامة، وتقديم توصيات قابلة للتنفيذ.
ويعكس التقرير تطورًا ملحوظًا في إدراج ملف حقوق الإنسان ضمن أولويات النقاش العام، سواء من خلال الخطاب الرسمي، أو السياسات الاجتماعية، أو التفاعل مع الآليات الدولية، وفي مقدمتها الاستعراض الدوري الشامل.
وفي الوقت ذاته، يؤكد التقرير أن هذا التقدم لا يلغي وجود تحديات هيكلية تتطلب معالجات أعمق وأكثر استدامة لضمان تحويل الالتزامات المعلنة إلى ممارسات فعلية يشعر بها المواطن.
على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، يرصد التقرير عددًا من المؤشرات الإيجابية، من بينها استمرار الإفراج عن دفعات من المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم بقرارات رئاسية، واتساع نطاق الحوار حول قضايا المجال العام، فضلًا عن التفاعل الإيجابي مع المراجعة الدورية الشاملة وقبول عدد كبير من توصياتها.
في المقابل، يسلط التقرير الضوء على استمرار بعض الإشكاليات، وعلى رأسها طول مدد الحبس الاحتياطي في بعض القضايا، وحالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز، بما يستدعي تعزيز الضمانات القانونية، وتكثيف الرقابة القضائية، وضمان الرعاية الصحية الملائمة.
وفي مجال حرية الرأي والتعبير، يشير التقرير إلى انخفاض نسبي في أعداد المحتجزين على خلفية قضايا النشر مقارنة بسنوات سابقة، لكنه يؤكد استمرار وجود تحديات مرتبطة ببيئة العمل الإعلامي، وغياب قانون لتداول المعلومات، واستمرار حبس أو التحقيق مع بعض الصحفيين.
ويبرز التقرير أهمية عدد من الأحكام القضائية الصادرة خلال فترة الرصد، ولا سيما حكم المحكمة الدستورية العليا الذي رسخ مبدأ حماية النقد الموجه للعمل العام باعتباره جزءًا أصيلًا من حرية التعبير.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيقدم التقرير قراءة واقعية لتأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية ومعدلات التضخم على مستوى معيشة المواطنين. ويسجل الجهود المبذولة لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصدار تشريعات جديدة مثل قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل، باعتبارها خطوات مهمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية.
غير أن التقرير يشير إلى أن هذه الجهود ما زالت بحاجة إلى سياسات أكثر شمولًا لضمان وصول الأثر إلى الفئات الأكثر هشاشة، وتقليص الفجوات بين المناطق والمحافظات.
وفي قطاع الصحة، يثمن التقرير المبادرات الوطنية للكشف المبكر عن الأمراض وتوسيع مظلة التأمين الصحي، مع الإشارة إلى استمرار التفاوت في مستوى الخدمات ونقص الموارد البشرية في بعض المناطق.
وفي التعليم، يتناول التقرير التوسع في التحول الرقمي وتطوير البنية الأساسية، مقابل تحديات قائمة تتعلق بالكثافة الطلابية وجودة التعليم والفجوة بين الريف والحضر.
ويتناول التقرير بالتفصيل التطورات التشريعية التي شهدتها فترة الرصد، معتبرًا إياها عنصرًا محوريًا في تعزيز منظومة الحقوق.
ويحلل عددًا من القوانين والقرارات، من بينها قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقانون تنظيم لجوء الأجانب، وقانون المسؤولية الطبية، وتعديلات قوانين الانتخابات، وقانون الإيجار القديم، من زاوية مدى اتساقها مع المعايير الدستورية والحقوقية، مع التأكيد على أهمية اللوائح التنفيذية والتطبيق العملي لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.
كما يبرز التقرير الدور المتنامي للقضاء في حماية الحقوق والحريات، مستعرضًا مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، والتي تناولت قضايا جوهرية مثل الكرامة الإنسانية، والحق في السكن، وحماية الملكية الخاصة، والعدالة الضريبية، والحق في الخصوصية، وتكافؤ الفرص في تولي الوظائف العامة، باعتبار هذه الأحكام ركيزة أساسية لدولة القانون.
ويولي التقرير اهتمامًا خاصًا بحقوق الفئات الأولى بالرعاية، باعتبارها مقياسًا جوهريًا لمدى فعالية السياسات العامة.
وفي هذا السياق، يتناول أوضاع النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن واللاجئين والمهاجرين، مشيرًا إلى تطورات تشريعية وبرامج تنفيذية هدفت إلى تعزيز الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي، ومكافحة التمييز، وتوسيع فرص الإدماج.
ويثمن التقرير الخطوات المرتبطة بدمج منظور النوع الاجتماعي في بعض السياسات والبرامج، مع التأكيد على أن التحدي الحقيقي يظل في ضمان التطبيق المتكافئ لهذه السياسات، خاصة في المناطق الأكثر احتياجًا.
كما يتناول التقرير وضع اللاجئين وطالبي اللجوء في ضوء صدور قانون تنظيم لجوء الأجانب، معتبرًا إياه تطورًا تشريعيًا مهمًا ينظم هذا الملف لأول مرة في إطار قانوني وطني متكامل.
ويؤكد التقرير أهمية الموازنة بين اعتبارات السيادة الوطنية والالتزامات الدولية، وضمان تمتع اللاجئين بالحقوق الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحماية، والرعاية الصحية، والتعليم، والعمل اللائق، مع ضرورة توفير آليات تنفيذ واضحة تمنع أي تمييز أو انتقاص من الكرامة الإنسانية.
وفيما يتعلق بالحقوق البيئية، يبرز التقرير تزايد الوعي بأهمية البعد البيئي كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، خاصة في ظل التغيرات المناخية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
ويتناول جهود الدولة في مجالات إدارة المخلفات، وتحسين جودة الهواء والمياه، والتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، مع الإشارة إلى الحاجة لمزيد من الدمج بين السياسات البيئية وحقوق المجتمعات المحلية، وضمان مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات ذات الصلة بالبيئة والتنمية المستدامة.
ويتوقف التقرير عند مسألة العدالة الجنائية باعتبارها محورًا رئيسيًا في تقييم حالة حقوق الإنسان، حيث يؤكد أن تطوير المنظومة الجنائية لا يقتصر على تحديث التشريعات، وإنما يتطلب تغييرًا في الممارسات، وتعزيز ثقافة احترام الحقوق داخل منظومة إنفاذ القانون.
ويشير التقرير إلى أن صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد يمثل فرصة لإعادة ضبط التوازن بين متطلبات الأمن وضمانات الحرية، شريطة تفعيل البدائل القانونية للحبس الاحتياطي، وتعزيز الرقابة القضائية، وضمان الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة.
كما يعالج التقرير قضية الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية في ظل التحول الرقمي المتسارع، معتبرًا أن التوسع في الخدمات الرقمية يجب أن يقترن بضمانات قانونية وتقنية تحمي بيانات المواطنين، وتمنع إساءة استخدامها.
ويشدد التقرير على أهمية الإسراع في استكمال الأطر التنفيذية لقوانين حماية البيانات، ورفع الوعي المؤسسي والمجتمعي بهذه الحقوق، بما يعزز الثقة في التحول الرقمي ويضمن اتساقه مع المعايير الحقوقية.
ويؤكد التقرير أن العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية علاقة تكامل لا تعارض، مشددًا على أن السياسات الاقتصادية الناجحة هي تلك التي تضع الإنسان في صدارة أولوياتها.
وفي هذا الإطار، يبرز التقرير أهمية تبني مقاربات قائمة على العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتوزيع عادل للموارد، بما يسهم في الحد من الفقر وعدم المساواة، ويعزز الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.
وعلى مستوى أداء المجلس، يستعرض التقرير أنشطته الوطنية والدولية، بما في ذلك تلقي الشكاوى ومتابعتها، والزيارات الميدانية، وبناء الشراكات المؤسسية، والمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية.
كما يؤكد التقرير التزام المجلس بالحفاظ على تصنيفه في الفئة (أ) وفقًا لمبادئ باريس، ومواصلة جهوده لتعزيز استقلاليته وتطوير بنيته المؤسسية.
وفي ختام الملخص التنفيذي، يؤكد التقرير أن تعزيز منظومة حقوق الإنسان في مصر يظل مسارًا تراكميًا يتطلب نفسًا طويلًا، وإرادة سياسية مستمرة، وتعاونًا مؤسسيًا ومجتمعيًا واسعًا.
ويشدد المجلس القومي لحقوق الإنسان على أن التقرير لا يمثل نهاية تقييم، بل نقطة انطلاق لنقاش وطني أعمق حول سبل تطوير السياسات العامة، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات، بما يدعم بناء دولة حديثة تقوم على الكرامة الإنسانية والمواطنة والمساواة.
ويخلص التقرير إلى أن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال فترة الرصد تعكس مسارًا مركبًا يجمع بين خطوات إصلاحية ملموسة وتحديات قائمة، مؤكدًا أن تحقيق تقدم مستدام يتطلب تعزيز سيادة القانون، وتوسيع المشاركة المجتمعية، وتطوير آليات المتابعة والمساءلة، وترسيخ الشراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
ويقدم التقرير توصيات تستهدف دعم هذا المسار، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن حقوق الإنسان تشكل ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية وبناء الثقة بين الدولة والمواطن.