مسعود الحمداني
samawat2004@live.com
"المُطبِّل" شخص يظهر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل المختلفة، يحاول أن يتذلّف ويتقرّب للمسؤولين، يكتبون أو يتحدثون بما تمليه عليهم مصالحهم، ويرمون ما سواه إلى البحر، يُزوِّرون الحقائق، ويقلبون صورة الواقع رأسًا على عقب، لا يهمهم سوى الكسب المادي أو حتى المعنوي- إن تعذّر عليهم كسب المال- يحاولون أن يصنعوا من الفأر أسدًا، ومن التراب جبلًا، ويثابرون في سبيل هدفهم ليل نهار، لا يهمهم مواطن، ولا يشعرون بأنّة محتاج، ولا يبحثون عن الحقيقة، قدر بحثهم عن مصلحتهم الذاتية، يكتبون ما يُمليه عليهم مسؤول فاشل، ويحاولون التقرّب إلى أصحاب الشخصيات المهزوزة كي يلمّعوا صورهم، ويضخمّوا إنجازاتهم، لأنَّ عملهم- أي هؤلاء المسؤولين- على أرض الواقع مجرد بيع الوهم للعامة.
"المطبّلون" هم آفة و"فيروسات" خبيثة، وأعداء للنجاح الحقيقي، ومتسوّلو الأضواء العالية، ومتسلقو ظهور أصحاب المناصب الباحثين عن التلميع الإعلامي، ولا يكاد يخلو مكتب مسؤول كبير في الدولة من واحد أو أكثر منهم، يتقرّبون إليه، وينفثون فيه روح المديح، ويجمّلون عمله، ويصفقون بحرارة لأفكاره وقراراته ومشاريعه الفاشلة، ويسلّطون أقلامهم على كل من يحاول تبيان الحقيقة، وإظهار عيوب العمل، وثغرات الإدارة لديه، ويتحولون إلى ذئاب شرسة تنهش الأعراض، والأشخاص الذين لا تربطهم بهم مصلحة، من أجل إرضاء مسؤولهم المفضّل، الذي يبارك أعمالهم، ويشد على أيديهم، وأقلامهم، وأفواههم.
وحين تدور الأيام، ويخرج ذلك المسؤول من منصبه، ويهبط من كرسي مكتبه، يتحول "المطبّلون" بسرعة البرق إلى المسؤول التالي، الذي يأتي بعده، ويغيّرون بوصلة اهتماماتهم، ولا يتورعون عن شتم المسؤول السابق، وهدم صورته، وتشويه شخصيته، وتقزيم أفكاره، فهم مجموعة لا يهمهم الشخص بقدر اهتمامهم بالكرسي، ولا يربطهم بالمسؤولين سوى المنصب الذي يشغلونه، فإن تقاعد هؤلاء أو ذهبوا انقلبوا عليهم، وكالوا لهم الذم، والسباب، وأظهروا ما لا يعرفه غيرهم، فهم أناس لا ذمة لهم، ولا ملّة، وليس لديهم صديق، ولا صاحب سوى المصلحة الشخصية، والتقرب من أجل نيل رضى المسؤول، وكسب ودّه أيّا كان.
ولعل آفة "المطبّلين" تظهر في تصديق المسؤول لمدائحهم وأكاذيبهم، وهنا تكمن الطامة الكبرى؛ فهؤلاء المسؤولون لا يرون عيوب أنفسهم، لأنهم محاطون بالمتسلقين، والمطبلين، والمنافقين الذين يحجبون الحقيقة، ولا يأتون بغير الجوانب الإيجابية من المشهد العام، أما الجوانب السلبية فلا يظهرونها، مخافة إزعاج المسؤول، وخوفًا من فقد حظوتهم لديه؛ لأن النقد بالنسبة له هو انتقاد لشخصه لا لعمله، ولأنه فوق مستوى الجميع علمًا وفكرًا، فهو لا يقبل الانتقاص من أفكاره، وقراراته، ومشاريعه التي ينفذها دون دراسة أو استشارة، ويعتقد أنه أعظم من مر على هذه المؤسسة، وأذكى من أتى في هذا المنصب، لذا فهو لا يعترف بخطئه، ولا يقبل بنقده، أو انتقاد عمله، وأدائه، فهو "يفضّل أن يسمع طنين أذنيه"، ولا يحب أن يسمع إزعاج من حوله، لذا يمثّل هذا "المطبّل" أداة ترفيه، وتسلية له، ومبررا يعينه على فشله، وكلما كثر "المطبّلون" في المنابر العامة، وفي مكاتب المسؤولين، تأكد تمامًا أن الأمور ـ تسير في اتجاه الانحدار، والفساد الكبير، فلا تثقوا كثير في مقولات المتزلفين، ولا تأمنوا شعارات حب الوطن التي يطلقونها؛ فالطبول التي يقرعها هؤلاء "المطبّلون"، قد تصم الآذان عن النقد البناء، وتعمي الأبصار عن رؤية المسار الصحيح لتقدم الدول في كل مجالات التطور والرقي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فقدان أمتعة المسافرين.. من المسؤول عنها؟!
يُخبرك الموظف المعنيّ بتسليم الأمتعة في المطار، وبكل هدوء، أنه لا توجد حقائب أخرى تخصّ الرحلة التي وصلت بها للتو. عندها، تتسارع خطاك نحو مكتب شركة الطيران التي سافرت على متن إحدى طائراتها، وإن لم يكن لها مكتب مخصص في المطار، تتجه فورًا إلى مكتب المفقودات لتقديم بلاغ رسمي بفقدان أمتعتك.
وبينما تنتظر دورك خلف أحد المسافرين، يفرغ الموظف المختص من استقباله، ويلتفت إليك طالبًا معرفة مشكلتك. تستعرض أمامه تفاصيل ما حدث، ليبلغك بعدها بأن تأخير الحقائب قد يستغرق يومًا أو يومين وربما أسبوعًا كاملًا. يوضح لك أن الأمر قد يكون ناتجًا عن عدم تحميل أمتعتك على الرحلة الأخيرة، خاصة وأن الطائرة التي استقللتها لم تتجه مباشرة إلى وجهتك النهائية، بل توقفت في بلد وسيط، ما تسبب في ضيق الوقت خلال تغيير الطائرات، وبالتالي لم يتسن لفريق الخدمات الأرضية تحميل جميع الحقائب في الوقت المحدد.
في تلك اللحظة المتأخرة من الليل، ومع الإرهاق والقلق، تتملكك الحيرة وتتساءل: كيف سأتدبر أمري الآن؟ فكل ما أحتاجه من متعلقات شخصية في تلك الحقائب التي لم تصل. يحاول الموظف تهدئتك ويؤكد لك أن الشركة ستتواصل معك فور وصول أمتعتك، داعيًا إياك إلى ترتيب أمورك مؤقتًا ريثما يتم إيجاد الحل.
يخالطك شعور بالضيق يلامس كل تفاصيلك، إلا أنك، رغم كل التشويش وغياب الرؤية الواضحة، تتمسك بخيط من الأمل في أن يتم العثور على أمتعتك خلال الساعات أو الأيام القادمة. فلا خيار أمامك سوى التوجه إلى الفندق الذي حجزت فيه، ومتابعة الاتصال بالمطار بشكل دوري لمعرفة المستجدات.
تخيّل الآن أن أمتعتك قد تم شحنها بالفعل في نقطة المغادرة، وتأكدت من تسليمها عند منضدة إنهاء إجراءات السفر ضمن الوزن المسموح به، ووصلت فعليًا إلى وجهتك برفقة زملائك، إلا أن حقائبك اختفت فجأة دون أي تفسير. ثم صدفة، تكتشف أن مسافرًا آخر التقطها وغادر بها صالة الوصول! وقد يحدث ذلك لعدم انتباهه أو لتشابه الحقائب، حيث يخمن البعض أن الحقيبة تعود له دون التحقق من تفاصيلها.
ومع أن هذا التصرف غير مقصود في كثير من الأحيان، إلا أنه يؤدي إلى إرباك كبير، وقد يعمد بعض المسافرين، بعد اكتشاف الخطأ، إلى التخلص من الحقيبة التي لا تخصهم بعيدًا عن الأنظار، بدلًا من إعادتها إلى إدارة المطار، ثم يعودون لالتقاط حقائبهم الحقيقية وكأن شيئًا لم يحدث.
وفي محاولة للحد من هذه الظاهرة، شرعت بعض سلطات الطيران المدني في عدد من دول العالم إلى تطبيق إجراءات رقابية صارمة، تقضي بعدم السماح لأي مسافر بمغادرة صالة الوصول إلا بعد التأكد من مطابقة رقم الحقيبة مع البطاقة المخصصة للراكب، الأمر الذي ساعد بشكل كبير في الحد من حالات فقدان أو سرقة الأمتعة.
إن فقدان الأمتعة يُعد من أكثر المواقف إحراجًا وإرباكًا لأي مسافر، خاصة عند الوصول إلى وجهة طال انتظارها. وفي أحيان كثيرة، تصل الحقائب وهي تحمل آثار تلف مثل انكسار العجلات أو تلف في جسم الحقيبة، وإذا ما أراد المسافر المطالبة بالتعويض، يجد نفسه في متاهة من الإجراءات المعقدة والمماطلات من قبل بعض شركات الطيران، التي قد تعرض عليه إصلاح الضرر بعد فترة طويلة، دون أن تنصفه بالقدر الكافي.
قضية الأمتعة لا تزال من أكثر القضايا إثارة للقلق والحيرة، خصوصًا خلال موسم السفر والسياحة، حيث لا يمتلك جميع المسافرين القدرة على التعامل بمرونة مع إجراءات الشركات، ويقع البعض ضحية لإهمال الآخرين أو لتصرفات غير مسؤولة من بعض الركاب الذين يعبثون بحقائب لا تخصهم.
وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما تُسرق الأمتعة عمدًا من قبل أفراد غير أمناء، سواء من الركاب أو حتى من بعض الموظفين في المطارات، وقد وثّقت العديد من المقاطع المصورة هذه التصرفات المؤسفة في مطارات مختلفة حول العالم. لذلك، يُنصح دومًا بعدم وضع أي أموال أو مقتنيات ثمينة داخل الحقائب المشحونة، بل الاكتفاء بوضعها في حقيبة اليد المرافقة للمسافر.
ومع اقتراب موسم الإجازات الصيفية، وازدياد حركة السفر، من المهم أن يولي المسافرون اهتمامًا بالغًا بتفاصيل السفر ومتعلقاته؛ لتجنب الوقوع في مشاكل يمكن تفاديها بقليل من الحذر والانتباه. ويبقى السؤال قائمًا، دون إجابة قاطعة: هل فقدان أمتعة المسافرين هو مسؤولية شركات الطيران، أم تقصير من بعض الركاب أنفسهم؟.