عربي21:
2025-10-22@06:13:08 GMT

جيل زد المغربي والبركان الإقليمي

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

ما أن تمرّ بضع سنوات حتى تأتي أحداث تؤكد من جديد أن ما انطلق من تونس يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 وبلغ ذروته في العام التالي في موجة انتفاضات شعبية عارمة امتدت إلى ستة من بلدان المنطقة وشملت علاوة عليها أنماطاً شتى من الحراك الجماهيري في بلدان أخرى، وهي الموجة التي عُرفت بتسمية «الربيع العربي»، أن تلك الموجة لم تكن حدثاً طارئاً وفريداً، بل كانت بداية ما شخّصتُه حينها بوصفه «سيرورة ثورية طويلة الأمد» (في كتاب «الشعب يريد: بحثٌ جذري في الانتفاضة العربية»، بيروت: دار الساقي، 2013).



أما أساس هذا التشخيص، فكان أن الانفجار السياسي-الاجتماعي الذي شهدته المنطقة الناطقة بالعربية جاء تعبيراً عن أزمة بنيوية عميقة ناجمة عن تفكيك النهج الاقتصادي التنموي وإحلال النهج الـ»نيوليبرالي» محلّه خلال الربع الأخير من القرن المنصرم، على خلفية نظام من الدول الإقليمية التي تتناقض طبيعتها مع مقتضيات رأسمالية السوق النموذجية التي يستند إليها التصوّر الـ»نيوليبرالي».
فكانت النتيجة أن المنطقة شهدت معدلات تنمية اقتصادية شديدة الانخفاض بالمقارنة بسائر مناطق الجنوب العالمي، بحيث انعكس الأمر في ارتفاع نِسب البطالة، وعلى الأخص بطالة الشباب التي بلغت في المنطقة رقمها القياسي العالمي، وقد طالت بصورة مميّزة خرّيجي الجامعات.

كمنت هذه الوقائع الاجتماعية خلف الانفجار الإقليمي، الذي تعدّدت أسبابه السياسية المحلّية، لكنّ أساسه الاجتماعي-الاقتصادي كان متشابهاً من حيث الجوهر في عموم المنطقة. أما الاستنتاج الذي فرضه هذا التشخيص، فهو أن الغليان الاجتماعي-السياسي لن يتوقف ما دامت الأزمة البنيوية قائمة، وأنه مهما كان مصير الانتفاضات الظرفية، فإن انتفاضات وحراكات جماهيرية أخرى سوف تليها لا مُحال.

وبالفعل، فإن هزيمة موجة عام 2011 بنتيجة القمع الخليجي في البحرين والانقلاب العسكري في مصر وغرق سوريا وليبيا واليمن في أوحال الحرب الأهلية، لم تَحُل دون قيام موجة ثانية من الانتفاضات انطلقت من السودان في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، وشملت الجزائر والعراق ولبنان في العام التالي. وقد هُزمت الموجة الثانية بدورها في البلدان الثلاثة الأخيرة بتضافر القمع مع جائحة كوفيد-19، لكنها بقيت مستمرة في السودان على الرغم من الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إلى أن غرقت البلاد بدورها في حرب أهلية نجمت عن الصراع بين جناحي المؤسسة العسكرية التي خلّفها عمر البشير، وقد انفجرت تلك الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023.

هذا وكان قد تم القضاء على النظام الديمقراطي في تونس، وهو آخر ما تبقى من مكاسب موجة عام 2011، بانقلاب على الدستور أجراه الرئيس المنتخب قيس سعيّد بالاستناد إلى الأجهزة الأمنية يوم 25 يوليو/ تموز 2021. فبدى الأمر مع اندلاع حرب العسكر في السودان وبعدها بستة أشهر بداية حرب الإبادة الصهيونية في غزة ومفعولها المُحبِط، وكأن البركان الاجتماعي قد انطفأ في المنطقة وأن «الانتفاضات العربية» بلغت خاتمتها.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال بطالة الشباب فيها تبلغ أعلى معدّل عالمي
بيد أن إدراك درجة غليان الحالة الاجتماعية في المنطقة لا يكون بالانطباعات، بل يجب أن يستند إلى المعطيات الاجتماعية والاقتصادية، ولاسيما المؤشر الرئيسي الذي ذكرنا، ألا وهو البطالة الشبابية. والحال أن المعطيات المتوفرة لدى «منظمة العمل الدولية» تدلّ على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال بطالة الشباب فيها تبلغ أعلى معدّل عالمي، بما يقترب من ربع فئة الشباب العمرية (بين سن 15 وسن 24).

وها أن الحراك الشبابي الجماهيري العارم الذي عرفه المغرب بدءاً من 27 سبتمبر/ أيلول الماضي والذي لم ينطفئ بعد وإن خمد منذ بضعة أيام، جاء ليؤكد أن البركان الاجتماعي الإقليمي ما زال في اتّقاد. ولا غرابة من أن ينفجر غضب الشبيبة المغربية في ضوء معطيات البطالة الخاصة بها والمتوفرة لدى «المندوبية السامية للتخطيط» المغربية. فإن هذه المعطيات تشير إلى أن معدّل البطالة لدى الفئة العمرية 15-24 (وهي الفئة التي تنتمي إليها أغلبية جيل زد) ناهز هذا العام 36 في المئة وكاد يبلغ النصف (47 في المئة) في المناطق المدينية. وقد بلغ المعدّل المذكور بالنسبة للفئة العمرية التالية (25-34) 22 في المئة، و27.5 في المئة في المدن.

وإنها لمعدّلات بالغة الارتفاع تزداد خطورتها إذا نظرنا إلى بطالة الخريجين ضمنها، وهي تقارب الخُمس بالنسبة للسكان العاملين بمجموع أعمارهم. وإذا أضفنا إلى هذه المعطيات البطالة النسائية التي تقارب الخُمس لمجموع الأعمار هي أيضاً، اتضح لنا سبب النسبة العالية من الطلبة والفتيات التي تميّزت بها المشاركة في حراك «جيل زد» المغربي.

هذا ويترافق دخول جيل جديد حلبة الصراع الاجتماعي بتطورات في أشكال تنظيم النضال بالتوازي مع التطور المستمر لتكنولوجيا التواصل الاجتماعي، لاسيما أن للشباب المتعلّم دوراً رائداً وهو يحسن استخدام هذه التكنولوجيا.

فحيث أن الموجتين السابقتين من الانتفاضات الإقليمية استخدمت تطبيق فايسبوك في المقام الأول، رأينا حراك «جيل زد» المغربي يستخدم تطبيق «ديسكورد» الذي يوفّر إمكانية تنظيم الاستشارة الديمقراطية بصورة أسهل وأسرع بكثير. وقد بلغ عدد مستخدمي التطبيق في الحراك المغربي مئتي ألف، كانوا يصوّتون عبر التطبيق على مواصلة تظاهراتهم. هذا الأمر يشير إلى بلوغ مستوى أعلى من التنظيم الديمقراطي، حتى بالمقارنة مع التقدّم السابق في هذا المجال الذي أحرزته «لجان المقاومة» السودانية، التي شكّلت في حينها نقلة نوعية في التنظيم الذاتي الديمقراطي للحراك الثوري الشبابي.

أما ما زال ناقصاً في كافة التجارب المذكورة، فهو قوة سياسية جذرية منظّمة على نطاق البلد قادرة على تشكيل بديل ذي مصداقية من حيث تجسيد أماني الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والقدرة على إدارة البلاد عوضاً عن النظام القائم. فإن نجاح أي انتفاضة مستقبلية في المنطقة سيبقى مرهوناً بظهور مثل البديل المذكور وقدرته على مضافرة الحراك الشبابي القاعدي الديمقراطي. وحتى توفّر شروط هذا التغيير الجذري، فإن السيرورة الثورية الإقليمية سوف تتواصل بالتأكيد، بيد أن انسداد الأفق أمامها يُنذر بتوليد مآسٍ جديدة بين استمرار الأنظمة القائمة من خلال ممارسة البطش وبين انحلالها في أتون الحرب الأهلية.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الربيع العربي المغرب جيل زد الربيع العربي تظاهرات المغرب جيل زد مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بطالة الشباب فی المنطقة فی المئة جیل زد

إقرأ أيضاً:

انخفاض معدل البطالة في فنلندا لأدنى مستوى منذ 9 أشهر

أظهرت بيانات مكتب الإحصاء في فنلندا خلال تعاملات، اليوم الثلاثاء، انخفاض معدل البطالة لأدنى مستوى منذ 9 أشهر في سبتمبر الماضي.

 

بيانات مكتب الإحصاء الفنلندي

 

وبلغ معدل البطالة بين من يبلغون من العمر 15 إلى 74 عاماً نحو 9.1% في سبتمبر الماضي مقارنة بـ 9.3% في أغسطس الماضي.

 

وكان معدل البطالة قد بلغ 8.1% خلال نفس الشهر من العام الماضي، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية "د ب أ".

 

وتراجع عدد العاطلين عن العمل إلى 259 ألف شخص في سبتمبر الماضي مقارنة بـ 267 ألف خلال أغسطس الماضي.

 

ولم يتغير معدل البطالة بين أفراد الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاماً، وسجل 16.6%.

 

وأظهرت البيانات انخفاض معدل التوظيف إلى 62.1% في سبتمبر الماضي مقارنة بـ 62.3% في أغسطس الماضي.

 

وبلغ معدل البطالة في فنلندا خلال الربع الثالث 9.2% مقارنة بـ 10.2% خلال الربع الثاني.

 

ارتفاع معدل التضخم بنسبة 1.1% في سلطنة عمان خلال سبتمبر

 

معدل التضخم في سلطنة

 

سجل المؤشر العام لأسعار المستهلكين في سلطنة عمان ارتفاعاً بنسبة 1.1% في شهر سبتمبر الماضي مقارنةً بالشهر المماثل من عام 2024 لسنة الأساس 2018.

 

ووفق وكالة الأنباء العُمانية اليوم الثلاثاء، ارتفع أيضاً متوسط التضخم خلال الفترة من شهر يناير الماضي إلى شهر سبتمبر الماضي بنسبة 0.8% وفقاً للبيانات الصادرة عن "المركز الوطني للإحصاء والمعلومات".

 

وأظهرت البيانات أن متوسط معدل التضخم لمجموعة السلع الشخصية المتنوعة والخدمات في سلطنة عُمان بلغ نحو 6.4%، في حين تصدّرت أسعار هذه المجموعة قائمة المجموعات الأكثر ارتفاعاً بنسبة 7.6% في الشهر الماضي مقارنةً بالشهر المماثل من عام 2024، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

 

تلتها مجموعة النقل بنسبة 4.5%، ثم مجموعة المطاعم والفنادق بنسبة 2.6%، كما سجلت مجموعة الصحة ارتفاعاً بنسبة 0.8%، وأسعار مجموعة الملابس والأحذية بنسبة 0.4%، ومجموعة التعليم بنسبة 0.1%.

 

في المقابل، سجلت أسعار مجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية انخفاضاً بنسبة 0.5%، ومجموعة الثقافة والترفيه بنسبة 0.2%، ومجموعة الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة بنسبة 0.1%.

 

بينما حافظت أسعار مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، ومجموعة الاتصالات ومجموعة التبغ على استقرارها دون تسجيل أي تغيير يُذكر.

 

رئيس فنلندا: مستعد لأكون مترجما بين ترامب وزيلينسكي وزير الري يبحث مع سفيرة فنلندا بالقاهرة تعزيز التعاون بين البلدين بمجال الموارد المائية فنلندا تعلن استئناف قبول طلبات لجوء السوريين رئيس جامعة المنصورة يبحث تعزيز التعاون مع جامعة «هاغا-هيليا» بدولة فنلندا رئيس جامعة المنصورة يزور جامعة «هاغا-هيليا» بدولة فنلندا فنلندا تستدعي السفير الإسرائيلي.. ما القصة؟ فنلندا تعلن انضمامها إلى إعلان بشأن تطبيق حل الدولتين مدفيديف: روسيا لا يمكن أن تتجاهل عضوية فنلندا في حلف الناتو مدفيديف: لا يمكن لروسيا تجاهل عضوية فنلندا في حلف الناتو رئيس وزراء فنلندا: هناك حاجة للمشاركة الأمريكية بالضمانات الأمنية في أوكرانيا

 

مقالات مشابهة

  • ارتفاع معدل التضخم بنسبة 1.1% في سلطنة عمان خلال سبتمبر
  • انخفاض معدل البطالة في فنلندا لأدنى مستوى منذ 9 أشهر
  • البطالة في غزة.. حرب صامتة تقتل الفلسطينيين جوعا وقهرا
  • الإعلان عن مقتل اثنين من أفراد طاقم ناقلة الغاز المسال "فالكون" التي تعرضت لهجوم في خليج عدن
  • العراق يتصدر مفاجآت النمو الإقليمي.. اقتصاد يتحدى السياسة والنزاعات
  • ارتفاع معدل البطالة في غزَّة إلى 80% جراء العدوان الصهيوني
  • الإحصاء: قطاع غزة يغرق في البطالة والقطاع الإنتاجي يتآكل
  • ما الذي تم تطويره في المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير؟.. محافظ الجيزة يجيب
  • كيف يبدو سوق العمل في الأردن؟