ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟، سؤال نجيب عنه بموجب ما ورد في التفاسير حيث يقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)» سورة البقرة.
يقول الحق سبحانه تعالى : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، ويشير القرطبي في تفسيره في الآية ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : " كتب " معناه فرض ، وقد تقدم مثله . وقرأ قوم " كتب عليكم القتل " ، وقال الشاعر ( هو عمر بن أبي ربيعة ) : كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول هذا هو فرض الجهاد ، بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة . والمراد بالقتال قتال الأعداء من الكفار ، وهذا كان معلوما لهم بقرائن الأحوال ، ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في القتال مدة إقامته بمكة ، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين فقال تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ثم أذن له في قتال المشركين عامة . واختلفوا من المراد بهذه الآية ، فقيل : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين عليهم ، فلما استقر الشرع صار على الكفاية ، قاله عطاء والأوزاعي .
قال ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب الغزو على الناس في هذه الآية ؟ فقال : لا ، إنما كتب على أولئك . وقال الجمهور من الأمة : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته . وقال سعيد بن المسيب : إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبدا ، حكاه الماوردي . قال ابن عطية : والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية ، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين ، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين ، وسيأتي هذا مبينا في سورة " براءة " إن شاء الله تعالى . وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال : الجهاد تطوع . قال ابن عطية : وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد ، فقيل له : ذلك تطوع .
الثانية : قوله تعالى : وهو كره لكم ابتداء وخبر ، وهو كره في الطباع . قال ابن عرفة : الكره ، المشقة والكره - بالفتح - ما أكرهت عليه ، هذا هو الاختيار ، ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين ، يقال : كرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية ، وأكرهته عليه إكراها . وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل ، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس ، فكانت كراهيتهم لذلك ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى . وقال عكرمة في هذه الآية : إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا : سمعنا وأطعنا ، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة ، لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات .
قلت : ومثاله في الدنيا إزالة ما يؤلم الإنسان ويخاف منه كقطع عضو وقلع ضرس وفصد وحجامة ابتغاء العافية ودوام الصحة ، ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق .
الثالثة : قوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا قيل : " عسى " : بمعنى قد ، قاله الأصم . وقيل : هي واجبة . و " عسى " من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى :عسى ربه إن طلقكن أن يبدله . وقال أبو عبيدة : " عسى " من الله إيجاب ، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ، ومن مات مات شهيدا ، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم .
قلت : وهذا صحيح لا غبار عليه ، كما اتفق في بلاد الأندلس ، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار ، فاستولى العدو على البلاد ، وأي بلاد ؟ ! وأسر وقتل وسبى واسترق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته! وقال الحسن في معنى الآية : لا تكرهوا الملمات الواقعة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تحبه فيه عطبك ، وأنشد أبو سعيد الضرير : رب أمر تتقيه جر أمرا ترتضيه.. خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه
فيما ذهب الدكتور رمضان عبدالرازق عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر في بيان: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} أن كل التأخيرات في حياتك هي لحكمة بالغة يعلمها الله سلم أمرك له وثق به وهو سبحانه سيعوضك خيراً.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سورة البقرة الدكتور رمضان عبدالرازق الأزهر صلى الله علیه وسلم قوله تعالى ما معنى قال ابن عسى أن
إقرأ أيضاً:
الاعتراض على قدر الله بهذا الفعل.. يجعلك من المغضوب عليهم
قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الرضى بالله وبشرعه وبرزقه وبفعله هو الغنى الحقيقي، وإن كان فاعله فقير لا يأبه به غير معروف بين الناس، منوهًا بأن هناك فعلاً شائعًا بين الناس يعد من أبرز علامات السخط لحكم الله تعالى أو الاعتراض على قدر الله عز وجل.
واستشهد " جمعة" عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت : نعم يا رسول الله، قال : فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت : نعم يا رسول الله، قال : إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب.
وتابع: ثم سألني عن رجل من قريش فقال : هل تعرف فلانا؟ قلت : نعم يا رسول الله .قال : فكيف تراه أو تراه؟ قلت : إذا سأل أعطي، وإذا حضر أدخل، قال : ثم سألني عن رجل من أهل الصفة ، فقال : هل تعرف فلانا؟ فقلت : لا والله ما أعرفه يا رسول الله .
وأضاف: فما زال يحليه وينعته حتى عرفته، فقلت : قد عرفته يا رسول الله، قال : فكيف تراه أو تراه؟ قلت : هو رجل مسكين من أهل الصفة، قال : هو خير من طلاع الأرض من الآخر، قلت : يا رسول الله أفلا يعطى بعض ما يعطى الآخر؟ فقال : إذا أعطي خيرا فهو أهله، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة}. [رواه النسائي وابن حبان].
الاعتراض على قدر اللهونبه إلى أن السخط لحكم الله مهلكة عظيمة فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : {فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط}، وكذلك جاء في الحديث القدسي: {من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليعبد ربا سواي}.
وأوضح أن من أبرز الأدلة على حدوث السخط هو الحسد، فالحاسد في الحقيقة ساخط على حكم الله وساخط على قسمة الله سبحانه وتعالى بين خلقه، فالحاسد عدو نعم الله تعالى لأنه يطلب زوالها ممن نالها، وهو من إساءة الأدب مع الله سبحانه وتعالى.
واستطرد: وما أحسن قول الشاعر: ( أَلاَّ قُلْ لِمَنْ بَاتَ لي حَاسِداً * أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الأدَبَ.. أَسَأت عَلَى اللهِ في فِعْلِهِ * كَأنَّكَ لَمْ تَرْضَ لي مَا وَهَبَ .. فَكَانَ جَزَاؤُكَ أَنْ خَصَّنِي * وسَدَّ عَلَيْكَ طَرِيقُ الطَّلَب).
وأشار إلى أن في الحسد من الأخطار الاجتماعية وتفكك المجتمع ما فيه، ونسأل الله أن يعافينا والمسلمين من كل مرض وخبث يصيب قلوبنا ونفوسنا.
آيات للرضا بقضاء اللهقال تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"قال تعالى: "قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"قال تعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى".قال تعالى: "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ".