لجريدة عمان:
2025-05-25@19:36:39 GMT

نهضتنا المتجددة في ذكرى عيدنا الوطني الـ 54

تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT

بعد أيام قليلة تحتفل بلادنا بعيدنا الوطني الرابع والخمسين المجيد، واقتراب مرور 5 أعوام على تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ الحكم في البلاد، في الحادي عشر من يناير 2020، ولا شك أن هذه الذكرى السنوية، هي محطة نعيش معها وبها ذكريات ما تحقق من إنجازات على الصعد الداخلية والخارجية، واستعادة روح هذا اليوم الخالد في مسيرة النهضة العمانية الحديثة والمتجددة، التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله مثواه- ثم جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وخلال السنوات الخمس التي مرت، حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق بعد توليه الحكم على البناء الداخلي، وإعطائه الأولوية في الاهتمام والمتابعة في قيادة مسيرة عُمان المتجددة، وفي ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، وأزمة وباء كورنا، وإيجاد الحلول الايجابية للمديونية التي كانت تحديًا وعقبة للتنمية المستدامة في بلادنا، وتم التخطيط لذلك للخروج من هذه الأزمة بحكمة فائقة ورؤية ثاقبة، واستطاعت سلطنة عمان أن تجتاز الكثير من العقبات، بفضل البرامج والسياسات والرؤى التي طرحها جلالته ـ حفظه الله ـ للحكومة والسير فيها للتنفيذ الجدي، وفق رؤية عمان الاستراتيجية 2040.

فمنذ خطابه الأول بعد تسلمه الحكم في 23 فبراير 2020، كانت التوجيهات للبناء المتجدد، تسير مترافقة مع العمل الدؤوب والمضني لتحقيق ما تم وضعه من خطط وبرامج وتوجيهات، سواء في جانب خُطةِ الاستدامةِ الماليةِ، أو الحفاظ على المركز المالي لسلطنة عمان، أو رفعِ كَفَاءةِ الإنفاقِ في جوانبه المرسومة، إلى جانب إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة في تحسين كفاءة الأداء وفاعليته في القطاعات الحكومية ، وقال جلالته ـ أيده الله ـ في خطابه بمناسبة افتتاح دور الانعقاد السنويّ الأول للدورة الـ 8 لمجلس عُمان في 14نوفمبر 2023، «إننا استحدثْنَا أجهزةً تَضْمَنُ تَحسينَ عمليةِ اتخاذِ القرارِ، وقياسِ الأداءِ المُؤسَّسِيّ، وإننا لَنَحْرِصُ على متابعةِ ما تمَّ إقرارُه من أسسٍ لتبسيطِ الإجراءاتِ وانسيابِها لتصبحَ سمةً بارزةً في الأداءِ الحكومي. ولأنَّ مرفقَ القَضَاءِ يُعَدُّ رُكْنًا أسَاسِيًّا مِن أركانِ الدولةِ، فقد حَرَصْنَا على تطويرِ منظومتِهِ، وتَعْزِيزِهَا بالقُدُراتِ البشريةِ، وهو يَحظى باهتمامِنَا، كي يؤديَ دورَهُ الحيويَّ المَنُوطَ بِهِ، في تحقيقِ العدالةِ الناجزةِ، بكفاءةٍ واقتدار. لقد تَجَلَّتْ الجهودُ الوطنيةُ -بفضلٍ مِنَ اللهِ تعالى- في استمرارِ مسيرةِ تطويرِ قطاعاتِ الصحةِ والتعليمِ والخدماتِ التي عَمِلْنَا جاهدينَ على أنْ تُواكِبَ التَزَايُدَ في عددِ السُّكان، وحَرَصْنا على تنفيذِها وتقديمِها وِفقًا لاستراتيجياتٍ وخططٍ مدروسةِ وواقعيّةِ، تأخذُ هذه العواملَ في الحُسبان، فشملتْ جميعَ المحافظاتِ والولاياتِ دُونَ استثناء».

ومن المنجزات على الجانب الاجتماعي، ووفق ما وعد به جلالته -حفظه الله- في خطابه بالعيد الوطني الخمسين لتحقيقها لأبناء وطنه، بالرغم من التحديات القائمة عند توليه قيادة البلاد، ومنها الظروف الاقتصادية ـ كما أشرنا آنفًاـ التي كانت تعيق الانطلاق المطلوب، وقد عبر جلالته عن ذلك في هذا الخطاب، وأن هذا الأمر ضمن اهتمامنا كما أشار جلالته وهو: (توفيرِ الحمايةِ والرعايةِ اللازمةِ لأبنائِنا المواطنين، فقد وجّهْنَا بالإسراع ِفي إرساءِ (قانون الحمايةِ الاجتماعيةِ). وتحقق هذا الوعد السامي من جلالته، وتم إنجازه مع بداية هذا العام 2024، وتحركت العديد من القضايا الاجتماعية التي تمس حياة المواطنين التي يتم إعدادها للتطبيق الفعلي، ولا شك أن قانون الحماية الاجتماعية، كان الهدف الأساسي منه - كما أكد على ذلك جلالته ـ وفقه الله تعالى- توفير الحياة الاجتماعية الكريمة للمواطنين والعيش الكريم اللائق، والتخفيف عليهم من أعباء الحياة وتحولاتها بمختلف ظروفها . ونتيجة للجهود التي وضعتها الدولة في ضبط الإنفاق ورفع كفاءته، فقد حققت سلطنة عمان فوائض مالية كبيرة، وما تزال الجهود مستمرة، ما انعكس على انخفاض الدين العام، والمؤشرات إيجابية في استمرار هذه الفوائض بفضل السياسة المالية، التي اتسمت بالدقة كما وضعت لها وتم إعدادها إعدادًا منهجيًا، وفق الأنظمة المالية المعروفة ، فهذه المؤشرات الإيجابية من حيث الأداء المالي للدولة، تعكس بلا شك نجاح الخطط الموضوعة التي أشار إليها جلالته ـ حفظه الله ـ في افتتاح دورة انعقاد مجلس عمان العام المنصرم. صحيح أن إنتاج للنفط تتأثر بتقلبات أسعاره العالمية ، وسلطنة عمان تتأثر من هذه التقلبات في الأسعار وإن استقراره كان معقولا في السنوات الأربع الماضية، لكن الخطط التي وُضعت كانت مبنية على رؤى ومنطلقات إيجابية، بما لا تكن مجازفة في خططها، كانت تُبنى على مؤشرات واقعية يتم النظر إليها برؤية ثاقبة بعيدة عن حرق المراحل، أو القفز على الواقع وتقلباته.

وفي إطار اهتمام جلالته بقيام نظام للمحافظات وتعزيز الإدارة المحلية واللامركزية، ووضع اختصاصات واضحة وواسعة ومرنة للمحافظين، لتمكينهم من القيام بمهام تنفيذية مباشرة فيما يتصل بالتنمية الاقتصادية وتعزيز مصادر الدخل الذاتية في المحافظة، وتعزيز تنافسيتها، وتشجيع الاستثمارات فيها، وبما يلبي تطلعات واحتياجات المواطنين، وبما ينسجم مع الأهداف والخطط الحكومية في هذا الشأن.

وإذا نظرنا للسياسة العمانية الخارجية، في ظل نهضتنا المتجددة التي يوجهها جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله- فإن الثبات على المبادئ التي سارت عليها بلادنا، ثبات الجبال في مطلقاتها وتوجهاتها، خاصة في قضية العرب والمسلمين الأولى، قضية فلسطين، سواء فيما وضعته القرارات العربية في المؤتمرات التي حددتها القمم العربية، أو القمم على مستوى مجلس التعاون أو غيرها من المؤتمرات الفرعية في قضايا أجمعت على ثوابت القضايا العادلة، وفي هذا الصدد قال جلالة السلطان هيثم بن طارق أيده الله : «إننا إذ نُتابعُ بِكُل أسى ما يتعرضُ له الأشقاءُ في فلسطينَ المحتلةِ، من عدوانٍ إسرائيليٍّ غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لَنُؤكّدُ على مبادئِنا الثابتةِ لإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصِمَتُها القُدسُ الشرقيةُ، ومؤكدين على ضرورةِ تَحَمُّلِ المجتمعِ الدوليِّ مسؤولياتِه والتزاماتِه تجاهَ القضيةِ الفلسطينيةِ، والمسارعةِ في إيجادِ حلولٍ جذريةٍ لتحقيقِ آمالِ الشعبِ الفلسطيني في إقامةِ دولتِه المستقلةِ، وبذلك يَعُمُّ السلامُ في منطقتِنا ويَنعمُ العالمُ أجمعُ بالأمنِ والأمان». وقد اتخذت سلطنة عمان سياسة محددة وثابتة ومستمرة في القضايا المصيرية، تقوم على الدعم الكامل للنضال الفلسطيني في مختلف الأصعدة والمستويات، وعلى تأييد كل ما من شأنه أن يقرب من التوصل إلى حل شامل ودائم وعادل في إطار الشرعية الدولية ويعاد الحق السليب إلى أصحابه الشرعيين. ولا شك أن السياسة العمانية، في كل القضايا العربية والدولية، سارت بمنهج من الواقعية والمصداقية، تجاه كل القضايا العالقة والخافتة في مسيرة الأمة العربية، والموقف من قضايا الأمة وظروفها، محل اهتمام سلطنة عمان ومتابعتها، بما يعبر بحق عن المشاركة الفعالة، لكل المستجدات والتطورات، قد عبّر عنها جلالته عن هذا الموقف الثابت في السياسة العمانية في أكثر من مناسبة.

وعندما تعود بنا الذكرة للوراء قليلًا، مع تولي جلالة السلطان هيثم الحكم، نجد أن اللفتة التي ربما لم يتوقف عندها الكثير من أبناء الوطن أو خارجه، وهو أن السلطان الراحل ـ طيب الله ثراه ـ عندما كلّف جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ـ في عام 2013 بتولي رئاسة «رؤية عُمان2040» «بهدف إعدادها وبلورتها وصياغتها بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع، وبحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي في العقدين القادمين». تبرز الثقة من جلالة السلطان الراحل ـ كما جاء في الوصية ـ وأنه ـ أي السلطان الراحل ـ (توّسم ـ في جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ صفات وقدرات تُؤهله لحمل الأمانة)، وهذا ما تحقق في الممارسة الفعلية قولًا وعملًا، وهي شهادة جديرة بالتقدير الكبير، إذ عرف الشعب العماني هذا واقعيًا ولمس مآثرها، وهي مسيرة انطلقت إلى الأمام لخير عُمان وشعبها بعون الله وتوفيقه..

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السلطان الراحل ـ حفظه الله سلطنة عمان جلالته ـ الله ـ

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب .. يا أهلنا في غـزة: اقطعوا اتصالكم بالمئة وواحد ولا تستغيثوا إلا بالله الواحد

#سواليف

يا أهلنا في #غـزة: اقطعوا اتصالكم بالمئة وواحد ولا تستغيثوا إلا بالله الواحد

#الشيخ_كمال_الخطيب

موسم الخير

مقالات ذات صلة “الأغذية العالمي”: دخول مساعدات محدودة إلى غزة لا يكفي للبقاء على قيد الحياة 2025/05/23

إن من حكمة الله سبحانه أنه قد فاضل بين الأماكن وبين الأزمنة، فهذا شأنه وهذا تدبيره جل جلاله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} آية 68 سورة القصص. فإنه سبحانه قد فضّل أماكن على غيرها، ففضّل المساجد، كل المساجد على غيرها من بقاع الأرض، وفضّل ثلاثة مساجد على غيرها من المساجد بأن جعلها لا تشدّ الرحال إلا إليها كما قال رسول الله ﷺ: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”، ففضّل هذه المساجد على غيرها، وفضّل المسجد الحرام على المسجد النبوي والمسجد الأقصى.

وكذلك فضل ربنا سبحانه بلاد الشام وأرضها على غيرها من بقاع الأرض كما قال ﷺ: “عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله عزّ وجل يسكنها خيرته من خلقه”. “ألا إن عقر دار المؤمنين الشام”.

ومثلما فضّل الله أماكن على غيرها، فإنه سبحانه فضّل أزمنة وأوقاتًا على غيرها. ففضّل شهر رمضان على غيره من الشهور، وفضّل يوم الجمعة على غيره من الأيام، وفضّل ليلة القدر على غيرها من الليالي، وفضّل يوم عرفة على غيره من الأيام، وها نحن بين يدي أيام هي خير الأيام، إنها الأيام العشر الأوّل من ذي الحجة التي أقسم الله بها في قرآنه تعظيمًا لشأنها {وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} آية 1-3 سورة الفجر. {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} آية 203 سورة البقرة. {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} آية 28 سورة الحج. وإن رسول الله ﷺ قد شهد أن هذه الأيام أعظم وأفضل وأشرف أيام الدنيا، وأن العمل الصالح فيها أعظم من غيرها “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”. “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير”.

إنها #الأيام_العشر_الأول من #ذي_الحجة والتي ستكون بدايتها يوم الأربعاء القريب، ومنها #يوم_عرفة و #يوم_النحر يستحب فيها للمسلم التوبة النصوح {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آية 31 سورة النور. ويستحب فيها المحافظة على الطاعات والإكثار من النوافل من الصلاة والصدقات وقراءة القرآن والدعاء والصيام والذكر “فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”. عن حفصة رضي الله عنها قالت: “أربع لم يكن يدعهن النبي ﷺ: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاث أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة” أي الركعتان قبل صلاة الفجر، ومن أفضل الأعمال في أيام العشر الأضحية لغير الحاج.

اشترى موقعًا في جهنم

لقد حدّثنا القرآن الكريم عمّن يشترون الجنة بأثمن ما يملكون، فيدفعون مقابلها أموالهم بل أرواحهم {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} آية 111 سورة التوبة. وإذا كان هناك من يشترون الجنة بأموالهم، فإن هناك من يشترون النار بأموالهم والعياذ بالله تعالى.

فالذي يشرب الخمرة التي هي أم الخبائث وقد حرّم الإسلام شربها، فهل يجدها الإنسان ملقاة على قارعة الطريق توزع مجانًا أم أنه يركب سيارته ويذهب إلى أماكن بيعها وشربها فيدفع لأجل ذلك المال، أليس قد اشترى النار بماله؟!

والذي يذهب إلى الكازينوهات في البلاد أو يسافر إلى خارج البلاد للعب القمار وهناك يضيّع ماله وتضيع كرامته ورجولته، أليس هو قد اشترى النار بماله وهو يعلم نهي الإسلام عن القمار والميسر؟!

والذي يذهب لشراء وجبته من الحشيش والمخدر والهروين وغيرها من أنواع المخدرات، أليس هو قد اشتراها بماله مع علمه بأنها حرام، أليس يكون بذلك قد اشترى النار وجهنم بماله؟!

أليس الذي يرتاد بيوت الدعارة والخنا من أجل نزوة وغريزة بهيمية وهناك يذهب ماء وجهه ويهدر كرامته تحت أقدام الغانيات، ويدفع ماله، أليس هو قد اشترى جهنم بماله؟!

فإذا كان من الناس من أكرمهم الله بالإيمان فإنهم على استعداد لشراء الجنة بأثمن ما يملكون أموالهم وأرواحهم، فإن هناك من أخزاهم الله وأذلّهم بمعاصيهم فإنهم يشترون النار بأموالهم، لا بل إن من الناس من يدخل الجنة من غير تكلفة سوى أنه يؤدي فرائض الله، الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، ولا يتعدى حدود الله بالمعاصي. فأيهما أعقل وأكيس، الذي يشتري النار بخالص ماله فيكون قد خسر الدنيا والآخرة أم الذي يشتري الجنة بهذا المال ينفقه في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته، فيكون بذلك قد فاز بجنّة عرضها السماوات والأرض؟

وإنها هذه الأيام العشر من ذي الحجة، فإنها أفضل توقيت وأشرف زمان لعقد هذه الصفقة مع الله بشراء موقع في الجنة عبر الإكثار من الطاعات. وما أجمل ما قاله الشاعر وهو يناجي ربه، وهو يعقد هذه الصفقة لشراء الجنة:

يا رب في جوف الليالي كم ندمت وكم بكيت

ولقد رجوتك خاشعًا وإلى رحابك كم سعيت

قد كنت يومًا تائهًا واليوم يا ربي وعيت

إن كنت تعرض جنة للبيع بالنفس اشتريت

أو كنت تدعوني إلهي للرجوع فقد أتيت

اشترى موقعًا في الجنة

اشتكى السلطان العثماني مراد الرابع ذات ليلة من ضيق شديد في الصدر، فاستدعى إليه رئيس الحرس وأخبره وطلب منه مرافقته للخروج والمشي ليلًا خاصة أنه كان من عادة السلطان أن يتخفّى ويخرج ليلًا ليتفقد أحوال الناس. وصل السلطان ومعه كبير حرسه إلى حارة من الحارات على أطراف إسطنبول، وإذا بهم يجدون رجلًا ملقى على الأرض بلا حراك. حرّكه السلطان بيده يمنة ويسرة ليتبين أن الرجل كان ميتًا. وكانت دهشة السلطان أعظم وهو يرى الناس يمرون من حوله غير مكترثين، فما كان منه إلا أن نادى بأعلى صوته: لماذا هذا الرجل ميّت ولا أحد يحمله؟ من يعرف الرجل؟ من يكون؟ ومن يكون أهله؟!.

أمام سؤال السلطان عن الرجل ومن يكون، كانت الأجوبة من أكثر من شخص أنه فلان الزنديق، الزاني، شارب الخمر. فكان جواب السلطان بحدة وغضب: أليس هو من أمة محمد ﷺ؟ احملوه معي إلى بيته، ففعل الناس.

دخل السلطان وما يزال لا يعرفه أحد ومعه رجال يحملون الميت إلى بيته، فلما رأته زوجته ميتًا انفجرت باكية وهي تقول: رحمك الله يا وليّ الله، أشهد أنك من عباد الله الصالحين. تعجّب السلطان وهو يسمع ما تقوله زوجة الرجل وما تزال تقرع أذنيه كلمات قالها الناس عنه أنه الزنديق، الزاني، شارب الخمر. فقال للمرأة: وكيف يكون زوجك من أولياء الله الصالحين وشهادة الناس ومعرفتهم به أنه زان وشارب خمر وزنديق؟ قالت المرأة: لا أستغرب ما يقوله الناس لأن لهم الظاهر، أما باطن زوجي وما أعرفه عنه فإنه غير ما عرفوا عنه. إنه كان كل ليلة يذهب إلى الخمارة في قارعة الشارع فيشتري من الخمر بمقدار ما كان يملكه من مال ثم يحضر الخمر الذي اشتراه إلى البيت ويصبّه في المرحاض وهو يبتسم ويقول: أخفف بهذا عن المسلمين، فلعلّ مسلمًا يأتي ليشتري الخمر فلا يجد فيرجع إلى بيته من غير أن يشتري الخمر أو يشربها. وكان يذهب إلى بيت امرأة عرفها الناس أنها تمتهن الفاحشة لمن يأتيها مقابل المال، فكان يدخل إليها ليلًا ويقول لها هذه الليلة على حسابي، خذي هذا المال وأغلقي عليك بابك حتى الصباح، فيخرج من عندها وهو يقول: الحمد لله لقد انقذت شابًا من شباب المسلمين من الزنا هذه الليلة.

تضيف زوجته وتقول وهي تبكي: فكان الناس يشاهدونه وهو يشتري الخمر، ويشاهدونه وهو يدخل بيت المرأة البغي فيتهامسون ويتهامزون فيه وعليه، فقلت له ذات مرة: أنك لو متّ فلن تجد أحدًا من المسلمين يغسّلك ولا يصلّي عليك ولا يمشي في جنازتك، فكان يبتسم ويقول: فلسوف يصلي عليّ سلطان المسلمين وخليفتهم. ما أن سمع السلطان مراد الرابع ما قالته المرأة حتى انفجر باكيًا، وكانت المرأة لا تزال لا تعرف أن من يقف أمامها هو السلطان، ثم قال السلطان: صدق والله، فأنا السلطان مراد وغدًا إن شاء الله نغسّله ونصلّي عليه وندفنه. في اليوم التالي جاء السلطان ومعه حاشيته والعلماء والمشايخ وخيار الناس وصالحوهم يصلّون عليه ويشيّعونه.

فإذا كان من يشتري الخمر بماله يشربها فتُذهب عقله ويُغضب ربه ويكون من الفاسقين. وإذا مات على ذلك من غير توبة فإنه يكون قد اشترى له موقعًا في جهنم، فإن هذا الرجل اشترى الخمر بماله وأفسدها لئلّا يشربها شاب من شباب المسلمين، فكان بهذا الفعل من عباد بل من أولياء الله الصالحين وقد اشترى بذلك له موقعًا في الجنة.

الواحد أفضل من المئة وواحد

ما أحوج المسلم أن يكون في كنف الله تعالى دائمًا وأبدًا يلوذ بحماه ويقف على باب مولاه. إن ما تمرّ به الأمة في هذا الزمان من ظلم وبلاء ومن كيد الأعداء وخذلان الأشقاء الذي يحتّم على الواحد منّا أن يكون أقرب وأقرب إلى الله سبحانه طامعًا في رحمته وجنّته.

بكى أحد الصالحين يومًا عندما قرأ قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آية 33 سورة آل عمران، فقال له أحد إخوانه: لقد أبكتك آية ما مثلها يُبكي. إنها جنة عريضة واسعة، فقال الرجل: يا ابن أخي، وما ينفعني كم يكون عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم؟!

إن من الناس من علاقتهم مع الله تعالى هي علاقة المضطر فقط، فإذا ذهب عنه ما هو فيه من البلاء والضرّ، عاد إلى ما كان عليه.

إن علاقتنا مع الله يجب أن لا تكون كالعلاقة بغرفة الطوارئ وسيارة الإسعاف لا نتصل بها إلا عند الكرب والبلاء والشدّة، بل يجب أن تكون علاقة دائمة في السرّاء وفي الضرّاء، في العسر وفي اليسر. فإذا كان الإنسان عند حاجته لمركز الإسعاف والطوارئ فإنه يتصل على الرقم مئة وواحد “101” ولعلّه في بعض الأحيان يكون الاتصال متأخرًا أو أن النجدة تصل متأخرة، فما على المسلم إلا أن يكون اتصاله في هذا الزمان حيث الكرب والخذلان والشدّة والبلاء ليس بالمئة وواحد وإنما بالله الواحد الأحد الفرد الصمد.

يا واحدًا في ملكه ما له ثاني يا من إذا قلت يا مولاي لبّاني

أنساك وتذكرني في كل نائبة فكيف أنساك يا من لست تنساني

لقد وصل أهلنا في غزة إلى هذا اليقين، فلما إنهم اتصلوا بالمائة وواحد التابع لمجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واتصلوا بذوي القربى والجيران عربًا ومسلمين، فلم يسمعهم أحد ولم يستجب لهم أحد فقطعوا الاتصال ولم يعودوا يقولون: وينكم يا عرب، وينكم يا مسلمين، بل أصبحوا لا ينادون ولا يتّصلون ولا يستغيثون إلا بالله الواحد الأحد يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل، ويقولون: اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، ويقولون:

يا مطلع علينا سلمنا الأمر إليك

ومن بغى علينا لا شكوى إلا إليك

فيا أهلنا في غزة: ابقوا على ما أنتم عليه من اليقين بالله وحسن ظنكم به، فإنه سبحانه لن يخزيكم ولن يخذلكم.

فأنتم إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات مشابهة

  • تهنئة الملك بالإستقلال  ..  ورهط المتكسبين
  • نيابة عن جلالة السلطان.. السيد أسعد يترأس وفد سلطنة عُمان في قمتي كوالالمبور
  • الملك في عيد الاستقلال: الأردن قوي بهمتكم التي لا تلين( فيديو)
  • ذكرى خالدة
  • جامعة عمان الأهلية تهنىء بمناسبة عيد الاستقلال
  • الأردنيون يحتفلون بعيد الاستقلال الـ 79
  • عشرات المسيرات المتجددة في صعدة نصرةً وإسنادًا لغزة
  • الملك: توسيع التعاون مع سوريا والاستفادة من الفرص المتاحة
  • في ذكرى وفاتها.. زينب صدقي "البرنسيسة الأرستقراطية" التي أضاءت المسرح والسينما وغادرت بصمت
  • الشيخ كمال الخطيب .. يا أهلنا في غـزة: اقطعوا اتصالكم بالمئة وواحد ولا تستغيثوا إلا بالله الواحد