محمود أبو طلال.. شهيد الأسر وصوت المقاومة في مخيم جنين
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
الضفة الغربية- لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مخيم جنين شمال الضفة الغربية وتهجير سكانه واعتقال العشرات من أبنائه، وقتل عدد كبير منهم، بل واصل محاولاته لاجتثاث كل من له علاقة بالمقاومة وبحاضنتها الشعبية والوطنية، مستهدفا رموز المخيم وناشطيه داخل السجون الإسرائيلية وخارجها.
ومن بين تلك الرموز ظهر اسم المناضل والأسير الفلسطيني محمود عبد الله "أبو طلال" (49 عاما)، الرجل الذي نعى نفسه قبل استشهاده، ولا تزال كلماته تتردد في أزقة المخيم الذي أحبّه.
وتلك الكلمات التي لطالما شكّلت دعما للمقاومة ولشهداء جنين وأسراها، صارت اليوم نداء أخيرا بعد أن استشهد "أبو طلال" الأحد الماضي داخل سجون إسرائيل، ضحية لإهمال طبي أنهى حياته بصمت كما أراد الاحتلال، لكن صدى رحيله دوَّى بين أبناء المخيم ومدينة جنين بشكل أكبر.
عائلة مناضلة
وقبل اعتقاله الأخير، والذي استشهد خلاله، طورد أبو طلال واعتقل في نهاية الانتفاضة الثانية، حين نشط مع كتائب شهداء الأقصى -الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني (فتح)- في مخيم جنين بين عامي 2006 و2007، وقضى آنذاك عامين في سجون الاحتلال.
وينتمي أبو طلال إلى عائلة مناضلة، فابن شقيقه محمد الحربوش نصب كمينا في حارة "الدمج" ضد جنود الاحتلال الذين اقتحموا مخيم جنين، في أغسطس/آب 2024 واستُشهد خلاله، وقبيل استشهاده تلقّى والده اتصالا من ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي هدّده فيه وطالبه بتسليم ابنه، كما توعَّد أبو طلال -في الاتصال نفسه- بالملاحقة والاعتقال بسبب نشاطه الوطني والمقاوم.
"أنا بلّشت (بدأت) حياتي بشرف، وبدي أنهيها (أريد إنهاءها) بشرف"؛ عبارة تلخّص فلسفة الشهيد أبو طلال في الحياة والنضال، إذ كان يرى أن طريق المقاومة خيار شخصي اتخذه بإرادته الكاملة رغم امتلاكه حياة مستقرة وعملا وراتبا.
إعلانورغم أنه كان أحد أفراد الشرطة الخاصة التابعة للسلطة الفلسطينية قبل تقاعده، فإن ذلك لم يمنعه من الاختلاف مع توجهات السلطة السياسية، ما جعله عرضة للملاحقة خلال حملة "حماية وطن" التي أطلقتها السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2024 للقضاء على مجموعات المقاومة في مخيم جنين.
ويتحدث الصحفي عبادة طحاينة للجزيرة نت عن علاقته القوية بالشهيد أبو طلال بحكم عمله الميداني في المخيم، مشيرا إلى أنه كان دائم الحضور في كل فعالية أو مواجهة، قريبا من المقاومين، يمنحهم معنويات عالية بخطابه المؤثر وشجاعته الميدانية.
ويرى طحاينة أن أبو طلال شكّل نموذجا نادرا في المخيم، ويقول "رجل كبير في العمر، لكنه يتمتع بطاقة الشباب وإصرار المقاتلين، وكان حضوره يبعث الحماس في كل من حوله، ولم يخشَ التهديدات، لا من الاحتلال ولا من أجهزة السلطة، وكان يقول دائما إن أمامه خيارين فقط: النصر أو الشهادة".
ويؤكد طحاينة أن تأثير أبو طلال لم يقتصر على المقاتلين، بل امتد إلى الأطفال والنساء وكبار السن، إذ كان حاضرا في تفاصيل الحياة اليومية، محاطا بمحبة واحترام الناس، حتى صار اسمه مرتبطا بمخيم جنين كرمز للمقاومة والثبات في وجه الحملات العسكرية المتكررة.
ويبتسم أحد أبناء مخيم جنين والمقرّب من الشهيد أبو طلال، أحمد حواشين، حين يسترجع ذكرياته معه، ويقول للجزيرة نت "كان أبو طلال صاحب نكتة وشخصا له حضوره الخاص، وكان محبّا للحياة رغم قسوة الواقع، ويملأ الجلسات بالضحك والحديث، ويمتلك كاريزما لافتة بين الناس".
ويتحدث حواشين عن الصورة التي عاش بها أبو طلال في وجدان المخيم وتركها قبل رحيله، موضحا أن غيابه شكّل صدمة كبيرة لأهالي جنين، إذ ظل حاضرا في حياتهم كرمز للمقاوم الصادق والبسيط، الذي عاش من أجل الناس وبقي في صفِّهم حتى اللحظة الأخيرة.
"صُدمنا، أبي دخل السجن جبل، وأصيب بالسرطان واستــ..شهد"..
عائلة الأسير الشهيد محمود عبد الله "أبو طلال" من مخيم جنين، تتحدث عن تلقيها نبأ استشــ..هاده pic.twitter.com/TO6hflEHFQ
— شبكة قدس | الأسرى (@asranews) October 19, 2025
نزوح وفقدأما عائلة أبو طلال التي تهجّرت من مخيم جنين بعد تدمير منازلها الـ18 بالكامل، تعيش اليوم في بيوت مستأجرة متفرقة، كما حال أهالي المخيم الذين هجّرهم الاحتلال من منازلهم، منذ أن شنّ ولا يزال، عملية السور الحديدي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتحمل العائلة وجعا مضاعفا بين فقدان البيت والابن، بينما يحاول أبناؤه الستة وزوجته، التأقلم مع واقع صعب رغم الحزن العميق الذي خلّفه اعتقاله ومرضه ثم استشهاده في الأسر.
ويروي شقيق الشهيد أبو طلال، ميمون عبد الله، للجزيرة نت، تفاصيل الاعتقال الأخير، مبينا أن الاحتلال اعتقله مطلع فبراير/شباط 2025 بعد مطاردة طويلة، وأن إصابته بسرطان في الكبد اكتُشفت بعد 10 أيام فقط من اعتقاله.
ويقول إن الاحتلال لم يقدّم له أي علاج فعلي طوال فترة اعتقاله، واكتفى بإعطائه المسكنات حتى تدهورت حالته الصحية بشكل كبير، رغم مناشدات العائلة المتكررة للمؤسسات الحقوقية من أجل التدخل والسماح بعلاجه أو الإفراج عنه.
من جهتها، أكدت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة، للجزيرة نت، أن "الإهمال الطبي كان متعمدا، إذ تُرك أبو طلال من دون علاج فعّال حتى وصل إلى مرحلة لا يمكن التدخل فيها طبيا".
إعلانوأضافت "ما جرى مع أبو طلال ليس مجرد إهمال طبي، بل عملية قتل ممنهجة تتكرر مع عشرات الأسرى المرضى داخل السجون، الذين تواجه المؤسسات الحقوقية صعوبة كبيرة في الوصول إليهم أو الحصول على معلومات دقيقة عنهم".
وأوضحت سراحنة أن نقل أبو طلال إلى مستشفى الرملة جاء بعد أن فقد وعيه تماما، وأن الاحتلال "لم يسمح بأي تدخل طبي حقيقي"، مضيفة أن حالته "تُعيد فتح ملف الأسرى المرضى الذين يواجهون الموت البطيء بصمت خلف القضبان".
رحل أبو طلال تاركا خلفه سيرة تختصر حكاية جيل كامل من أبناء مخيم جنين، وهو الذي ظلّ حاضرا في كل زقاق وفعالية وموكب شهيد، يرفع المعنويات ويُجدد الإيمان بالمقاومة والوحدة، لم يكن رجل شعارات، بل عاش كما قال "بدأت حياتي بشرف وسأنهيها بشرف"، فكانت كلماته وعدا تحقّق فعلا.
واليوم، بين أنقاض المخيم وصدى صوته الذي لا يغيب، يبدو أن إرث أبو طلال لم ينته برحيله، بل بدأ يتجسّد في الوجوه الشابة التي سار معها وعلّمها أن الشرف لا يُكتسب بالكلام، بل يُحفظ بالفعل والثبات حتى النهاية.
وباستشهاد أبو طلال، ومن ثم استشهاد المسن كامل العجرمي (69 عاما) من قطاع غزة، أول أمس الاثنين، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة والمعتقلين منذ بدء حرب الإبادة إلى 80 شهيدا، وفق نادي الأسير الفلسطيني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات للجزیرة نت مخیم جنین عبد الله
إقرأ أيضاً:
لليوم الـ273..العدو الصهيوني يواصل عدوانه على جنين وارتفاع عدد الشهداءِ لـ65
الثورة نت /..
تواصل قوات العدو الصهيوني عدوانها على جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة لليوم الـ273 على التوالي، مع استمرار حملاتِ الاعتقال ومداهمة المنازل وإطلاق الرصاص الحي صوب المواطنين وتخريب الممتلكات.
وحسب اللجنة الإعلامية لمخيم جنين، فإن المدينة وبلداتها ومخيماتها الجنوبية والشرقية شهدت اقتحامات متكررة، واعتقالات واسعة، واعتداءات متواصلة تطال المدنيين والمرضى والمزارعين، وسط تصعيد خطير في الانتهاكات اليومية.
وحسب وكالة صفا الفلسطينية، أشارت اللجنة إلى استُشهاد الأسير محمود طلال عبد الله من مخيم جنين، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان داخل سجون العدو، نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد الذي أدى إلى تفاقم حالته الصحية ووفاته خلف القضبان.
ولفتت إلى استشهاد الشاب سليم راجي حسن الفار من بلدة الزبابدة جنوب جنين، بعد تعرضه للضرب الوحشي على الرأس من قبل جنود العدو قرب الجدار الفاصل في بلدة الرام شمال القدس، أثناء محاولته التوجه إلى عمله.
وفي بلدة قباطية جنوب جنين، اعتقلت قوات العدو الشاب أوس ماجد حنايشة بعد مداهمة منزله، وكذلك الشبان حمودة محمود الدبعي، وأسيد محمود الدبعي، ولؤي الدبعي، وهم من أبناء الشهيد محمود الدبعي، وذلك في إطار حملة استهداف لعائلات الشهداء والمقاومين.
وأصابت قوات العدو مسنة بعيار ناري في القدم، وأطلقت الرصاص خلال مواجهات عنيفة شهدتها البلدة.
وفي يعبد جنوب غربي جنين، داهمت قوات العدو عمارة أبو صفط ونصبت قناصة على أسطح المنازل في حي أبو شمله، وسط تحليق للطائرات المسيّرة فوق المنطقة واستنفار واسع في صفوف الجنود.
وفي الوقت نفسه، واصلت قوات العدو اقتحاماتها المتكررة لقرى المحافظة، من بينها رمانة والفندقومية والحفيرة قرب قباطية، إلى جانب اقتحام حي المراح في مدينة جنين، وتم تخريب نصب تذكارية للشهداء، في مشهد يعكس حجم الحقد والانتقام الذي تمارسه بحق المدينة وأبنائها.
وحسب اللجنة الإعلامية، ارتفع عدد شهداء جنين، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 21-1-2025 إلى 65 شهيدًا، بينهم 4 برصاص واعتداءات أجهزة أمن السلطة.
وأشارت إلى أن أجهزة السلطة لا تزال تعتقل منذ بداية العدوان، أكثر من 46 شابًا من مخيم جنين، بينهم مقاومون من كتيبة جنين، ويتعرضون للتعذيب والضرب والاعتقال في ظروف غير إنسانية.