بقلم - صديق السيد البشير *
siddigelbashir3@gmail.com
(1)
هو إنسان نادر على طريقته، عرفته عن كثب، محبا لتحرير المواد السمعية والبصرية عبر هاتفه النقال، يمارس هذه الهواية بهدوء وحرفية ومحبة فائقة العذوبة، عذوبة الأعمال التي أنجزها لمجموعته والآخرين من رفقاء دربه من طلاب وطالبات قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان.
من خلال تدريسي لمواد الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، نظريا وتطبيقيا، كنت أشرح لهم طرائق الإنتاج والمونتاج عبر الحاسب الآلي والهاتف المحمول، مع نماذج من تطبيقات تحرير الصوتيات والمرئيات، وجدتهم يمتلكون أدوات المونتاج بالهاتف النقال، أبرزهم أحمد أبكر، الذي اسهم في تجهيز مادته وهي عبارة عن نشرة أخبار إذاعية متكاملة بالهاتف، من فكرة وتقديم ومونتاج، هذا مع أمنيات صدقات بالتوفيق في قادم السنوات.
(2)
ظلت تقاسمني محبة كوستي المدينة والإعلام هواية واحتراف والوطن، تاريخا وجغرافيا، ثم ثلاثية الخير والحق والجمال، فعشق العمل الإبداعي وزواياه الثلاث، المتوزعة بين الفكرة والجمال والمعرفة، معرفة دأبت على الاستزادة منها لسنوات ماضية وقادمة، زادها في ذلك الصبر واليقين.
عرفتها عن قرب قبل سنوات خلت، حين عملت مراسلا لقناة الشروق الفضائية من ولاية النيل الأبيض، ظلت تقدم لي رقاع الدعوة لتغطية فعاليات جامعة الإمام المهدي في السودان، أدارت إعلام الجامعة بمهنية ومحبة للمهنة، التي أنفقت فيها عشرات السنين من عمرها المديد، علما ومعرفة، معرفة بمهنة خبرت أساسياتها، منذ تخرجها ببكلاريوس الإعلام من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في السودان، ثم ماجستير الإعلام من جامعة أفريقيا العالمية.
أنتجت عشرات البرامج بثت على شاشة تلفزيون النيل الأبيض أيام بثه المحلي قبل أن يتوقف ليتحول إلى منصة رقمية على الشبكة الدولية (الإنترنت)، لتنتقل _رفقة عدد قليل من أساتذة القسم _ إلى تأسيس قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي، لتصبح أستاذة بالقسم ثم رئيسة لها ومديرا لإدارة إعلام الجامعة.
أنجزت معها عشرات التغطيات لفعاليات الجامعة، ثم هي التي استقطبتني لأعمل أستاذا متعاونا بقسم الإعلام بذات الجامعة، إلى استقطابها لأساتذة آخرين، حيث أنجزت مع علماء القسم سلسلة من المحاضرات النظرية والتطبيقية في مجال الإعلام، منذ أول دفعة تخرجت في تاريخ الجامعة.
كلمات قليلة العدد، نسطرها في كتاب فاطمة الطيب جعفر، تأتي من باب (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، أمنيات ودعوات لها بالريادة والتميز مع جديد المشروعات في قادم السنوات.
(3)
ينتمي إلى فئة الأشخاص ذوي الإعاقة (بصرية)، لكنه الخالق جلا جلاله منحه نعمة البصيرة المتوهجة، عملا، علما ومعرفة، حين أقابله في غرفة البث المباشر بإذاعة النيل الأبيض أو داخل القاعات أمازحه دائما، بسؤال عن شخصي الضعيف، هل عرفته، ليقول، أوووه أستاذ صديق، كنت أختبر معرفته بالناس عبر طبقات أصواتهم، نتدارس معا، إمتاعا ومؤانسة في العام والخاص، وعن مستقبله العملي عقب التخرج في قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان، لنعرف منه الكثير، فالشاب أحمد البشير أحمد يخطط ليمضي في العمل الإذاعي مستقبلا، لإنتاج برنامج إذاعي خاص للأشخاص ذوي الإعاقة، بهدف تقديم رسائل توعوية عن هذه الفئة، مع ضرورة إدماجهم في المجتمع.
بذلك يتحدى أحمد البشير الإعاقة البصرية، محاولة منه لتقديم صورة إيجابية عن فئة المعاقين، دعوات خالصات بتحقيق الأمنيات على مختلف الصعد.
(4)
لا تمضي نحو الشهرة، لكنها تسعى نحو التميز، هكذا تبدو فاطمة إسماعيل الطالبة بالسنة الثالثة بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان، حيث عرفتها قبل سنوات، حيث سعدت بتدريسها ضمن آخرين مادة الإنتاج التلفزيوني (العملي)، أهديتها نصائح مهمة، عملا، علما ومعرفة، نصائح طبقتها لي في عدد من الأعمال التجريبية، توزعت بين سمعية وبصرية.
تحاول فاطمة بنت إسماعيل المضي في طريق العلم والمعرفة، دراسة وممارسة، لتنجز تغطيات لمؤسسة رقمية سودانية ناشئة اسميت قناة بشائر النيل، التي عكف على تأسيسها نفر كريم من شباب وشابات بلادي، أرض السمر والنيل، محاولة منهم لغزو الفضاء الرقمي بسلسلة من المنتجات المسموعة والمرئية.
مع خالص الدعوات بتحقيق الأمنيات.
(5)
مزج الهادي مسعود بين محبة الموسيقى والإعلام، يداعب أوتار الكمان، ليخرج الألحان، ألحان سودانية عذبة، عذوبة الصوت والغناء، أنجز مادة مسموعة، قدمها لي، ضمن التدريب العملي لطلاب السنة الثالثة إعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان، حاولت معه، رفقة آخرين من علماء القسم بذات الجامعة، تمليكهم معارف حديثة عن صحافة الموبايل وتوظيفه في صناعة محتوى وإنتاج رسائل إعلامية.
مع دعوات صادقات له والآخرين ببلوغ المرامي والأهداف.
(6)
ضحى ذلك اليوم قبل أعوام مضت، كانت نوال منصور تنزل من سيارة سعة (25) راكبا، رفقة آخرين من طلاب وطالبات أول دفعة كانت تدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان، يمموا وجوههم شطر مباني تلفزيون النيل الأبيض، للتدريب على الإنتاج والمونتاج التلفزيوني، تنفيذا لإتفاقية موقعة بين جامعة الإمام المهدي وتلفزيون النيل الأبيض.
تنتمي نوال بنت منصور إلى مدينة الجزيرة أبا، تاريخا وجغرافيا، هناك درست، ثم تعلقت بالإعلام، دراسة وممارسة، ممارسة نالت بها القبول والإعجاب من شخصي الذي استعانت به الجامعة، لتدريب نوال وآخرين على طرائق الإنتاج والمونتاج، لكنها دخلت غرفة التدريب وهي جاهزة، حيث عكفت على التعلم الذاتي، من خلال تحميل ومتابعة مواد مبذولة عن المونتاج التلفزيوني والإذاعي على منصة يوتيوب.
سعدت بها لتشاركني في عمليات تدريب الطلاب والطالبات، ذلك من خلال حاسبها الآلي، الذي يحتوي على عشرات المواد التعليمية عن تحرير الصوت والصورة والتصميم الإيضاحي، للتخرج نوال منصور ضمن أول دفعة من قسم الإعلام بذات الجامعة، هذا مع أمنيات ودعوات ببلوغ الأهداف وتحقيق الغايات.
(7)
تتسم بصوت عذب، عذوبة النص والتحرير والتقديم والأداء، أداء تابعته عن كثب، حين عملت أستاذا متعاونا بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الإمام المهدي في السودان، هي وعد حسن الصديق، كانت على الوعد تماماً، ذلك حين طلبت منها، إنتاج محتوى سمعي أو بصري، تطبيقا لما درسته في القاعات، رفقة طلاب وطالبات السنة الثالثة بقسم الإعلام، أنجزت رفقة مجموعتها نشرة إخبارية، ثم أردفتها بنماذج من أعمال فردية، توزعت بين المسموعة والمرئية، لسلسلة من حلقات بودكاست ، اسمتها (لنرتقي)، هذا إلى جانب أعمال شعرية بعامية سودانية، حاولنا تمليك بنت الصديق وآخرين مفاتيح أساسية لصناعة المحتوى عبر الهاتف النقال، لتنجز وعد الصديق منتجات صوتية ومرئية منظومة ومنثورة، تلامس العقل والقلب والوجدان.
أمنيات ودعوات بالريادة والتميز مع جديد المشروعات في قادم السنوات.
(9)
(10)
من جيل البطولات، إلى جيل التضحيات، قطف الرحيق من آخر برتقالة في بستانه المثمر، قمحا ووعدا وتمني، ثم مضى بتيار الغابة والصحراء، راحلا من عالم الأجسام الزائل، إلى دار الخلود، ليصبح خالدا في ذاكرة الأداب والفنون والدبلوماسية السودانية، وداعا محمد المكي إبراهيم، اللهم في جنات وعيون وزروع ومقام كريم يا رب العالمين.
*صحافي سوداني
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بقسم الإعلام النیل الأبیض
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الإعلام يحجز مكانًا جديدًا
في ظل التحولات المتسارعة في بلادنا ، تقف الصحافة عند مفترق طرق، تنتقل من الأطر التقليدية الراسخة إلى آفاق العمل الصحفي الحديث، حيث يتداخل المحتوى الرقمي وتقنيات النشر الإلكتروني مع تحديات جديدة تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي على صناعة الرأي العام.
هذا التحول الجذري يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإعلام، واستقلاليته، ودوره في مجتمعنا المعاصر، لا سيما في دولة تمر بتحولات سياسية واجتماعية كبيرة ، كالسودان في مرحلة ما بعد الحرب.
انعقدت الأسبوع الماضي ورشة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 بمدينة بورتسودان، في توقيت بالغ الأهمية، إذ يشهد السودان تحولات سياسية ورقمية متسارعة. وقد جاءت هذه الورشة كخطوة أولى لإعادة تأهيل المشهد الإعلامي، وتهيئة البيئة القانونية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة. شكلت الورشة منصة لطرح التحديات ووضع أسس لإصلاح تشريعي يواكب التطورات، ويكفل حماية حرية الصحافة ضمن واقع جديد معقد.
الإعلام اليوم في السودان بحسب مختصين يخطو نحو موقع جديد، يتجاوز كونه “السلطة الرابعة” ، ليملأ فراغًا مؤسسيًا ناتجًا عن غياب السلطة التشريعية المنتخبة، في سياق مرحلة انتقالية. وبهذا يصبح الإعلام ـ موضوعيًا ـ سلطة ثالثة فاعلة في مشهد الدولة السودانية الراهن.
هذا الوضع الاستثنائي يحمّل الإعلام مسؤولية إضافية لا تقل أهمية عن أدوار السلطات الرسمية. إذ يُنتظر منه أن يضطلع بدور الرقيب والمساءل، وأن يكون منصة للصوت العام، ومصدرًا للوعي، وأداةً للمحاسبة المجتمعية، في ظل غياب آليات الرقابة البرلمانية والتشريعية. وعليه فإن أي قانون جديد ينظم العمل الإعلامي لا بد أن يُبنى على فهم دقيق لهذا التحول، وأن يُعزز قدرة الإعلام على أداء وظيفته بفاعلية، دون التفريط في المهنية أو التعدي على الاستقلالية.
كما أن استمرار غياب الصحافة الورقية الفعلية عن المشهد الإعلامي في السودان يعكس واقعًا جديدًا تُحكمه التحولات الرقمية والتقنية. فقد انتقل الصحفيون من الاعتماد على الوسائل التقليدية إلى استراتيجيات حديثة لإنتاج محتوى متنوع يجمع بين السرعة، والفاعلية، والتفاعل مع الجمهور عبر المنصات الإلكترونية. وهذا بدوره يفرض الحاجة إلى تشريعات جديدة تستوعب المفهوم الحديث للعمل الصحفي.
وتبرز هنا أهمية الشبكات الاجتماعية بوصفها فضاءات جديدة لتبادل المعلومات وصناعة الرأي العام، لكنها في المقابل تطرح تحديات كبيرة، من بينها فقدان المؤسسات الإعلامية السيطرة على المحتوى، وانتشار الأخبار الكاذبة، وتراجع الثقة في الإعلام التقليدي نتيجة تداخل أدوار الصحفيين مع “المواطن الصحفي” الذي يمتلك أدوات النشر المباشر دون مرجعية مهنية. لذلك ينبغي أن تراعي التشريعات الإعلامية الجديدة متطلبات الحوكمة الرقمية، ومكافحة خطاب الكراهية، وضمان جودة وموثوقية المحتوى الإعلامي الإلكتروني.
ولا يمكن فصل الإصلاح التشريعي في قطاع الإعلام عن السياقات السياسية والأمنية الوطنية. فقد أكدت الورشة على ضرورة تحقيق توازن دقيق بين حماية الحريات الصحفية من جهة، ومتطلبات الأمن القومي من جهة أخرى، مع احترام الخصوصية الشخصية وحقوق الأفراد. ويتطلب هذا التوازن حوارًا جادًا ومفتوحًا بين الحكومة والإعلام، والمجتمع ، من أجل بناء بيئة إعلامية مهنية ومسؤولة؛ لا تخضع للتضييق أو التحجيم، ولا تنزلق في ذات الوقت نحو الانفلات الإعلامي أو التضليل الذي قد يخدم أجندات محلية أو إقليمية ظلت تتربص بالبلاد.
إن التحديات التي تواجه الإعلام السوداني اليوم تفرض إعادة تعريف لدوره ومسؤولياته، بما يتماشى مع التحولات السياسية والاجتماعية. فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح شريكًا في عملية البناء الوطني، ومراقبًا للسلطات، وموجّهًا للرأي العام. وكما قال الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل: “الإعلام هو السلطة الرابعة، وإذا غابت هذه السلطة، غاب معها الوعي الوطني”. هذا المفهوم يُجسّد الدور الحيوي للإعلام في تشكيل الوعي العام، والمساهمة في بناء الدولة.
لذلك ينبغي على الإعلام السوداني أن يتحمل مسؤولياته الجديدة بجدية، وأن يسعى لتحقيق توازن رشيد بين حرية التعبير ومتطلبات الأمن القومي، وبين المهنية والموضوعية. ففي ظل الظروف الراهنة، يُعد الإعلام أداة رئيسية في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال مكافحة الشائعات، وتجاوز خطاب الكراهية، ونقل الحقيقة والإسهام في إعادة بناء الدولة السودانية على أسس تعزز مفاهيم السلام، والحريات والتعايش السلمي.
وبالنظر إلى الواقع ، وما نراه من #وجه_الحقيقة، ومع تصاعد التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى تشريع إعلامي جديد يواكب التطور التقني، ويعزز الاحترافية والمهنية، ويضع أسسًا لصناعة إعلام مستقل وفعّال. إن السودان يقف على أعتاب تحول تاريخي يتطلب قانونًا لا يكتفي بالشكل، بل يُحدث فرقًا جوهريًا في المشهد الإعلامي، ويكون جزءًا من مشروع وطني أشمل لإعادة البناء بعد الحرب. وبين تطلعات الشعب وإرادة الفاعلين، تبقى الإجابة معلقة: هل نرى قريبًا قانونًا يليق بهذا الطموح؟
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 29 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com