الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الإماراتية
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
اتجاهات مستقبلية
الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الإماراتية
في عصر التحولات والتقدم التكنولوجي المتسارع باتت المنافسة شرسة على امتلاك وتطوير أحدث التقنيات والابتكارات التكنولوجية، وقد أدركت دولة الإمارات مبكرًا أهمية الذكاء الاصطناعي، واستثمرت في هذا المجال بما يسهم في بناء اقتصاد معرفي يعتمد على الابتكار والبحث العلمي والعلوم الحديثة، ويواكب التطلعات في تنويع الاقتصاد، ويرسِّخ مكانة الدولة مركزًا عالميًّا للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة.
وقد انطوى إدراك دولة الإمارات على الإمكانات غير المسبوقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة المختلفة، خصوصًا أن الدولة تمتلك البنية المعرفية والتكنولوجية لمواكبة المستقبل، وتستثمر في الثروة البشرية وبناء أجيال المستقبل القادرة على التعامل مع التطورات التكنولوجية ومخرجات الذكاء الاصطناعي عبر جامعات ومؤسسات تبحث وتطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتسهم في بناء مجتمع المعرفة بتشجيع التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا.
وتعدُّ دولة الإمارات من أكثر دول الشرق الأوسط استعدادًا لتبنّي استراتيجية مستدامة للذكاء الاصطناعي، وأول دولة في المنطقة تتبنّى الذكاء الاصطناعي في عمل الحكومة والارتقاء بالأداء المؤسسي والخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين بكفاءة وجودة، حيث تمتلك بنية تحتية تقنية فائقة التطور تساعد في توسيع استخدامات تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها الجيل الخامس للاتصالات، وقطاع اتصالات وتكنولوجيا المعلومات يستطيع منافسة كبرى دول العالم، ومدن ذكية مجهزة بالتقنيات الحديثة وذات كفاءة في إدارة الموارد والخدمات.
وتوظِّف دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي في قطاعات مختلفة، منها تشخيص وعلاج معظم الأمراض بطريقة ذكية، والاكتشاف المبكر للأمراض، واستخدام البيانات الصحية في العلاج، وتحليل المعلومات الطبية لمساعدة صناع القرار في تحسين الخدمات الصحية. ووسط معاناة كوكب الأرض من التغير المناخي، تستخدم الإمارات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجال البيئي، عبر نظام رصد ذكي لتقييم أداء الطاقة الشمسية ورصد لمؤشرات البيئية، وفي البحث عن الموارد المائية، عبر برامج “الاستمطار”. كما تبنّي النقل الذكي عبر استيعاب المركبات ذاتية القيادة والسيارات الطائرة، وجمع البيانات وتحليلها والتنبيه والمراقبة على الطرق. مع تحقيق الرقمنة في كل القطاعات، وتحفيز قطاع الصناعة نحو التطوير المعزز بالتكنولوجيا المتقدمة.
وقد مكنت هذه المقومات من نجاح دولة الإمارات في بناء شراكات عالمية للاستفادة من خدمات تقنيات الذكاء الاصطناعي، بتحسين حياة الإنسان ليس في دولة الإمارات أو الشرق الأوسط فقط، بل في كل أرجاء العالم، لكونها شريكة عالمية في ضمان حياة أفضل للأجيال المقبلة، ولذا تقف دولة الإمارات مع الكبار في أسواق التكنولوجيا، وتستخدم إمكانياتها وقدراتها في قطاعات حيوية، وهي ليست قدرات مالية فقط، بل قدرات دعم وبحث وتطوير لتقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال شركة “جي 42″ المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، والشريكة لـ”مايكروسوفت” أو بالتعاون مع كبريات الشركات الدولية الأخرى.
ونتيجة للبحث والتطوير أطلق معهد الابتكار التكنولوجي نموذج “فالكون 2” مفتوح المصدر للذكاء الاصطناعي التوليدي، لتحويل الصور المرئية إلى نصوص مكتوبة. وقبل فالكون، طورت “جي 42” نظام “جيس” كنموذج ذكاء اصطناعي لغوي كبير مفتوح المصدر للغة العربية، وهي تطبيقات تنافس نماذج شركات التكنولوجيا الكبرى، إذ ترمي استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، بأن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، وبناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، بما يحفز النمو في الناتج المحلي الإجمالي للدولة بواقـع 35%. وتشير التقديرات إلى أن حجم استثمارات الإمارات في الذكاء الاصطناعي قد تصل إلى 9 مليارات دولار بنهاية 2024.
إن التنمية في دولة الإمارات المعتمدة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الحياة تعدُّ دافعًا لنهضة الاقتصاد، وبها استطاعت الإمارات دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات الحيوية، إضافة إلى التوسع في الاستثمار في هذا المجال حول العالم لتبرهن على القدرة على المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء في تطوير تقنياته أو توظيفه في المجالات التجارية والاستثمارية والسياحية، تطبيقًا لاستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، بما يقلل الاعتماد على النفط وينوع الاقتصاد الوطني، ويضفي الطابع الابتكاري عليه لإحداث طفرة في الاقتصاد والخدمات وحياة الناس، والمنافسة في الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی دولة الإمارات
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.