الكاميرا في مواجهة الرصاص.. الصحفي أنس الشريف ورفاقه تحت مرمى نيران الاحتلال
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
يواصل الاحتلال الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، دون أن يُفرق بين صغار أو كبار، ولأن الاحتلال يرغب في أن تكون جرائمه بمنأي عن التوثيق، فقد بدأت طائراته مؤخرًا في استهداف -بقصد وعمد- الإعلاميين والصحفيين الذين ينقلون ويوثقون ما يحدث على أرض الواقع.
وفي هذا السياق خرج الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، متوعدًا بقتل مجموعة من الصحفيين على رأسهم أنس الشريف، الصحفي بقناة الجزيرة، بحجة أنهم ينتمون إلى حركتي «حماس والجهاد الإسلامي».
حرض المتحدث باسم الاحتلال الصهيوني افيخاي أدرعي، على الصحفي أنس الشريف ورفاقه، بوصفهم أنهم ينتمون لجماعة حماس، ومن الصحفي تامر المسحال.
وقال «أدرعي» عبر صفحته الرسمية على منصة «إكس»: «أنس الشريف، إنكشفت حقيقتك وغيرك ممن يسمون في غزة بشباب تامر المسحال».
أنس الشريف، إنكشفت حقيقتك وغيرك ممن يسمون في غزة بشباب تامر المسحال.
وثائق حماس التي تم العثور عليها في غزة والتي نكشف عنها اليوم لا تترك مجالاً للشك - أنس الشريف ناشط في الجناح العسكري لحماس.
قد تحاول تقديم نفسك كصحفي يتألم لأوجاع أهل غزة، لكن الآن الجميع يعلم أنك حمساوي… pic.twitter.com/UT3BJHzp1x
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 23, 2024
وأضاف: وثائق حماس التي تم العثور عليها في غزة والتي نكشف عنها اليوم لا تترك مجالاً للشك، أنس الشريف ناشط في الجناح العسكري لحماس، مستكملًا: قد تحاول تقديم نفسك كصحفي يتألم لأوجاع أهل غزة، لكن الآن الجميع يعلم أنك حمساوي الانتماء والوظيفة.
#عاجل جيش الدفاع يشكف النقاب عن وثائق تابعة لحماس والجهاد الإسلامي والتي تؤكد أن ستة صحفيين يعملون في قناة #الجزيرة هم نشطاء في حماس والجهاد الإسلامي الارهابيتيْن
⭕️يكشف جيش الدفاع معلومات استخباراتية والعديد من الوثائق التي تم العثور عليها في قطاع غزة، والتي تؤكد الانتماء… pic.twitter.com/KXCzSQs9Bm
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 23, 2024
كما نشر المتحدث باسم الجيش الصهيوني، صورًا لـ أنس الشريف ورفاقه، يتهمهم فيها بأنهم نشطاء في حماس والجهاد الإسلامي، وجاءت أسماءهم كالتالي: «أنس الشريف، علاء سلامة، حسام شبات، أشرف السراج، إسماعيل أبو عمر وطلال العروقي».
وهنا أعاد «المسحال» نشر ما قاله «أدرعي» عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» معلقًا: «الناعق المهرج يهرج ويحرض كذبا، حمى الله أنس ورفاقه في الميدان وهم للحقيقة رسلًا، وفخرا لي ولكل صحفي أن يكون لهم سندا».
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تحذر من مزاعم الاحتلال بحق الصحفيينوحذرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، من مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بحق عدد من الزملاء الصحفيين من أجل استهدافهم، وذلك على الرغم من دورهم المهني والوطني في تغطية جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني على مدار العام الماضي، خاصة في شمال قطاع غزة.
وقالت النقابة في بيان لها أمس الخميس: « تأتي هذه التحذيرات في ظل مزاعم خطيرة أطلقها جيش الاحتلال حول 6 صحفيين من قناة الجزيرة في غزة، وزعمه أنهم يعملون كنشطاء عسكريين، ما يزيد المخاوف بشأن سلامة الصحفيين العاملين في الميدان»، مؤكدة أن الصحفيين الفلسطينيين، الذين حملوا راية الحقيقة، دفعوا أثمانًا باهظة لنقل جرائم الاحتلال إلى العالم.
وطالبت النقابة المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات الأمم المتحدة لفتح تحقيق في ادعاءات الاحتلال، والتدخل الفوري لحماية الصحفيين الفلسطينيين وضرورة محاسبة الاحتلال على جرائمه المتعمدة بحقهم وعائلاتهم، في إطار الدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين من استمرار المجازر الممنهجة التي ترتكب بحقهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
تحذيرات الاحتلال الإسرئيلي لـ أنس الشريف ورفاقه تثير غضب رواد مواقع التواصلوأثارت تهديدات المتحدث باسم الجيش الصهيوني افيخاي أدرعي، لـ الصحفي أنس الشريف ورفاقه بأنهم تابعي لحركتي حماس والجاد الإسلامي غضب الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين علقوا على ادعاءات «افيخاي»، كالتالي:
جيش الاحتلال يدعي كاذبا ان 6 مراسلين يعملون مع الجزيرة في قطاع غزة هم اعضاء بحركتي الجهاد و حماس.
جيش الاحتلال ينوي اغتيال الصحفيين يا عالم!!
اوقفوا الابادة اوقفوها!! pic.twitter.com/6KW3UKVXjv
— #القدس_ينتفض ???????? (@MyPalestine0) October 23, 2024
الإحتلال الإرهابي ينشر صور لعدد من الصحفيين في غزة من بينهم أنس الشريف وحسام شبات ويدعي بأنهم من ضمن صفوف المقاتلين في المقاومة.
الإحتلال الإرهابي يروج لذلك ويجهز أعذار ويبيت النية لإغتيالهم.
الله يحفظهم جميعاً ويبعد عنهم كل مكروه .. اللهم اجعل كيد الصهاينة في نحورهم. pic.twitter.com/nJwB4Njwej
— Sam-eh (@iSam_eh) October 23, 2024
يحاول جيش الاحتلال التمهيد لقتل الصحفيين في غزة عن طريق اتهامهم بالانتماء لحماس..
هؤلاء الشبّان هم من دافعوا عن غزة طوال عام كامل،
نقلوا الصورة الحقيقية عبر الشاشات وتطبيقات التواصل الاجتماعي،
غيّروا طريقة تفكير العالم عن غزة وما يحصل فيها، اثبتوا اجرام جيش الاحتلال بالصوت… pic.twitter.com/9jwfxPQtrW
— منى سامي - Muna Sami (@MunaSami10) October 24, 2024
لم يكتفي الاحتلال بقتل واغتيال أكثر من ١٧٠ صحفيا في قطاع غزة، وهو العدد الأكبر في كل حروب العالم، بل يقوم بنشر صور لصحفيين ويحرض على قتلهم.
هؤلاء الصحفيين وغيرهم يواصلون الليل بالنهار لكشف جرائم الاحتلال وإيصال الحقيقة وصوت اهلنا بغزة.#أنس_الشريف#غزة#جباليا#شمال_غزة_يُباد pic.twitter.com/qt8aMtLwUG
— Dia ???????? (@Diarimpal) October 23, 2024
اقرأ أيضاًطيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين في بلدة حاصبيا جنوب لبنان
الأمين العام للأمم المتحدة: الوضع الإنساني شمال غزة هو الأسوأ منذ بدء هذا الكابوس المروع
عاجل| مقتل 3 صحافيين في غارة إسرائيلية على جنوب شرق لبنان
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرئيلي جرائم الاحتلال الصحفيين الفلسطينيين نقابة الصحفيين الفلسطينيين ادعاءات اسرائيل أنس الشريف الصحفي أنس الشريف صحفي قناة الجزيرة افيخاي أدرعي تامر المسحال انس الشريف الصحفي انس الشريف حماس والجهاد الإسلامی الصحفیین الفلسطینیین الاحتلال الإسرائیلی جیش الاحتلال المتحدث باسم تامر المسحال pic twitter com قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
أسطرة المقاومة في مواجهة عوالم الموت الإسرائيلية
يعتمد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كحال سائر المستعمرين والمحتلين، على أشكال متطورة ومتجددة من العنف بهدف إخضاع الشعب الفلسطيني الواقع تحت سيطرته وتشكيل وعي متواطئ معه، يقبل بالخضوع، بحسب خلاصة مستمدة من أعمال خبراء ومختصين في دراسات "ما بعد الاستعمار".
وترصد العديد من هذه الدراسات، مثل أعمال الطبيب الفرنسي فرانز فانون، والفيلسوف الكاميروني أشيل مبيمبي، وأستاذة الأدب في جامعة هارفارد "إيلين سكاري"، أشكال العنف الاستعماري وأهدافه، وإمكانات الشعوب المقهورة في التعامل معه، وما يسمى بتقنيات إدارة الألم فرديا وجماعيا.
وبحسب هذه الأعمال، فإن نجاح شعب ما في التحرر مرهون بقدرته على الانعتاق من القيود الفكرية التي يفرضها الاستعمار والصبر على الألم وتحويله إلى دافع لتشكيل هوية مناضلة وفعل مقاوم طويل الأمد.
ويسعى الاحتلال من خلال "الصدمة والترويع" إلى خلق قدر من الألم الهائل والمفاجئ على شكل موجات تهدف إلى تجاوز قدرة الشعب على التحمل، وتوجيه أثر هذا العنف إلى داخله، تفككا وتآكلا للثقة وهو ما يجعله جاهزا للخضوع ونبذ المقاومة.
وردا على ذلك، تسعى أي حركة تحرر إلى استيعاب عنف المستعمر من خلال إستراتيجيات، منها "أسطرة البطولة" وجعلها مدخلا لتجنيد الشعب في أعمال المقاومة، وتحقيق الإنجازات التي تقنع الشعب بجدوى المقاومة.
ويضاف لذلك توثيق جرائم الاحتلال وجعلها أساسا لنزع شرعيته الدولية، والسعي لإيقاع أكبر قدر من الألم المادي والمعنوي في الاحتلال، مع تركيز الأنظار إلى حجم ألم العدو.
قدم الطبيب الفرنسي فانز فانون نظرية واسعة التأثير بشأن طبيعة الاستعمار وطرق مواجهته، وذلك من وحي معايشته لاستعمار بلاده للجزائر، حيث كان يعالج جرحى الفرنسيين والجزائريين ويتفكر في دلالات مشاهداته، ولاحقا ألهمت أفكاره العديد من حركات التحرر حول العالم، وحفزت أعمالا موافقة لها وأخرى معارضة.
إعلانويرى فانون في كتابه "معذبو الأرض" أن الاستعمار نظام عنيف يعيد تشكيل الإنسان المستعمَر ليصبح "شيئا" وليس إنسانا طبيعيا، إذ يصور ضحاياه كمصدر للشر، يجب تدميره أو تهذيبه.
وبناء عدواني بهذه الدرجة لا يمكن تفكيكه بلغة الإصلاح، بل يتطلب -وفقا لفانون- تحطيما جذريا باستخدام القوة. مؤكدا أن "اللقاء الأول بين المستعمِر والمستعمَر كان عنيفا، واستمرار العلاقة بينهما قائم على اللغة نفسها، إلا أن أحد أخطر آثار الاستعمار هو "التواطؤ النفسي"، حيث يبدأ المضطهَد في تبني نظرة المستعمِر إليه.
وفي مواجهة عنف الاحتلال تكون نقطة التحول هي احتضان الألم والمعاناة، والتوقف عن الهرب ومواجهة الاحتلال وجها لوجه، وحينها فإن "الشيء الذي تم استعماره يعود إنسانا في العملية نفسها التي يتحرر فيها"، وذلك عند مواجهة عنف الاحتلال بالعنف الذي يستحقه ويستدعيه.
وبحسب فانون، فـ"العنف قوة تطهير.. تحرر المستعمَر من عقدة النقص والخمول"، وتعيد له احترامه لذاته، وتمنحه شعورا بالسيادة والسيطرة بعد طول إخضاع واستضعاف.
وفي هذه العملية لا يمكن للفرد أن يتحرر وحده، بل وحدة الجماعة الثورية أمر أساسي، والقاعدة هي "نجاة الجميع أو لا أحد".
سياسات الموت
وذهب الفيلسوف الكاميروني، أشيل مبيمبي، أبعد من ذلك في وصف السلوك الاستعماري، مبتكرا مصطلح "سياسات الموت" الذي جعله عنوانا لكتابه بهذا الشأن، والذي يلحظ أن الاستعمار يفرض سيادة يكمن التعبير النهائي عنها في "تحديد من يجوز له أن يعيش ومن يجب عليه أن يموت".
ويلاحظ مبيمبي أن انتزاع الجسد والحياة في ظل الاستعمار لا يحصل "باعتبارهما مجرد أشياء تُحكم، بل بوصفهما ساحة لظهور سلطة السيد الحاكم".
وتشير "سياسات الموت" إلى الطرق المتعددة التي تستخدم فيها الأسلحة في عالمنا المعاصر، من أجل أقصى قدر من التدمير البشري، وبذلك فإن الحصار والحدود والمخيمات والسجون وساحات القتال تقوم بإنتاج "عوالم موت"، تكون فيها حياة الشعب المستعمر على حافة الموت بشكل مستمر.
إعلانوفي الحرب الجارية في قطاع غزة يمكن ملاحظة تبني الاحتلال الإسرائيلي لإستراتيجية "عوالم الموت"، بدءا من حصار القطاع على مدار 17 عاما قبل الحرب، مرورا بتكثيف الموت والإصابة بين الفلسطينيين.
كما حوّل الاحتلال كل مناحي حياة الفلسطينيين إلى معاناة، كالحصول على المياه والغذاء والعلاج، وتدمير المساجد وتعطيل عملها في تعزيز الروح المعنوية، وإنهاك المجتمع من خلال إدخاله في متواليات من الأمل ثم اليأس، إذ تتناوب عليه أنباء الانفراج القريب التي يتلوها التصعيد والتهجير الداخلي، ويتم تحويل مراكز المساعدات إلى محطات للقتل كما حصل في العديد من المجازر على مدار الحرب.
درست أستاذة الأدب في جامعة هارفارد، إيلين سكاري، توظيف الألم كأداة سياسية في كتابها "الجسد المتألم.. صنع العالم وتفكيكه"، مشيرة إلى أن "النشاط المركزي في الحرب هو الإيذاء الجسدي، والهدف الأساسي منها هو التفوق في إلحاق الأذى بالطرف الآخر".
وذلك رغم أن "واقع الإيذاء الجسدي غالبا ما يكون غائبا عن الأوصاف الإستراتيجية والسياسية للحرب"، كما يظهر لدى مراجعة كتابات كلاوزفيتز وليدل هارت وتشرشل وسوكولوفسكي وغيرهم من منظري الحرب.
ففي الحرب "تحاول كل جهة أن تُحدث تفككا في الجهة الأخرى بجعل واقع الإيذاء نفسه هو القضية التي يُخاض النزاع حولها. ولا يكون النصر بالضرورة إلى جانب الطرف الذي يُلحق بخصمه أكبر قدر من الأذى من حيث الكمية المطلقة، بل إلى الطرف الذي ينجح في تفكيك عزيمة الطرف الآخر، سواء عزيمته على مواصلة الإيذاء أو على مواصلة تحمّله".
وتسلط سكاري الضوء على خاصية أساسية في الألم الجسدي، وهي الصعوبة البالغة للتعبير عنه ونقل الشعور به إلى الآخرين لتعظيم أثره النفسي، مما يستدعي البحث عن وسائل "تكسبه الصوت" بهدف التخفيف منه.
وتتابع المدرسة في جامعة هارفارد أنه "كما أن التعذيب يتكوّن من أفعال تُضخم الطريقة التي يدمر بها الألم عالم الشخص وذاته وصوته، فإن الأفعال الأخرى التي تُعيد الصوت لا تكون مجرد إدانة للألم، بل تُصبح أيضا شكلا من التخفيف من الألم، بل انقلابا جزئيا على عملية التعذيب نفسها".
إعلانوتقول "إن الاعتراف بالألم، ومحاولة التعبير عنه، تُعدّ شكلا من الامتداد الذاتي في العالم، بحيث يُمنح المتألم إمكانية استعادة صوته، ومن ثم استعادة إنسانيته".
ومن هذه الوسائل ضرورة الاعتراف بالألم، والتعبير عنه، وبناء شبكات التعاطف الاجتماعي مع المتألمين، إذ "إن التعاطف، حين يمنح الألم مكانا في العالم عبر اللغة، يقلل من قوة الألم ويقاوم قدرة الجسد -حين يتألم- على ابتلاع الشخص بالكامل".
وفي الحالة الفلسطينية، كان للأبعاد الدينية والروحية دور أساسي في استيعاب الألم والصدمات التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي، إذ وفرت البنية العقائدية للمقاومة قدرا عاليا من الصلابة، ومكنتها من الاستمرار في العمل العسكري بدرجات متفاوتة على مدار 18 شهرا، رغم تقدير الاحتلال أنه قد قتل ما يزيد على 10 آلاف مقاتل، إضافة إلى الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى الذين يتركزون في أهالي المقاتلين ومحيطهم الاجتماعي.
ووفرت مفاهيم مثل الشهادة والصبر والاحتساب، وآيات القرآن من قبيل "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" أساسا للتعبئة الشعبية، وهي نتاج ثقافة تعززت بشكل خاص مع صعود دور المقاومة الإسلامية وإدارتها قطاع غزة منذ العام 2006.
التمحور حول الألم
ويتضح مما سبق أن مقدار الألم في الحرب ليس محددا للهزيمة أو النصر بحد ذاته، بل كيفية التعامل معه هي الأمر الحاسم بهذا الشأن، فإذا ترافق الشعور بالألم بالمعنى وبالتضامن فمن الممكن أن يكون معزّزا للإرادة في وجه الاحتلال، أما حينما يسود خطاب "عبثية الألم" مترافقا مع التفكك الاجتماعي والسياسي فيكون الألم دافعا إلى الانهيار.
ويمكن لمركزية الألم في سياق الاستعمار أن تتخذ منحى إيجابيا أو سلبيا، وفقا لما تظهره الأعمال النظرية السابقة والتجارب العملية بهذا الشأن، إذ يمكن أن يكون الألم حافزا وأداة للتحرر حينما يحوّل إلى طاقة حشد وتعبئة، ويدار بروح جماعية صلبة، من خلال التضامن الاجتماعي والخطاب المقاوم، وحينما يعرّي العدو أخلاقيا ويقوض سرديته التي يقدم نفسه فيها مركزا للخير والحضارة.
إعلانوبالمقابل، يعمل الاستعمار على إيصال الألم إلى مستوى لا يقدر المجتمع المستعمَر على تحمله بهدف تفكيك التضامن والروح المعنوية، ولتعزيز الشقاق الداخلي، مع الحرص على عدم إعطاء تنازلات يراها الواقعون تحت الاحتلال إنجازات تعزز صمودهم وثباتهم.
وهكذا، فإن مآل الحرب لا ينفك عن صراع الإرادة بين صنع الألم وإدارته لدى طرفي الصراع، بما يتطلب وضع الألم دائما في سياقه، وتوجيه رد الفعل عليه نحو الاحتلال، مع السعي الدائم إلى تقليل مقداره في سياق إدامة مقاومة الاحتلال وليس الاستسلام لإرادته.