المشاجرات تحصل في كل دول العالم.
المشاجرات تحصل بين طلاب الجامعات وفي ملاعب كرة القدم وفي الأزقة وعند محلات الترفيه وحتى في الأسواق.
وعندما تحصل أي مشاجرة لابد من التعاطي معها بـ «التثقيف» أولاً ومناقشة الأسباب ثم بمجسات القانون ثانياً، على ألا تتحول إلى قضية سياسية ملتبسة.
المشاجرات عندما تكون محلية أردنية لا علاقة لها بالعشائر ولا ينبغي ربطها بالعشائرية ولا حتى بالمناطقية لأن هذا الربط خبيث إلى حد ما ويؤشر على أن الأطراف التي يتوجب عليها درء المفاسد لا تقوم بواجبها.
وعندما يحصل ذلك ينكشف التقصير البيروقراطي والإجرائي ويسترسل التلاوم ولا تعالج الاشكالات ويتهرب كبار المسؤولين وصغارهم في الحكومة ومؤسساتها من الإجابة على أسئلة التقصير.
دوما وأبداً، اسباب المشاجرات سخيفة ولا يمكن احترامها في الأغلب الأعم.
شاهدنا مؤخرا «فتنة اجتماعية» كادت أن تقع بسبب تزاحم شخصين على بوابة أحد المناسف.
وراقبنا معاً كيف كان التبرير الأسرع لمشاجرة الجامعة الأردنية التي قرعت جرس القلق مجددا هو إسقاط البعد العشائري وإتهام المكونات الاجتماعية بما ليس لها فيه أي دور عمليا.
الأهم من وسم المتشاجرين أو ربطهم بمناطقهم وعائلاتهم وعشائرهم هو العودة الى المربع الأول الذي اجتهدنا كأردنيين سنوات طويلة في محاولة مغادرته وهو هيبة القانون ودولة المؤسسات.
قلناها سابقا ونعيدها : هيبة القانون لا تتجزأ.. المعنى هنا أنك إذا كُنتَ في موقع المسؤولية ينبغي أن تتوقف فورا عن توقع نتائج مختلفة ما دُمت تُصرُّ على استخدام نفس الطرق والأدوات القديمة وتمارس الفرار في استحقاق المناقشة الصريحة للوضع القائم.
لا يمكنك إذا كنت مسؤولا في مواقع القرار أو المجتمع أن تتوقع ذوبان الهويات الفرعية، فيما اليقين الاجتماعي يستقر بأن القانون لا يُطبّق بحذافيره وبمسطرة واحدة على كل الحالات الفردية والجماعية.
هيبة القانون قيمة عميقة وأساسية وهي التي تذيب الهويات الفرعية، والدولة حتى تستطيع «اتهام الهوية الفرعية» بأي مشكلة عليها أن تتوقف من جانبها عن استدعاء الهوية الفرعية على حساب هيبة القانون وفقا لاحتياجاتها بين الحين والأخر.
ممارسات السلطات والمؤسسات في الصغيرة والكبيرة يتوجب عليها الانتباه الشديد، لأن أي تساهل في طي نصوص القانون وهندسة التزاماته وتطبيقاته سيقود إلى انفلات يعلي من شأن الهويات الفرعية.
المواطن- أي مواطن – يلجأ إلى العشيرة والمنطقة وللقريب والجار والصديق والنسيب لحماية حقوقه عندما لا تضمن مؤسسة القانون له ذلك.
التدخلات الهندسية في انتخابات الطلاب والبرلمان وبناء الأحزاب هي التي تخدش هيبة القانون وتؤدي إلى انفلات زمام السيطرة وفي النتيجة ظهور الانحياز الفردي أو المناطقي باعتباره القوة الضامنة.
ليس سراً أن الهويات الفرعية تتغذى على مساحات الفراغ التي تستقر في يقين المجتمع أفقيا عندما يغيب القانون هنا أو توضع مسطرته في حالة ما هناك على الرف ،أو عندما يدرك العامة بأن الحكومة تستدعي الهوية الفرعية أحيانا لأغراضها فتصبح الهوية الفرعية مصدر قوة ونفوذ ووصول.
وليس سراً أن المشاجرة الجماعية السخيفة في كل الأحوال التي شهدتها الجامعة الأردنية مؤخراً هي نتاج التفريط والتساهل في تطبيق المعيار القانوني.
وهي ثمرة غياب اليقين الاجتماعي بأن الدولة عبر موظفيها وأذرعها وأجهزتها لا تأخذها لومة لائم في تطبيق القانون..وتلك ليست مهمة الجامعة ولا الوزارة إلا باعتبارهما جزءًا من الانشغال الوطني العام.
لا يوجد أذكى من المواطن الأردني إطلاقا عندما يتعلق الأمر ليس فقط بفهمه لوقائع الحال، ولكن بحقائق معيشية يوميا تخبره بأن الواسطة والمحسوبية والعشيرة والمنطقة هي الضمانة الأساسية مادامت الحكومة أصلاً غارقة حتى أذنيها في المحاصصات المناطقية والاجتماعية وعلى حساب العشائر وأبنائها.
كيف يفهم الطالب الشاب أن «المناطقية « ضارة جدا وهو يشاهد حكومته منذ عقود تختار كبار الموظفين بناء على المحاصصة المناطقية؟
كيف نفهم جميعا أن الهوية الفرعية سلبية فيما تشكل أساساً لمنطق «التفريق» الرسمي والبيروقراطي بين المكونات الاجتماعية ؟
تلك أسئلة مسكوت عنها عندما يتعلق الأمر بمناقشة صريحة للمشاجرة الجماعية الأخيرة التي صدمت الجميع.
المشاجرات تحصل وتلك ليس المشكلة بينما كيفية التعامل معها هي الإشكالية وردعها من الواجب أن يكون المنطلق والمنهجية بمعنى الوقاية.
وللتذكير فقط يمكن القول بأن اتهام العشائرية والمناطقية سهل لكن تثقيف الأفراد بثقافة قانونية صارمة ومنع حصول المشاجرات والجرائم هو الأصعب.
مشاجرة الجامعة الأردنية في الواقع نتاج حالة التفريط بهيبة القانون والعدالة.
نضم صوتنا للصوت العاقل الذي اقترح بأن الدولة هي التي تدير الجامعات وليس العشائر.
ومن غير المعقول بعد التفريط حتى بالقوانين الناظمة لأدوار قيادات الصف الاول عشائرياً، المطالبة بحالة ردعية تضمن سلوك الطلاب في الجامعات.
تركيبة المجتمع واقع مستقر ومن يشعر بأن الحكومة لا تطبق القانون أو لا تضمن له حقوقه، أو يحتفل موظفون فيها بالانقسام والفرقة من الطبيعي له استدعاء الإطار الاجتماعي الذي يعبر عن هذه الحقوق.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المشاجرات الجامعة الأردنية الاردن الجامعة الأردنية المشاجرات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهویات الفرعیة هیبة القانون
إقرأ أيضاً:
الطراونة يدعم قرارات الجامعة الأردنية بحق طلاب المشاجرة الجماعية
صراحة نيوز – أعرب رئيس الجامعة الأردنية الأسبق، الأستاذ الدكتور اخليف الطراونة، عن دعمه الكامل للقرارات التي اتخذتها الجامعة بحق الطلاب المتورطين في المشاجرة الجماعية التي اندلعت في الحرم الجامعي الأسبوع الماضي.
وكانت الجامعة الأردنية قد أعلنت، استنادًا إلى نظام تأديب الطلبة، فصل 21 طالبًا نهائيًا بعد ثبوت تورطهم في الأحداث التي أدت إلى الإخلال بالنظام العام، وتعطيل سير العملية التعليمية، وإلحاق الضرر ببعض المنشآت.
وفي منشور على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، أكد الطراونة أن القرار “جاء إنفاذًا لأنظمة تأديب الطلبة المعمول بها”، مشددًا على أنه يعزز “قيم الانضباط والمسؤولية التي تُميز الجامعة الأردنية منذ تأسيسها”.
وحذر الطراونة من أي محاولات للضغط للتراجع عن القرار، مؤكدًا: “لا يجوز – بأي حال – التراجع عن هذا القرار تحت أي ضغط أو اعتبارات عاطفية”.