الأورومتوسطي: المنظومة الدولية فشلت في وقف الإبادة بشمال غزة
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن تلكؤ المنظومة الدولية عن اتخاذ قرارات حاسمة تجاه مجازر إسرائيل في قطاع غزة -خاصة في شماله- يجعلها شريكة في تلك الجرائم ويمثل ضوءا أخضر لإسرائيل للمضي قدما في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية، كما يعكس تجاهلا صادما لحياة الفلسطينيين وكرامتهم.
وأشار المرصد الأورومتوسطي في بيان إلى أن المنظومة الدولية -بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة- جميعها عجزت عن تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي قامت عليها، وأظهرت فشلا مشينا على مدار 13 شهرا في الالتزام بحماية المدنيين ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وهو ما يفترض أن يكون في صميم عملها وسبب وجودها.
وأضاف الأورومتوسطي أن استمرار الجرائم الإسرائيلية في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة -خاصة في قطاع غزة- يشير إلى خلل بنيوي في منظومة الأمن الجماعي التي أنشئت لمنع الجرائم الخطيرة وفرض سيادة القانون على المستوى العالمي، وهو ما يُفقد المنظومة الدولية مصداقيتها ويكشف عن هشاشتها وهزليتها أمام حسابات السياسة ونفوذ الدول الكبرى الشريكة في الإبادة ويفتح المجال لتكريس ثقافة الإفلات من العقاب.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن المجتمع الدولي وآليات العدالة الدولية لم تتعامل بجدية مع الجرائم المرتكبة رغم خطورتها وفظاعتها، بل تجاهلتها بشكل كبير، في حين اقتصرت بعض الجهات في أفضل الحالات على بيانات خجولة لم تسمِّ الأمور بمسمياتها الصحيحة، مما شجع إسرائيل على توسيع تلك الجرائم بدعم وتسليح من الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية.
ويتعرض شمال قطاع غزة منذ قرابة شهر -وعلى مرأى ومسمع من العالم- إلى استباحة شاملة بهدف القضاء على الفلسطينيين هناك وتهجير سكانه قسرا بالترويع والقوة القهرية لإفراغه، حيث ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر متكررة وشن الغارات والأحزمة النارية، ليقتل أكثر من 1300 شخص ويصيب نحو ألفين آخرين، بالتزامن مع فرض حصار خانق ومنع إدخال أي مساعدات، ومنع طواقم الدفاع المدني والإسعاف من العمل، وإخراج المستشفيات عن العمل، وإصدار العديد من أوامر الإخلاء القسري غير القانونية.
وأشار إلى أنه لا تزال نحو 100 ضحية فلسطينية تحت أنقاض منزل عائلة أبو نصر في بيت لاهيا الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية صباح الثلاثاء الماضي، وانتشل منه 117 شهيدا فلسطينيا.
وكررت إسرائيل الجريمة بقصف منزل عائلة الغندور المكون من 4 طوابق في مخيم جباليا عصر الخميس الماضي لتدمره على نحو 120 فلسطينيا من سكانه باتوا جميعا تحت الأنقاض، دون أن تتوفر طواقم إسعاف أو دفاع مدني للمساعدة في انتشالهم.
كما فُقد نحو 50 بعد قصف الطائرات الإسرائيلية أول أمس الجمعة منزلا لعائلة شلايل شمالي قطاع غزة، في حين لا يزال العشرات تحت أنقاض المنازل الأخرى التي تعرضت للاستهداف.
وتمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 10 أيام متتالية طواقم الإسعاف والدفاع المدني من العمل شمال قطاع غزة، مما ترك عشرات آلاف السكان دون خدمات إسعافية وإنقاذية، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تلزم بتأمين حركة الطواقم الطبية وإنقاذ الجرحى.
وعبّر المرصد الأورومتوسطي عن أسفه أن كل ذلك يجري -بما فيه قتل المرضى والجرحى وقصف المستشفيات، والتي كان آخرها مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة- دون أن تصدر حتى مواقف من منظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تخلت عن مسؤولياتها المنوطة بها في النزاعات المسلحة.
تفريغ الشمال
وحذر الأورومتوسطي من أن إسرائيل في الوقت الذي تنكر فيه رسميا أنها تنفذ خطة تفريغ شمال غزة أو ما تعرف بـ"خطة الجنرالات" فإنها تعمل على تطبيقها على أرض الواقع بلا هوادة وبسرعة، وفي هذا الصدد ألقت منشورات أول أمس الجمعة تطالب بإخلاء مراكز الإيواء في جباليا وبيت حانون وتوجه من فيها إلى الجنوب.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن إسرائيل تعمل على تنفيذ خطة التفريغ واقتلاع الفلسطينيين بالقوة من مربع إلى آخر، مستخدمة في ذلك المجازر وقتل المدنيين في منازلهم ومراكز الإيواء، فضلا عن التجويع، وتستمر في منع إدخال أي مساعدات أو بضائع لشمال قطاع غزة منذ شهر كامل.
وأوضح أن هذا الصمت والتعاجز مستمران رغم التحذيرات الصارخة من أن "كامل السكان الفلسطينيين في شمال غزة على شفا الموت بسبب الأمراض والجوع والعنف"، وأن الوضع في شمال القطاع بات كارثيا، حيث يعيش الناس أهوالا كأهوال القيامة، وفقا لوصف كبار مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم القائم بأعمال رئيس المساعدات الأممية ورؤساء وكالات أممية أخرى مثل اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي.
وشدد على أن تكرار استخدام الأسلحة الأميركية والأوروبية في قتل المدنيين الفلسطينيين جماعيا وتدمير منازلهم يجعل هذه الدول شريكة في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيلي في حربها على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بحسب القانون الدولي، خاصة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن القانون الدولي الإنساني يحمي حق المدنيين خلال النزاعات المسلحة في حال قرروا البقاء بمنازلهم أو مناطقهم، ولا سيما أنهم لا يشكلون أي خطر أو تهديد على حياة القوات المحتلة، إذ تؤكد التحقيقات التي أجراها الأورومتوسطي أن عمليات القتل والتدمير لا تجري لأي ضرورة حربية إنما بهدف تدمير الفلسطينيين والقضاء عليهم بالقتل والتهجير القسري.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المحكمة الجنائية الدولية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها، والتحرك من دائرة الصمت إلى مرحلة إصدار أوامر بالقبض والمساءلة والمحاسبة، وذلك بشأن الجرائم الإسرائيلية التي تدخل جميعها ضمن اختصاصها، آملا أن يسهم هذا التحرك في توفير بعض الحماية للمدنيين الفلسطينيين في مواجهة مخطط الإهلاك الإسرائيلي الشامل الذي يمارس بحقهم.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإنقاذ مئات الآلاف من سكان شمالي غزة، ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل للعام الثاني على التوالي، وفرض حظر أسلحة شامل عليها، ومساءلتها ومعاقبتها على كافة جرائمها، واتخاذ كافة التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات حريات جریمة الإبادة الجماعیة المرصد الأورومتوسطی المنظومة الدولیة الأورومتوسطی أن قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مسؤول أممي سابق لـعربي21: يجب فرض عقوبات دولية رادعة على إسرائيل
دعا المسؤول الأممي السابق وكبير مستشاري القضية الفلسطينية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ليكس تاكنبرغ، قادة المجتمع الدولي إلى ضرورة "فرض عقوبات رادعة على إسرائيل، وأن يُشجّعوا على ىسحب الاستثمارات من الشركات التي تُمكّن الاقتصاد الإسرائيلي من مواصلة الحرب، والتوقف ليس فقط عن توريد الأسلحة لإسرائيل، بل أيضا التوقفعن شراء الأسلحة الإسرائيلية وبرمجيات المراقبة والمعدات الإسرائيلية الأخرى".
وأكد تاكنبرغ، مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل منذ بدء العدوان، قبل 19 شهرا، تُعد جريمة حرب تُستخدم كسلاح إبادة جماعية"، مشيرا إلى أن "المجتمع الدولي التزم الصمت طويلا، مما منح إسرائيل غطاءً لمواصلة عدوانها، قبل أن يبدأ هذا الصمت بالتصدع مع تزايد الغضب الشعبي العالمي ووضوح مواقف الخبراء القانونيين".
ولفت المسؤول الأممي السابق، إلى أن "هناك تحوّلا في موقف بعض الدول الغربية التي بدأت تدين علنا الإبادة الجماعية، وتكشف الوجه الحقيقي للحرب على غزة"، مرجّحا أن السبب في هذا التحول هو "الخوف من أن يُنظر إليهم في المستقبل كمتواطئين في الجرائم المرتكبة".
وفيما يتعلق بمحاسبة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، قال تاكنبرغ إن "الحكم النهائي في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل قد يستغرق عاما أو أكثر، لكنه سيكون ذا أهمية قانونية وتاريخية بالغة، لأنه سيضع إطارا قانونيا واضحا حول طبيعة جرائم إسرائيل ومسؤوليتها كدولة".
وشدّد تاكنبرغ على أن "الاعتراف بوقوع الإبادة الجماعية في غزة يفرض التزامات قانونية على الدول، من بينها فرض العقوبات الرادعة ووقف الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل"، مطالبا بوقف فوري لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية كخطوة أولى لوقف المجازر.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيّمون عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة؟
لقد شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية أن الخطة الإسرائيلية-الأمريكيةالرامية إلى تجاوز النظام الإنساني المتعارف عليه منذ زمن طويل من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكوميةفشل تماما، كما توقع العديد منا منذ أسابيع، منذ أن تم الإعلان عن تفاصيل الخطة الجديدة.
لقد شاهدنا الصور المروّعة لمئات الفلسطينيين الجائعين في غزة وهم يحاولون الوصول إلى ما يُطلق عليه "نقاط توزيع آمنة" أنشأها هذا النظام الجديد، مما أدى إلى فوضى مأساوية ومعاملة لا إنسانية للفلسطينيين، وإصابة العشرات ومقتل أحدهم، وهذا يُظهرالقصور التام في هذا النظام الجديد.
ما يُطلق عليه "مؤسسة غزة الإنسانية" ليست سوى ستار للتغطية على حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التطهير العرقي، واستخدام التجويع كسلاح حرب.
يبدو أن حكومة نتنياهو –وقد صرّحت بذلك أيضا- أدركت أن الحرمان الكاملمن الغذاء، ومواصلة الحصار التام على الغذاء، أمر لا يمكن تسويقهللعالم، لذلك حاولوا خلال الأشهر الماضية إنشاء نظام بديل، لكن كما أوضحتمنظمات الأمم المتحدة المختلفة، فإن هذا النظام البديل لا يستوفي الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، مثل الحياد، والاستقلال، وعدم التحيّزولا حتى المعايير الأساسية للكرامة الإنسانية ومبدأ "عدم الضرر".
في ظل النظام القائم التابع للأمم المتحدة، كان هناك أكثر من 400 نقطة توزيع يتم عبرها تقديم الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
أما في ظل النظام الجديد، فلن يكون هناك سوى أربع نقاط توزيع كحد أقصىبالنسبة لهذا العدد من السكان. كيف يمكن لنقطة توزيع واحدة أن تخدم نصف مليون شخص؟،هذا أمر مستحيل وخطير وغير إنساني، كما ذكرت سابقا.
نعم، إنه كما قلت ليس سوى ورقة توت وستار للتغطية على خطط إسرائيل المستمرة لتطهير قطاع غزة عرقيا.
ما تقييكم لموقف الأمم المتحدة من آلية توزيع المساعدات في غزة؟
كما ذكرتُ في إجابتي السابقة فإن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكوميةأو ما أسميه المجتمع الدولي الإنساني ككل رفض هذه الخطة للأسباب التي ذكرتها سابقا؛ فهي لا تلبي الحد الأدنى من المعايير المهنية لتقديم المساعدات الإنسانية، والتي تم تطويرها على مدى عقود إن لم يكن أكثر من ذلك، وهي في جوهرها أداة إضافية لمواصلةالتطهير العرقي، بل تسهيله، لأنه من أجل الحصول على المساعدات ضمن ما يسمى"مؤسسة غزة الإنسانية"، يجب على اللاجئين السير إلىواحدة من نقاط التوزيع الأربع، والتي يبدو أن اثنتين منهم فقط تم إنشاؤهما في الوقت الحالي.
ومن أجل ذلك يتم إبعادهم أكثر عن المناطق التي يريد الجيشوالحكومة الإسرائيلية تطهيرها وطرد الفلسطينيين منها.
لذلك، ناهيك عن كونه مجرد ستار للتغطية على استمرار الحرب، فإن النظام الجديد للمساعداتيُستخدم أيضا كأداة لفرض التهجير القسري على السكان الفلسطينيين.
ما هو موقف المجتمع الدولي من سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في غزة؟
التجويع في غزة، واستخدام الحصار، واستخدام حرمان الناس من الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى والكهرباء والمياه والوقودفي سياق الحرب الإسرائيلية الجارية، بدأ تقريبا منذ بداية الحرب قبل 19 شهرا. وكما رأينا، فقد ظل المجتمع الدولي صامتا لفترة طويلة جدا ودعم في البداية إسرائيل بقوةبعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثم استمر في التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" بشكل غير مناسب تماما ومُخالف للقانون الدولي، لأن الدفاع عن النفس لا يمنح إسرائيل الحق في الغزو وشنّ حرب إبادة جماعية ضد سكان أرض محتلة؛ فهذا لا يحدث في إسرائيل ذاتها، بل يحدث في أرض قالت محكمة العدل الدولية إن على إسرائيل الانسحاب منها هي والضفة الغربية.
لقد ظل المجتمع الدولي صامتا لوقت طويل جدا، وبالتالي مكّن إسرائيل من الاستمرار. مؤخرا فقط، مع تفاقمالمجاعة والتجويع في قطاع غزة وانتشار الصور المروّعةعلى شاشات هواتفنا وتلفزيوناتنا، ومع تصاعد غضب المجتمع المدني فيالعديد من البلدان والمدن الكبرى حول العالم، الذين خرجوا للتظاهر، ومع بدء وسائل الإعلام في الاعتراف بأن ما يحدث ليس مجرد حرب بين طرفين،بل هو بالفعل إبادة جماعية، ومع تصاعد وضوح الخبراء الدوليين في القانونوالإبادة الجماعية في إدانة ما يحدث، بدأنا نلاحظ أن هناك بداية تغيير في موقف المجتمع الدولي تجاه الحرب الإسرائيلية، وخاصة تجاه سياسة التجويعالإسرائيلية في غزة.
إسرائيل تقصي نفسها عن المجتمع الدولي الذي يجب ألا يتجاهل المجازر المروعة وشبه اليومية في غزة، ولا يمكن أن ننتظر أكثر من ذلك، ولا يمكن أن يكون الوضع أكثر فظاعة مما نشهده الآن. نحن نشهد تطهيرا عرقيا خطيرا بحق المدنيين في قطاع غزة، والمشكلة هي الإرادة السياسية، ليست فقط الإرادة السياسية في إسرائيل، بل أيضا الإرادة السياسية في الولايات المتحدة التي هي الداعم الأكبر لتل أبيب، وكذلك الإرادة السياسية لدي باقي دول المجتمع الدولي، من أجل إجبار إسرائيل على وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة، وعلينا أن نقول بصوت عالٍ: يجب إنهاء تلك المأساة الآن وفورا.
هل تشعر أن هناك تحولا ملموسا في موقف الدول الغربية تجاه الجرائم الإسرائيلية في غزة؟
الضغط على القادة الغربيين للتخلي عن دعمهم الأعمى لإسرائيل في بداية الحرب كان يتصاعد خلال الأشهر والأسابيع الماضية، بالتحديد مع ظهور آثار الحصار الأخير ومنذ أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد في بداية شهر آذار/ مارس، وضد سياسة التجويع التي تسببت في المجاعة الحالية، والتي تأتي في أعقاب 19 شهرا من حرب الإبادة المستمرة.
لذلك، بدأ القادة الغربيون يرون أنهم مُضطرون للاختيار بين الاستمرار في دعم إسرائيل من جهة، أو من جهة أخرى المخاطرة بالتعرض لاتهامات من إسرائيل أو منظمات مؤيدة لها بأنهم معادون للسامية.
لكنهم رغم ذلك، بدأوا يتحدثون علنا، بدأوا ينددون علنا بالإبادة الجماعيةوبسياسة التجويع. ورأينا عددا من الساسة الغربيينيخرجون أخيرا عن صمتهم بعد طول انتظار، ليعلنوا وصف وتسمية الحرب على حقيقتها.
وقد أشار عدد من القادة الأوروبيين إلى أنها إبادة جماعية، وقد رأينا أنه بمجرد أن خرج بعض القادة البارزين بمواقف واضحة، بدأ العديد من الآخرين يتبعونهم بسرعة، على ما يبدو خوفا من أن يكونوا في نهاية المطاف في الجانب الخاطئ من التاريخ، وأن يُنظر إليهم كمتواطئين في تنفيذ الإبادة الجماعية.
هذه خطوة مهمة، لكن الاعتراف بطبيعة ما تفعله إسرائيل فيقطاع غزة، وبشكل متصاعد أيضا في الضفة الغربية، يحمل معه مسؤوليات؛ فليس الحديثوحده كافيا.
بموجب القانون الدولي، جميع الدول مُلزمة بألا تكون متواطئة وألا تدعمأعمال الإبادة الجماعية، أو أيّا من الجرائم ضد الإنسانيةأو جرائم الحرب، ويجب أن تُتخذ خطوات فعلية لوقف ذلك، وهذا يعني أنه مع اعتراف القادة الآن بما يجري، فإن عليهم الآن واجبا قانونيايصعب عليهم إنكاره.
يجب عليهم فرض عقوبات رادعة وقوية على إسرائيل، وأن يشجعوا على سحب الاستثمارات من الشركات التي تمكّن الاقتصاد الإسرائيلي من مواصلة الحرب، والسماح والدعوة لمقاطعة تلك الشركات، والتوقف ليس فقط عن توريد الأسلحة لإسرائيل، بل أيضا التوقف عن شراء الأسلحة الإسرائيليةوبرمجيات المراقبة والمعدات الإسرائيلية الأخرى، حيث تتورط أكثر من 100 دولة في شراء هذه الأسلحة والمعدات والأجهزة والبرامج من إسرائيل، وهو ما يسمح للاقتصاد الإسرائيلي بمواصلة الحرب.
هذه الآن هي الخطوة التالية التي يجب أن نراها، يجب على القادة الغربيين أن يستخلصوا الدروس من هذه الاستنتاجات ويتخذواإجراءات ملموسة لوقف التجويع، ولن يتحقق ذلك إلا بوقف إطلاق نار شاملوإنهاء الحرب ثم استئناف العملية السياسية.
هل تعتقد أن هناك تنسيقا أوروبيا - أمريكيا لتصعيد الضغط على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟
إنه مزيج من بعض الجهود المنسقة؛ فقد رأينا مثلا بيانا مشتركا بينبريطانيا وفرنسا وكندا يدين بشدة سياسة التجويع الإسرائيلية، ويُهدّد بعواقب إذا لم تتوقف تلك السياسة.
بالتوازي مع ذلك، نرى الأثر النفسي لتغيير عدد من القادة المؤثرينلهجتهم بشكل مفاجئ، مما دفع قادة آخرين كانوا مترددين أو متفرجينللشعور بالضغط وقرّروا الانضمام إلى أولئك الذين اتخذوا مواقف صارمة.
لذلك، هو مزيج من التنسيق والضغط النفسي، الضغط من أسفل لأعلى، من المظاهرات المتزايدة في دول الغرب، ومن أفراد المجتمع المدني لاستغلال القوانين والضغط بهذا الاتجاه.
إلى أي مدى تعتقد أن الضغط الأوروبي والأمريكي سينجح في إنهاء الأزمة الإنسانية والحرب في غزة؟
من الواضح جدا أن الضغط المباشر الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على التوقفهو أن تعلن إدارة ترامب، وتحديدا ترامب نفسه، بوضوح أنه "يجب أن تتوقف الحرب الآن"، وليس فقط أن يذكر ذلك ضمن منشور عابر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في أحد مقابلاته الإعلامية العديدة، بل أنيوجهرسالة واضحة لا تحتمل التأويل إلى نتنياهو، وهذا ما سيوقف الحرب فعلا.
والسؤال الآن هو: كيف نصل إلى هذه النقطة؟، وكيف يمكن للآخرين أن يلعبوا دورا في ذلك؟،أوروبا مهمة جدا؛ فالقادة الأوروبيون هم الكتلة التالية من القادة الذين سمحوا باستمرار الحرب، وما أعتقد أنه مهم للغاية أيضا، هم قادة دول الخليج.
ترامب كان مؤخرا في الخليج، حيث زار الإمارات وقطر والسعودية، وهو يرى أن هناك فرصا هائلة للاستثمار والأعمال.
لكن الحرب وصور الأطفال الجائعين لا تخلق المناخ المناسب لصفقات اقتصادية ناجحة.
أعتقد أن هذا ما بدأ يدفع ترامب لأن يكون أكثر انتقادا وأكثر نفادا للصبر وانزعاجا من مناورات نتنياهو المستمرة.
ومن المهم أن يقوم قادة الخليج بتذكير ترامب بمحادثاتهمخلال زيارته للخليج ويواصلوا الضغط عليه، جنبا إلى جنب مع القادة الأوروبيينلوقف هذه الحرب.
هل أعتقد أن ذلك سينجح؟، نعم أعتقد ذلك، لأن إسرائيل لا تمتلك رؤية ولا تمتلك استراتيجية، والسبب في استمرار الحرب هو اعتباراتسياسية داخلية، وتهديدات أحزاب ورموز اليمين المتطرف المستمرة لنتنياهو بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال رضخ للضغط الأمريكي والضغوط الأوروبية، ووافق على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لأن ذلك لن يؤدي فقط إلى إسقاط الحكومة، بل سيؤدي إلى نهاية مسيرة نتنياهو السياسية؛ إذ يواجه نتنياهو عدةقضايا فساد داخلية وهي جارية حاليا، إضافة إلى مذكرات اعتقال صادرة عنمحكمة العدل الدولية.
لذلك، فإن سقوط حكومته يعني على الأرجح بداية محاكمتهوسجنه في النهاية. ومن المؤسف أن هذا الخوف الشخصيوهذه الاعتبارات الشخصية هي على الأرجح السبب الرئيسي الوحيد الذي حالحتى الآن دون إجبار إسرائيل على وقف الحرب المستمرة.
ما توقعاتكم بشأن الحكم المرتقب من محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة في غزة؟ ومتى سيصدر؟
فقط للتذكير جنوب أفريقيا رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل بموجباتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية مُتهمةً إسرائيل بأن ممارساتها خلال حربها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023تُشكّل ممارسات إبادة جماعية ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعيةبموجب الاتفاقية، حيث القتل العمد وتشويه سكان غزة، وكذلك فرض ظروف معيشية تجعل من بقاء المجموعة مستحيلا، وهذه عناصر أساسية ضمنتعريف الإبادة الجماعية في الاتفاقية.
محكمة العدل الدولية، في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي أصدرت بيانا يفيد بأن جنوب أفريقيا أثبتت احتمال انتهاك حقوق الفلسطينيين بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعيةأي أن هناك قضية أولية وأدلة أولية على ارتكاب إبادة جماعية، وذلك في انتظار تقدم إجراءات المحكمة. كان هذا قرارا مؤقتا يتضمن أوامر فورية للحكومة الإسرائيلية لوقف ممارسات الإبادة فورا. أوامر مُلزمة قانونيا، وهذه الأوامر تم تكرارها وتوسيعها في أحكام لاحقة، إذا لم أكن مخطئا، في آذار/ مارس وأيار/ مايو من العام الماضي، لكنها كانت أحكاما مؤقتة، والقضية ما تزال جارية.
جنوب أفريقيا قدّمت أدلتها، والآن إسرائيل ستحصل على الفرصة، بما أنها قضية بينها وبين جنوب أفريقيا، سيكون أمامها فرصة للرد وتقديم أدلتها المضادة إذا رغبت في ذلك، ثم سوف تُعقد جلسة استماع قد تستمر لأسبوع تقريبا بحضور الطرفين، وربما بحضور شهود وخبراء، وتقديم الأدلة، ثم سيصدر الحكم النهائي.
وأعتقد أن ذلك سيستغرق سنة أخرى على الأقل، وربما سنة ونصف قبل أن يصدر الحكم النهائي.
ما يمكننا قوله الآن هو أن هذه العملية القضائية مهمةكحكم قانوني على الحرب الإسرائيلية من أجل وضع إطار قانوني واضحلتقييم ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت فعلا إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وربما عناصر أخرى، لأن الإبادة مظلة تضم تحتها عددا من الجرائم الدولية التي تُرتكب بنيّة واضحة، وحتى إن ارتكبت كل واحدة منها على حدة، فإنها تظل مخالفة للقانون الجنائي الدولي.
وبالتالي فإن هذا الحكم سيُشكّل قرارا قانونيا، لكن الحقيقة أن هذا الإجراء يستغرق عدة سنوات من لحظة البدء وحتى صدور الحكم، ما يعني أنه ليس أداة من أجل وقف الحرب بشكل فوري؛ فهذه المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي.
ليست لدينا حكومة عالمية يمكنها محاسبة إسرائيل. لدينا أمم متحدة غير مثالية حيث لا يزال مجلس الأمن تحت هيمنة الدول الخمس الدائمة العضوية التي تمتلك حق الفيتو. لكن مع ذلك، الحكم سيكون في غاية الأهمية، لأنه سيقدم الجواب القانوني النهائي حول طبيعة سلوك إسرائيل، وسيكون لهذا أيضا أهمية حاسمة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية، وكذلك مسؤولية دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يفرض عليها واجب تقديم تعويضات، وهذا بطبيعة الحال أمر بالغ الأهمية.
توقعاتي بشأن الحكم مثلما ذكر العديد من الخبراء القانونيين وخبراء الإبادة الجماعية، أن المحكمة ستجد أن هذه الحالة تمثل نموذجا للإبادة الجماعية بكل عناصرها، بما في ذلك حقيقة أن غزة أصبحت غير قابلة للحياة، وأن البنية التحتية الأساسية التي تمكّن الناس من البقاء على قيد الحياة قد دُمّرت تماما.
وأيضا التصريحات الواضحة جدا من مسؤولين إسرائيليين، والتي تُظهر نية الإبادة بشكل علني حتى هذه اللحظة، وبدلا من التراجع أو الخوف من المساءلة القانونية، يبدو أن القادة والسياسيين الإسرائيليين أصبحوا أكثر حدة في التعبير عن نيتهم في الإبادة، والتهجير القسري، والقتل، وتشويه سكان غزة.
لذلك، لا شك لديّ أن محكمة العدل الدولية ستجد أن إسرائيل قد ارتكبت جريمة إبادة جماعية.
كيف تقيّم مجمل المساعي الرامية لمحاسبة إسرائيل في المحاكم الدولية؟
الجهود موجودة وكانت قوية كما رأينا، جنوب أفريقيا استغرقت بضعة أشهر لجمع المعلومات الأولية وتقديم الدعوى. قدّمت الدعوى قبل نهاية عام 2023، بعد أشهر قليلة فقط من بدء الحرب. وفي نفس الوقت، كانت المحكمة الجنائية الدولية منخرطة بالفعل في التحقيق حول الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي والجرائم الدولية المحتملة بموجب نظام روما الأساسي، وقد أصدرت مذكرات اعتقال. نعم استغرق الأمر عاما كاملا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن على الأقل هناك عمل قد تم إنجازه، وآليات المحاسبة الدولية تم تفعيلها وتم استخدامها.
كما ذكرت سابقا هذه الآليات مهمة من أجل المساءلة القانونية مستقبلا وتقديم تعويضات. لكنها ليست كافية أو قوية بما يكفي لوقف الإبادة الجماعية بشكل فوري.
هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تحمل الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مسؤولياتها وأن تقول هذا يكفي، هذا يجب أن يتوقف فورا.