إعصار دانا يفرض الطوارئ في إسبانيا وتوقعات بمزيد من الأمطار والعواصف
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
تعيش مقاطعة فالنسيا الإسبانية واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية بعد اجتياح إعصار "دانا"، حيث أكدّت السلطات الإسبانية وقوع عشرات الوفيات وأن كثيرا من الأشخاص في عداد المفقودين، بينما يُتوقع أن يستغرق تحديد الحصيلة النهائية يومين على الأقل.
وتسببت الأمطار الغزيرة التي رافقت إعصار "دانا" في فيضانات هائلة اجتاحت مناطق عديدة على ضفاف الأنهار، وأسفرت الكارثة حتى صباح اليوم الأربعاء عن مقتل 63 شخصًا، بينهم عدد من الأطفال، وفقًا لمركز تنسيق الطوارئ في فالنسيا.
وقد أجلت السلطات مئات من منازلهم بواسطة المروحيات وخدمات الإنقاذ.
Inundaciones devastadoras en el este y el sur de España.
Al menos 62 personas han muerto en la región de Valencia, en el este del país. En el sur, el temporal ha provocado el descarrilamiento de un tren cerca de Málaga.
En imágenes ⤵️https://t.co/DHuTD86N0E
— euronews español (@euronewses) October 30, 2024
وفي العديد من البلديات مثل أوتيل وبايبورتا، غمرت مياه الأنهار الشوارع بالكامل، وجرفت التيارات القوية السيارات، والشاحنات، وحتى حاويات القمامة، إذ وصلت في بعض الحالات إلى الطوابق الأولى من المباني.
عمليات الإنقاذ بدأت منذ ساعات الصباح الأولى، بينما لا تزال فرق الطوارئ تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى العالقين. وتم تعليق خدمات القطارات الفائقة السرعة بين فالنسيا ومدريد بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسكك الحديد، إذ خرج قطار يقلّ 300 شخصا عن مساره بالقرب من ملقا، دون تسجيل أي إصابات.
Una gran persona jamás abandona a su mascota. Ni con el agua al cuello inundándose su casa en Valencia mientras la rescatan.
Toda mi admiración???????? pic.twitter.com/d4uO8EzLft
— Fran Navarro (@fran_navarr0) October 30, 2024
وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حجم الدمار، حيث غمرت المياه الطرق ودفعت السيارات والشاحنات بعيدًا، فأعاق ذلك جهود الإنقاذ وأدى إلى توقف حركة النقل الجوي والسكك الحديد.
Una gran persona jamás abandona a su mascota. Ni con el agua al cuello inundándose su casa en Valencia mientras la rescatan.
Toda mi admiración???????? pic.twitter.com/d4uO8EzLft
— Fran Navarro (@fran_navarr0) October 30, 2024
???????? | URGENTE: Enormes lluvias torrenciales dejan graves inundaciones a su paso por Letur (Albacete) y Utiel (Valencia).
pic.twitter.com/5ckRrBi1BN
— Alerta News 24 (@AlertaNews24) October 29, 2024
Internacional | En #Valencia, #España, durante la tarde de ayer se registraron acumulados de lluvias de 150 a 200 mm en tan sólo 2 horas, ocasionando inundaciones en diferentes puntos de la ciudad como el Valle de Alcalans. pic.twitter.com/FmZPRYhUDj
— 4C News (@4CNewsMx) October 29, 2024
وباتت العواصف الخريفية شائعة في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، إذ تعيش البلاد طقسًا شديد التطرف، ومن ذلك جفاف حاد ضربها في وقت سابق من هذا العام. ويرى الخبراء أن هذه الظروف مرتبطة ارتباطا مباشرا بالتغير المناخي العالمي، وهو ما يزيد من تكرار هذه الظواهر المناخية وشدتها.
???????? | IMPRESIONANTE
Así fue el embate de la DANA esta tarde en la Comunidad Valenciana. ¡Parece un huracán en el Caribe! ???????? pic.twitter.com/naaNmcCrsu
— UHN PLUS (@UHN_Plus) October 30, 2024
وأثار تأخر إجلاء بعض العمال بسبب القوانين الصارمة موجة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي. وندد الناشطون بالوضع الذي وصفوه بأنه "غير إنساني"، بعد أن تعرض هؤلاء العمال للحصار في أماكن عملهم وسط الرياح العاتية والفيضانات.
Personas llamando hoy a las empresas donde trabajan, preocupadas por no saber como ir al trabajo en el País Valencià, Albacete, Múrcia, Makaga y Almería. Mientras aún se siguen buscando a desaparecidos en las riadas. Con el.miedi y la coacción funciona el capitalismo.#INUNDACION pic.twitter.com/abPIcDB6pf
— Manel Márquez ???? (@manelmarquez) October 30, 2024
Esto es Ikea en el MN4 el centro comercial más grande de Valencia
No cerró ninguna tienda hasta las 10:00
No dejaron irse a los trabajadores antes, cientos de personas en los tejados rodeados de agua
El dinero antes que las personas. Esto es el capitalismo #MazonDimision pic.twitter.com/bYWXHhDf05
— silvia ♻️ (@Silvia33domin) October 30, 2024
وفي أعقاب الكارثة، أعلن رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، الذي قطع زيارته الرسمية إلى الهند، عن متابعة التطورات من كثب، ودعا السكان إلى الامتثال لتعليمات الطوارئ، قائلًا "تم نشر كل وحدات الحماية المدنية وخدمات الطوارئ والشرطة والحرس المدني للتعامل مع الوضع. من الضروري توخي الحذر وتجنب السفر غير الضروري".
Pedro Sánchez promete ayudas para todos los afectados por la DANA con todos los recursos del Estado y "si hace falta de la Unión Europea" pic.twitter.com/yL9p4hnEM9
— La Vanguardia (@LaVanguardia) October 30, 2024
وأصدرت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية تحذيرًا من استمرار الأمطار الغزيرة اليوم الأربعاء، مع انتقال العواصف إلى مناطق شمال فالنسيا، وأراغون، وجنوب نافارا، وكذلك غرب الأندلس.
وتم تفعيل التنبيه البرتقالي في بعض المناطق، بما في ذلك إشبيلية وقادش، تحسبًا لتراكم أكثر من 80 ملم من الأمطار خلال 12 ساعة.
تأثير الكارثة على البنية التحتيةشهدت البنية التحتية في فالنسيا تضررًا كبيرًا شمل انهيار الطرق، وتعطل خدمات النقل العام. وفي الوقت ذاته، أشار اتحاد جوكار الهيدروغرافي إلى أن خزان فوراتا، الذي واجه تدفقات مائية كبيرة وصلت إلى 800 متر مكعب في الثانية، بدأ في الاستقرار ببطء.
Actualización #Dana:
✅El Embalse de Forata se encuentra estabilizado.
????Se están dando entradas por salidas de 800 m³/s.
????La tendencia es en bajada, pero muy lentamente.
Sigue ???? pic.twitter.com/SrPhFwsTrT
— Confederación Hidrográfica del Júcar (@CHJucar) October 30, 2024
وفي ظل استمرار عمليات الإنقاذ، يخشى المسؤولون من ارتفاع عدد الضحايا مع مرور الوقت، خصوصًا في ظل وجود كثير من الأشخاص في عداد المفقودين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات pic twitter com
إقرأ أيضاً:
دولة عظمى تشن إعصارًا فترد الأخرى بتسونامي.. حروب المناخ قادمة!
في عصرنا لم يعد المناخ مجرد خلفية للأحداث، بل أصبح ساحة صراع، وفيها يتشكل نوع جديد من الحروب. فلم يعد السؤال اليوم يتعلّق فقط بإمكانية التنبؤ بالعواصف، بل بإمكانية استثارتها لخدمة أهداف المتحاربين!
كانت فكرة أن تتحكم الدول في الطقس لأغراض عسكرية أو سياسية مجرد مادة للخيال العلمي وا في زمن الحرب الباردة. لكن التطورات التقنية، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية وتفاقم الأزمة المناخية العالمية، أعادت إحياء الاهتمام بالطقس كسلاح.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف يفكر "الوحش" حين يجوّع طفلًا في غزة؟list 2 of 2لماذا اعترف ماكرون بفلسطين الآن؟end of listفمن تقنية استجلاب الأمطار في فيتنام إلى تجارب حقن الهباء الجوي في الستراتوسفير في روسيا والصين، لم يعد الطقس خارج متناول قوة الإنسان الحديث، على الأقل من بعض نواحيه، بل أصبح في حالات بعينها القوة ذاتها.
هذه القوة تظهر أحيانًا متخفية تحت مصطلح "الهندسة الجيولوجية"، والذي يعني عملية التدخلات الصناعية التي تهدف إلى عكس ضوء الشمس، أو تلقيح السحب، أو تبريد أجزاء من الأرض في مواجهة الاحترار العالمي المتسارع. لكن في الظروف المواتية، يمكن استغلال هذه الأدوات نفسها لتعطيل الأمطار في دول مجاورة، أو عدوّة، أو إثارة الجفاف، أو تحفيز فيضانات في المناطق الساحلية دون إطلاق طلقة واحدة.
وإذا كانت الحرب استمرارًا للسياسة بوسائل أخرى، كما كتب الجنرال والمؤرخ الحربي في القرن التاسع عشر كارل فون كلاوزفيتز، فإن التلاعب بالمناخ قد يصبح استمرارًا للحرب بوسائل مختلفة تمامًا عما عهدناه.
تثير هذه الإمكانية أسئلة عميقة، لا حول التقنيات المستخدمة فقط، بل عن الفلسفة والأخلاق أيضًا. فكيف يحدث هذا الاعتداء؟ وإذا كان بمقدور أحد فعل ذلك، فمن يملك حق التحكم بالسماء، ومن يستطيع مساءلة صاحب هذا الحق؟ وما السيناريوهات التي نتوقعها إذا ما سمح العالم لأقويائه بهذا التدخل؟ هل سنكون أمام احتمالية أن تثير طائرة دون طيار فيضانًا؟ وكيف نوقف ذلك؟
هذا المقال يحاول الولوج إلى هذا النقاش، ولا يدّعي القدرة على الإحاطة به. لذلك سنقدم عرضا تاريخيا وجيوسياسيا لتوظيف الطقس كسلاح: من العمليات السرية الأميركية في فيتنام إلى تجارب الاتحاد السوفياتي والصيني ضمن محاولات السيطرة على الغلاف الجوي، ومن معاهدات الحرب الباردة إلى المخاوف المعاصرة حول هندسة المناخ.
إعلانومع تقلص الفاصل بين علم المناخ وحرب المناخ، قد لا يكون السؤال في المستقبل ما إذا كان بالإمكان تحويل الطقس إلى سلاح، بل سنتساءل عما إذا كنا قادرين على منعه!
أول قنبلة مطريةأولى المحاولات الفعلية لتسليح الطقس ظهرت خلال حرب فيتنام، في ما عُرف بعملية "باباي" (Popeye). وهي تجربة سرية انطلقت بين عامي 1967-1972، قامت خلالها القوات الجوية الأميركية باستمطار السحب عبر نثر يوديد الفضة فوق مسار "هو تشي منه"، الذي كانت تمر عبره الإمدادات إلى فيتنام الجنوبية من لاوس وكمبوديا.
كان الهدف من ذلك تمديد الأمطار الموسمية لأسابيع إضافية، بحيث تتحول طرق الإمداد إلى مستنقعات طينية تعيق حركة العدو.
وقد كشفت وثائق لاحقة أن العملية نجحت بالفعل في رفع معدلات الهطول بنسبة تصل إلى 30%، مما تسبّب في فيضانات وانهيارات طينية أعاقت تحركات القوات الفيتنامية الشمالية.
ورغم أن الكشف عن هذا التوظيف العسكري للطقس أثار قلقا عالميا، وأفضى إلى توقيع معاهدة التعديل البيئي (ENMOD) في عام 1977، والتي حظرت الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تعديل البيئة، فإن ذلك لم يتحول إلى قيد فعلي على البحث والتمويل، حيث استمر العمل في مشروعات مماثلة تحت عناوين مدنية أو مناخية.
من ضمنها مشروع "ستورم فيوري" الذي أطلقته الولايات المتحدة في الستينيات لمحاولة إضعاف الأعاصير المدارية من خلال تلقيح السحب لتقليل شدّتها. لكن النتائج المتفاوتة، وعدم القدرة على عزل أثر التلقيح عن التغيرات الطبيعية، أدّيا إلى تعليق المشروع نهائيًا في عام 1983.
محاولة تجميد السباقلكن هذا الإيقاف، كما يوضّح جاستن كانفيل، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كارنيجي ميلون، لم يكن نتيجة قناعة علمية أو استجابة لضغط شعبي، بل هو ناجم عن إدراك إستراتيجي في واشنطن بأن السباق قد ينقلب ضدها.
ففي أعقاب عملية "باباي"، سعى البيت الأبيض إلى مواصلة تطوير تقنيات التعديل البيئي، بل اقترح في عهد نيكسون مضاعفة تمويل التجارب، لكن تقارير استخباراتية لاحقة رجّحت أن الاتحاد السوفياتي بات يمتلك برنامجًا أكثر اتساعًا وتسارعًا، وأن معرفته العلمية في هذا المجال صارت تضاهي نظيرتها الأميركية.
ويرى كانفيل أن صانعي القرار الأميركيين وجدوا أنفسهم أمام خيار صعب، إما تعميق الاستثمار في تقنية مثيرة للجدل، أو الدفع نحو حظر دولي استباقي يمنع الخصم من تطويرها إلى حد يصعب ردعه، فاختارت واشنطن المسار الثاني.
ومع ذلك، لم يتخلَّ التفكير العسكري الأميركي عن تناول هذا المجال بالبحث، ففي عام 1996، أصدر مركز قيادة القوات الجوية الأميركية دراسة داخلية بعنوان: "الطقس كقوة مضاعِفة: امتلاك الطقس عام 2025″، تناولت بشكل استشرافي إمكانية تحويل الطقس من متغيّر طبيعي إلى أداة إستراتيجية تتحكم في مخرجات ساحة المعركة المستقبلية.
وقد طمحت هذه الوثيقة إلى استخدام الطقس في تعزيز العمليات الصديقة وتعطيل عمليات العدو، فضلا عن تحقيق هيمنة كاملة على الاتصالات العالمية والتحكم في الفضاء المضاد، من خلال مجموعة من التطبيقات التي تتجاوز نطاق الاستمطار التقليدي، ومن أبرزها:
إعلان تحفيز المطر أو الثلوج في مناطق مختارة بدقة، مثل مناطق العدو أو ساحات العمليات، من خلال تقنيات "بذر السحب"، أي نثر مواد كيميائية داخل الغيوم لتشجيعها على المطر. تفريق الضباب في ممرات الطيران أو فوق القواعد العسكرية، عبر رشّ جسيمات صغيرة تسرّع تجمع قطرات الضباب، مما يفتح الرؤية ويسمح بالإقلاع والهبوط في ظروف جوية سيئة. التحكم بالصواعق، إما عبر تفريغها مبكرًا في أماكن آمنة، أو توجيهها لتصيب أهدافا معادية. تسخين الجو باستخدام غبار الكربون، وهي فكرة تقوم على نشر جزيئات سوداء دقيقة في الهواء لامتصاص حرارة الشمس، مما يغيّر تدفق الهواء والضغط الجوي، وبالتالي قد يؤثر على تكوّن السحب أو مسارها. إنشاء "مرايا كهرومغناطيسية" في السماء، من خلال التلاعب بطبقة الأيونوسفير، وهي طبقة مرتفعة جدا في الغلاف الجوي تحتوي على جسيمات مشحونة كهربائيا، وتساعد في عكس موجات الراديو، مما يعني أن تكوين مرايا كهرومغناطيسية خلالها قد يعمل على قطع الاتصالات عن الخصم. صراع في الغلاف الجويتدعم وثائق علمية أخرى الطرح الذي قدمه كانفيل، بل إن بعضها يؤكد على أن برامج موسكو البحثية في هذا المجال تجاوزت بالفعل ما عرفه الغرب في تلك الحقبة.
فبحسب "مراجعة أبحاث تعديل الأيونوسفير" التي أعدّها الفيزيائي الأميركي لويس دانكن، بدأت الأبحاث السوفياتية حول تعديل طبقة الأيونوسفير منذ خمسينيات القرن العشرين، وركّزت على تسخين مناطق محددة من الغلاف الجوي العلوي باستخدام موجات راديو عالية التردد.
وقد استُخدمت هذه الموجات إما بشكل رأسي مباشر نحو السماء، أو بزوايا مائلة لزيادة فعالية التداخل مع الجسيمات المشحونة. وهي التقنية التي شكّلت لاحقًا الأساس لتجارب الولايات المتحدة في مشروعها الشهير "هارب" (HAARP).
وإلى جانب ذلك، استخدم السوفيات موجات ميكروويف شبيهة بتلك المستخدمة في الأفران المنزلية، كما أجروا تجارب على التلاعب بالمجالات المغناطيسية في الغلاف الجوي لتعزيز التأثيرات المنشودة.
وتشير الوثيقة نفسها إلى أن مفهوم "المرآة الأيونوسفيرية الصناعية"، طُرح للمرة الأولى في السبعينيات على يد الفيزيائي الروسي أناتولي غوريفيتش، بغرض التحكم في بيئة الاتصالات والرادارات وتوجيهها أو تعطيلها.
وتعدّ روسيا اليوم بين القوى الرائدة في أبحاث "صناعة الطقس". ويحذر تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، أن موسكو قد تتجه خلال هذا العقد إلى استخدام تقنيات تُعرف باسم "الهندسة الشمسية للمناخ" لإحداث اضطرابات متعمّدة في الأجواء الأوروبية، دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية التقليدية.
ومن أبرز التقنيات التي تمتلكها موسكو لهذا الغرض، ما يُعرف بـ"حقن الستراتوسفير"، وهي عملية تعتمد على إطلاق جسيمات دقيقة في طبقة الستراتوسفير، وهي الطبقة الثانية من الغلاف الجوي المحتوية على طبقة الأوزون، والتي تمتد بين 10-50 كيلومترًا فوق سطح الأرض.
وتشير الدراسات إلى أن نشر جسيمات مثل مركبات الكبريت، قد يؤدي إلى عكس جزء من أشعة الشمس وتقليل حرارة الأرض في مناطق محددة. كما يُعتقد أن موسكو مهتمة أيضًا بتقنيات أخرى، مثل تعديل طبيعة السحب فوق المحيطات لجعلها أكثر انعكاسية، وهو ما من شأنه تقليل كمية الحرارة الممتصة، وفتح الباب أمام توجيه الظروف المناخية لأغراض إستراتيجية.
الاختفاء وراء المدنيورغم أن هذه الأساليب طُورت بالأساس لمواجهة الاحتباس الحراري، فإن استخدامها لأغراض عدائية قد يخلّف آثارًا مدمرة، تتراوح بين جفاف وفيضانات إلى اضطرابات زراعية تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي. كما تكمن خطورتها في صعوبة رصدها أو إثبات الجهة المسؤولة عنها، في ظل غياب قواعد دولية واضحة.
إعلانبدورها، بدأت الصين، منذ خمسينيات القرن الماضي، العمل على مشروع موازٍ لـ "ستورم فيوري" الأميركي، لكنه سرعان ما تطوّر ليصبح أكبر برنامج تعديل الطقس في العالم، يعمل به أكثر من 37 ألف شخص بين علماء وفنيين، بحسب تقارير غربية حديثة.
وقد استخدمت الصين بالفعل تقنيات الاستمطار والتفريق الجوي في مناسبات حساسة، أبرزها أولمبياد بكين 2008، حيث عمدت السلطات إلى تفجير مركبات كيميائية في السحب على أطراف العاصمة لإفراغها من الأمطار قبل أن تصل إلى مواقع الاحتفالات.
وفي عام 2020، أعلنت بكين عزمها توسيع نطاق مشروعها التجريبي ليغطي أكثر من 5.5 ملايين كيلومتر مربع، أي ما يفوق مساحة الهند بأكملها. وقد باتت عمليات "بذر السحب" جزءًا من سياسات الدولة في مواجهة الكوارث المناخية وتوزيع الموارد، حيث تُستخدم تقنيات الاستمطار والتفريق الجوي لتوجيه الطقس نحو أهداف محددة؛ كتعزيز الهطول في مقاطعات تعاني الجفاف، أو تفادي الأمطار في مدن مكتظة أو مواقع إستراتيجية. ويُطلق بعض الباحثين على هذا البرنامج اسم "بذور" (Seeds)، في إشارة إلى السحب المُلقّحة صناعيا والتي باتت تُعامل كأصول قابلة للإدارة.
ورغم اتسام هذه البرامج بطابع مدني، فإنها تثير قلق المراقبين من احتمال استخدامها لأغراض هجومية أو للضغط على دول مجاورة. كما تزداد هذه الشكوك بسبب الطابع المغلق لتلك البرامج التي تخضع لإشراف مباشر من الجيش الصيني.
هارب.. حدود العلم وبداية المؤامرةفي ظلّ بيئة كهذه، تتسم بالغموض المؤسسي والانغلاق المعلوماتي وتداخل الأغراض المدنية والعسكرية، من الطبيعي أن تنشأ نظريات مؤامرة وتكهنات شعبية يصعب دحضها، وأن تصبح كل كارثة مناخية أو ظاهرة غير مألوفة عرضة للتأويل والاتهام.
ولعل المثال الأبرز هو "برنامج أبحاث الشفق القطبي النشط عالي التردد"، المعروف اختصارًا بمشروع "هارب"، والذي تحوّل من برنامج بحثي لدراسة طبقة الأيونوسفير إلى أيقونة شبه أسطورية في مخيلة المؤمنين بالتحكم في الطقس والكوارث.
تعود الجذور النظرية لـ"هارب" إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين وضع الفيزيائي الأميركي نيكولا تسلا تصوّره الأولي لإمكانية التأثير في الطبقات العليا من الغلاف الجوي باستخدام موجات كهرومغناطيسية. وفي عام 1993، أُطلق البرنامج كمشروع مشترك بين القوات الجوية والبحرية الأميركية، بالتعاون مع جامعة ولاية ألاسكا، ووكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة.
وقد استمر المشروع تحت إشراف الجيش الأميركي حتى عام 2015، حين أعلنت القوات الجوية إغلاقه رسميا، وتسليمه إلى جامعة ألاسكا فيربانكس التي تديره حاليا لأغراض البحث العلمي الأكاديمي.
ويُعدّ "هارب" أحد أقوى أنظمة الإرسال الراديوي عالي التردد المختصة في دراسة الأيونوسفير، وهي الطبقة المشحونة كهربائيا من الغلاف الجوي التي تمتد بين 50-400 كيلومتر فوق سطح الأرض. ولا يعمل النظام باستمرار، بل يتم تشغيله لبضعة أسابيع فقط خلال العام. فمثلًا، لم يُفعَّل البرنامج في عام 2022 إلا 4 مرات.
ورغم ما يُثار من تكهنات حول "هارب"، فإن العلماء يؤكدون بشكل قاطع أن البرنامج لا يمتلك أي قدرة على التحكم بالطقس أو افتعال الزلازل. فالمشروع، كما تشير الجامعات والمراكز البحثية المشاركة فيه، لا يتجاوز كونه برنامجا علميا لدراسة الطبقات العليا من الغلاف الجوي باستخدام موجات راديو عالية التردد. هذه الموجات تُوجّه نحو ارتفاعات تتجاوز 60 كيلومترًا، أي أعلى بكثير من نطاق الطقس الفعلي الذي يتكوّن في طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير.
فضلا عن ذلك، لا يوجد أي تفاعل مباشر بين إشارات "هارب" والظواهر المناخية في الطبقات السفلى للغلاف الجوي. كما أن الطاقة التي يبثها البرنامج محدودة للغاية، ولا تكفي إلا لإحداث تغييرات صغيرة ومؤقتة في بقعة ضيقة من الأيونوسفير، بهدف رصدها علميا.
بديل زائف للإصلاحلكن انتشار الخرافات ونظريات المؤامرة حول استخدام الطقس كسلاح، لا يلغي حقيقة أن تقنيات التلاعب المناخي قد تتحول فعليا إلى أدوات سياسية وأمنية توظفها الدول في سياقات الصراع والتفاوض، وإن كانت ليست بالقدرات الخارقة التي يتخيلها البعض.
فلم تعد الهندسة الجيولوجية الشمسية تُطرح كتقنية بيئية بحتة لتخفيف آثار التغير المناخي، بل كأداة إستراتيجية تُلوّح بها بعض الدول القوية لحماية مصالحها أو لانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية، مما دفع باحثين إلى التحذير من إمكانية تحوُّلها إلى وسيلة ضغط تخدم أجندات ضيقة.
إعلانويشير دان ماركس، باحث أمن الطاقة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إلى أن الحديث عن استخدامها العسكري قد يكون مبكرًا، لكنه لا يستبعد إمكانية توظيفها لاحقًا لأغراض عدائية، مثل استهداف الزراعة أو البنية التحتية أو المياه في سياق صراعات مستقبلية، فمعظم الدول عرضة للطقس المتطرف، وإذا ما بات بالإمكان تعديل هذا الطقس، فقد يصبح سلاحًا يُستخدم بالعكس، من خلال تفاقم الظواهر بدلًا من التخفيف منها.
في هذه الحالة، يمكن توظيف أدوات التلاعب المناخي ضمن تكتيكات ما قبل أو أثناء الحملات العسكرية، سواء بإضعاف مجتمعات عبر الجفاف، أو إغراق مناطق حساسة بفيضانات مدمّرة، مما يجعل السكان أكثر هشاشة واستغلالا من قبل أطراف الصراع.
وفي مثل هذه السياقات، لن يكون الطقس نفسه "سلاحًا" بالمعنى الصريح، بل تُستغل الفوضى التي يخلّفها لصالح أهداف إستراتيجية، في ما يمكن تسميته بـ"حرب المناخ غير المباشرة"، خصوصًا أن قابلية الإنكار تجعل من المناخ أداة مثالية في الحروب الهجينة، التي تمزج بين الوسائل العسكرية والتخريبية غير المباشرة. ففي حين تترك الحرب التقليدية أدلة مادية واضحة، فإن التلاعب بالبيئة يمكن أن يبدو كارثةً طبيعية، مما يصعّب كثيرًا تحميل المسؤولية لجهة بعينها.
وتحذر إحدى الدراسات المنشورة عام 2023، من إمكانية توظيف هذه التقنيات كورقة تفاوضية أو تهديد سياسي واقتصادي ضد دول أخرى. إذ يمكن لدولة ما أن تلوّح باستخدام هذه الأدوات أو تنشرها بالفعل، فتفرض اتفاقيات تجارية تفضيلية أو تطالب بتعويضات نظير وقف التدخل المناخي.
فضلا عن ذلك، يمكن استغلال هذه التكنولوجيا لضمان بقاء أنماط الحياة القائمة على استهلاك الوقود الأحفوري، عبر تخفيف الآثار المناخية دون معالجة جذرية لانبعاثات الكربون، لا سيما في الدول الصناعية الكبرى، أو الدول التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على سوق المواد البترولية، مما يعني تأجيل التحول الحقيقي نحو الطاقات النظيفة، والارتكان إلى الهندسة المناخية بدلًا من اتخاذ خطوات جدية نحو الإصلاح المناخي.
في النهاية، يحذّر الفيلسوف ستيفن جاردنر من اعتبار الهندسة الجيولوجية حلا تقنيا سهلا، ويرى في هذا الإطار مخاطرة أخلاقية وجنوحا نحو قرارات متهورة فيما يسميه "الاستكبار التقني". في كتابه “أخلاقيات الهندسة الجيولوجية”، يفكك جاردنر الفرضية القائلة إن هذه التدخلات التكنولوجية أقل ضررًا من الكوارث المناخية التي يُفترض أن تُخفَّف.
يقدم جاردنر نقدًا واضحًا مفاده أن الإيمان بالتكنولوجيا باعتبارها قادرة على التحكم بنتائج المناخ يعكس أزمة أخلاقية أعمق، أزمة تنبع من تخلينا عن مسؤولياتنا لصالح أنظمة من صنع أيدينا. هذا النوع من الغرور قد يؤدي إلى نتائج كارثية، وأضرار عابرة للحدود لم تكن مقصودة، وظلم عميق لفئات لا تملك الدفاع عن نفسها.
ويخلص جاردنر في تأملاته الأخلاقية إلى الإشارة أن علينا مقاومة إغراء تحويل الغلاف الجوي إلى ملعب للتكنولوجيا، وتذكّر حدودنا ومسؤولياتنا في مواجهة تعقيد الطبيعة.
إن تحذيره يذكرنا بحقيقة تكرر صداها طوال تاريخ البشر منذ بدأ في إدراك نقاط قوته وتجاهل نقاط ضعفه، فحين تغرينا التكنولوجيا بالاعتقاد أننا قادرون على حل كل شيء، فسنكون أمام مخاطرة حقيقية بصناعة كوارث أسوأ كثيرًا من تلك التي نسعى لتجنّبها.