ظروف قاسية وتجارب حزينة نقلها صحافيون ومراسلون ومصورون عن حرب العدوّ
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
لم يكن عام 2024 عاما عاديا على الإعلام اللبناني، كان عاما استثنائيا بشكل خاص على المراسلين والمصورين الصحفيين الذين وضعوا خوذهم على رؤوسهم وارتدوا دروعهم وجندوا أنفسهم لنقل الحقيقة خبرا وصورة في أصعب واقسى عدوان شنه العدو الإسرائيلي على لبنان منذ شهر أيلول الماضي حتى أواخر شهر تشرين الثاني من العام الحالي.
مراسلات
ومراسلون من مختلف الوسائل الإعلامية تنقلوا بين جبهات الحرب سواء في الجنوب أو البقاع إلى أماكن الغارات الإسرائيلية التي كانت تستهدف معظم المناطق.
مراسلون ومراسلات واجهوا الخطر وأرهقوا نفسيا وجسديا وفقدوا زملاء لهم خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استهدف بشكل مباشر عشرات الصحفيين. حين ضربت اسرائيل بعرض الحائط كل المعاهدات والاتفاقات القانونية والدولية التي تنص على حماية وإحترام الصحافيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح كما جاء في المادة الرابعة والثلاثين من القانون الدولي الانساني، او الاتفاقية الدولية الخاصة بسلامة الصحفيين والمهنيين الاعلاميين. المصور عصام عبدالله، فرح عمر، غسان نجار، ربيع المعماري، حسين عقيل، وسام قاسم، محمد رضا، هادي السيد، علي عاشور ، صحافيون ارتقوا خلال تأدبة واجبهم المهني.
ماذا يقول مراسلو عدد من الوسائل الإعلامية في لبنان، يروون ل"الوكالة الوطنية للإعلام" تجربتهم المهنية و تغطيتهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وماذا يقول وزير الإعلام المهندس زياد المكاري عن الجهد الذي بذله هؤلاء الاعلاميون خلال الحرب، وما هو دور وزارة الإعلام!
ساسين
وتحدث الإعلامي ادمون ساسين من تلفزيون "lbc" فقال: "أمارس مهنة الصحافة منذ أكثر من سبعة عشر عاما، وهذه الحرب هي اطول وأشد ازمة مستمرة غطيناها وهي كما اعتقد أطول حدث حرب حصل في لبنان بعد عام 1990 بشكل مستمر دون توقف، هذه الحرب تبدلت معالمها، وما كان يحدث خلال الأيام الأولى تبدل مع الاسابيع اللاحقة ثم مع الأشهر المتتالية وصولا الى بداية العدوان وتوسعها في الاسابيع الأخيرة من شهر ايلول من عام 2024 الى الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني من العام نفسه".
أضاف: "وعلى مستوى الدروس والتي على أساسها نغطي معظم الدروس و الأزمات وبالفعل أعادت واثبتت هذه الحرب أنه لا يوجد أي قصة أو حرب تستأهل حياة الزملاء الصحافيين الذين كانوا يغطون واستشهد عدد منهم أمام أعيننا، فلا أزمة ولا حرب ولا قصة تستأهل أن تكون حياتنا أو نكون نحن الخبر، ولكن طبعا المغامرة ومحاولة الوصول الى صورة أو خبر هذا أمر طبيعي، والوصول الى أقرب النقاط المعقول أمنيا هذا شيء ضروري، ولكن الحفاظ على حياتنا يجب ان يكون بالمرحلة الأولى وقد شاهدنا ما حصل مع زميلات وزملاء لنا من علما الشعب الى طير حرفا وصولا الى حاصبيا والذين سقطوا شهداء نتيجة استهدافات اسرائيلية مباشرة، والنقطة الأساسية المرتبطة بالموضوع أننا لا نستطيع تغطية حرب اذا كنا لا نفهمها وكيف تتطور وتتبدل وكيف تتوسع رقعتها وطبيعتها وحتى الأدوات المستخدمة فيها، وان نفهم الجغرافيا التي تحصل على ارضها الحرب، وكل هذا من الضروري أن نفهمه، وكل التفاصيل المتصلة بالميدان والحرب هو أمر ضروري ان يفهمه الصحافيون حتى يعرف الفريق كيف يحمي نفسه وان يعرف كيف يتكيف مع الحرب".
وتابع: "وطبعا فإن الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة للإعلاميين التي حصلت من قبل العدو لفرق إعلامية كانت معلومة من قبله، فصحيح أنها تسببت بضغط ونوع من الحذر دفعتنا الى إعادة حساباتنا بالطرقات التي كنا نسلكها وبمدى قربنا من بعض النقاط وبطبيعة تجولنا، ولكن كل ذلك لم يدفعنا لحظة للتفكير بالانسحاب بل اصرينا على استكمال التغطية، وهذا كان رأي الأكثرية الساحقة من الفرق الإعلامية التي كانت تغطي التطورات في الجنوب لأنه كان عندنا واجب توثيق ما يجري من جرائم واعتداءات ولكن في الوقت عينه كنا نعدل بخطتنا، اذ ان ما كان يصح خلال الأيام الأولى لم يعد يصح في الاسابيع اللاحقة، ونجرب ان نفتش على طرق آمنة غير التي كنا نسلكها سابقا حتى نستطيع التوفيق بين نقل الصورة والخبر وبين سلامتنا، وهذا ما كان يشكل تحديا كبيرا وعندما اتسعت رقعة الحرب، اتسعت بالتالي رقعة الخطر على المدنيين".
ولفت الى ان "الصحافيين هم طبعا جزء من النظام المدني والمدنيين ومع إتساع رقعة الحرب اصبح لبنان كله مشمولا ومستهدفا، وبالتالي كثير من الطرقات التي كنا نعتبرها آمنة ومن المستبعد استهدافها سواء في جبل لبنان أو الشمال إلى البقاع الى الجبل، وأصبح الاستهداف يطال كل لبنان سواء لمنازل، لطرق، لسيارات متحركة ونحن كنا نسلك طرقات للتوجه إلى الجنوب او الحدت او الضاحية او اي مكان. وهذا ايضا فرض علينا تحديا واتخاذ الحذر لطريقة سيرنا على الطرقات او دخولنا او الوقوف تحت بعض المباني الممكن استهدافها، وبالتالي فإن الخطر كان كبيرا على الصحافيين في هذا المجال، وخصوصا ان الاحتلال الإسرائيلي لم يوفر اي شيء على المستوى المدني، وكنا احيانا كثيرة نشاهد أهدافا مدنية تستهدف وتقصف بذريعة أنهم يستهدفون شخصا مطلوبا ولا نعرف من هو هذا الشخص. وفي بعض الأماكن حيث غطينا سقط عشرات النساء و الأطفال ليستهدفوا شخصا، ومع الأسف الى هذه الدرجة كانت الجريمة كبيرة".
وختم ساسين: "والتحدي الكبير علينا كان على المستوى النفسي عند مشاهدتنا للجثث والاشلاء والدمار والخراب والمآسي فهذا كان يشكل ضغطا على كل المستويات لكل الفرق الإعلامية، ولذلك فإن الخلاصة الأساسية ان تنسحب الفرق الإعلامية من أرض الميدان عند حصول استهدافات وواجباتها البقاء لتحمي نفسها وتوثق الاعتداءات والجرائم، وعلى المؤسسات الإعلامية ان تعرف ان فرقها بحاجة الى تدريب دوري، إضافة الى ان الفرق الإعلامية التي ستغطي ان يكون لديها خبرة كافية وقدرة على تقدير المواقف وفهم كل التفاصيل الجغرافية و الديمغرافية و الطرقات من أجل السلامة المهنية، وهذا أمر من الضروري العمل عليه وان تكون هذه واحدة من خلاصات هذه الحرب لرفع مستوى السلامة الجسدية، علما ان الاحتلال الإسرائيلي كان يستهدف الصحافيين وفي كثير من المرات كان استهدافا مباشرا".
فرحات
وأشار الإعلامي محمد فرحات من تلفزيون "الجديد"، الى ان "تجربة الحرب كانت مختلفة عن كل عمل كنت أعمل عليه منذ دخولي العمل الإعلامي، ولكن كان عندي إصرار منذ السابع من شهر اوكتوبر الماضي بتغطية الحرب في حال حصولها، وغالبا ما كان عندي قناعة بأن جبهة الاسناد ستتطور إلى حرب مفتوحة، وطبعا المشاهدات خلال تلك الحرب كانت مؤلمة وبشعة، لا سيما وأننا منذ الايام الأولى ودعنا زملاء واصدقاء لنا، بدءا من الزميل عصام عبدالله ثم استشهاد الزملاء فرح عمر وربيع المعماري وصولا الى استهدافنا في منطقة حاصبيا. وطبعا فإن استشهاد الزملاء كان يشكل دافعا لي للاستمرار بالتغطية واكمل الرسالة التي كانوا يعملون على ايصالها، لأن العدو الإسرائيلي كان يهدف دائما الى إسكات الكلمة واسكات الصحافة اللبنانية التي تظهر إجرامه وغطرسته في لبنان والحمدلله استمرينا بتغطيتنا ووصلنا الى هدفنا، وطبعا فإن مشاهد الدمار ونقل صور الحرب كانت صعبة وقاسية علينا وخصوصا ان الناس كانت تنتظر منا كلمة، وهذه الكلمة تزيد المسؤولية علينا سواء سلبا او ايجابا إضافة الى ضرورة ووجوب اعتمادنا الموضوعية والمهنية الصحفية التي يجب علينا اعتمادها خصوصا مع وجود الكثير من التشتت بالأخبار سواء على الصعيد الإسرائيلي او اللبناني، وبالتالي اعتمدنا على الموضوعية منذ البداية، وهذا ما لاقى استحسانا من قبل الناس التي كانت تنتظرنا دائما لتسمع منا الحقيقة".
أضاف: "بالنسبة لي تجربتي خلال الحرب كانت موفقة نسبيا، واعتبر اني نجحت على الصعيد المهني ودعنا زملاء لنا، وانا انتشلت ثلاثة شهداء من زملائي. لم أخف ولم اتوقف عن التغطية وكنت اتطلع دائما الى الامام ،وان اكون موجودا خلال عودة الاهالي إلى قراهم وضيعهم. الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى".
باسيل
واعتبرت الإعلامية زينة باسيل من تلفزيون "Mtv" ان "الحرب كانت مفاجئة لنا، خاصة أننا ومنذ فترة لم ندخل في نزاعات ولم نكن جزءا منها وتفاجأنا بتوسع رقعة الحرب على لبنان، وكان ذلك مفاجأة للإعلام في لبنان الذي انتقل مباشرة من جو الى جو آخر، والفرق أننا لم نكن على الأرض كصحفيي غزة في الامكنة التي يتم قصفها مباشرة".
أضافت: "نحن في المرحلة الأولى كنا نشاهد التعديات الاسرائيلية على لبنان وبشكل خاص على القرى الجنوبية عند الحدود، ولكن عندما بدأ استهداف الصحافيين بشكل مباشر ومع اشتشهاد المصور عصام عبدالله بدأنا فعلا نشعر بالخوف، وان اسرائيل لا تميز بين شخص عسكري وعندها انسحبنا من الجنوب كما هو حال عدد من التلفزيونات المحلية نظرا لوجود الخوف فعلا على فريقها، إضافة الى اننا نعرف ان التأمين لا يغطي تلك الأمور مع الإشارة إلى ان المؤسسة التي انتمي اليها قامت بعمل التأمين على الحياة وكان هناك فعلا خوف على حياة الاعلاميين لذلك قررت بعض المؤسسات سحب طاقم عملها من الجنوب".
وتابعت: "بالنسبة لي انا غطيت الاحداث في الجنوب في المرحلة الأولى عندما كانت التعديات الاسرائيلية لم تتوغل في العمق وتواجدنا في ضيعة آمنة، وكنا ننقل عن بعد كل التطورات. وطبعا كانت الغارات تتساقط في أماكن قريبة من تواجدنا وكنا نسمعها بوضوح. وطبعا المشهد كان مؤسفا خاصة عندما كنا نستمع الى قصص الناس، وكنا نشعر بحزن شديد، والصحافي تجربته إضافة إلى جمعه للمعلومات ويسيطر على الأرض، ومطلوب منه إعطاء رسائل ويخبر الرأي العام بأخر التطورات فهو أيضا يكون مع الناس ويسمع قصصهم، وهذا ما يولد لديه تعب نفسي كبير جدا، وهذا ما اصبحنا نسلط الضوء عليه اذ كان من المتعارف عليه ان ذلك جزءا من عمله؛ هذا صحيح، ولكن الوحشية التي شاهدناها وعدم الإلتزام بالقواعد القانونية لحماية المواطنين و الصحافيين فهذا ما يخلق لدينا تعب نفسي وخوف أكثر. وعندما توسعت الحرب الى مناطق اخرى مثل بيروت والضاحية الجنوبية والبقاع كانت نفس التجربة اذ كنا "نطلع من مشارف الضاحية الجنوبية " ولم نكن في عين الامكنة المستهدفة وهذا شيء طبيعي لأن الجميع يجب ان يحمى، وخاصة وان القصف كان يتساقط من الطيران وليس قصفا مدفعيا او عن الأرض حتى نستطيع الاختباء أو الابتعاد في مبنى ما فكنا حريصين على نقل المعلومات والتحذيرات للاهالي والمواطنين التي يقولها العدو الإسرائيلي، وهذا كان مضمون عملنا مع تعب نفسي وجسدي رافق تغطياتنا خلال الحرب".
وقالت: " ان وقع تلك الحرب على الصحافيين كان تعبا جسديا ونفسيا ربما أكثر من الخطر المباشر حتى اذا لم يكونوا هم في ساحة المعركة هذا بالإضافة الى متابعة أمور النازحين والتعب الذي يرافق ذلك ومحاولة مساعدتهم لإيجاد أماكن آمنة. ويصح القول ان ما عاشه المجتمع في لبنان خلال الحرب عاشه الاعلاميون مع زيادة في الارهاق والتعب".
ضاهر
وكانت كلمة للإعلامي رامي ضاهر من "تلفزيون لبنان" ومراسل اذاعة "صوت الشعب"، قال فيها: "تجربتي كمراسل ميداني خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان كانت مريرة وصعبة كما هي مع الحروب والاعتداءات السابقة التي تعرض لها لبنان. فخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان تحولنا مرات عديدة كمراسلين إلى مسعفين وأشخاص عليهم مسؤولية كبيرة جدا تجاه المواطنين الوافدين سواء من البقاع أو الجنوب ونرشدهم ونوصل صوتهم".
ويروي ضاهر تجربته فيقول: "كنا كتلفزيون لبنان واذاعة صوت الشعب منذ بداية طوفان الأقصى في المناطق الحدودية مثل كفركلا و العديسة و الناقورة، وكنا نتوجه يوميا الى تلك المناطق والخطر يحيط بنا في كل لحظة مع باقي الزملاء بأن نتعرض للقصف أو الاعتداءات الاسرائيلية، وهو ما حصل فعلا مع زملاء لنا ما أدى الى استشهاد الزملاء: فرح عمر، ربيع المعماري، عصام عبدالله، ولكن استشهادهم زادنا قوة وعزما ونكمل إيصال رسالتهم. لقد تحولنا إلى جنود على الأرض، شاهدنا المعاناة وعشناها والوضع الميداني الذي كنا نغطي فيه خلال هذه الحرب يختلف كثيرا عن الحروب السابقة وكان يوجد استهداف مباشر وحقيقي للصحافيين رغم كل القوانين والتعهدات التي برأي ضاهر كانت الشعارات عناوين ووقفت الى جانب الظالم ضد المظلوم".
واعتبر أنه "على الرغم من كل التحولات في المنطقة فإن الاعلاميين والصحافيين يدفعون الأثمان الغالية، ان كان بناء على مواقفهم أو طبيعة حياتهم".
ووجه ضاهر رسالة الى الإعلاميين ب"أن الوطن بحاجة لنا جميعا لنتكاتف ونتضامن ويكون عندنا صوت واحد وانتماء وطني"، مشيرا الى ان "الحرب الاخيرة على لبنان اظهرت وجها مشرقا ومنورا للإعلام في لبنان اذ اثبت الاعلاميون خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان انهم وعلى الرغم من كل التحديات واجهوا وضحوا ونقلوا الصورة الحقيقية وكشفوا افتراءات وادعاءات العدو، وسيستمر بالتغطية إنطلاقا من إيمانه بأن الإعلام رسالة انسانية خالصة وهي رسالة ككل المقاومين الموجودين على الجبهة في الجنوب وايضا مثل جنود الجيش اللبناني، والاعلامي هو مثل أي مناضل شريف يدافع عن وطنه".
فقيه
وتحدث الإعلامي حسن فقيه من تلفزيون "Nbn" فقال: "منذ بداية العدوان على لبنان منذ عام وثلاثة أشهر كنا نتوجه الى الجنوب بشكل متقطع لتغطية الاحداث والتطورات التي كانت محصورة ومحددة بمناطق معينة، وكان من واجبنا تغطية الاحداث. ومع توسع العدوان على لبنان منذ أواخر أيلول الماضي كنت متواجدا في الجنوب وبقيت هناك لمدة ثلاثة أشهر ، وكان عندي اندفاع قوي جدا لتغطية تلك الاحداث؛ فهذه تجربة مهمة جدا سواء على الصعيد المهني لا سيما وإني اكتسبت خبرة في تغطية تلك الحرب منذ سنة، والانظار كلها متجهة الى الجنوب، وما يحصل من تطورات ميدانية، واندفاعي كان نابعا من واجبي المهني وارتباطي بالإيمان المرتبط بالقضية الأساسية؛ قضية المقاومة والجنوب".
أضاف: "وعندما كنت أعلم بإستشهاد أو إصابة أحد الزملاء طبعا كنت أحزن جدا ولكني لم أخف كنا بعين الله، فجميع الصحافيين كانوا يضعون في حسابهم امكانية اصابتهم أو استهدافهم من قبل عدو لا يمنعه اي قانون او اتفاق من القيام بعمل إجرامي بحق الإعلاميين. كنت أقوم بواجبي المهني وكنت أحاول الوقوف بأماكن من الممكن ان تكون آمنة أكثر من غيرها، ولكن كنت أعرف ان الخطر كان يداهمنا من كل الجهات. والحمد لله استطعنا تأدية واجبنا ورسالتنا على أكمل وجه. فرصدنا ورافقنا عودة الناس وكنا نحاول أن نكون صوت الناس وجيشنا ومقاومتنا بوجه العدو الإسرائيلي، وبالتالي هذه التجربة قدمت لي الكثير على الصعيد المهني والشخصي، وكذلك على الصعيد المبدئي لأنها مرتبطة بجنوب لبنان، وانا ابن بلدة جنوبية حدودية وبالتالي أعتبر ان هذا موضوعا يمسني ذاتيا ، والحمدلله قدمت ما استطعت".
صباغ
بدوره لفت مراسل "الميادين" عباس صباغ في كلمته الى ان "التغطية الصحفية خلال العدوان الأخير على لبنان مختلفة بطبيعة الحال عما شهدناه من حروب سواء كان في لبنان أو خارجه، وهي تجربة فريدة لأن حجم العدوان كان كبيرا جدا وتأثيراته ستبقى لفترة طويلة من الزمن".
أضاف: "بالنسبة لي تغطيتي بدأت في الثامن من شهر تشرين الأول من عام 2023 منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى وكنت مع الشهيدين من قناة الميادين، ربيع المعماري والمهندس محمد رضا في كفرشوبا_ القطاع الشرقي حيث كانت أولى عمليات المقاومة لإسناد غزة، وكنا نتنقل من القطاع الشرقي في كفرشوبا والمطلة الى مارون الرأس الى عيتا الى يارون وصولا الى علما الشعب، وهذه كانت جولتنا اليومية وبدايات الحرب كانت مختلفة عما شهدناه لاحقا منذ أواخر أيلول من عام 2024 فكانت عمليات المقاومة وقصف اسرائيلي على قرى وبلدات الحافة الأمامية مثل علما الشعب والضهيرة وبلدات أخرى، وكانت نسبة الخطر نوعا ما قليلة الى أن بدأت ترتفع تدريجيا".
ويذكر صباغ يوم الثالث عشر من شهر أيلول من عام 2023 حيث كان متواجدا بين الضهيرة وعلما الشعب حيث كان القصف حينها شديدا وهو اليوم الذي استشهد فيه المصور عصام عبدالله وأصيب عدد من الزملاء حينها بدأ الخطر الجدي على الصحفيين، والسؤال حينها هل يجب ان نتراجع!! ولكن اكملنا التغطية إلى ان استشهد زميلنا ربيع المعماري وزميلتنا العزيزة فرح عمر والشاب حسين عقيل في شهر تشرين الثاني وهذا ما أحدث لنا صدمة بطبيعة الحال! ورغم الألم والحزن والخسارة استمرينا بالتغطية، وانتقلنا الى يارون ومناطق اخرى مثل كفرا وياطر حيث الغارات الإسرائيلية تتوالى مستهدفة منازل مدنية ولم نكن نشاهد خلال تغطيتنا ومواكبتنا لأماكن الغارات أهدافا عسكرية خلافا لما كان يدعيه العدو الإسرائيلي. وكنا حين ننقل الصورة من مكان الاستهداف نشعر ونعتقد بأننا نقدم شيئا وبأننا من خلال تغطيتنا نرد على ادعاءات العدو وبالتالي، نظهر الصورة الحقيقية التي لا يريد العدو ان تظهر وتقدم إلى الرأي العام، وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لاستهداف العدو للصحافيين واستشهاد عدد من الزملاء".
ويروي صباغ عند دخولهم في إحدى المرات الى مدينة الخيام لإعداد تقرير اخباري حيث كان الدمار لا يزال في بدايته ولكن كانت فترة حذرة جدا اذ كان متوقعا حصول غارة في أي لحظة، وكنا نلتقي بأشخاص اتوا لتفقد منازلهم وكان هؤلاء الاشخاص هم من يعطونا ويمدونا بالقوة... ولكن مع تزايد الغارات وكثافتها ازدادت الخطورة ولم بعد هناك اي وقت محدد للغارات وفي الوقت عينه لا بد من نقل الخبر والمحافظة على المصداقية المهنية بنقل الخبر، ولكن لا نستطيع ان نكون موضوعيين في مواجهة عدو، نحن أمام عدو لا يعرف الموضوعية ولا استطيع ان أقف واتبنى رواية العدو بأنه استهدف مبنى ما واستشهد عشرات المدنيين لأنه كان يستهدف شخصية عسكرية او قيادية، فأنا كمراسل علي أن أركز على المدنيين أولا لأن هدف العدو من حربه هو إقناع الناس بروايته. ونحن كانت رسالتنا ان نظهر كل تلك الجرائم وندحض روايته كما حصل مثلا مع مستشفى الساحل وادعاءاته بأنها تضم مخازن اسلحة، وما الى ذلك من تضليل وافتراءات وكيف لي كمراسل ان اتبنى رواية لعدو يمعن بقتل المدنيين سواء في غزة ام في لبنان".
وأردف: "وطبعا كان لإستشهاد زملائنا غسان نجار والمهندس محمد رضا وربيع المعماري وفرح عمر وهادي السيد ووسام قاسم أثر كبير جدا ،ولكن في الوقت عينه كان هدف العدو أن يمنع نقل صورة جرائمه، وبالتالي كان هناك إصرار رغم الألم بمتابعة نقل هذه الصورة على بشاعتها لنكشف أمام الرأي العام ماذا يريد هذا العدو وماذا يفعل وبالتالي كان هذا الإصرار بالتغطية والتتقل في أكثر من منطقة ومنها الضاحية الجنوبية حيث كانت ليلة 27/28 من شهر ايلول من العام الحالي قاسية جدا اذ بدأت منذ المساء بالتغطية، ولم نكن نعرف بطبيعة الحال ان مكان الاستهداف حيث استشهد السيد حسن نصرالله كان حجم الدمار مهولا جدا واكملنا أيضا التغطية من منطقة الى أخرى في الضاحية الجنوبية، وكنا نركض اثناء الليل بين غارة واخرى لا نعرف مكان الغارة ولكننا كنا نتبع الصوت، كان الخطر من حولنا وفوق رؤوسنا ولكن استطعنا نقل الصورة والخبر، ويبقى هذا العدوان هو الاقسى، متجاوزا كل ما شهدناه من قتل ودمار خلال حروب سابقة".
وقال: "نفتخر بأن العدو لم يحتل مناطق لبنانية ولم يستطع التقدم والسيطرة بشكل كامل على بلدات على الرغم من أنها محادية للحدود فكان ذلك فخرا بالنسبة لنا، وهذا ما كنا نشدد عليه خلال رسائلنا بأن حجم هذا التدمير هو رد على عجز العدو في الميدان، وبالتالي كانت هذه التجربة إضافة تغني السيرة المهنية وتبقى فيها مشاعر من الألم والحزن".
ولا ينسى صباغ شعوره عندما عرف ان احد الامكنة التي كان يقف عليها لنقل رسالته كانت جثث الشهداء من اطفال ونساء ورجال موجودة تحت الركام..
شحادة
وتحدث الإعلامي حسين شحادة من تلفزيون "Otv" عن "تجربتي الاولى في تغطية الحروب، كنت متحمسّا جدا" لها، لم يأخذ معي قرار تغطية العدوان على البقاع اجزاء من الثانية. حبّي لمنطقتي واهلها اعطياني دفعا" كبيرا" لانقل معاناتها وما يحصل لها، فجزءٌ كبيرٌ من روحي معلّق هناك. لا شكّ انّها اصعب تجارب حياتي ما زادها قسوة مشاهدة ابناء منطقتي لا بل احرى اصدقاء عمري ورفاق الطفولة اشلاء. ما زادني اصرارا على التغطية رغم خطورة المكان الذي كنت اتواجد وانقل منه هو استشهاد صديقي، فهذا كان حافزا لي لكي اكمل المهمّة بنقل معاناتنا في البقاع، فالاعلام كان له دور كبير في اظهار مدى الاجرام الاسرائيلي في استهداف المدنيين في البقاع نتحدث عن اكثر من 1050 شهيدا جلّهم من الاطفال والنّساء قتلهم العدوّ الاسرائيلي مرتكبا" ابشع المجازر بحقّهم".
اضاف: "لا اخفي سرّا ان الخطر كان كبيرا جدا في الجنوب وكنّا نجازف يوميا"كصحافيين في التنقل بين الغارات وبين المجازر التي يقترفها العدوّ ولكن لم يمنعني ذلك من الاستمرار فكنّا شهداء احياء نحمل دمنا على كفّنا، لا نبالي بالموت لاننا اصحاب حقّ واستشهاد الزّملاء اعطانا الدّفع والاصرار للاكمال".
خليل
وأشار الزميل جمال خليل من "الوكالة الوطنية للإعلام"، الى انه "على مدى ال 66 يوماً من الحرب المعادية على الجنوب وعلى كافة الاراضي اللبنانية كان لا بد من ان نكون في طليعة الاعلاميين لنقل الصورة والخبر الحقيقيين لما يجري وما يقوم به العدو الاسرائيلي من اعتداءات يومية لم تسلم منها بلدة او قرية خصوصاً في الجنوب حيث كنا نبادر الى استقصاء الاخبار لتكون ذات مصداقية عالية، وكوننا نعمل في "الوكالة الوطنية للاعلام" كان هدفنا نقل الحقيقة، وكنا نغامر لنكون على بينة مما ننقله بكل امانة وصدق. وعلى مر ايام الحرب تعرضنا للكثير من المخاطر واستشهد زملاء لنا كانوا يؤدون واجبهم المهني لكن هذا لم يمنع من ان نتابع رسالتنا التي نعتبرها مقدسة في سبيل الدفاع الاعلامي عن وطننا وابراز جرائم العدو".
المكاري
واعتبر وزير الإعلام في حكومة تصريف الاعمال المهندس زياد المكاري في كلمة ان "الجسم الإعلامي في لبنان تصرف بكثير من الإحتراف خلال تغطيته للحرب بالرغم من الإمكانيات الضئيلة التي كانت معهم وبالرغم من الوحشية التي قام بها العدو الإسرائيلي ضد الصحافيين وعلى لبنان بشكل عام".
وقال: "كان يوجد خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان تضامن إعلامي كبير جدا حتى ضمن القوى السياسية المتناحرة، وكنا نراهم دائما إلى جانب بعضهم البعض حتى ان زملاء صحفيين استشهدوا مع بعض واصيبوا مع بعض والتزموا بخط وطني لبناني بعيد عن كل الانقسامات الموجودة، وتحية كبيرة جدا لهم، وكل العزاء والتقدير والاحترام لأهل الشهداء و الجسم الإعلامي، وهذه مهنة تحيط بها المخاطر وخاصة ان الإسرائيلي كان يرصد الصحافيين ويغتال صحافيين ولم يقتل اي صحافي عن طريق الخطأ بل كان متعمدا".
أضاف: "ونحن كوزارة إعلام قمنا بكل ما يجب علينا كوزارة مع الهيئات الاممية والدولية وراسلنا من يجب أن نراسله وخاصة في موضوع المصور عصام عبدالله الذي كان اغتياله جريمة واضحة حيث قمنا بكثير من المراسلات وتوصلنا الى تحقيق شفاف بالتعاون مع وكالتي رويترز و AFP و Amenisty International واستطعنا من خلال ذلك التحقيق إعطاء امكانية لذوي عصام القيام بشكوى في المحافل الدولية على اسرائيل التي قتلت عصام، وتابعنا اغتيال كل الشهداء الذين استشهدوا من محطتي الميادين و المنار، ورويترز على مستوى التحقيق والمراسلات التي يجب أن نقوم بها ضمن صلاحياتنا كوزارة إعلام، وكذلك الدولة اللبنانية قامت بكل ما يلزم في محاولة للوصول إلى "أخذ حق" هؤلاء الصحافيين. ونحن كوزارة إعلام كنا نهتم بسلامة الصحافيين وكنا نتابع شؤون كل إعلامي يتوجه إلى الجبهة، ان كان مع مؤسسته الإعلامية أو الجيش اللبناني أو اليونيفيل أو الصليب الأحمر اللبناني، وكل جهة كانت موجودة في الجنوب كنا على اتصال دائم لتسهيل مهمتهم وحصلنا من اليونسكو على خمسة عشر درعا وخمسة عشر خوذة منهم خمسة لنقابة المصورين وعشرة لموظفي وزارة الإعلام والوكالة الوطنية وسهلنا كوزارة إعلام في الدولة اللبنانية دخول عشرات التجهيزات للحماية للعديد من المؤسسات الإعلامية و الجمعيات. وقمنا بدورات تدريبية في الاسعافات الأولية في وزارة الإعلام بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني لعدد من الإعلاميين" .
وأردف المكاري: "وطبعا لا يغيب عن بالنا أو مهمتنا اختفاء الصحافي سمير كساب، ونحن نتابع بشكل جدي هذه القضية وخاصة بعد التغييرات الميدانية التي حصلت في سوريا. وقد تواصلت بخصوص هذا الموضوع مع رسميين أتراك على مستوى عال جدا وكذلك مع السفير القطري في محاولة لمعرفة اي شيء بخصوص مصيره، ونحن نتابع ذلك ضمن الإمكانيات الموجودة".
وقال: "ومع استمرار اسرائيل بملاحقة الإعلاميين وقتلهم سواء في غزة أو في لبنان ماذا يمكن القيام به وخاصة ان اسرائيل لم ولن تلتزم بأي إتفاقية أو معاهدة دولية تحمي وتفرض حماية الصحافيين، يوميا يستشهد صحافيون في غزة، وإسرائيل قتلت شيرين أبو عاقلة واعترفت ولم يحصل أي شيء وعلى الضمير العالمي أن يتحرك وان يظهر هذا الإجرام. وكما اغتيل صحافيون لبنانيون كذلك اغتيل صحافيون في فلسطين، يجب ان نرفع الصوت، فالصحافي صحافي اينما كان، وإسرائيل بهذه الطريقة تقتل الحقيقة، وللمرة الأولى جرائم اسرائيل أصبحت مكشوفة ومعروفة عالميا وننتظر من الأمم المتحدة أو الجمعيات التي تهتم بسلامة الصحافيين أن تذهب بالأمور أبعد من ذلك. ونحن في لبنان حصلنا على قرار ونداء من مؤسسة FIDC يدين مقتل الصحافيين في لبنان، وهذا إنجاز لدبلوماسيتنا في اليونسكو ترفع لها القبعة".
واعتبر ان "الصحافة في لبنان اثبتت احترافها وان الجسم الإعلامي في لبنان يستطيع العمل في أحلك وأصعب الظروف بالرغم من كل التحديات ووحشية الحرب والامكانيات الضئيلة، ونؤكد ونشدد على بقائهم بنفس الهمة والتألق، ولم ينسوا ان لبنان هو مهد الصحافة ومسؤوليتهم كبيرة لا تقتصر فقط على نقل الخبر اثناء الحرب بل المحافظة على هذا الدرس الصحفي الذي قدموه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان ونحن نفتخر به وبهم".
حسن
وتحدث الإعلامي هاشم السيد حسن من تلفزيون "المنار" فقال: "من الطبيعي ان تكون التجربة لأي اعلامي خلال الحرب مختلفة عن أي تجربة ميدانية سابقا خاصة أن هذه الحرب كانت مختلفة من حيث الشكل ومن حيث المدة الزمنية، فضلا عن انه ومنذ اليوم الأول تحول الجسم الصحافي بشكل عام إلى هدف للعدو فكيف اذا ما تحدثنا عن المنار الهوية والرسالة. لذلك يمكن الحديث عن تجربة غنية جديدة مرفقة بمهمة صعبة تعنى بإيصال حقيقة الحدث وفعل المقاومة وصوت الناس وتفنيد الرواية الصهيونية وتكذيبها وهذا قائم على الاندفاع وعدم التردد والثبات، ما يعني ملازمة المنطقة الحدودية طيلة السنة والشهرين. وكانت شهادة عدد من الزملاء ومن بينهم الشهيد الصديق والزميل وسام قاسم دافعا اضافيا لنا لاستكمال ما بدأناه في الثامن من اكتوبر ٢٠٢٣ مع بداية جبهة الإسناد من نقل وتغطية اخبار المنطقة الحدودية صمود الناس وبطولات المقاومة وجرائم العدو. هذا مع الإشارة الى ان كل أفراد عائلتي وأولادي كانوا معي حتى تاريخ الرابع والعشرين من شهر ايلول الماضي في بنت جبيل رغم الغارات والقصف". (الوكالة الوطنية)
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الإسرائیلی على لبنان الضاحیة الجنوبیة العدو الإسرائیلی الوکالة الوطنیة ربیع المعماری علما الشعب الحرب کانت خلال الحرب من تلفزیون نقل الصورة على الصعید هذه الحرب شهر تشرین فی الجنوب التی کانت وصولا الى التی کان إعلام فی فی لبنان ولم نکن أکثر من وهذا ما حیث کان فرح عمر لم نکن یجب ان الى ان من شهر ان کان ما کان عدد من
إقرأ أيضاً:
أستاذة قانون: ضربات ترامب على إيران كانت غير قانونية.. لهذه الأسباب
نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية دون الحصول على تفويض من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، ما يسلط الضوء على الثغرات القانونية التي تسمح لرئيس أقوى دولة في العالم باستخدام القوة خارج الأطر الشرعية.
ففي غياب تهديد وشيك على الأراضي الأمريكية، جاءت الضربة خارج نطاق أي تفويض قانوني قائم، سواء داخليا أو دوليا.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لأستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة بيل، أونا هاثاواي، قالت فيه إن الجيش الأمريكي نفذ ضربة في وقت مبكر من صباح الأحد ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية بناء على أوامر الرئيس ترامب. لم يكن يعلم بهذه الضربات مسبقا سوى القليل. لم يطلب ترامب موافقة مسبقة من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، كما يقتضي القانون. وهكذا، كشفت الضربات غير القانونية عن الغياب الخطير لأي قيود قانونية فعالة - سواء محلية أو دولية - على قرار الرئيس الأمريكي باستخدام القوة المميتة في أي مكان في العالم.
أصبح من الغريب تقريبا الإشارة إلى أن الدستور يمنح الكونغرس، وليس الرئيس، سلطة إعلان الحرب. صحيح أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكنه ملزم بطلب إذن الكونغرس قبل بدء الحرب. ولا يغير قرار صلاحيات الحرب لعام 1973 هذا. سُنّ هذا التشريع ردا على حملة القصف السرية التي شنّها الرئيس ريتشارد نيكسون في كمبوديا، ويهدف إلى منع الرئيس من شنّ حروب غير مشروعة من خلال إلزامه قانونا بطلب موافقة الكونغرس قبل إشراك القوات المسلحة الأمريكية "في أعمال عدائية أو في مواقف تشير فيها الظروف بوضوح إلى تورط وشيك في أعمال عدائية". الحالة الوحيدة التي لا يُطلب فيها من الرئيس طلب موافقة الكونغرس المسبقة هي عندما تتعرض الولايات المتحدة لهجوم، ويتعيّن عليه التصرف بسرعة لحماية البلاد.
لم يكن هذا صحيحا عندما تعلق الأمر بإيران. بل على العكس تماما. في خطاب ألقاه بعد الهجمات، أشار ترامب إلى أن إيران كانت تُوجّه تهديدات ضد الولايات المتحدة منذ "40 عاما". لا شيء في ما قاله هو أو وزير الدفاع بيت هيغسيث لاحقا يشير إلى تهديد مُلحّ لأمريكا منع الرئيس من طلب موافقة الكونغرس قبل إطلاق العنان للقوة القاتلة التي قد تُثير ردا انتقاميا ضد الولايات المتحدة والقوات الأمريكية في المنطقة. (وبالفعل، يبدو أن هذا الرد الانتقامي قد وقع للتو، حيث أطلقت إيران صواريخ على قاعدة أمريكية في قطر). كما لا يمكن دمج هذه الضربات ضمن تفويضات الكونغرس الحالية لاستخدام القوة - إحداها في عام 2001 ضد المسؤولين عن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، والأخرى في عام 2002 ضد العراق في عهد صدام حسين. وهكذا، ادّعى الرئيس لنفسه السلطة التي يمنحها الدستور صراحة للكونغرس.
وكما أن الرئيس ملزم قانونا بطلب إذن من الكونغرس قبل شن حرب، فإنه ملزم أيضا بطلب إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، صممت الولايات المتحدة ودافعت عن نظام عالمي يخضع فيه استخدام أي دولة للسلطة القسرية ضد دولة أخرى لضوابط جماعية. ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الدول الموقعة يجب أن "تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة".
هذا الحظر على اللجوء الأحادي إلى القوة هو المبدأ الأساسي للنظام القانوني لما بعد الحرب. لا يجوز لدولة صادقت على ميثاق الأمم المتحدة أن تلجأ إلى استخدام القوة ضد دولة أخرى إلا إذا صوّت مجلس الأمن على تفويض الحرب - أو عندما تكون الدولة موضوع "هجوم مسلح". نعم، يُعدّ شرط الحصول على دعم مجلس الأمن عقبة، ولكنه عقبة أمام روسيا والصين بقدر ما هو عقبة أمام الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن شرط السعي للحصول على تفويض مجلس الأمن قبل استخدام القوة يمنح الولايات المتحدة سلطة استثنائية: فالولايات المتحدة تشغل أحد المقاعد الخمسة الدائمة في مجلس الأمن، وتمتلك حق النقض (الفيتو) على أي قرار يجيز استخدام القوة. وبينما لا يوجد نظام قانوني مثالي - وهذا النظام ليس استثناء، كما تُظهر الصراعات العالمية اليوم - فقد ساعد ميثاق الأمم المتحدة مع ذلك في إنتاج أكثر العصور سلما وازدهارا شهدها العالم على الإطلاق.
لقد تبنى دونالد ترامب الآن بشكل كامل ما يسمى بمبدأ بوش، وهو موقف في السياسة الخارجية ينص على أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام القوة استباقيا ضد أي تهديد محتمل - سواء لنفسها أو للآخرين. كان هذا هو الأساس القانوني الرئيسي لحرب العراق الكارثية عام 2003، والتي تم رفعها باعتبارها ضرورية لمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل - وهي أسلحة اتضح أنها لم تكن موجودة. وحتى في ذلك الوقت، تعامل الرئيس جورج بوش الإبن على الأقل مع مجلس الأمن وسعى وحصل على تفويض من الكونغرس قبل شن تلك الحرب.
وقد نأى معظم الرؤساء منذ ذلك الحين بأنفسهم عن مبدأ بوش. لكن رؤساء كلا الحزبين اعتمدوا على تفسيرات موسعة لحق الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة لاستخدام القوة في الشرق الأوسط ضد ما وصف بـ"الجماعات الإرهابية". كما اعتمدوا أيضا على تفسيرات موسعة لتفويض الكونغرس لعام 2001 باستخدام القوة العسكرية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. لقد تجاوز ترامب الآن هذه التفسيرات المُبالغ فيها، مُطلقا حربا تفتقر إلى أي سند قانوني محلي أو دولي معقول.
يبدو أن بعض مؤيدي الرئيس، مثل السيناتور ليندسي غراهام، غير مُبالين بالضربة الخارجة عن القانون، مُستنتجين أن "النظام الإيراني يستحق ذلك". هذه حجة خطيرة، مهما كان رأي المرء في جدوى الضربات. وبينما يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، فإن هذا لا يمنحها - أو الولايات المتحدة - شيكا مفتوحا لمهاجمة إيران كما تشاء، بحسب تعبيرها.
إن غياب أي قيود قانونية فعّالة على الرئيس لا يُمثل مُشكلة لتوازن القوى والأمن القومي للولايات المتحدة فحسب، بل يُمثل الآن مُشكلة للعالم أجمع. إن الصعود الظاهري للاستبداد في الداخل يُعجّل بنوع من الاستبداد الدولي، حيث يُمكن للرئيس الأمريكي إطلاق العنان لأقوى جيش عرفه العالم على الإطلاق بمُجرد نزوة. في هذه الحالة، وبعد فشله في الفوز بـ"الصفقات" السهلة التي وعد بها، أظهر ترامب الآن أنه سيتخلى عن الدبلوماسية والتفاوض مُفضّلا القوة. قد تُشجع أفعاله الحكام المستبدين حول العالم على فعل الشيء نفسه، مُرسخة مثالا على الفوضى القادرة على إعادة تشكيل النظام القانوني العالمي، وتحويله من نظام يحكمه القانون إلى نظام تحكمه القوة.
يتطلب وقف هذا التحول تحركا - من جانب الدول الأخرى والكونغرس. يجب على الدول أن تتكاتف للتنديد بالإجراء الأمريكي غير القانوني، والدعوة إلى الدبلوماسية، لا القوة، لحل النزاع بين إيران وإسرائيل. على المدى البعيد، يجب على الدول إيجاد سبل للعمل معا لدعم القانون، وربما حتى التكاتف كمجموعة رسمية لتبني عقوبات جماعية ضد الولايات المتحدة إذا ثبت عزمها على انتهاكه مرة أخرى.
أدان العديد من أعضاء الكونغرس قرار ترامب غير القانوني باستخدام القوة. هذا لا يكفي. لقد حان الوقت منذ زمن لإصلاح طريقة اتخاذ الولايات المتحدة قرارات خوض الحرب. كبداية، يجب على الكونغرس أن يحظر فورا استخدام الأموال الفيدرالية لأي استخدام للقوة يتجاوز السلطة القانونية للرئيس. لفترة طويلة جدا، رضخ مشرّعونا للاستنزاف التدريجي لسلطتهم الدستورية. ويجب عليهم أن يتحركوا الآن لاستعادة تلك السلطة قبل أن تذهب إلى الأبد ويدفع العالم ثمن أخطائنا.