أكَّد الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- خلال كلمته التي ألقاها في الندوة التي نظَّمتها جامعة حلوان حول "تجديد الخطاب الديني"، أنَّ الإسلام دينٌ عظيمٌ في جوهره، متفرِّدٌ في مرونته، قادرٌ على التفاعل مع مستجدات الزمان وتغيُّرات المكان دون أن يتخلَّى عن أصوله الراسخة أو يفقد بريقَ رسالته العالمية.

وأوضح فضيلتُه أن مرونة الشريعة الإسلامية تجعلها دومًا حاضرةً للتعامل مع التحديات الجديدة، مستشهدًا بقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، مشيرًا إلى أنَّ الإسلام دينٌ صالح لكل زمان ومكان، متجددٌ في عطائه، ثابتٌ في قيمه.

 

وأشار إلى أن جمود الخطاب الديني، وخاصةً عند أولئك الذين لا يأخذون العلمَ من مصادره الأصيلة، ويعتمدون على تفسيرات ضيِّقة مغلوطة للنصوص الدينية؛ يمثِّل أزمةً حقيقية تعوق حركةَ الأمة نحو التقدم، إذ يُغلق أمامها أبواب النهوض، ويفرض على مجتمعاتها سلاسل الركود الفكري؛ مِمَّا يهيِّئ بيئةً خصبة لانتشار الفكر المتطرف الذي يقوِّض أُسس الاستقرار. واستشهد فضيلته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» [رواه أبو داود]، مؤكدًا أنَّ التجديد في الدين ضرورة لاستمرار عطاء الأمة وازدهارها.

 

وشدَّد مفتي الجمهورية، على أنَّ الإدراك الواعي لمقاصد الشريعة هو المفتاح الحقيقي لتحقيق الاتزان الفكري والسلوكي الذي تحتاج إليه المجتمعات في ظلِّ عالم يموج بالتحديات، لافتًا الانتباه إلى أنَّ الإسلام يدعو دائمًا إلى التوسُّط والاعتدال، كما جاء في قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. وأكَّد فضيلتُه أنَّ التطرف لا يمكن أن يُنسب إلى الدين ذاته، بل هو انعكاسٌ لسوء فَهْمِ النصوص وجهلٌ بمقاصدها السامية، ممَّا يضع المسؤولية على عاتق العلماء في إحياء معاني الرحمة واليُسر التي جاء بها الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» [رواه البخاري].

وتطرَّق إلى الدَّور المحوري الذي تضطلع به المؤسسات الدينية، ودار الإفتاء المصرية، في تجديد الخطاب الديني، انطلاقًا من رسالتها السامية التي تجمع بين الحفاظ على الثوابت ومواكبة المستجدات. وأكَّد أنَّ دار الإفتاء، بما تمتلكه من إرث علمي عريق وكوادر فقهية متمكنة، تعمل على صياغة خطاب ديني يعكس روح الإسلام السمحة، مستندة إلى فَهْمٍ عميق لمقاصد الشريعة ومراعاة التحولات الثقافية والاجتماعية المعاصرة، ويأتي هذا الدور ليُعيد صياغة العَلاقة بين الدين والواقع، في مواجهة الجمود الفكري والتطرف، بما يسهم في بناء مجتمع متماسك يقوم على قِيَم الرحمة والتعايش والعدل.

 

وفي ختام كلمته، أوضح فضيلةُ المفتي أنَّ التجديد في الخطاب الديني ليس دعوةً لتغيير النصوص أو العبث بها، وإنما هو دعوة لاستيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة تُبنى على ثوابت الشريعة ومقاصدها النبيلة، مضيفًا أنَّ التجديد الحقيقيَّ هو السبيل لاستعادة الريادة الحضارية، وتحقيق التفاعل الإيجابي مع متطلبات العصر.

 

هذا، وقد استقبل فضيلةُ مفتي الجمهورية فور وصوله أ.د. حسام رفاعي، نائب رئيس جامعة حلوان لشئون الطلاب، و أ.د. أشرف رضا، رئيس مركز الفنون والثقافة بالجامعة، ولفيفًا كبيرًا من السادة عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس وطلبة وطالبات الجامعة، في أجواءٍ تملؤها الحفاوة والإجلال، وتؤكد عمقَ الصِّلة بين المؤسسات الدينية والعلمية في بناء الوعي المستنير.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإسلام الإدراك مفتی الجمهوریة الخطاب الدینی

إقرأ أيضاً:

ألمانيا: حل الدولتين القائم على التفاوض يبقى السبيل الوحيد لحل النزاع بشكل مستدام

قال وزير الخارجية الألمانية يوهان فاديفول اليوم الخميس، إن ألمانيا مقتنعة بأن حل الدولتين القائم على التفاوض يبقى هو السبيل الوحيد الذي سيمكن الجانبين من العيش بسلام وأمن وكرامة، من أجل حل النزاع بشكل مستدام.

وأضاف في تصريح صحفي: بالنسبة لألمانيا، فمن الأرجح أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية في نهاية العملية التفاوضية، لكن مثل هذه العملية يجب أن تبدأ الآن، وأن ألمانيا لن تحيد عن هذا الهدف، وسوف تكون مضطرة أيضًا إلى الرد على الخطوات الأحادية الجانب.

وأوضح فاديفول أن مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك أظهر أن إسرائيل تجد نفسها على نحو متزايد تزايدًا مطردًا في وضع الأقلية، ونظرًا للتهديدات العلنية بالضم من قِبل بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، فإن عددًا متزايدًا بشكل كبير من البلدان، بما في ذلك البلدان الأوروبية، مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية، وحتى دون عملية تفاوضية مسبقة، ثم فإن المنطقة وعملية السلام في الشرق الأوسط تقفان عند مفترق طرق، ولا تستطيع ألمانيا ولا يجوز لها، في ظل مسؤوليتها الخاصة تجاه إسرائيل، أن تكون بمنأى عن هذه القضية.

وقال إن أعداد القتلى والمعاناة في قطاع غزة وصلت إلى أبعاد لا يمكن تصورها. وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تقدم الإغاثة الفورية والشاملة والمستدامة في ظل الوضع الكارثي في قطاع غزة. حيث تظل ألمانيا مستعدة بكل قوتها لتقديم الدعم من أجل تخفيف المعاناة.

وتابع أنه نظرا للوضع المأساوي للغاية، فإن إسقاط الإمدادات الإغاثية جواً، والذي ستشارك فيه ألمانيا في الأيام المقبلة، يُعد أيضاً وسيلة لإيصال الإمدادات الإغاثية العاجلة إلى المحتاجين بسرعة، لكن في الوقت نفسه، يجب مواصلة العمل بشكل مكثف لإعادة بناء الطريق البري الإنساني القائم، والذي لا يمكن للإنزال الجوي أن يحل محله، إذ لا يمكن لإمدادات الإغاثة أن تصل إلى الناس بكميات كافية إلا عن طريق البر.

وحث الحكومة الإسرائيلية على السماح للأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية بالوصول الآمن، والأهم التوزيع الآمن والفعال.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية السويد تطالب أوروبا بتجميد الشراكة التجارية مع إسرائيل كندا تعلن عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر والرئيس عباس يعقب بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين للجنائية الدولية الأكثر قراءة إسرائيل تخصص 274 مليون دولار لدعم الاستيطان في الضفة صحة غزة تعلن أحدث حصيلة لشهداء وإصابات الحرب إسرائيل تقرر إعادة وفدها التفاوضي من الدوحة بعد رد "حماس" مُنسق شؤون الأسرى الإسرائيليين يوضح لعائلاتهم الهدف من عودة فريق التفاوض عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يزور كليات الأزهر ويُرحب بالوفد الإندونيسي في الشريعة والقانون.. صور
  • الوزير البشير لـ سانا: الشكر العميق للدول الشريكة في هذا الإنجاز أذربيجان وتركيا وقطر على مواقفها الأخوية الداعمة لسوريا
  • يسري جبر: الاجتهاد عمل علمي منضبط يستند إلى النصوص القطعية
  • بهاء الحريري: الجيش هو السبيل الوحيد إلى لبنان قوي ومستقر
  • أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وجودي وحقوق الإنسان استُخدمت أداة هيمنة
  • دار الإفتاء تستقبل وفدًا ماليزيًّا لتعزيز التعاون الديني والعلمي
  • ألمانيا: حل الدولتين القائم على التفاوض يبقى السبيل الوحيد لحل النزاع بشكل مستدام
  • تعزيز الرقابة على المبيدات.. ورشة تدريبية تنظمها وزارة الزراعة
  • السديس: الشريعة حرمت الاتجار بالأشخاص.. والمملكة رائدة في مكافحة هذه الجريمة
  • من نقد التاريخ إلى نقد اللاهوت.. صادق جلال العظم وتفكيك العقل الديني