تفاصيل لقاء المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات والمبعوث الأمريكي لليمن
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
التقى الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، بتيموثي ليندركينج المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، وبحث معه آخر التطورات والجهود الدولية لحل الأزمة في اليمن.
وأكد قرقاش خلال اللقاء أهمية الجهود التي تقودها السعودية من أجل إيجاد تسوية سلمية تنهي الأزمة اليمنية وتداعياتها الإنسانية.
كما أكد على أهمية تكثيف الجهود الدولية في هذا الاتجاه، منوها بالدور المهم الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق.
واستعرض الدكتور أنور قرقاش الالتزام التاريخي لدولة الامارات باستقرار اليمن وازدهاره ودعم الجهود كافة الرامية لإيجاد حل للأزمة اليمنية بما يحقق مصالح الشعب اليمني ويضمن استقرار اليمن.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدكتور أنور قرقاش المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد العماني أمام اختبار التحول.. «عمان» تحاور الدكتور عبد الملك الهنائي حول طموحات التنمية والتحولات الدولية
التغيرات والتحولات المتسارعة في مشهد التجارة والاقتصاد العالمي تتطلب من الاقتصاديات الناشئة ــ كسلطنة عمان ــ تكيّفا مستمرا وتبني استراتيجيات مرنة في تنويع الشركاء التجاريين وتعزيز الصادرات لوجهات متعددة، وتطوير السياسات الاستثمارية والموارد البشرية، لاقتناص الفرص في ظل نظام عالمي آخذ في التشكل من جديد..
هذا ما أكده الدكتور عبد الملك بن عبدالله الهنائي، الباحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية في حوار خاص لـ «عمان» مشيرا إلى أنه في مسار التنمية الحالي في سلطنة عمان، هناك حاجة إلى رفع معدلات النمو، والتركيز على جذب الاستثمارات، وتوجيه الإنفاق العام للقطاعات الصناعية والخدمية القادرة على تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل مستدامة، بما ينسجم مع خطط التنويع الاقتصادي، ويزيد الأثر التشغيلي للمشاريع الكبرى.
وقال إن نجاح عُمان في جذب استثمارات كبرى في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين وتقليص التكلفة المرتبطة بالإنتاج، يضعها في موقع تنافسي قوي للاستفادة من هذا القطاع المستقبلي وتطوير اقتصادها والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة بشكل مستدام.
وفي رؤيته للمشهد العالمي، يرى الدكتور عبد الملك الهنائي أن تصاعد التوترات التجارية يعكس ما يمر به الاقتصاد العالمي من مرحلة تتسم بعدم اليقين وتغير في موازين القوى الاقتصادية، لكن من غير المرجح استمرار التصاعد طويلا، لأن العالم الذي خاض عقودًا من الانفتاح والعولمة لن يتقبل الحمائية المفرطة والعودة إلى الوراء، لافتا إلى أن المنطق الاقتصادي سيعيد الولايات المتحدة وغيرها، إلى طاولة التفاوض لتقليص الحواجز وفتح آفاق أوسع للتكامل العالمي.
يقدم الدكتور عبد الملك الهنائي في هذا الحوار قراءة دقيقة لما يفرضه النظام العالمي الجديد من تحولات، وتأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد العماني، مستعرضا رؤاه وتحليلاته العميقة حول مسار التنمية الراهن والتطلعات الممكنة.. فإلى التفاصيل:-
***********************************************************************************************************
يعكس النزاع المتصاعد عالميا حول الرسوم الجمركية تغيرات في سياسات التجارة الدولية.. ما رؤيتكم لمسار هذه التطورات وما قد تسفر عنه من تأثيرات؟
يمر الاقتصاد العالمي حاليا بمرحلة غير مسبوقة من الاضطراب وعدم اليقين الذي يتفاقم بشكل ملحوظ في ظل السياسات التجارية الحمائية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجاءت على حساب النظام التجاري الدولي، حيث نسفت كل الجهود الجماعية الدولية التي بنيت على مدى عقود، بدءًا من تأسيس منظمة التجارة العالمية عقب اتفاقية مراكش، وما تلاها من خطوات نحو الانفتاح الاقتصادي والعولمة لتحرير التجارة وتسهيل حركة السلع والخدمات، كون الاندماج في الاقتصاد العالمي عامل أساسي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية لأي دولة.
وفي ظل غياب اتفاقيات بديلة، فإن الإجراءات الأخيرة مثل فرض رسوم جمركية مرتفعة، وقيود طوعية على الصادرات من شأنها أن تفتح الباب أمام الدول للتنصل من التزاماتها السابقة، وتتجاهل حتى الاتفاقيات الثنائية، ومنها اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) التي تربط الولايات المتحدة بكندا والمكسيك، فضلًا عن اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى.
واستمرار الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتمثلت في فرض رسوم جمركية باهظة وصلت في بعض الحالات إلى 145%، قد يؤدي إلى تباطؤ وركود اقتصادي عالمي، لكنها ـــ أي الإجراءات ــــ من وجهة نظري لا يمكن أن تدوم، وقد تُطبق لفترة مؤقتة كرد فعل سياسي أو تفاوضي، ثم سرعان ما تصطدم بواقع اقتصادي لا يقبل القيود المفرطة على التجارة وما تفرضه الحقائق الاقتصادية الدولية من ضرورة التبادل التجاري الحر والمفتوح..
***********************************************************************************************************
هذه الإجراءات التجارية الحمائية على مدار السنوات الماضية وتصاعدها الكبير مؤخرا يثير تساؤلات جوهرية حول التحول في موازين القوى الاقتصادية.. هل نحن بالفعل أمام ولادة نظام اقتصادي عالمي جديد؟
بالطبع الولايات المتحدة ما زالت تمثل القوة الاقتصادية الأكبر في العالم، لكن التغيرات تلوح في الأفق منذ سنوات، وصعود دول شرق آسيا واقع يتعزز يومًا بعد يوم، فالصين لم تعد مجرد «مصنع العالم» المعتمد على تقليد الصناعات الغربية، فقد تحولت إلى مركز عالمي للابتكار، وفي السنوات الأخيرة، تجاوز عدد براءات الاختراع المسجلة في الصين نظيرتها في الولايات المتحدة، وهذا مؤشر على تحوّل نوعي في القدرات التقنية والعلمية، وهذا التقدم هو نتيجة سياسات استراتيجية شملت تطوير التعليم، وتعزيز البحث العلمي، والاستثمار في الموارد البشرية. كما أنها تمتلك المقومات الديمغرافية والعلمية لتصبح الاقتصاد الأول عالميًا في المستقبل المنظور، لكن رغم ذلك لن تستطيع أن تنفصل عن الاقتصاد العالمي. فهي، كغيرها من القوى الكبرى، تعتمد على التصدير للأسواق الخارجية، وعلى سلاسل التوريد العالمية لتحقيق التوازن في نموها الاقتصادي.
لذلك العالم بالفعل يشهد تحولات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية، والنظام الجديد يتجه نحو التعددية، حيث تتقاسم القوى الكبرى – كالولايات المتحدة والصين وربما غيرهما – التأثير وصياغة مستقبل الاقتصاد العالمي.
***********************************************************************************************************
في مواجهة ما تفرضه هذه التغيرات من تحديات متنامية، ما الفرص الممكنة للاقتصادات الناشئة مثل سلطنة عمان لترسيخ مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي؟
الاقتصاديات الناشئة مثل سلطنة عمان تستطيع إعادة تعريف موقعها في النظام الاقتصادي العالمي، من خلال تبني استراتيجيات اقتصادية مرنة وطموحة وتحديث السياسات الاستثمارية، وتطوير الموارد البشرية، لاقتناص الفرص في ظل نظام عالمي آخذ في التشكل من جديد، ولمواجهة التغيرات في السياسات التجارية هناك أهمية لتنويع الأسواق والشركاء التجاريين وتعزيز الصادرات إلى وجهات متعددة، وهي سياسة بدأتها سلطنة عمان بالفعل، لكنها بحاجة إلى تعزيز مستمر، ومن الميزات التنافسية في سياق التبادل التجاري مع العالم أن عُمان ليست من الدول التي تفرض قيودًا على التجارة، حيث لا تتجاوز الرسوم الجمركية 5% منذ انضمامها إلى مجلس التعاون الخليجي، كما أن القيود غير الجمركية تكاد تكون معدومة، ولا يُطلب من المستوردين سوى تقديم شهادة المنشأ.
***********************************************************************************************************
من وجهة نظرك.. اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عمان وأمريكا.. ما هو تأثيرها الحالي على الصادرات والاقتصاد العماني؟
إحدى القضايا التي أثيرت مؤخرًا هي فرض الولايات المتحدة الأمريكية رسوم جمركية بنسبة 10% على بعض الصادرات العُمانية. وقد ينعكس ذلك سلبًا على الصناعات العمانية التي تعتمد على السوق الأمريكي، مثل: الصناعات البيتروكيماوية والألمنيوم. وخاضت عمان في السابق تجربة مماثلة، عندما فُرضت عليها رسوم إغراق على صادرات الحديد، قبل أن تُحل تلك الإشكالية.
وبشكل عام فالاتفاقية في وضعها الحالي، تأثيرها على الاستثمار يبقى ضئيلًا، ولم تنعكس بشكل كبير على تدفق الاستثمارات الأمريكية إلى عُمان، فهي تتركز على قطاع النفط، في حين أننا نحتاج إلى استثمارات في قطاعات مثل الصناعة والخدمات، ولدينا استثمارات من دول أخرى مثل الهند والصين في بعض القطاعات مثل صناعة الحديد.
والآن من المناسب فتح ملف اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عمان والولايات المتحدة والتفاوض على بعض بنودها، والجانب الأكثر أهمية للتركيز عليه هو الاستثمار وتوجيه الاتفاقية نحو تشجيع جذب الاستثمارات في قطاعات أكثر تنوعًا، مثل: التكنولوجيا والصناعة المتقدمة والسياحة. وهناك مطالبات حالية بإعادة النظر في شروط الاستثمار المنصوص عليها في الاتفاقية، خاصة الحد الأدنى لرأس المال المطلوب، والذي كان في بعض الأحيان عائقًا أمام تدفق الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، فرغم تخفيض هذا الحد لاحقًا، لا تزال توجد قطاعات مغلقة أو صعبة الوصول أمام رؤوس الأموال الأجنبية، كما أن مجرد وجود رسوم تفضيلية أو إعفاءات جمركية لا يكفي وحده لاستقطاب استثمارات أجنبية كبرى، فهناك عوامل أخرى أبرزها وفرة الموارد البشرية الوطنية وتكلفتها، ومعظم الصناعات في سلطنة عمان لا تزال تعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الوافدة، في حين أن تكلفة العامل العماني تُعد مرتفعة نسبيا، ما يحدّ من تنافسية بعض القطاعات.
***********************************************************************************************************
تظهر المؤشرات الاقتصادية في سلطنة عُمان نموًا إيجابيًا خلال السنوات الماضية، لماذا الانعكاسات أقل من الطموح في خلق فرص عمل كافية ومستدامة؟
النمو الاقتصادي لا يُقاس فقط بالأرقام، وإذا استمر النمو دون أن يترجم ذلك إلى تحسين حياة المواطنين وتوفير سبل عيش كريمة لهم، فإن الفجوة بين الأرقام والواقع تتسع، مما قد يُفرغ النمو من مضمونه الحقيقي.
والبيانات تشير إلى أن معدلات النمو المتوقعة في سلطنة عمان للعام الحالي تتراوح بين 2.7% و3.5%، وهي أرقام جيدة لكنها غير كافية لإحداث أثر ملموس في خفض معدل الباحثين عن عمل أو تحفيز التوظيف الواسع للمواطنين في دولة ذات بنية سكانية شابة مثل عُمان، فهي تحتاج إلى نمو لا يقل عن 4% سنويًا حتى يتمكّن اقتصادها من استيعاب الباحثين عن عمل.
أحد التحديات الرئيسية يتمثل في طبيعة النمو الحالي إذ لا يُعتبر نموًا نوعيًا أو موجهًا نحو خلق فرص العمل، فهو أقرب إلى النمو القائم على العوامل الخارجية، مثل ارتفاع أسعار النفط، وليس نتيجة توسع داخلي في الإنتاج أو الاستثمار في القطاعات التشغيلية. ايضا الإنفاق التنموي الحكومي، رغم ثباته النسبي لسنوات عند حدود 900 مليون ريال عماني، إلا أن معظمه يذهب إلى مشاريع البنية الأساسية – مثل الطرق والاتصالات – التي تُعد ضرورية للتنمية، لكنها لا توفر فرص عمل كبيرة أو مستدامة للعمانيين، ولذا من الضروري إعادة توجيه الإنفاق نحو القطاعات الأكثر قدرة على تشغيل الأيدي العاملة الوطنية، مثل: الزراعة الحديثة، والصناعات الغذائية، والتصنيع الخفيف، والخدمات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر والرقمي. فعلى سبيل المثال، الاستثمار في مشروعات السدود وتوسيع الرقعة الزراعية يمكن أن يخلق وظائف متعددة في سلاسل القيمة الزراعية، من التغليف والتسويق إلى التوزيع والاستهلاك المحلي والتصدير.
وبالإضافة إلى ذلك على الأذرع الاستثمارية الحكومية مثل -جهاز الاستثمار العماني- أن تلعب دورًا أكثر فاعلية، من خلال ضخ استثمارات في قطاعات صناعية وخدمية قادرة على خلق فرص عمل مستدامة، بما ينسجم مع خطط التنويع الاقتصادي، ويزيد الأثر التشغيلي للمشاريع الكبرى.
إذن المشكلة لا تكمن في الأرقام المحققة للنمو بحد ذاتها، ولكن في قدرتها على ترجمة النمو إلى واقع يشعر به المواطن. ولذلك فإن التحدي الحقيقي يكمن في بناء الثقة، عبر ربط تحسين المؤشرات بخلق فرص اقتصادية حقيقية تُسهم في تحقيق التنمية الشاملة بكافة أبعادها.
***********************************************************************************************************
تحدثت في بعض مقالاتك عن التنمية البشرية كمقياس لتقدم الدول بشكل شامل.. ما رؤيتك في هذا الجانب وكيف يمكن لمؤشرات التنمية البشرية أن تكون أكثر دقة من الناتج المحلي الإجمالي أو المتوسط العام لدخل الفرد؟
مؤشرات التنمية البشرية لا تتعلق فقط بمؤشرات مثل النمو والدخل، ولكنها تشمل جوانب متعددة، مثل مستوى المعيشة ومدى قدرة الأفراد على تغطية احتياجاتهم الأساسية من دخلهم، ومؤشرات مثل التعليم، حيث يتم قياس عدد الطلبة في الفصل الواحد وعدد الفصول الدراسية بالنسبة لكل ألف طالب، وكذلك مؤشرات الصحة مثل عدد الأسرة والأطباء لكل ألف شخص، كما أن هناك مؤشرات جديدة تأخذ في الاعتبار التطورات التكنولوجية والاقتصادية الحديثة. والأمم المتحدة تواصل إصدار تقرير مؤشرات التنمية البشرية على المستوى العالمي، وهذه المؤشرات أكثر تكاملًا وواقعية في قياس التقدم ورصد الواقع الاجتماعي والاقتصادي للدول.
وفي سلطنة عمان، تم إصدار حوالي 3 تقارير حول مؤشرات التنمية البشرية. وفي اعتقادي أن التقرير الأول كان مختلفًا، شاملًا وناقدًا، حيث لا يُفترض به أن يكون مجرد تقرير يُثني على الإنجازات فقط، لكنه تقرير يسلط الضوء على النجاحات ويستعرض أوجه القصور أيضًا، على خلاف التقارير التي صدرت بعد ذلك، فالتقرير الثاني الذي صدر في 2011، رغم أنه كان مشابهًا للتقرير الأول من حيث المحتوى الأساسي، إلا أن لغة التقرير اختلفت، وتم التركيز على الجوانب الإيجابية، رغم أن الأهم التركيز على الجوانب النقدية التي تسهم في تحسين الأداء المستقبلي.
***********************************************************************************************************
العالم يتجه نحو الطاقة المتجددة والهيدروجين، وعُمان تنتقل في هذا المجال من مرحلة المبادرات إلى الخطوات الملموسة والتنفيذ، كيف يمكنها الاستفادة من فرص التحولات التي يشهدها قطاع الطاقة؟
التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة والهيدروجين يستهدف تحسين الكفاءة وتوفير مصادر طاقة أكثر استدامة، وهناك جانبان رئيسيان يمكن لسلطنة عمان الاستفادة منهما حتى تفتح أفقًا جديدًا للنمو ولمصادر الدخل المستدامة.. الأول هو استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير اقتصادها، والثاني الاستفادة من الهيدروجين كمصدر دخل إضافي، ومن الممكن أن يكون منافسًا للنفط في المستقبل.
وعُمان تتمتع بعدة ميزات يمكن أن تساعدها في الاستفادة من هذه الفرص، فالطاقة الشمسية تعد مصدرًا مهمًا يمكن استغلاله، والشمس موجودة طوال السنة في عُمان، مما يعني أنه يمكنها توليد طاقة شمسية بأسعار أقل من الاعتماد على النفط أو الغاز، ويمكن استخدام هذه الطاقة لتحليل الماء واستخراج الهيدروجين بجدوى اقتصادية أعلى هذا أولا، والميزة الثانية عُمان تتمتع بمساحات شاسعة يمكن استخدامها في الطاقة الشمسية، كما أن الرياح في بعض المناطق قد تكون مصدرًا آخر للطاقة المتجددة، وإذا تم استغلال هذه الموارد بشكل فعال، فإن سلطنة عمان ستتمكن من توليد طاقة نظيفة بكلفة أقل.
ومع ذلك، هناك تحديات أهمها أن التكنولوجيا المستخدمة في الطاقة المتجددة لا تزال مكلفة إلى حد ما، على الرغم من أنها انخفضت في السنوات الأخيرة. وفي حال تمكنت سلطنة عمان من تقليص التكلفة المرتبطة بتوليد الطاقة الشمسية وتحليل الماء لاستخراج الهيدروجين، فإنها ستكون في موقع جيد للاستفادة من هذا القطاع المستقبلي بشكل كبير وتطوير اقتصادها والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة بشكل مستدام.
***********************************************************************************************************
كيف يمكن للسياسات التمويلية أن تحفز الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الذي يتطلب استثمارات ضخمة؟ وهل هناك فرص متاحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟
إنتاج الهيدروجين بالطبع يتطلب استثمارات كبيرة جدًا، ويتم التمويل عن طريق تكتلات مالية أو شراكات دولية، والمشاركة الفعالة في إنتاج الهيدروجين أو في المشاريع الكبرى للطاقة المتجددة يتطلب وجود سياسة تمويلية طويلة المدى لدعم هذا النوع من المشاريع.
ويمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تكون جزءًا من النظام البيئي المرتبط بهذه المشاريع، وأن تشارك في جزء من سلسلة الإنتاج مثل تصنيع المعدات الصغيرة أو الاستشارات الفنية أو حتى في الأنشطة اللوجستية المرتبطة بصناعة الهيدروجين.
***********************************************************************************************************
تم مؤخرًا توقيع اتفاقية بين سلطنة عمان وهولندا لإنشاء ممر للهيدروجين الأخضر.. كيف ترى تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد العماني وقطاع النقل البحري والموانئ؟
هذه خطوة استراتيجية مهمة جدًا، حيث تفتح آفاقًا جديدة للاقتصاد العماني على أكثر من صعيد أولها التكنولوجيا الجديدة التي ستساهم في تطوير قطاع الطاقة المتجددة، واستغلال الموارد الطبيعية في سلطنة عمان مثل الشمس والمياه لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي سيخدم أسواقًا جديدة مثل أوروبا التي تسعى بقوة نحو التحول للطاقة النظيفة. وهذا بدوره سيزيد من الطلب على الهيدروجين الأخضر عالميًا.
أما من ناحية قطاع النقل البحري، فإذا كانت ناقلات الهيدروجين ستبحر من عمان باتجاه أوروبا، فهذا يعني أن الموانئ العمانية ستشهد زيادة في الأنشطة اللوجستية والشحن البحري، وبالتالي تنشيط الاقتصاد المحلي في هذه المنطقة. وإذا تم بناء مصانع الهيدروجين في مناطق مثل الدقم، التي لم تعمل بطاقتها الكاملة بعد، يمكن أن توفر هذه المشاريع فرصًا لتوسيع الإنتاج وزيادة حركة الشحن، مما يسهم في تعزيز مكانة عمان كمركز لوجستي في المنطقة.
والهيدروجين الأخضر يعد بديلاً واعدًا للطاقة التقليدية من نفط وغاز، إلا أن تكلفة الإنتاج عامل مهم في نجاح هذه المشاريع. وإذا كانت التكلفة مرتفعة، قد يواجه المشروع تحديات في جلب استثمارات ضخمة، ولذلك يجب أن تكون هناك شراكات استراتيجية مع الشركات الأوروبية تشمل مرحلة الإنتاج وليس مجرد كونهم مستهلكين للمنتج النهائي، لضمان تغطية تكلفة الإنتاج واستمرار الاستثمار في تكنولوجيا الهيدروجين، وإذا تمكنت عُمان من استقطاب رأس المال الأجنبي بشكل جيد واستطاعت توفير تكنولوجيا منخفضة التكلفة لإنتاج الهيدروجين، فإنها ستكون في موقع قوي على المستوى العالمي في هذا القطاع.
***********************************************************************************************************
هل الدراسات والبحوث الأكاديمية في سلطنة عمان تواكب ما تمر به من تطورات تنموية؟
دور البحث العلمي جيد في هذا المجال، لكن إذا نظرنا إلى الموضوع بشكل أوسع، فالابتكار ليس مجرد بحث علمي، بل هو تطبيق عملي لهذه الأبحاث، وفي حين ان العديد من البحوث تركز على جوانب إدارية وغير تكنولوجية هناك احتياج للتركيز على البحث العلمي المرتبط بالصناعة والتكنولوجيا. وعندما يشكّل قطاع صناعي نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، يكون البحث العلمي في هذا القطاع أكثر نشاطًا، ومع تنسيق جهود الجهات المعنية بالابتكار، تزداد فرص تطوير هذا المجال بشكل أكبر.
***********************************************************************************************************
ما هو تقييمك لدور المستثمرين في دعم الابتكارات العمانية ومقترحاتك لتحفيز الابتكار؟
هناك مشكلة حقيقية في تمويل الابتكارات المحلية، نرى بعض الاختراعات التي يحقق أصحابها جوائز في المسابقات العالمية، لكن لا يوجد الاستثمار الجريء لدعم هذه الابتكارات وتحويلها إلى منتجات تجارية قابلة للتطبيق، لذلك من المهم وجود آلية دعم تمكن الشركات الناشئة من الوصول إلى التمويل اللازم.
وبالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يجب أن يكون هناك دعم من خلال شراكات مع الشركات الكبرى في القطاعات الصناعية. هذه الشركات يمكن أن تقدم تمويلًا للمشاريع الأكاديمية الصغيرة، مما يعزز الابتكار ويتيح للبحوث التطبيقية أن تجد السوق والمستثمرين، والاهتمام بكافة هذه الجوانب يمكّن سلطنة عمان من أن تكون في موقع متقدم في مجال الابتكار.
وأرى من المهم التحفيز بجائزة خاصة للابتكار العلمي، كما هو الحال مع جائزة السلطان قابوس للثقافة، ويمكن أن يكون هناك أيضًا مهرجان أو معرض علمي للاختراعات والابتكارات، على غرار معرض مسقط الدولي للكتاب، ليمثل فرصة لعرض الابتكارات من المدارس والجامعات وحتى الشركات الناشئة، وتعريف المجتمع المحلي والدولي بها، وتوسيع الفرص التجارية لها.
ويمكن أن يبدأ المعرض محليًا ثم يتوسع ليصبح إقليميًا ثم دوليًا، ويكون لكل سنة موضوع أو ثيمة مختلفة مثل: الابتكار في الزراعة، أو الطاقة المتجددة، أو التكنولوجيا الطبية وهكذا. كما يمكن أن يتم توفير دعم مالي مباشر لهذه الابتكارات من خلال شراكات مع الشركات الكبرى أو الصناديق الاستثمارية، مما يضمن تحوّل الابتكارات إلى منتجات ملموسة.
***********************************************************************************************************
هناك مشاريع كانت تتم مناقشتها في مجال المدن الخضراء التي تدمج ما بين بيئات حديثة ومستدامة للعيش مع مراكز لحاضنات الأعمال والأبحاث.. لماذا لم تخرج هذه المشاريع إلى حيز التنفيذ؟
بعض المشاريع كانت في مرحلة التخطيط ولم تنفذ لأسباب متعددة، على سبيل المثال، في عام 2009، كنا نناقش مشروع «المدن الخضراء» أو «جرين تاون»، حيث تم تحديد عدة مواقع لإنشائها. ولكن مع حدوث الأزمة المالية العالمية في 2008، تم تأجيل المشروع، حيث كان التركيز في ذلك الوقت على معالجة تبعات الأزمة المالية.
ومشروع المدن الخضراء يتماشى مع مفهوم المدن الحديثة المتكاملة، حيث تستهدف دمج تقنيات متجددة في تصميم المدينة، بما في ذلك أنظمة لتدوير المخلفات، واستخدام الطاقة النظيفة، بما فيها وسائل النقل داخل هذه المدن وإنشاء مجتمعات سكنية تتسم بالاستدامة البيئية. وفي بعض المواقع المقترحة، مثل منطقة «الروضة» بمحافظة البريمي كان من المخطط له إنشاء مدينة خضراء تضم مراكز بحث علمي وحاضنات أعمال، مشابهة للنظام المتبع في دول مثل إيرلندا. وكان من المفترض أن تشمل بعض المشاريع الزراعية مثل تلك التي تم اقتراحها حول «سد وادي ضيقة» بولاية قريات، حيث تم التفكير في إنشاء مدينة زراعية صغيرة تستخدم الطاقة المستدامة وتتمتع ببيئة متكاملة. الفكرة كانت أيضًا تتضمن تطوير مناطق لتشجيع الأبحاث في نظم المعلومات وغيرها من المجالات التقنية، وكانت هناك اقتراحات لمشاريع مشابهة في مواقع أخرى لجذب الاستثمارات إلى هذه المناطق وتنفيذ مشاريع قابلة للعيش والاستخدام المستدام.
***********************************************************************************************************
كيف تُقيّم قدرة سلطنة عُمان على تبني وتنفيذ تخطيط اقتصادي فعّال بعيد المدى في ظل التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية في العالم؟ وما الذي يحتاجه العمل الحكومي لضمان نمو اقتصادي فعّال؟
الضرورة ملحة لتبني سلطنة عُمان هذا النوع من التخطيط، خاصة في ظل وجود شريحة بشرية واسعة من الشباب المتعلم لها تطلعات وتبحث عن فرص عمل. فهناك الكثير من المهندسين في مجالات متعددة مثل الهندسة المدنية والمعمارية، وكذلك أطباء وغيرهم يعانون من فترات بطالة رغم تأهيلهم. فعُمان بحاجة إلى تنظيم اقتصادي يتكيف مع هذه التحديات، وأحد الأدوار الأساسية لوزارة الاقتصاد هو التخطيط على المدى القصير والمتوسط وطويل المدى لمواكبة المتغيرات والتكيف مع التحديات الحالية والمستقبلية، كما أن المرونة مطلوبة في توسعة الموارد المالية اللازمة لخلق وظائف جديدة وزيادة الاستثمار.
ففي ظل الظروف الحالية، هناك عشرات الآلاف من الشباب يدخلون سوق العمل سنويًا، وهذه مشكلة تحتاج إلى حلول عملية، وتتطلب تغييرات في السياسات بما في ذلك سياسات التوظيف والتدريب لزيادة الثقة في هذه البرامج.
***********************************************************************************************************
منذ بدء تنفيذ رؤية عمان المستقبلية، كان هناك أولوية لسداد الدين العام.. كيف يمكن التوازن بين خفض الدين وتنفيذ المشاريع التنموية؟ وهل الاستثمار في البنية الأساسية يمكن أن يخلق فرص عمل ويدعم نمو الاقتصاد؟
خفض مستوى الدين العام في سلطنة عُمان كان أولوية ملحة، والآن نجحت في تقليصه إلى حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى جيد مقارنة بالدول الأخرى التي تتحمل ديونًا أعلى بكثير. ويجب أن نوازن بين الحفاظ على الاستدامة المالية ومتطلبات ترشيد وخفض الإنفاق من جانب وبين تلبية احتياجات المجتمع، مثل تطوير البنية الأساسية من طرق ومدارس، والإنفاق على المشاريع التنموية من جانب آخر.
الحكومة تستثمر بشكل رئيسي في البنية الأساسية، وهذا أمر جيد لأنه ينشط قطاعات أخرى مثل تجارة التجزئة والنقل والقطاع المالي والتأمين. لكن هذا يجب أن يكون استثمارًا مستمرًا حتى يعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال، أمريكا في فترة كورونا استثمرت تريليونات الدولارات في تحسين بنيتها الأساسية مثل الجسور والطرق، ما ساعد على تحفيز الاقتصاد.
والاستثمار في البنية الأساسية يمكن أن يخلق فرص عمل مباشرة، خاصة في القطاعات المرتبطة بها مثل النقل واللوجستيات. لكن المشكلة تكمن في أن الكثير من هذه المشاريع تعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الوافدة، لذا يجب التركيز على كيفية دمج العمانيين في هذه الصناعات وتشجيعهم على المشاركة في هذه المشاريع.
***********************************************************************************************************
هل نحن بحاجة إلى دور أكبر للحكومة في الاقتصاد، أم أن القطاع الخاص يمكن أن يتحول ليكون المحرك الأساسي للنمو؟
من الناحية الأيديولوجية، فأنا أؤمن بدور قوي للحكومة في الاقتصاد، ولكن هذا قد يتعارض مع المبدأ الذي كان يتم التركيز عليه منذ عقود، وهو أن يقوم القطاع الخاص بالدور الأهم فيه. وفي الوقت الحاضر، حيث ظروف سوق العمل تزداد صعوبة والبنية الأساسية بحاجة إلى تطوير، لذلك ما زلت أؤمن بأهمية استمرار الحكومة من خلال أذرعها الاستثمارية للقيام بدور قوي في الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، نجد أن القطاع المالي «البنوك» هو الوحيد الذي يعمل بشكل جيد، بينما الشركات العائلية والشركات المدرجة في البورصة تواجه تحديات. لذا يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بزيادة مشاركة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، وإيجاد شراكات استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص.
***********************************************************************************************************
بالحديث عن القطاع الخاص.. كيف ترى تطور بيئة الاستثمار وإجراءات التسجيل والتسهيلات، خاصة مع التحول الرقمي؟
رغم التقدم الذي تحقق في مجال التحول الرقمي، لا تزال هناك مشاكل في الجانب الاستثماري بالرغم من الحاجة الملحة لمشاريع قوية قادرة على خلق فرص عمل حقيقية. والقطاع الخاص في وضعه الحالي لا يبدو قادرًا على توفير الوظائف التي يتوقعها الخريجون، وهذا يتطلب تفكيرًا جديدًا في كيفية دعم هذا القطاع وتنشيط دوره في الاقتصاد.
ويجب أن تُحسن الحكومة بيئة الأعمال المحلية بشكل أكبر. على سبيل المثال في حالة تأجير المحلات الصناعية أو المشاريع، ما زالت هناك بعض الإجراءات البيروقراطية التي تعيق سرعة تنفيذ المشاريع، رغم أن التأجير يُعتبر من أبسط أشكال الاستثمار، وهذه الإجراءات يجب أن تُسهل وتُسرع لتشجيع الاستثمارات المحلية.
***********************************************************************************************************
تبدي الحكومة اهتماما كبيرا بالمحتوى المحلي.. كيف يمكن أن نحقق أقصى استفادة من هذا التوجه لتعزيز النمو وتوفير فرص العمل؟
هناك بالفعل اهتمام بالمحتوى المحلي، ولكن من المهم أن يتم تحديد هذا المحتوى بشكل دقيق.. فهل يشمل القوى العاملة العمانية فقط أم أيضًا المنتجات المحلية والصناعات الوطنية؟ يجب أن تكون هذه المعايير واضحة ومحددة أكثر بحيث يمكن تحقيق تنمية مستدامة تدعم الاقتصاد المحلي بشكل شامل.
وسواء فيما يتعلق بالمحتوى المحلي أو غيره من التوجهات نحن بحاجة إلى التركيز على الأسس ومدى فاعلية السياسات أكثر من مجرد النظر في الأرقام فقط، ولا شك أن هناك الكثير من الفرص التي يجب استغلالها بطريقة أكثر استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات بشكل فعّال.