اليمن وأزمة انهيار الريال.. ماذا يمكن عمله؟
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
سجل الريال اليمني في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا مؤخرًا، انهيارًا جديدًا وحادًا تجاوز معه حاجز الألفي ريال للدولار الأمريكي؛ وهو ما زاد في تفاقم المعاناة المعيشية لغالبية المواطنين؛ حتى صار متوسط الراتب الحكومي أقل من خمسين دولارا؛ وهو ما تتسع معه دائرة الجوع؛ وبالتالي المزيد من تهديد الأمن الاجتماعي.
لقد تضاءلت القدرة الشرائية لمستويات تراجعت وانحسرت فيها كثير من المشاريع والأنشطة التجارية؛ وأصبح الواقع تهديدًا للمستقبل في حال لم تستوعب الحكومة خطورة الوضع الراهن ومسؤوليتها إزائه، وإعداد استراتيجية اقتصادية إنقاذية واضحة، تتجاوز الشعارات وتوالي الاجتماعات غير المجدية، إلى الانطلاق في إصلاحات جذرية، يتم من خلالها محاصرة الفساد دون مراعاة أي اعتبارات، وتوحيد الأوعية الايرادية، وضبط وإيقاف النفقات والصرفيات بالعملة الصعبة غير الضرورية، والتعامل مع الواقع باعتباره الحلول المتاحة والبناء عليها؛ لأن كل يوم يمر دون التوصل لحلول جذرية حقيقية وتغيير ملموس سيترتب عليه تداعيات أكثر خطورة يقترب فيها الاقتصاد من الانهيار التام، وتفاقم حال المجتمع في علاقته بالجوع والأمن.
السؤال الذي يفرض نفسه: ما هي الأسباب الحقيقية وراء الانهيار المستمر لقيمة الريال في مناطق الحكومة، وما هي التداعيات الأكثر خطورة في حال استمر هذا الوضع، وما هي الحلول التي يتوجب الإسراع في تطبيقها لمواجهة ما هو أسوأ؟
يعيش المواطن اليمني وضعًا معيشيًا سيئًا للغاية قبل الانهيار الأخير؛ وبالتالي فإن استمرار تراجع قيمة الريال وصولًا إلى العجز عن شراء الخبز يهدد بانزلاق المجتمع إلى أتون تداعيات خطيرة تنتشر معها الجريمة وتتفاقم مشاكل المجتمع.
ظاهرة المضاربة
يعتقد الصحافي الاقتصادي، عبد الحميد المساجدي، «أن أسباب انهيار الريال اليمني هي نفسها الموجودة منذ سنوات، وعلى رأسها توقف موارد البلد من النقد الأجنبي، والتي كانت تأتي أغلبها من عوائد مبيعات النفط والغاز، إضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين، وتوقف المنح والمساعدات، وتفشي ظاهرة المضاربة بالعملة الوطنية، وفشل السياسة النقدية، وعدم كفاءة الحكومة في تحصيل الموارد، إضافة إلى التباينات والخلافات بين الأطراف المنضوية تحت مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا».
وهذه أسباب معروفة، وفق المساجدي، ليبقى السؤال عن المعالجات، «إذ أن الحكومة إلى الآن لم تمتلك رؤية اقتصادية لكيفية انقاذ البلد، والحفاظ على قيمة العملة الوطنية، والتعامل مع الوضع الخاص بتوقف تصدير النفط كأمر واقع وعدم تعليق الأماني والأوهام على أمور لن تحصل في القريب العاجل، سواء انتظار أي اتفاق سياسي مع الحوثيين، أو دعم دول التحالف للبنك المركزي، واستخدام مثل هذه الأمور لتبرير الفشل والعجز الحكومي الحاصل».
الفوضى والاضطرابات
ويرى المساجدي، أن ذلك سينعكس سلبًا على القدرة الشرائية مع تناقص القيمة الحقيقية للرواتب وارتفاع الأسعار، وبالتالي انزلاق شريحة واسعة إلى خانة الجوع؛ وما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة.
يقول: «لم يعد المواطن يهتم بمثل هذه التبريرات أو الاستماع لمسببات الانهيار، فما يهمه أن هذا الانهيار أكبر من قدرته على الصبر أو التحمل، كونه تسبب في تآكل القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتناقص القيمة الحقيقية للرواتب الضئيلة، وارتفاع الأسعار، وبالتالي انزلاق شريحة كبيرة من المواطنين إلى خانة الجوع، وما لذلك من تداعيات تفشي الجريمة، وانتشار السرقة والنهب والسلب، والأعمال غير المشروعة، في سبيل البقاء، وهي أعمال ترسخ مزيدًا من الفوضى والاضطرابات وتجعل مناطق الحكومة الشرعية غير قابلة للحياة، وبالتالي بيئة طاردة للأعمال».
ويؤكد أهمية أن تسلك الحكومة نهجًا ثوريًا على المستوى الإداري في حال أرادت معالجة الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرتها.
وقال: «إذا ارادت الحكومة ومجلس القيادة الحفاظ على الاقتصاد الوطني في مناطق سيطرتها وحماية العملة من الانهيار، فعليها أن تسلك نهجًا ثوريًا في الشأن الإداري؛ لأن النمط التقليدي صاحبه الكثير من العجز والفساد والقصور، وبالتالي مراجعة الكثير من السياسات الاقتصادية، وأدوات تنفيذها، وعلى رأس هذه السياسات المتعلقة بتعويم الريال اليمني، وآلية تحصيل الموارد، ونسبها، وأوعيتها، وترشيد الانفاق، وتعزيز آلية المحاسبة ومكافحة الفساد، وتطوير استراتيجية لاستغلال النفط الخام، بعد توقف تصدير النفط منذ سنتين، خاصة إذا ما تم النظر إلى أن اليمن يستورد مشتقات نفطية بأكثر من قيمة النفط الخام المصدّر».
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد الحكومة العملة الأزمة اليمنية فی مناطق
إقرأ أيضاً:
تداعيات الواقع الديموغرافي في ولاية مطرح
أنور الخنجري
alkhanjarianwar@gmail.com
تُعد التحولات الديموغرافية من العوامل الأساسية التي تؤثر بعمق على المجتمعات من حيث تركيبتها السكانية وبُنيتها الاقتصادية، وتؤدي إلى آثار سلبية تطال سوق العمل، والنمو الاقتصادي، بل وحتى الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وفي هذا السياق، فإنَّ ولاية مطرح التي يمثل الوافدون فيها أكثر من ثمانين بالمائة، وفق احصائيات عام 2024، قد مرَّت خلال العقود الأخيرة بتغييرات عميقة بفعل عوامل متعددة أبرزها اعتماد السلطنة المتزايد على العمالة الوافدة القادمة من مناطق شبه القارة الهندية؛ حيث إنَّ تدفق أعداد كبيرة من هذه العمالة، قد غيّر بشكل واضح الكثير من ملامح التركيبة السكانية في البلاد، مما أدى إلى تراجع أعداد المواطنين في العديد من المحافظات والولايات العُمانية ومنها ولاية مطرح الصغيرة مساحة وسكانًا، حيث إن أغلب سكانها العُمانيين قد هجروها إلى أماكن أخرى بحثًا عن فرص أفضل للعيش والعمل.
هذا التحول لم يكن مجرد تبدل في الأرقام، بل امتد ليُعيد تشكيل ديموغرافية المكان، ويُحدث آثارًا مباشرة على الاقتصاد، وسوق العمل، والسكن، والهوية. ومع استمرار هذا التغيير، بات من الضروري التفكير في حلول شاملة، تبدأ من فهم الواقع وتنتهي باستحداث أفق عمراني واجتماعي جديد، يضمن التوازن والاستقرار؛ إذ إن التغيرات الديموغرافية ليست مجرد أرقام في تقارير الإحصاء، بل هي عوامل حاسمة تشكّل مستقبل المجتمعات واقتصاداتها الوطنية، والتعامل معها بوعي واستباقية هو ما يحدد قدرة الدولة على التكيف وتحقيق التنمية المستدامة في عالم سريع التغير.
لا شك أن التحول الديموغرافي في ولاية مطرح قد انعكس بوضوح على الاقتصاد وسوق العمل وعلى البنية الاجتماعية؛ فالوافدين في الولاية يشكلون العمود الفقري في قطاعات التجارة، والخدمات، والتجزئة، والبناء وغيرها من الأنشطة، ورغم مساهمتهم الضئيلة في عجلة الاقتصاد المحلي إلا أن جزءًا كبيرًا من دخول العمالة الوافدة يُحوَّل إلى الخارج، وهذه التحويلات تمثل استنزافًا للسيولة المحلية، كما إن وجود عمالة وافدة غير نظامية أو بأوضاع قانونية هشة، أدى إلى توسُّع الاقتصاد غير الرسمي؛ مما أضعف من فعالية السياسات الاقتصادية والضريبية وخلق تنافسًا غير عادل في سوق العمل.
وفي ظل هذا الوضع، بات من الضروري وضع سياسات فاعلة لتشجيع أبناء الولاية على العودة والاستقرار في ولايتهم. ولتحقيق هذه الغاية، يُمكن تبنِّي مجموعة من المبادرات والإجراءات العملية المتمثلة في: تمكين أبناء الولاية من الاستقرار داخل النطاق العمراني للولاية، كخطوة أولى أساسية نحو عودتهم. ويمكن دعم ذلك من خلال إعادة صياغة التخطيط الحضري لولاية مطرح كإنشاء مدن جديدة حديثة توزع فيها أراض سكنية لأبناء الولاية وتكون مناسبة لبناء مساكن بسيطة ومتواضعة، بعيدًا عن تعقيدات العقار المُكلف أو العمران الفاخر، أو بناء مجمعات سكنية خاصة بأبناء الولاية تخدم مختلف شرائح الدخل في المجتمع مع ضمان توفر بنية تحتية تشجع على الاستقرار طويل الأمد مع مرافق أساسية (مدارس، مراكز صحية، مساجد، أسواق)، وبحيث تكون في بيئة اجتماعية وثقافية تحاكي طبيعة المدن والأحياء العُمانية الأصيلة.
وبحكم محدودية الأراضي الصالحة للبناء داخل النطاق الحضري في الولاية وازدياد الحاجة إلى حلول إسكانية مُستدامة، فإنه بات من الضروري التفكير خارج الصندوق، واللجوء إلى خيار استحداث أراضٍ جديدة في المرتفعات الجبلية المحيطة بالولاية كخيار إستراتيجي وواعد.
وهذا التوجه لا يهدف فقط إلى التوسع العمراني؛ بل إلى خلق أحياء جديدة تراعي خصوصية السكان وتُعيد التوازن الديموغرافي في ظل طغيان الكثافة الوافدة، مثل المساحات الفضاء الواقعة في المرتفعات الجبلية الممتدة من خلف مستشفى النهضة إلى مدخل قرية البستان، أو المرتفعات الجبلية التي تفصل مدينة مطرح القديمة عن مدينة روي أو تلك المرتفعات الفاصلة بين مدينة مطرح ومنطقة عينت ودارسيت، أو حتى تلك الجبال الواقعة على مسار سكة الخيل بين وادي خلفان ومنطقة ريام الساحلية، كلها مساحات فضاء غير مُستغلة عُمرانًا، وهي مهيأة بكل سهولة، ولو تم التفكير فيها جديًا لزيادة الرقعة السكانية في الولاية، ومع إجراء المسوحات الجيولوجية والهندسية اللازمة فإنها يمكن أن تتحول إلى مدن جديدة بتصميم عمراني مرن يسمح بالبناء التدريجي؛ حيث توفر هذه المرتفعات مناخًا طبيعيًا وموقعا يحاكي تراث المدن الجبلية التقليدية، خاصة وأن بعضها يطل على مناظر بحرية خلابة، الأمر الذي يشجع الأهالي على العودة والاستقرار في الولاية. وتشجيع أبناء الولاية على العودة لا يحقق فقط توازنًا ديموغرافيًا؛ بل يسهم أيضًا في استعادة النسيج الاجتماعي والثقافي، ويعيد توزيع الثروة وفرص العمل بشكل أكثر عدالة.
إنَّ ولاية مطرح تقف اليوم على مفترق طرق، بين واقع ديموغرافي مُتغير، واقتصاد هش في قبضة مافيا العمالة الوافدة، وهذه ظاهرة ذات أبعاد مُعقدة، تحمل في طياتها فرصًا اقتصادية وتحديات اجتماعية، إلّا أنَّ إيجاد توازن بين الاستفادة من هذه العمالة وتنظيم وجودها، مع تمكين المواطنين، هو المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة؛ فالعمالة الوافدة أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من واقع الولاية، غير أن العمل على رسم ملامح المستقبل عبر تخطيط مدروس، وشراكة مجتمعية، وإرادة سياسية واضحة، يُتيح لولاية مطرح أن تعيد بناء ذاتها وتستعيد توازنها الطبيعي، لتكون مكانًا للجميع... ولكن بهويتها الأصلية التي لا تُشترى ولا تُستبدل.