عربي21:
2025-06-17@18:06:19 GMT

رفقا بمروان البرغوثي

تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT

في تموز (يوليو) الماضي نشرت مجلة “الإيكونومست” البريطانية العريقة تحقيقا مفصلا عن المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي بعنوان: السجين الأهم في العالم. ثم عنوان ثانوي: هناك فلسطيني واحد بإمكانه المساعدة في إنهاء الصراع لكنه في سجن إسرائيلي، اسمه مروان البرغوثي.

شمل التحقيق زيارات إلى بلدة كوبر قرب رام الله في الضفة الغربية، مسقط رأس ومكان نشأة البرغوثي وحيث تعيش عائلته حتى اليوم.

وتضمَّن لقاءات مع أبناء البرغوثي وشقيقه وجيرانه ورفاقه في الكفاح، وكذلك مع قادة استخبارات إسرائيليين قالوا إنهم عرفوه عن قرب، وزعم بعضهم أنهم نجحوا في كسب صداقته.

أعتبر التحقيق أفضل عمل صحافي عن البرغوثي على الإطلاق. وأنصح من يستطيع الوصول إليه بقراءته جيدا. شيّق الأسلوب، متعدد المصادر، ثري بالمعلومات (ولو أنه لم يستمع للبرغوثي ذاته)، دقيق الوصف وبارع في الوقوف عند أصغر التفاصيل، حتى تظن كاتبه صحافيا ورساما وخبيرا سياسيا وطبيبا نفسانيا في الوقت نفسه.

تردد اسم البرغوثي طيلة العام الماضي كلما لاحت في الأفق صفقة تبادل سجناء بين إسرائيل وحركة حماس. بعض التكهنات ذهبت إلى أن حماس وضعته الثاني في قائمة الأسرى الذين تطلب مبادلتهم.
“الاستنجاد” بالبرغوثي ليس جديدا.

منذ نحو عشرين سنة، وكلما ضاقت الأرض بالفلسطينيين وتأزمت أحوال الإسرائيليين اشرأبت الأعناق إلى حيث يقبع البرغوثي معزولا عن الدنيا، وبرزت تساؤلات على رأسها: هل هو حقا الرجل المُخلِّص؟

تنقسم آراء الإسرائيليين، وكذلك الفلسطينيين، حول تبعات الإفراج عن البرغوثي. عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، قال إن “الإفراج عن البرغوثي ودفعه للترشح للانتخابات الرئاسية الفلسطينية سيكون في صالح إسرائيل.

وكلما تحقق ذلك أبكر كان أفضل”. قادة إسرائيليون آخرون لم تذكر المجلة أسماءهم اعترفوا بأنهم يمقتونه وقالوا إنه أسوأ من يحيى السنوار “لم يؤمن يوما بالسلام ولم يغيّره السجن بل زاده تطرفا”.

في ساحة الفلسطينيين، من المؤكد أن كثيرين سيبتهجون للإفراج عن البرغوثي. لكن هناك بينهم من يتمنون له الخلود في السجن لأن الإفراج عنه سيخلط أوراقهم ويحرك المياه الراكدة في غير صالحهم. أقصد بالخصوص المستفيدين من ريوع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

لنتجاوز هذا النقاش ونفترض جدلا أن إسرائيل وافقت على الإفراج عن البرغوثي. وهذا أمر، بقدر ما يبدو خيالا، غير مستبعد في هذا العالم الغامض المتقلب الذي نعيش فيه.
الإفراج عن البرغوثي سيغيّر أشياء وقد يؤثر على مزاج المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين
من الوارد أن الإفراج عن البرغوثي سيغيّر أشياء وقد يؤثر على مزاج المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن إلى حين فقط. ثم سيصبح البرغوثي بسرعة معضلة للكل وحتى لنفسه.

على الصعيد الشخصي والعائلي، على كل من في داخله ذرة إنسانية أن يدعو للإفراج عن البرغوثي والعمل على ذلك إن استطاع. أما على الصعيد العام، فالإفراج سيضع البرغوثي في فخ أسوأ من فخ محمود عباس. وسأشرح لماذا.

ما يجب الوقوف عنده أن الرجل سيجد دنيا أخرى غير التي تركها وراءه يوم اعتقاله سنة 2002. سيُصدم البرغوثي بأن رفاقه في الكفاح هرموا وتغيّروا، غالبا نحو الأسوأ، وأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في حالة شلل تام ينخرهما الفساد والاستسلام.

سيرى بأم العين أن المجتمع الفلسطيني لم يعد ذاك الذي عرفه وتربى في أحضانه، وأنه فريسة لإسرائيل تنكّل به، ولأجهزة السلطة تطارد ثائريه مثل إسرائيل، عدا عن أنه فريسة للعوز والعجز وفقدان متعة الحياة.

وسيجد أن إسرائيل التي عرفها وكسب احترام قادتها الأمنيين بفضل صموده أثناء التحقيقات وإيمانه بعدالة قضية شعبه، تغيّرت كذلك للأسوأ والأخطر ولم تعد سوى عصابة من مجرمي الحرب ومصاصي الدماء.

وسيكتشف أن السلام أصبح وهما، وحل الدولتين من ضروب المستحيل، وأن الخلافات السياسية والعقائدية الفلسطينية مستعصية على الحل واقتتال الفصائل ممكن جدا. سيجد البرغوثي فلسطين أخرى وستكون صدمته كبيرة وخيبته أكبر.

الموضوعية تقتضي القول، في المقابل، إن الخوف من البرغوثي سيكون منطقيا والحذر منه مشروعا. ليس لعيب فيه أو شكوك في إخلاصه، وإنما بسبب تجربة السجن وعوامل الزمن. فإضافة إلى الكلام السابق عن التغييرات الجذرية التي عصفت بالمنطقة والقضية الفلسطينية في غيابه، مَن سيضمن أن البرغوثي لم يتغيّر في الاتجاه الذي تريده إسرائيل؟

ومَن يجزم بأن البرغوثي في 2024 هو نفسه الذي عرفه الفلسطينيون قبل الاعتقال؟ وهل حقا سيكون هو مانديلا الفلسطيني كما يتمنى كثيرون؟

معروف في الأوساط السياسية والأمنية أن السجن أفضل مكان لـ”تأديب” الأسرى وكسر إرادتهم لثنيهم عن قناعاتهم. لكن هناك في السجون أكثر من مجرد “التأديب” والثني عن القناعات.

هناك التجنيد الاستخباراتي الذي يضعه السجّان (في كل مكان) على رأس أولوياته وأهدافه، مستغلا انكسار نفسية السجين وبدئه في مراجعة نفسه والتساؤل عن جدوى وجوده في ذلك المكان على حساب نفسه وحريته وراحة عائلته.

وإذا كانت سجون في العالم تتفوق في وضع نزلائها في هذه الأجواء من المكائد والحرب النفسية، فهي السجون الإسرائيلية.

وهو في زنزانته ما من شك أن البرغوثي يخضع لمراقبة بالكاميرات الدقيقة والمايكروفونات عالية الحساسية على مدار الساعات والدقائق.

وهذا يعني في ما يعنيه أن الاستخبارات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية شكلت عنه قاعدة بيانات تحفظ أدق تفاصيل حياته ومزاجه وتركيبته النفسية والذهنية. هذا ناهيك عن الملفات الطبية والنفسية والبطاقية الشخصية التي شكلتها عنه.

هل هذا هو الذي يريده العالم زعيما للفلسطينيين.. كتاب مفتوح في أيدي الأجهزة الإسرائيلية؟
لا يعني هذا الكلام إطلاقا أن مروان البرغوثي أصبح بالضرورة عميلا أو جاسوسا لإسرائيل، وإنما هو تذكير بأن قرابة ربع قرن في السجن كفيلة بكسر أقوى الرجال وأكثرهم إيمانا بقضيتهم. وكفيلة بقلب قناعاتهم في أي اتجاه ممكن.

وحتى لو نجح البرغوثي في تحصين نفسه من مكائد الإسرائيليين في السجن، هناك عامل آخر مهم وخطير لا حول ولا قوة للمرء معه: الزمن، صاحب القدرة العجيبة على تغيير الناس.

سياسيا، لا يتصور عاقل أن إسرائيل ستقبل بالبرغوثي زعيما للفلسطينيين وهي التي لم ترض بمحمود عباس رغم كل التنازلات التي تبرع بها للإسرائيليين. إسرائيل أسوأ اليوم وأخطر كثيرا مما كانت في الماضي. حتى دور مفوض الشرطة المستعد للتنكيل بأبناء جلدته أكثر منها، والبيروقراطي الذي يتفوق عليها في تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، لم تعد ترضى به كما كانت تفعل قبل ثلاثة عقود.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مروان البرغوثي الأسرى السجون الأسرى الاحتلال سجون مروان البرغوثي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإفراج عن البرغوثی

إقرأ أيضاً:

ماذا نعرف عن طهراني مقدم "أبو الصواريخ" الذي أرعب إسرائيل بعد رحيله؟

الرؤية - مركز الأخبار

وسط التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل، يعود إلى الواجهة اسم اللواء حسن طهراني مقدم، الذي يُعرف داخل الأوساط العسكرية الإيرانية بلقب "أبو الصواريخ"، نظير دوره المحوري في تأسيس وتطوير برنامج إيران الصاروخي الذي بات أحد أعمدة الردع العسكري لطهران.

ولد طهراني مقدم في طهران عام 1959، وتخرّج في تخصص الهندسة الميكانيكية من جامعة شريف الصناعية، قبل أن يلتحق بالحرس الثوري الإيراني عقب انتصار الثورة الإسلامية. ومنذ أوائل الثمانينات، تولى مهمة تطوير القدرات الصاروخية، وكان من أوائل من أطلقوا الصواريخ الإيرانية على أهداف عراقية إبان الحرب العراقية-الإيرانية.

وخلال العقود التالية، أشرف طهراني مقدم على إنشاء وحدة متخصصة للصواريخ داخل "قوة الجو-فضاء" التابعة للحرس الثوري، كما لعب دورًا في نقل المعرفة الصاروخية إلى حلفاء إيران في المنطقة، لا سيما "حزب الله" اللبناني.

ومن أبرز منجزاته تطوير صواريخ بعيدة المدى مثل "شهاب" و"قدر" و"زلزال"، وصولًا إلى صاروخ "سجيل" الذي يعمل بالوقود الصلب ويزيد مداه عن 2000 كيلومتر، ما جعل طهران قادرة على استهداف مواقع استراتيجية في عمق إسرائيل وخارجها.

في 12 نوفمبر 2011، لقي طهراني مقدم مصرعه إثر انفجار غامض وقع في مستودع للذخيرة والصواريخ بالقرب من العاصمة الإيرانية، في حادث وصفته طهران بأنه عرضي، بينما لم تستبعد مصادر غربية ضلوعًا إسرائيليًا فيه. وقد دفن في مراسم رسمية، وكتب على قبره: "هنا يرقد من أراد تدمير إسرائيل".

ويُنظر إلى طهراني مقدم اليوم داخل إيران باعتباره أحد أبرز مهندسي العقيدة الدفاعية الإيرانية، كما أن إرثه الصاروخي لا يزال حاضرًا في المواجهات الحالية، حيث تُستخدم المنظومات التي وضع حجر أساسها في الضربات التي تستهدف العمق الإسرائيلي.

وفي ظل التوترات المتصاعدة، يرى مراقبون أن العودة إلى "مدرسة طهراني مقدم" تعكس تحولًا في العقيدة العسكرية الإيرانية من الردع إلى التهديد المباشر، ما يُنذر بتحولات أعمق في خارطة القوة الإقليمية.

مقالات مشابهة

  • السفير محمد العرابي: لن يكون هناك توسيع لدائرة الحرب بين إسرائيل وإيران
  • روسيا: هناك تصعيد سريع وخطير بين إسرائيل وإيران
  • إيران: إذا هوجمت المباني السكنية لن يكون هناك نقطة أمان واحدة في إسرائيل
  • البرغوثي: إسرائيل تستغل الانشغال بالمواجهة مع إيران لتغطية جرائمها بفلسطين
  • محمد كاظمي صائد الجواسيس الإيراني الذي اغتالته إسرائيل
  • عصب إسرائيل التقني يتلقى ضربة صاروخية.. ما الذي نعرفه عن معهد وايزمان؟
  • فايننشال تايمز: هذا هو الجبل النووي الذي يؤرق إسرائيل
  • إسرائيل ترحل آخر مجموعة من أعضاء السفينة مادلين «غدا»
  • معهد وايزمان عقل إسرائيل النووي الذي قصفته إيران
  • ماذا نعرف عن طهراني مقدم "أبو الصواريخ" الذي أرعب إسرائيل بعد رحيله؟