صدى البلد:
2025-06-01@23:32:01 GMT

د. عصام محمد عبد القادريكتب: تعزيز الهوية السياسية

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

 الانتماء لتراب هذا الوطن والولاء لرموزه يلزمنا أن نحافظ على مقدرات الدولة ومواردها لجيل تلو الأخر، وهذا يؤكد ضرورة الحفاظ على المال العام، ومحاربة كل صور الفساد والإفساد، وزجر كل من تسول له نفسه للنيل من وطننا الغالي بأي طريقة كانت، وألا نقف مكتوف الأيدي حيال من يهدر أو يضير بالممتلكات العامة أو حتى يسيء استخدامها بأي صورة كانت.


والتساؤل المشروع الذي يدور في أذهاننا جميعاً فحواه:  حول ما دور الهوية السياسية تجاه الوطن ومقدراته؟ وهنا أجد أن صيانة وحماية المقدرات فرض عين على من تربى في خضم الثوابت والقيم الوطنية والتي في مقدمتها الأمانة والنزاهة والشرف والاستقامة والاحترام والتسامح والعدل والمساواة والأخوة التي تنبع من محبة غير مشروطة وإيجابية غير متناهية وتفاؤل وأمل لا ينقطع.


وأثق في أن الهوية السياسية تؤدي دورًا لا يستهان به في تعضيد مقومات الاستقرار المستدام، والذي يقوم على لغة التفاهم والحوار والنقاش الهادف والبناء في الوقت ذاته؛ فإذا ما تعرض الوطن الغالي لتحدي أو أزمة أو مشكلة أي كان نوعها، نجد حواراً وطنياً جامعا على مائدة مستديرة تتناقل بين أطرافها الرؤى وتتناغم الأطروحات وتتلاقى الفكرة مع الأخرى لتخرج مقترحات مصبوغة بخبرة لها جذور عميقة تسهم قطعًا في الخروج من المأزق، بل وتمنحنا فرص لجني ثمار لم تكن في الحسبان.


وهنا أود الحديث عن أهمية العدل والمساواة في تطبيق ما تم إقراره من قوانين ولوائح منظمة لكافة العمل العام والخاص، بل وللحياة بمفرداتها المختلفة؛ حيث إن ثقافة احترام القوانين ينتج عنها شعور عظيم في وجدان الفرد الذي يعي ماهية وطن يستظل بسمائه ويستمتع بأمنه وأمانه ويرى من خلال بوابته مستقبله المشرق له ولأجياله، ولا نغالي إذا ما قلنا إنه يعزز بداخله معني الأخوة الصادقة التي لا تتوقف عند حد صلة الدم؛ فقد باتت أخوة الوطن تفوق في قوتها الأخوة في معناها الدارج.


وقد أضحت الإشادة بكل من يتقدم بعطاء لهذا الوطن في أي مجال من المجالات أمرًا مهمًا؛ حيث إنه باعث من بواعث حفز الهمم ويعبر عن تقدير صادق يؤدي بالضرورة إلى رفع الروح المعنوية لديه، ويحثه إلى مزيد من استدامة العطاء، ويجعله يبذل قصار جهده في إتقان ما يؤديه من مهام، ولا يبالي بمشاق أو صعاب قد تواجهه في مسيرته المضيئة، كونه استشعر أهمية ما يقوم به وأثره الطيب في نفوس الآخرين.


وأود التأكيد على أن التعزيز المعنوي يشكل أهمية كبيرة في تحسين خصال الطبيعة البشرية وتجويد ممارساتها، ويؤدي إلى إحداث إيجابية تسهم في الدفع لمزيد من تكرار السلوك المحمود الذي يحقق التنمية في المجالات المختلفة، وهو ما يؤدي إلى خلق مناخ داعم ومواتي لبيئة العمل وللحياة العامة والخاصة، ويعضد من العزيمة تجاه نهضة الدولة ومؤسساتها، وبصورة مباشرة يعزز من الهوية السياسية ويرسخها في الأذهان والوجدان.
وأعتقد أن تعزيز الهوية السياسية في النفوس يحتم علينا أن نبدي تقديرًا واحترامًا لرموزنا الوطنية، ولا يخفى علينا أن هذا الأمر يتباين من قطر لقطر في خضم القناعة بهذا المفهوم الذي يعكس القيم النبيلة التي أشرنا إليها في مستهل حديثنا، وهو ما يؤكد على أن الرقي الثقافي والحضاري يشكلان مسارات التفكير ويجعلان المواطن يستشعر المسئولية.


واتعجب ممن يعبرون عما يجول بخواطرهم السلبية تجاه رموز الدولة ومسئوليها عبر منابر الفضاء المفتوح؛ فتبدو ملامح السخرية والتقليل من الشأن، بل والتطاول بألفاظ ومعان غير مقبولة تنال من الشخص أو مما يؤديه من عمل، وهذا للأسف يفتح بابًا لقلة التقدير والاستهانة بكيان الدولة وقوانينها المنظمة للحياة العامة والخاصة، بل ويجعل شعوب أخرى قد تتجرأ على الدولة ورموزها من قبيل المؤازرة أو تنازل بني الوطن عن ماهيتهم السياسية.


والأمل معقود على فقه المواطن المصري الأصيل لماهية الهوية السياسية التي تؤكد على ضرورة احترام وتقدير الرموز الوطنية مما يقوي الإحساس بالانتماء ويفضي إلى الاستقرار السياسي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!

تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!

فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!

كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!

يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!

أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!

أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.

واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!

وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!

على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.

فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.

لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!

والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!

أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!

وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • اللواء عصام خضر يكتب: رحلة العائلة المقدسة في مصر.. مسار مقدس يمتد عبر التاريخ
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • بحضور المحافظ..ندوة "رؤية القيادة السياسية لإدارة وحماية مواقع التراث العالمي" بمكتبة الإسكندرية
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة
  • صادي: “حضورنا البطولة الوطنية للأكاديمات دليل على الأهمية التي نوليها للتكوين”
  • على طريقة سمير غانم.. كوميديا نجوم فيلم ريستارت بحفل تامر حسني
  • السادات: تعزيز المشاركة السياسية «ضرورة».. ونرفض قوانين تُقصي الأحزاب الصغيرة
  • خدمات استباقية
  • فارس المزروعي: مهرجان سباق دلما التاريخي يسهم في صقل وترسيخ الهوية الوطنية
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!