يزداد شغف الجمهور لمتابعة أفلام الرعب، طالما "ضمنوا البقاء في فراش آمن"، أو كما قال عراب أدب الرعب، الراحل أحمد خالد توفيق: "نحن نحب الرعب على ألا نتعرض له"، وطالما تحدثت دراسات علم النفس عن "الخوف المضبوط"، "الآمن"، و"الإجهاد الجيد"، حتى أن عالم النفس الشهير "سيجموند فرويد" وصف "فنون الرعب" بأنها تشبه الكوابيس "المكتوبة بأيدينا" بدلاً من تلك المفروضة علينا أثناء النوم، ونحن نسمح لها بأن تخيفنا بـ"ملء إرادتنا"، فهي الأقرب إلى "اللاوعي" وتمتزج بمشاعرنا المدفونة في أعماقنا، كما نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إجابات علمية عن سؤال مذهل: "لماذا نرعب أنفسنا؟؟"، وأسباب شغف الناس لرؤية أفلام مرعبة، وكانت الإجابات أكثر إدهاشًا، حيث وصفت "فنون الرعب" بأنها تفريغ طبيعي للآلام، حيث تستدرج تلك الأفلام "المرعبة" مشاعرنا الحزينة المكبوتة من اللاوعي إلى حيز الوعي ليتم التخلص منها، والتعافي، وهو ما أكده الفيلسوف اليوناني "أرسطو" بأن مشاهدة الناس للمسرحيات "التراجيدية" عملية تطهير للنفس من كافة المشاعر السلبية.

وبرغم أضرار "إدمان أفلام الرعب" في زيادة مشاعر القلق والتوتر ومعدلات ضربات القلب واضطرابات النوم، إلا أن لها مزايا تبدو طريفة، أكدتها الدراسات الطبية حول "الخوف"، وفوائده في "حرق الدهون" وتعزيز الصحة النفسية وجهاز المناعة، وتحسين إدارة الضغط العصبي، ومواجهة ضغوط الحياة، وزيادة إفراز هرمون الأدرينالين، فيما يشبه ركوب "لعبة خطرة" في الملاهي تشعرك بالرعب ولكنك تعلم في نفس الوقت أنك في أمان، فتزداد لديك مشاعر الاسترخاء والسعادة!

ويحتفل العالم بعد أيام، بما يسمى "الهالوين"، أو "عيد الرعب"، وبرغم المآخذ الدينية عليه، إلا أن صناع السينما في العالم ينتهزونه فرصة لطرح أفلام الرعب في دور العرض، وشهدت مصر عدداً من الأفلام "الأجنبية" الناجحة جماهيرياً، منها ""Smile 2، "Die Aalone"، و"Arcadian"، التي مازالت تحقق أرقاماً قياسية في شبابيك التذاكر حول العالم، وليس بجديد على "هوليوود" أن "ترعب العالم" بعشرات الأفلام ذات الإبهار والحبكة والمؤثرات، بعكس السينما المصرية التي مازالت "نقطة ضعفها" أفلام الرعب، فلم ننجح، في إنتاج فيلم "رعب حقيقي" بالمقاييس العالمية، وإن كانت سلسلة أفلام "الفيل الأزرق" للثلاثي مروان حامد وأحمد مراد وكريم عبد العزيز، طرقت هذا الباب، بنجاح معقول، يليه فيلما "122"، و"يوم 13" للفنان أحمد داود.

في أفلامنا المصرية (المعدودة على أصابع اليدين)، والتي نطلق عليها مجازاً "مرعبة"، لم تخرج (غالباً) عن "لوكيشن واحد" هو "البيت المهجور"، و"قائمة قصيرة" من "الأدوات" هي بقع الدم، والوميض الأحمر المفاجئ، وأصوات قرع الأبواب، والظلال المارقة، والأقنعة المخيفة، والصرخات المدوية، والموسيقى الموتّرة، أما "القائمة الأقصر للمعالجات" فلا تخرج عن "حوادث الاختفاء والقتل"، أو "الأساطير الشعبية" كالشياطين والمسّ والسحر والعفاريت والأشباح، ولعل الأساطير هي أكثر ما يغري الجمهور العربي، منذ حكايات ألف ليلة وليلة، وحواديت شهرزاد الخرافية المشوقة التي أنقذت رقبتها من "سيف مسرور".

وبرغم تفاوت درجات وعي الجماهير حول "الأساطير المرعبة"، إلا أن الهدف من صناعة أفلام الرعب لم يكن، في يوم ما، دعوة للتصديق أو التكذيب، وإنما خلق حالة من "الهلع" تحبس أنفاس المشاهدين، وهو ما لم تنجح فيه السينما المصرية، رغم عشرات التجارب، التي بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي، بفكرة "تجسيد الشيطان وغوايته للإنسان كي يبيع له روحه"، والتي أدّاها ببراعة الفنان يوسف وهبي (سفير جهنم 1945)، ثم محمود المليجي (موعد مع إبليس 1955)، وسار على نفس النهج عدد من الأعمال، كان آخرها فتحي عبد الوهاب في مسلسل "وعد إبليس" 2022، (مع فارق كبير لصالح الأبيض والأسود)، وشهدت حقبة الثمانينيات فيلمين ناجحين (وقتذاك) لنجوم كبار، شاركتهما الفنانة يسرا قاسماً مشتركاً كـ"ضحية الخوف"، في فيلمي "الإنس والجن" لعادل إمام، و"التعويذة" لمحمود ياسين، وكان الأخير بتوقيع المخرج محمد شبل، الذي كان له محاولتان "فاشلتان" في فيلمين مصنفين "رعب"، ولكنهما كانا مضحكين: فيلم "غرام وانتقام بالساطور"، و"أنياب" الذي اعتمد على فكرة "مصاصي الدماء" بـ"لعبة أطفال طقم أسنان بلاستيك"، وأفلام "رعب" مقتبسة من قصص أجنبية، ولكنها "ضحكت" على الجمهور، أشهرها "كامب"!!

ولعل الجمهور العربي لا يميل لتصديق خرافة "مصاصي الدماء" بالرؤية المحلية، وهو ما أدى للسخرية من فيلم "خط دم" للنجمين نيللي كريم وظافر العابدين، وربما هذا ما دفع النجم ياسر جلال لتأجيل فيلمه "الذئب" عن فكرة "المستذئب"، وهي تحول الإنسان إلى "ذئب"، التي قدمها باقتدار نجم هوليود أنتوني هوبكنز في 2010، ولكننا في ثقافتنا العربية نحب التورط في حكاوي "القوى الخفية" كـ"العفاريت" و"أمنا الغولة"، و"الأعمال السفلية"، التي تحقق نسب مشاهدات بشرط معالجتها بحرفية في مزيج درامي قوي، مثلما فعلت مسلسلات "أبواب الخوف"، و"كفر دلهاب"، و"ساحرة الجنوب"، و"غرفة 207"، وأخيراً "المداح"، وتضم قائمة أفلام الرعب المصرية أسماءً ربما لم يشاهدها أحد، منها الحارث، وردة، جدران، ريما، عمار، عزازيل، بينما يبقى صناع السينما على حافة الحذر، خشية خوض مغامرة فنية خاسرة في ثقب أسود ملعون.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: افلام الرعب السينما المصرية الهالوين أفلام الرعب

إقرأ أيضاً:

الموت خبزنا اليومي.. السينما الفلسطينية شاهدة على المجازر المتكررة

لطالما ارتُكبت المجازر أمام عدسات الكاميرات لتُنسى سريعًا مع تقلب الأخبار، لكن صانعي السينما اختاروا أن يقفوا بأعمالهم لا كأدوات توثيق فحسب، بل كشهود أخلاقيين وفنيين على مأساة متواصلة. وفي قلب هذه الصورة، تقف فلسطين بجراحها المفتوحة، حاضرة في أفلام وثائقية ودرامية تجسد الألم كجزء يومي من الحياة الفلسطينية.

من غزة المحاصرة إلى القرى المدمرة منذ النكبة، مرورًا بمجازر "الرصاص المصبوب" ومسيرات العودة، لا تكتفي الكاميرا برصد القتل، بل تلتقط إحساس الفقدان، وتحفر في ذاكرة جمعية تُروى من الداخل بعيون الناجين، لا بخطاب المؤسسات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد مستوطنlist 2 of 2انطلاقة قوية لفيلم الرعب "ويبنز" في أميركا بإيرادات بلغت 42.5 مليون دولارend of list

يستعرض هذا التقرير مجموعة من الأفلام الفلسطينية التي لا تكتفي بالبكاء على الضحايا، بل تضعهم في قلب السرد كأصحاب رواية لا شهودا صامتين، أعمال لا تستجدي التعاطف، بل تدين الصمت وتفضح التجاهل وتصر على أن الحقيقة تملك وجها وصوتا وذاكرة.

الجنازات بوصفها روتينا يوميا

الفيلم الوثائقي "غزة" إخراج غاري كين وأندرو ماكونيل، عرض العمل للمرة الأولى في مهرجان صندانس السينمائي الدولي، وهو نتاج تعاون بين صانعين أيرلنديين وفلسطينيين، إذ مَثّل أيرلندا رسميا في سباق الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2020.

يشير العمل بالبنان إلى تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار حيث يعيش أهل غزة بين الأمل والموت بأسلوب بصري يعتمد على اللقطات الهادئة من مسافة بعيدة، لتسليط الضوء على الرتابة المرعبة للمأساة، مؤكدا أن المجزرة الحقيقية ليست فقط في لحظة القتل، بل في الحياة المعلقة والكرامة المنتهكة.

وهو ما يقدم من خلال تصوير إنساني يبرز التناقض الصارخ بين من يسعون للعيش وأولئك الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة دون تجميل أو مبالغة أو لغة احتجاجية مشحونة. يجري ذلك عبر استعراض بورتريهات إنسانية لأشخاص عاديين تتشابك حكاياتهم بشكل عاطفي متقاطع، يكشف لنا غزة كجغرافيا يومية مفعمة بالأسى في حين يتخلل السرد لقطات أرشيفية لحروب سابقة تؤكد تكرار الكارثة عبر الزمن.

غزة تقاتل من أجل الحرية

"غزة تقاتل من أجل الحرية" (Gaza Fights for Freedom) فيلم وثائقي آخر يؤكد أن المجازر ليست استثناء. صدر العمل في 2019، وتعاونت خلاله الصحافية الأميركية آبي مارتن مع فريق فلسطيني لتقديمه رغم منعها من دخول القطاع، حيث أصبحت الكاميرا أداة مواجهة لا تقل جرأة عن أصوات المتظاهرين.

إعلان

يركز العمل على مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في مارس/آذار 2018، حين خرج آلاف الفلسطينيين بشكل سلمي إلى حدود غزة مطالبين بكسر الحصار وحق العودة، قبل أن يرصد مواجهة قوات الاحتلال تلك المسيرات بالقنص المباشر واستهداف فئات محمية بموجب القانون الدولي، مما أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

كذلك يعرض الفيلم شهادات الناجين وأهالي الضحايا، ويلتقط لحظات مرعبة وحصرية من أرض الميدان، بما في ذلك صور حقيقية لعمليات قنص عن بعد، واستهداف مباشر للمدنيين غير المسلحين تم تصويرها من زوايا قريبة.

ورغم أن المخرجة ناشطة أميركية، فإن العمل يظهر الفلسطينيين بوصفهم أصحاب حق ورواية، وليسوا مجرد ضحايا، متخليا عن نمط الراوي الغربي الذي عادة ما يغفل السياق أو يجرم الضحية.

دموع غزة والواقعية الصارخة

العمل الوثائقي الأخير ضمن القائمة هو الفيلم النرويجي الفلسطيني "دموع غزة" (Tears of Gaza)، وهو شهادة صادمة ومباشرة على المجزرة الواسعة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة خلال حرب 2008-2009 المعروفة باسم "عملية الرصاص المصبوب".

تم تصوير الفيلم بكاميرات محلية ولقطات واقعية أعيد تركيبها بالاستخدام الذكي للمونتاج والموسيقى وضمها إلى شهادات مؤثرة لثلاث نساء ناجيات، مما جعل الفيلم يبدو كعمل فني رفيع، لا مجرد مادة أرشيفية.

اختار صانعو الفيلم تقديم لقطات ميدانية صادمة، وألقوا الضوء على أحداث مأساوية من بينها استخدام القنابل المحرمة دوليا ومجزرة حي الزيتون، وقصف المدارس التابعة للأونروا.

لكن ما جعل العمل مختلفا هو عدم تضمنه أي تعليقات صوتية سياسية، تاركا المساحة الكاملة للمتفرج ليكوّن حكمه الإنساني بنفسه، في إطار من الواقعية الصارخة التي جعلت العمل أقرب إلى شهادة بصرية ضد الحرب.

الملصق الدعائي للفيلم الوثائقي "دموع غزة" (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)الجنة الآن وتناقض النفس الفلسطينية

بالانتقال للأفلام الدرامية، نأتي على ذكر فيلم "الجنة الآن" (Paradise Now) للكاتب والمخرج هاني أبو أسعد، وهو العمل الذي لاقى استحسانا عالميا حتى إنه ترشح للأوسكار وفاز بجائزة غولدن غلوب وجائزة النقاد في مهرجان برلين.

وبالمقارنة مع الأعمال السابقة بالقائمة، قد لا يكون الفيلم يعرض موتا جماعيا أمام الكاميرا، إلا أن المجزرة حاضرة في الحوار والمكان وكحالة اجتماعية مزمنة تدفع الشباب نحو قرارات مأساوية.

يقدم فيلم "الجنة الآن" معالجة معقدة للصراع النفسي الذي يعيشه الفلسطيني تحت الاحتلال، حيث تتقاطع السياسة مع الوجود الشخصي، إذ يستعرض رحلة شابين نحو قرار شائك ومصيري يتعلق بالقيام بإحدى العمليات الفدائية، متتبعا حالة الشك التي تنتابهما والتأمل في معاني مثل الحياة والموت والأمل واليأس، الأمر الذي يطرحه المخرج بوصفه فعلا أخلاقيا أكثر من كونه سياسيا.

فرحة بين الحلم والنكبة

فيلم "فرحة"، وهو دراما تاريخية تستند إلى قصة حقيقية جرت خلال نكبة 1984، تروي الحكاية فتاة فلسطينية مراهقة تطمح إلى إكمال تعليمها وسط عالم على وشك أن يمحى بالكامل، لكن حياتها تتحول إلى كابوس بين عشية وضحاها حين تشهد مجزرة وحشية إثر اقتحام القوات الصهيونية القرية الفلسطينية التي تسكنها.

فيلم "فرحة"، دراما تاريخية تستند إلى قصة حقيقية جرت خلال نكبة 1984 (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)

اعتمدت المخرجة دارين سلام في فيلم "فرحة" على سرد شخصي لمراهقة تواجه عنف النكبة من زاوية معزولة وصامتة عبر استخدام الضوء الشاحب والفراغ الصوتي والكادرات الضيقة لنقل شعور بالحصار النفسي والذعر، مما يجعل التجربة أكثر قربا من مأساة فردية ذات صدى جمعي، ورغم أن صوت الضحية يكاد يكون مكتوما، فإن الكاميرا تمنحه حضورا هادرا.

إعلان

يذكر أن الفيلم تعرض إلى هجوم واسع من الإعلام الإسرائيلي حين عرض على منصة نتفليكس، قبل أن تعقب المخرجة مؤكدة أن الفيلم مبني على شهادة حقيقية وأنه ليس أكثر فظاعة من المجازر التي أرختها الوقائع، مثل دير ياسين وصفورية والطنطورة.

تجمع الأفلام السابقة بين الوثيقة والشهادة، وبين الجماليات السينمائية والصرخة الإنسانية، معيدة تعريف معنى أن تكون الضحية لكنك في الوقت نفسه مرئيا ومسموعا وممثلا بكامل إنسانيتك.

مقالات مشابهة

  • الموت خبزنا اليومي.. السينما الفلسطينية شاهدة على المجازر المتكررة
  • بعد سنوات من التوقف .. عودة سلسلة أفلام رامبو إلى السينما بجزء جديد
  • تلفزيون وإذاعة سلطنة عمان..استمرارٌ في التطوير والتنويع
  • الفلسفة وأفلام الغرب الأمريكي
  • إيرادات السينما المصرية أمس| صراع الشاطر وروكي الغلابة على القمة
  • جثة بلا رأس تثير الرعب على شواطئ الساحل الشمالي بمصر .. فيديو
  • بخريطة جديدة.. إنستجرام ينافس سناب شات
  • رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟
  • كأس العالم للرياضات الإلكترونية| فريق Twisted Minds السعودي يتوج بلقب Call of Duty Warzone
  • خطة شاملة لترميم أرشيف السينما المصرية وإتاحته للجمهور