عربي21:
2025-05-23@07:06:16 GMT

حرب السودان والأسئلة الصعبة

تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT

لم تنجح المبادرات المختلفة في إيقاف الحرب بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الطرفين على أساس إعلان مبادئ الإيقاد الصادر في 20 مايو/أيار 1994 والذي وافق عليه الطرفان.

صحيح أن إعلان المبادئ ذاك صاغته دول الإيقاد وقدمته جاهزا إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التنبيه إلى أن محتوى بنوده لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كان إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان.



واليوم، تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لإجتراح إعلان المبادئ الذي يشكل المدخل أو التمهيد لإطلاق العملية التفاوضية، وكذلك إجتراح الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل هذه العملية للسير بها في اتجاه وقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة في البلاد.

وفي هذا السياق، هنالك نقطتان متعلقتان بإعلان المبادئ، أولها ضرورة موافقة كل الأطراف عليه، بما في ذلك الأطراف المتحاربة، حتى يكون مدخلا أساسيا لعملية التفاوض، ولذلك، وهذه هي النقطة الثانية، فإن بنوده تتناول العموميات التي يسهل الإجماع حولها مثل التمسك بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وبوحدة السودان، وبالحكم المدني الديمقراطي، وبالنظام الفدرالي الذي يراعي التعدد والتنوع، وبالجيش الواحد وبنائه كل القوات النظامية على أساس مهني وقومي، وبإصلاح الخدمة المدنية والنظام العدلي، وبالحوار السوداني سوداني… إلى غير ذلك من المبادئ التي سيتقبلها الجميع، وإن ليس مستبعدا أن بعضهم سيتقبلها تقية!

ومن الواضح أن إعلان المبادئ وحده ليس كافيا لوقف الاقتتال، لكنه يشكل معيارا لدرجة التنازلات الممكنة في العملية التفاوضية، بمعنى أن التنازلات لإنجاح العملية التفاوضية لصالح الهدف الرئيسي، أي وقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي، يجب ألا تصل إلى درجة التصادم بين محتوى إعلان المبادئ ومحتوى ما سيتم الاتفاق حوله في طاولة التفاوض.

وفي المقابل، فإن الرؤية التي تشكل محتوى وتفاصيل العملية التفاوضية للسير بها في اتجاه وقف الحرب، تتكون من الإجابات المحتملة على الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وتداعيات ما بعد ذلك، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد الراهن المأزوم.

وبداهة، بينما تظل أسئلة الرؤية واحدة وثابتة، فإن الإجابات عليها تختلف عند هذا الطرف أو ذاك. ولكن من البديهي أيضا أن تتوافق القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب على إجابات موحدة على هذه الأسئلة، وتنتج رؤيتها التي يجب أن تطرحها في أي منبر تفاوضي يسعى لوقف الحرب.
الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث
ولعل من الضروري الإشارة إلى أن تسهيل توصل القوى المدنية والسياسية إلى الرؤية المنشودة، يقتضي التوافق قبلا على مجموعة من الحقائق، منها أن الحرب الراهنة خلقت واقعا جديدا يجب أن يغير في طريقة تفكير القوى المدنية في التعاطي مع تفاصيل الأحداث الراهنة وتداعياتها.

وأن هذا الواقع الجديد لابد أن تكون له مستحقاته العملية التي يجب أن تبحث وتتمعن في الأسباب الجذرية للحرب، بدءا من أن الدولة السودانية فشلت منذ استقلالها في التعبير عن كافة مكوناتها الوطنية الأمر الذي أدى إلى تمكن الحلقة الشريرة والأزمة العامة في البلاد بتجلياتها العديدة والتي من بينها الانقلابات العسكرية والنزاعات واشتعال الحروب التي كانت حتى وقت قريب تستوطن الأطراف قبل أن تأخذ منحىً جديدا وصادما باندلاعها في عاصمة البلاد في 15 أبريل/نيسان الماضي.

وأن من النتائج المباشرة لهذه الوضعية إضعاف الدولة السودانية وعدم قدرتها على توظيف كل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية للتوافق على مشروع وطني نهضوي ينتشل البلاد من وهدتها المتمكنة منها منذ فجر الاستقلال قبل ثمانية وستين عاما، وهو مشروع لايزال السودانيون يتمسكون به حتى في أتون هذه الحرب المجرمة، وأن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوداني والوطن، وكل يوم جديد في الحرب يحمل معه مزيدا من الجراح والآلام لشعبنا ومزيدا من التدمير لبنية الوطن، وأن جوهر هذه الحرب يحمل عداء سافرا لثورة ديسمبر المجيدة.

ونحن نؤسس وجهة نظرنا حول ماهية الرؤية لإنهاء الحرب، على رفض أن تكون الحرب بديلا للحوار والتفاوض لحل الخلافات والأزمات السياسية والاجتماعية مهما بلغت من الحدة والتعقيد، وأن مسألة وقف الحرب يجب أن يتم التعامل معها كحزمة واحدة مكونة من ثلاث حزم فرعية تتكامل مع بعضها البعض، تشمل وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية جديدة.

وإذا كان للمجتمع الدولي والإقليمي دور رئيسي في الحزمتين الأولى والثانية، فإن الحزمة الثالثة، العملية السياسية، حصريا من مهام القوى المدنية والسياسية السودانية، وأن دور المجتمع الدولي والإقليمي في الحزمتين الأولى والثانية لن يأتي أكله إلا من خلال الرؤية التي ستجترحها القوى المدنية والسياسية الرافضة للحرب.

أما جوهر هذه الرؤية فهو، من وجة نظرنا، مجموع الإجابات على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بحرب السودان، نوردها هنا باختصار على أن نتوسع حولها في مقالاتنا القادمة، وتشمل:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟

2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟

3 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟

4 ـ كيف نتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟

5 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان العملية السياسية الدعم السريع الجيش السودان الجيش العملية السياسية الدعم السريع سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوى المدنیة والسیاسیة العملیة التفاوضیة إعلان المبادئ وقف الحرب یجب أن

إقرأ أيضاً:

ختام أكبر مؤتمر مدني سوداني بالقاهرة منذ اندلاع الحرب

يُعد هذا المؤتمر الأكبر من نوعه منذ اندلاع الحرب، من حيث حجم المشاركة وتنوع الجهات الممثلة فيه، حيث شاركت فيه نقابة الصحفيين السودانيين، نقابات المحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين، وتجمع أساتذة الجامعات، إضافة إلى منظمات نسوية وثقافية ومدنية سودانية.

القاهرة: التغيير

اختتمت بالعاصمة المصرية القاهرة، أمس، أعمال مؤتمر الحوار المدني السوداني الذي ناقش آثار الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023، وسبل إعادة البناء والإعمار، بمشاركة واسعة من ممثلي النقابات والكيانات المهنية والمدنية، إلى جانب خبراء في مجالات الثقافة والتراث والعمل الإنساني.

نظم المؤتمر، الذي استمر يومين (18 – 19 مايو)، كل من لجنة تأبين عميد الصحافة السودانية الراحل محجوب محمد صالح، ومشروع التراث الثقافي للمهاجرين واللاجئين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

ويُعد هذا المؤتمر الأكبر من نوعه منذ اندلاع الحرب، من حيث حجم المشاركة وتنوع الجهات الممثلة فيه، حيث شاركت فيه نقابة الصحفيين السودانيين، نقابات المحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين، وتجمع أساتذة الجامعات، إضافة إلى منظمات نسوية وثقافية ومدنية سودانية.

وشهدت جلسات المؤتمر تقديم عشر أوراق عمل تناولت حجم الدمار الذي خلّفته الحرب، مدعومة بإحصاءات دقيقة، كما طرحت رؤى عملية لإعادة الإعمار وبناء مستقبل البلاد، مؤكدة على أهمية العمل الجماعي لإنهاء الحرب وتحقيق السلام.

ومن المرتقب أن تصدر اللجنة المنظمة كتاباً شاملاً يوثق الأوراق والمناقشات التي شهدها المؤتمر، في إطار جهودها لتخليد إرث محجوب محمد صالح الفكري والوطني، وفتح مسارات للحوار المدني حول مستقبل السودان.

يُذكر أن اللجنة سبق أن نظمت فعاليات مشابهة في كمبالا وندوات افتراضية، كما تعتزم تنظيم فعالية جديدة في باريس حول أوضاع الصحافة السودانية، إلى جانب تدشين طبعة حديثة من كتاب “الصحافة السودانية في نصف قرن”.

الوسومآثار الحرب في السودان القاهرة محجوب محمد صالح

مقالات مشابهة

  • عاصفة في السودان عقب قرار البرهان
  • هل تُمهّد استعادة الخرطوم الطريق لنهاية الحرب في السودان؟
  • حمدوك: على طرفي الحرب الاحتكام إلى صوت الحكمة للحفاظ على السودان
  • سفير الاتحاد الأوروبي بالسودان لـ«التغيير»: وقف الحرب أولوية قصوى
  • عدن.. تنسيقية القوى المدنية تدين اختطاف مليشيا الانتقالي للناشط "فؤاد الذيقان"
  • بت اقرب الان لقول المسؤولة الأمريكية التي قالت قبل أشهر ان السودان فاشل في عرض قضيته
  • الاتحادي الديمقراطي الأصل يدعو لتشكيل الحكومة المدنية سريعا
  • لماذا قادة السودان باستمرار يفتقرون إلى الرؤية؟
  • المبادئ الأساسية لنظافة الأغذية في محاضرة توعوية نظمتها التجارة الداخلية
  • ختام أكبر مؤتمر مدني سوداني بالقاهرة منذ اندلاع الحرب